وسطية التطرف
ندى الطاسان
كيف تصنع عقلاً متطرفاً؟ وقبل أن أجيب على هذا السؤال أو أستمر في الأسئلة، أعتقد أننا نتفق جميعاً بأن للتطرف صوراً مختلفة وهو لا يتعلق بنموذج واحد أو تيار فكري واحد ارتبط في أذهاننا فالتطرف يأخذ اتجاهات مختلفة قد يكون يميناً أو شمالاً قد ينمو في كهوف "تورا بورا" أو في مقهى هادئ في شوارع يغطيها الثلج أو يغسلها المطر.
لذلك لنحاول أن نتعرف على سمات العقل المتطرف؛ هو عقل أحادي الرؤية وأحادي التفكير، بمعنى أن منظار رؤيته للأمور وتقييمها منحاز لزاوية معينة لا يحيد عنها ولا يرى غيرها، لذلك هو قابل للقولبة. وهو أيضا قد لا يتبع المنطق في تفكيره ولذلك هو قابل للسيطرة والانسياق وراء أي فكرة حتى لو لم تكن مناسبة أو معقولة.
لكن ما السبب في أحادية الرؤية هذه؟ هل تنتج من قلة المعرفة، انعدام التجربة والشح الثقافي وعدم القدرة على استيعاب ثقافات أخرى وأفكار أخرى وأطياف بشرية أخرى؟ التطرف الفكري يتلازم أحياناً مع العنجهية العقلية، فصاحبه يعتقد بأنه وحده يملك الحقيقة والرأي السليم لذلك يتطرف في اعتقاده بأفضليته على الآخرين وبتملكه الحقيقة وحده دون غيره. لكن كيف يصل لهذه القناعة رغم أن كل ما حوله يشير لغير ذلك ويشير لوجود أنماط فكرية مختلفة ومتنوعة؟
حرمان العقل من مصادر المعرفة بأنواعها المختلفة ومنعه من التواصل الفكري والثقافي يحرمه من فرص معرفية كثيرة ويمنعه من تعلم منهجية التفكير. هل يعني هذا أن عقولنا تكتسب وتتعلم التفكير والتعامل مع ما حولها من معطيات؟ هذا السؤال هو محل نقاش علمي بين من يرى أن طبيعة الإنسان تفرض عليه طريقة تفكيره ومن يرى أن التفكير يلزمه أدوات معينة تبنى عليها مهارات معينة تتطور كلما كبر الإنسان وزاد تعليمه ومعرفته، فهل يمكننا أن ندرب العقل على التفكيرالسليم؟ يمكننا أن نهيئ للعقل المساحة لينمو فكرياً ونوفر الأدوات التي تساعده على التفكير والنضوج ليتعامل مع ما حوله برقي وتفهم بعيداً عن الانحياز الفكري الذي يدمره. لا تستطيع أن تطلب من عقل "منحاز مقولب" أن يحاول أن يستمع لصوت غير صوته بدون أن يقابلك بصراخ وتجييش واتهامات فقط لأنه لم يتعود على التنوع على الاختلاف، لا تستطيع أن تطلب من عقل جاف أن يأتي بالأفكار ولا أن ينجز في عمل ما ولا حتى أن يستمتع بقطعة أدبية أو عمل فني ويقدرهما التقدير المناسب، لا تستطيع أن تطلب من عقل برمج على الكراهية أن يرى الجمال فيما حوله ويتوقع الطيب والخير من الآخرين ويعاملهم بمحبة واحترام إذا لم يتعود على ذلك. لذلك قد تجده حتى في وسطيته متطرفاً، لأنه لا يملك أساسيات التفكير ولا المعرفة التي تذكره بأنه كائن صغير لا يملك الحقيقة المطلقة فهو نقطة في بحر. وتجده لا يملك القدرة على التواصل مع الآخرين بدون رميهم بتهمة الرجعية أو الانحلال وما أكثر التهم!
المصدر: الرياض.