غسيل مخ
محلل نفسي أمريكي من أصل ألماني،"إريك فروم" تدرج في دراسته من الفلسفة إلى التحليل النفسي، ليؤكد أن الإنسان ليس نتاجاً لإرثه البيولوجي بل لموقعه الثقافي، واتخذ موقعا نقدياً من المجتمع الاستهلاكي.
قائلاً: ( يجب حظر كل أساليب غسل المخ المستخدمة في الإعلانات السياسية والصناعية، فخطورة تلك الأساليب لا تقتصر على دفعنا إلى شراء أشياء لا نريدها، ولسنا بحاجة لها، وإنما في الحقيقة هذه الأساليب جعلتنا غير مالكين لقدراتنا ).
و لكن وابل من الإعلانات التجارية تلاحق الفرد في كل الوسائل المرئية والسمعية والمقروءة حيثما ذهب، إضافة للضجيج والفوضى التي تحدثه، والتي تُقدم بلا دراسة أو إعداد جيد خاصة في الشرق الأوسط، بل هو تشويش على صفاء الذهن والإدراك، و الجدير بالذكر أن هناك دراسة نفسية استقصائية أثبتت أن هذه الأساليب الإيحائية المستخدمة في الإعلانات التجارية والدعاية السياسية تعد خطرا كبيرا على الصحة العقلية، والتكرار المستمر لهذه الإعلانات سبب لتعطيل ذكاء الإنسان وعمل متواصل على تشتيت تركيزه.
لقد آمن الكثير أن الحياة تعني شراء الوقت من أجل الاستحواذ على الفرص، لكي يحقق الفرد المعجزة التي طالما أسس قواعد قوية لتنفيذها، فإذا تم تعطيلها في مجتمعات تقوم على تنافس اقتصادي غير نزيه، تبعثرت الأهداف وتغير مسار الاتجاه الكامل للحياة. فينبغي أن تقدم نفسك حسب عمق التقنيات المعتمدة، فإذا أوجدت القيمة للهدف، مضيت دون تردد، لأن الأثر الإيجابي يخلق عالماً يتجاوز الواقع وينعكس على النتائج. فليس للشيء في الحياة معنى إلا إذا أقدمت عليه وهو محكم الجوانب والمعارف والقناعات، فعندما يتراجع الاعتقاد يتضاءل الإيمان به ويصبح وجهات نظر عابرة سرعان ما تزول.
ولا ريب إن تدهورت بعض العوامل الاقتصادية التي تأثرت بواقع التنظيمات وانعكس أثرها على الموارد البشرية، فضلا عن ذبذبة جودة الأداء، ولذاك؛ فإن ما جرى قد غيّر علاقة الناس بالسوق، لأن خصائص كثيرة لم تعد فاعلة لا من حيث الأرباح والخسائر، ولا من حيث المهام التي اعتمدت على الدعاية والإعلان رغم مطالبتنا بالتحرر منها لكي لا يتم التلاعب بالوعي فضلا عن غسل المخ المؤدلج.
بينما اقتضى المناخ الأخلاقي الصناعي في المجتمعات العربية التبعية الاقتصادية والسير خلف الأسماء والمؤسسات والشركات، ومسلسل من الإشكاليات التي تعارضت مع العقلانية الاقتصادية العالمية، حتى عبر الناس جسورا معلقة مبهمة الأهداف، وادى ذلك إلى تقدير متدنٍ يركن إلى النقد أكثر من الرضا التام.
إذن فما هي المظاهر المعبرة عن هذا المقتضى الاقتصادي في الحياة اليومية للإنسان المعاصر، وماذا يُفهم من هذا السياق، هل الإنسان رهن للموروث الثقافي وليس البيولوجي حسب رؤية "فروم" ؟، أم أن الإنسان ظل رهنا للحدود الأخلاقية والمادية التي أصبحت مرئية ومعلنة، ولا تتعلق بالإحساس الجمالي أو الرؤى الواضحة، ثم وظف الناس وفقا للمصالح، و ليس لهدف إضفاء معنى على الوجود الإنساني وسيادته، بقدر ما يدفع به نحو إعلانات ودعايات لكل مستلزماته بما فيها شخصه كرجل عامل ومسوّق لذاته، فلم يعد للأسف بوسعنا إلا شرب الترياق لعلاج هذه الاعتقادات والتبعية الموهنة والهالات الإعلامية التي تحيط بها. بيد أننا إزاء تغير تشهده الساحة الاقتصادية في العالم على النقيض من هذه النظرة الضيقة، مما أوجد إجابات غير مكتملة يستدعي معظمها التعليل لملايين الأسئلة.
المصدر: http://www.alriyadh.com/2014/01/11/article900114.html