خطبة أبي عبدالله الصغير الأخيرة

                                                                                                    د. زياد آل الشيخ

    يقول الراوي: عندما سلم الغالب بالله أبو عبدالله محمد الثاني عشر مفاتيح غرناطة وقف على تلة تطل على قصر الحمراء وحي البيازين، فأطلق زفرته وهو يرى الطيور تحوم حول مئذنة المسجد الكبير ورائحة الريحان تلف طرف عباءته ببنانها المخضب بالدمع. كان يرى أمه عائشة الحرة تنظر إليه من بعيد وأبناء عمه ووزرائه يحفونه من كل جانب. كان أبو عبدالله الصغير يرى حاجبه يوسف بن قماشة الذي سلمه رهينة مع خمس مئة من بني عمه وأبناء غرناطة. جنود قشتالة كانت تحيط بالجميع مثل حلقة حول عنقه النحيل وكأنها تخنق صوته الذي تهدج مبحوحا وهو يخطب قائلا:

 

اصنعوا قمراً من قناديل عمري

وغنوا له كلما مر في ماء نافورة

واصنعوا وترا من دم البرتقال لتنزل غرناطة بثياب مقلمة بالفواكهْ 

واقذفوا حجراً في كلامي

وقولوا له: لا تخفْ، لا تخفْ

سنقيس بك البئر بئر الحكاية

حتى يعود الهديل إلى عشه في الندى 

واصقلوا كل ريحانة بالأذان الطويلِ

إلى أن تصير الورود قبائل

إن الأذان يربي الرياحين فيكم

فلا تعصروا عنب الوقت قبل الأوانِ 

ولا تتركوا نجمة في المناديل تخفقُ

حتى تصلوا صلاة الأخير فنعناع أحلامكم فائحٌ

ثم إن منازل أشواقكم حبقٌ جبليٌ

وليست بعيدة مهوى المجازِ 

ولا تشرقوا بمطالع أشعاركمْ

ولكن أعدوا زبيب النثيرة في طبق خشبيٍّ

وذوقوا حلاوته حبةً حبةً

ثم ذوقوا-وجيرانكم- فلفل الغيبِ 

 

ثمة صبحٌ يسن مخالبه  

خبئوا نخلكم في السراديب حتى المغيبِ

ولا تقرأوا العربية في السوق ِ

أما عصافيركم فادفنوا صوتها في الكلام السريع

ولا تفتحوا الباب إلا لرائحة البحرْ

 المصدر: http://www.alriyadh.com/2014/01/11/article900114.html

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك