التجديد في خطاب تفسير القرآن

د. هتون أجواد الفاسي

    كنتُ قد توقفت في مقالي المعنون "تجديد الخطاب الإسلامي" عند قضية دور الخطاب الديني في تشكيل وعي المجتمع بدور المرأة أو دونيتها أو أهميتها أو أهليتها. وذكرتُ أن النظر في هذه القضية يتطلب النظر في مرجعية هذا الخطاب وما إن كانت بالفعل الإجابة التي درجنا عليها "الكتاب والسنة، الشريعة الإسلامية"، هل نحن نتحدث حقيقة عن الكتاب والسنة أم على الفعل البشري في التعاطي مع الكتاب والسنة؟

مع الأخذ بعين الاعتبار أن هذا موضوع تناوله الكثير من المفكرين المعاصرين الذين قدموا مراجعات مهمة للتراث الإسلامي مثل حسن حنفي أو محمد عابد الجابري أو فضل الرحمن أنصاري وغيرهم، إلا أننا نحتاج بين الفينة والأخرى إلى إعادة تناوله وتبسيطه ليصل إلى جمهور الناس.

لنبدأ بالكتاب، كتاب الله وكلمته إلى أمة المسلمين التي بلغها إيانا المصطفى صلى الله عليه وسلم. فهذا نص نزل على رسول الله على مدى ثلاثة وعشرين عاماً، ثلاث عشرة سنة منها في مكة المكرمة وعشرٍ في المدينة المنورة، وكانت تُسجل آياته في الصدور وعلى وسائل الكتابة المتاحة آنذاك، جلود، بردي، عظم. ويروي التاريخ الكثير حول آلية تسجيل القرآن وتسطيره وجمعه من صدور الصحابة ومراجعته حتى حفظت نسخته الوحيدة الكاملة عند السيدة حفصة في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، وما تلا ذلك من إعادة النسخ في عهد سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه الذي أرسل بعد ذلك نسخة إلى كل قطر من الأقطار الإسلامية الممتدة.

ومما يتصل بالقرآن وفهمه عدد من العلوم منها التفسير وأسباب النزول والناسخ والمنسوخ والقراءات والمعاني والتي تخضع للكثير من القوانين والغربلات وصنف فيها العلماء الكثير ليضبطوا صحتها بالتزام ما يلتزمون به في رواية الحديث من تحقيق السند والرواة والمتن من علوم متصلة بالجرح والتعديل وغيرها.

والتفسير يخضع لقائمة متشعبة من المذاهب الفكرية في التفسير، فمنها التفسير بالمأثور والتفسير بالرأي، وتحت الأخير تأتي الاتجاهات الفقهية والأدبية والموضوعية والتحليلية والإجمالية والعلمية، والمطلق والمقيد، والمجمل والمفسر والمحكم والمتشابه ما ينوع الناتج من التفسير.

ويعتبر عبدالله بن عباس رضي الله عنهما المتوفى عام 66ه هو رائد التفسير وحبر الأمة في ذلك ولكنه لم يصنف وإنما نقل تفسيره للآيات عنه إلى كتب التفسير والحديث المختلفة، وتعتبر أطروحة الدكتور عبدالعزيز الحميدي في جمع تفسير ابن عباس من جامعة أم القرى من أكثر الدراسات شمولاً وتحليلاً.

ويعتبر ابن جرير الطبري المتوفى عام 310ه هو من أول من صنف في تفسير القرآن في كتابه "جامع البيان عن تأويل القرآن" كتصنيف مستقل قائم بذاته. ثم تتالت كتب التفسير عبر العصور تعيد ما سبق أو تفصل أو تجمل وفق مذهبها الفكري المعتمد لديها.

وقد دخلت على التفاسير الكثير من الروايات المكذوبة والإسرائيليات التي وصلت المسلمين عن طريق أهل الكتاب الذين دخلوا في الإسلام ما خلط كثيراً من القصص والمعاني التي تطلبت من كل عالم يلي من سبقه أن يغربل ما يتضح له اختلافه أو أنه دخيل.

وأبسط مثال على هذه الإشكالية تفسير قصة الخلق وقصة آدم وحواء. فمن المعروف أن القرآن برأ حواء من إغواء آدم في الجنة للأكل من الشجرة ونسبها إلى الشيطان الذي أغواهما سوية "فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه"، بل وإن الله يُفرد كلمة العصيان بآدم، "وعصى آدم ربه فغوى"، وغيرها من الآيات التي تتصل بهذا الموضوع. لكننا نجدها أن من كتب التفسير ما يعود إلى الرواية التوراتية التي تتحدث عن الحية التي وسوست لحواء ومن ثم وسوست حواء لآدم. وقد أخذت هذه الصورة أبعاداً مكثفة من خلال المأثور الشعبي وكتب التراث بحيث ترسخت في المخيال الثقافي للمسلمين لإلقاء تهمة إخراج البشر من نعيم الجنة.

ربما استطردت في الأمر لكن المراد هو توضيح أن كتب التفسير ما هي إلا محاولة البشر لفهم ما يعنيه الله سبحانه وتعالى وفيه اختلافات وآراء متعددة ينبغي أن نطلع عليها كلها ونجتهد عصرنا أيضاً، ذلك أن القرآن لم ينزل لزمن واحد وإنما إلى أن تقوم الساعة. أي أن تفسير القرآن بحاجة إلى الإعادة والاستزادة لمحاولة إدراك المعاني الكامنة في كلام الله سبحانه وتعالى دون أن نعتبر أن ما قاله ورآه الأولون كاف أو منتهٍ.

المصدر: http://www.alriyadh.com/2014/01/26/article904256.html

 

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك