أزمة الفكر(الانسان) العربي في زمن التحولات الكبرى

د. فايز بن عبدالله الشهري

    يعيش الإنسان العربي في هذا الزمن وسط معمعة التحولات الكبرى التي تحاصره في ذاته وتترصّده في محيطه الصغير وبيئته الكبرى. هذا الانسان الذي ظلّ ردحا طويلا ينتظر ويتأمل تحقيق طموحاته وتحسين معاشه يجد نفسه اليوم في حالة غربة حضاريّة وفكريّة جراء التيه الفكري الذي قادته اليه موجات عنيفة متتالية من التضليل العبثي التي تعهّدت بثّها الفرق الخادمة لمغامرات المتصارعين على السلطة ومن السلطة مع ذاتها وخصومها.

بعض الواقع العربي الذي تعرضه الشاشات وكثير مما لا تستطيع عرضه اليوم يؤكد ذات الحالة ويقدم للأجيال الجديدة صورة كالحة المنظر لمصير كان جميلا وهو في علم المجهول.

وهكذا حينما يخرج الانسان العربي اليوم الى الشارع متسائلا ومحتجا او حتى باحثا عن لقمة العيش يجد نفسه مطوّقا بالشعارات المعلقة على الجدران أو ملاحقا بها من خلال مكبرات الصوت والشاشات الراجمات لكل فتنة.

وما يثير الهموم أن كثيرا من مسائل الصراع العربي- العربي لم تعطل التنمية فقط بل عطّلت الفكر العربي عمّا ينبغي أن يتصدى له من مهام ومن أبرزها المساعدة في الخروج من حالة الشلل الحضاري وتحويل موارد ومقدرات الأمة الى أدوات وعناصر إنتاج وبناء.

الواضح أن (أمناء) الفكر العربي أهملوا أدوارهم الواجبة وانشغلوا وأُشغلوا في مهام الابداع في خطب التسويف وقصائد التبرير والبلاغة في اصطناع التحديات التي تواجه (الشعب) والأمة! وفي حين مضت كثير من شعوب الأرض في تنظيم شؤونها وصناعة أدوارها الحضاريّة قعدت الشعوب العربيّة تتابع الأحداث ثم هي إن انفعلت انطلقت هاتفة في مسيرات (بالروح بالدم) وراء هذا (الملهم)، وذاك (التاريخي).

هي ..هي .. أزليّة البحث عن الحل في غير مكانه وبذات أدوات الفشل التي تتكرّر في كل زمن وصقع عربي. والنتيجة أن الانسان العربي حينما يتلفّت فإنه يرى من حوله كيف سارت حظوظ الشعوب التي حسمت مسارات علاقتها مع المختلف والمتفق معها، ووضعت الأطر القانونيّة والأخلاقيّة لنظام حياتها فيتحسّر على حاله ومآله. هو يرى كيف نظّم (الغرب) مثلا علاقات شرائحه فأعطى (الفرد) (حريّة) ومنهج المشاركة، ومنح (المجتمع) (حق) محاسبة وتقويم المسار من خلال المجالس والجمعيات والاتحادات والجميع يحتفون بالفكرة ويحتفلون بالنتيجة.

وحينما يفكر ويراقب الانسان العربي نتائج استيراد بعض هذه التجارب الإنسانيّة وكيف لم يخرج التطبيق العربي في أحسن حالاته عن (مأساة) مأسسة الفوضى وتكريس العصبيات والانتماءات التي (شرعنت) لكل فصيل وتيّار فرصة التربّص بخصومه منتظرا ساعة التصفية وباسم الشعب في كل مرّة.

في ثلاث سنوات عربيات عجاف انكشف عمق الفشل العربي حتى في تقليد نماذج إنسانيّة مكشوفة المدخلات مرصودة المخرجات.

نعم لم ينجح أي تجمع عربي باسم الديمقراطيّة أو حتى بعنوان مجلس منتخب في تكريس فكرة الاجتماع من أجل (الوطن) أو تعزيز (وحدة المجتمع)، أو حتى رسم صورة أكثر أمناً (لمستقبل) أجيال لا تعلم اين تسير بين ضجيج أصوات (تدعوها) للموت وأخرى (تدعو عليها) بالموت.

* قال ومضى:

من لا يراجع صفحات التاريخ لا يملك أن يرسم لوحات المستقبل.

المصدر: جريدة الرياض.

 

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك