المستقبل العربي سيكون حصيلة جهود التيارات والقوى الحية في الأمة

في البداية، لا بد من التنويه بأن أحداً او طرفاً، لا يمكن أن يمتلك بمفرده مهما كان شأنه ودوره تصوراً شاملاً للمستقبل العربي المنشود، لان هذه المهمة هي حصيلة كل الجهود الفكرية والسياسية والعلمية والشعبية النضالية، التي تشترك فيها كل التيارات والقوى الفاعلة الحية في الأمة وأنا على قناعة راسخة بن شعبنا العربي، من خلال معاناته وتجاربه التاريخية والسياسية وتراثه الحضاري العريق، سيتمكن من انتزاع زمام المبادرة وتقرير مسار الاحداث والتطورات وبالتالي التعبير عن طاقاته الابداعية في العديد من المجالات، وتغيير الواقع العربي الراهن المتردي سياسياً واقتصادياً وثقافياً وعلمياً، والرد على التحديات المختلفة الكثيرة التي تواجه وحدة الوجود والمصير والمستقبل العربي. 

ومن باب الاجتهاد, اعتقد بان محاولة استشراف آفاق المستقبل لا يمكن ان تكون بمعزل عن معرفة الماضي وتجاربهما ونتائجهما المتحققة تاريخياً وراهناً. 



لن نتخلى عن ثوابت وأهداف شعبنا وأمتنا العربية 



لن ألجأ، كما يفعل الكثيرون في هذه الايام، بحكم تسارع التطورات والتغييرات والاحداث العالمية والاقليمية والعربية (علاوة عن انعدام الرؤية او الهوية) الى التخلي او الكفر بثوابت واهداف شعبنا العربي الفلسطيني وأمتنا العربية، لانها لم تتحقق في ظل ظروف صعبة أو خلال حقبة سياسية محددة بفعل عوامل عديدة، موضوعية وذاتية. 

صحيح أن الأزمة التي تعيشها الامة العربية، تبدو وكأنها مستعصية على الحل، وأن كل الأهداف التي آمنت بها الأمة وناضلت من أجلها غير قابلة للتحقيق. 



التحديات والتعقيدات تحفز فينا روح المبادرة واليقظة والعمل 



إلا أن التعقيدات والصعوبات التي يواجهها النضال العربي، يجب أن لا تدفعنا الى الحيرة والتردد والاحباط، أو الانتظار والتراجع، بل ينبغي أن تحفز المناضلين الحقيقيين بروح المبادرة واليقظة والعمل على استنهاض وتحشيد طاقات الأمة لمواجهة الاعداء، والرد على التحديات المختلفة، وإجراء مراجعة شاملة وعميقة وعلى كل المستويات لحركة التحرر العربي من أجل استخلاص الدروس والعبر لتحصين المشروع القومي من أخطاء الماضي، في المجال الفكري والسياسي والتنظيمي والكفاحي والثقافي والاقتصادي، وعلى الصعيدين القطري والقومي. 

فنحن اليوم أحوج ما نكون الى ضرورة الربط بين اهداف النضال، وبين أهمية الوعي المعرفي لمواكبة التطورات والمتغيرات والاحداث، مما يجعلنا أكثر قدرة على تحقيق أهداف شعبنا وأمتنا وليس التخلي عنها كما يفعل الخونة والمهزومين. 



سياسة اللون الرمادي (اللعم): تبرير للخيانة وتمييع للمواجهة 



وهنا لا بد من التنبيه الى المخاطر الناجمة عن اللون الرمادي أو عملياً "اللالون" وما يرافقه من تنظيرات وذرائع شتى تتحدث كلها عن صعوبة اتخاذ مواقف واضحة تجاه قضايا مصيرية ومبدئية.. وضرورة مراجعة صحة الثوابت والاهداف الوطنية والقومية.... الخ. 

إن "الرمادي" أو سياسة (اللعم ـ اللا والنعم) في آن واحد، هي سياسة عمى الالوان وتبرير الخيانة والتفريط وتمييع المواجهة واحباط الشعب. والمؤسف أن بعض هذه القوى كان قد نصب نفسه في مرحلة صعود المد الجماهيري للقيام بدور (الطليعة) وأكثر من الحديث عن دور (الرؤية العلمية) و(الاستراتيجية والتكتيك وضرورة التخلص من العفوية).. والخ.. لكن كل ذلك جرى تناسيه، لكونه لم يكن سوى شعارات وكليشيهات مجردة، وليس وعياً تاريخياً وسياسياً، حيث ان بعضهم لا يجرؤ على تسمية وتوصيف ما يجري على الساحة الفلسطينية من خيانة لفلسطين وللأمة العربية بما تستحق من كناية وتوصيف دقيق وهو الخيانة التي لا لبس حولها.



المصاعب محك للوعي وإرادة النضال وطاقات الأمة 



لا شك أن نضال شعبنا العربي الفلسطيني وأمتنا العربية، يمران في مرحلة حرجة وصعبة فقضية فلسطين تتعرض اليوم على يد زمر خائنة الى التصفية، والهوية القومية العربية مهددة بالتبديد من خلال مشروع (النظام الشرق أوسطي)، الذي يسعى لاقامة المعسكر الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة الامريكية على حساب الحقيقة القومية العربية التاريخية والحضارية والثقافية والسياسية (والمصلحة القومية الوحدوية). 

إن كل هذه التديات الخطيرة إنما تتطلب وعياً عالياً، وإيماناً عميقاً بقدرات وطاقات أمتنا العربية، وإرادة صلبة، وثقافة صراع. 

إن المصاعب والتعقيدات هي محك لقدرة الوعي وإرادة النضال، ألم يقل المثل الشعبي عندنا إن (المصاعب هي محك للرجال؟)، وعليه فهي قطعاً ليست مناسبة للّطم والتيئيس وزرع الارتباك، بل وتسويغ الاستسلام كما يبشر البعض راهناً. 



نضال الأمة لتحقيق أهدافها عملية تاريخية 



واستطراداً، هل تصورنا أن نضال أمتنا مجرد نزهة قصيرة، وليس عملية تاريخية طويلة معقدة، تتضمن التقدم والتراجع على خط غير مستقيم؟ وهل كانت كل التضحيات وآلام ومعاناة شعبنا الفلسطيني وأمتنا العربية بلا جدوى؟.

ألم نسقط حلف بغداد؟ (النظام العسكري السياسي والاقليمي الشرق أوسطي في الخمسينيات)؟ ألم نجبر الاستعمار الغربي القديم على الانحسار عن بلادنا؟ ألم نهزم العدوان الثلاثي على مصر؟ ألم نجبر العدو الصهيونين والاطلسي على التراجع والانكفاء في لبنان؟ ألم نسقط اتفاق 17 أيار؟ ألم نهز الارض اليوم تحت أقدام الغزاة الصهاينة في فلسطين بفعل الانتفاضة البطلة؟. 

إن النضال هو عملية تراكمية، فالحرب ليست جولة واحدة أو عدة جولات أو معارك، الحرب عملية تاريخية تختبر فيها الأمة كل طاقاتها الفاعلة ضد عدوها التاريخي، ومعلوم أن طاقات جماهير أمتنا العربية لم يتم زجها بعد في الصراع مع العدو الامبريالي الصهيوني لأن العديد من الانظمة والقوى العربية تخشى جماهيرها أكثر مما تخشى العدو الصهيوني وبالتالي تحول دون تنظيمها وتسليحها وزجها في هذا الصراع. 



التاريخ الحضاري والكفاحي لأمتنا لا يعرف الاستسلام والتكيف 



وينبغي ألا نقلل من أهمية هذه المسألة، حيث تخاض الآن معارك هذه الأمة نيابة عنها من قوى غير مؤهلة للنصر، إذا شئنا ان ندرك أن قد أمتنا العربية العريقة بحضارتها وثقافتها وأمجادها، ليس الاستسلام والتكيف، بل المقاومة والانتصار والتطور والابداع. 

إن تاريخنا العربي حافل بالمآثر الكفاحية البطولية، والتحدي وبرفض الرضوخ للمحتلين والغزاة، وهي لكثرتها تكاد لا تحصى. فهل استطاع الفرنجة مثلاً أن يصمدوا في فلسطين وبلاد الشام رغم بقائهم حوالي (200) سنة؟ وهل استمر الاحتلال التركي الذي حكمنا (400) سنة؟ هل استكان يوماً شعبنا في فلسطين للغزاة الصهاينة؟ هل استكان شعبنا في الجزائر، أو في باقي أقطار المغرب العربي أو المشرق العربي للاستعمار الغربي؟. 

لقد كان لكك عصر من العصور التي شهدتها أمتنا العربية قضاياه الرئيسية (حلقاته المركزية) التي ترتبط جدلياً بمجموع القضايا والمشاكل المختلفة، وحيث بدون كسر هذه الحلقات المركزية يصعب تحقيق الاهداف الاخرى، فكيف يرسم معالم المستقبل؟. 



مركزية الصراع العربي ـ الصهيوني في المشروع القومي النهضوي 



وفي عصرنا الراهن احتل الصراع العربي ـ الامبريالي الصهيوني الحلقة المركزية في نضال الأمة العربية، فقد جس تاريخياً وسياسياً إرادة التحدي لدى الامة واتخذ طابعاً اجماعياً جماهيرياً توحيدياً، وارتبط جدلياً بالنضال من أجل تحقيق الوحدة العربية، وتحرير فلسطين من أداة التبعية والهيمنة الغربية (الكيان الصهيوني). 

كما أنه يشترط تحقيق الديمقراطية ضمن إطار الصراع ضد أعداء الأمة ومن أجل حشد الجماهير العربية وإطلاق طاقاتها في معركة التحرير والدفاع عن قيم العدالة والمساواة والإنسانية التي تجسدها القضية الفلسطينية باعتبارها قضية تحرر وعدالة.. وحق قومي ثابت، اذا تم التفريط به يسهل التفريط بالأهداف القومية الأخرى، وكنتيجة للخضوع لاملاءات العدو الامبريالي ـ الصهيوني. 

إن الصراع العربي ـ الصهيوني هو الحلقة المركزية في نضال الأمة العربية والتي تستقطب منطقياً وجدلياً وواقعياً. ذلك لان المشروع الصهيوني شكل رأس جسر على أرض فلسطين ليمنع بالقوة، قيام أية وحدة عربية، ولتثبيت التجزئة واستنزاف طاقات الأمة واضعافها وضرب أية محاولة لنهوضها وتطورها. 

فالمشروع الصهيوني في أساسه، هو مصلحة استراتيجية استعمارية تم وضعها إثر محاولة محمد علي التوحيدية للوطن العربي في القرن التاسع عشر، ولمنع تجدد المحاولات التوحيدية، المانعة للوحدة العربية. 

لذا فان الموقف الصحيح من قضية فلسطين هو المدخل الصائب لخروجنا من أزمتنا التي تزداد استفحالاً كلما تخلينا أكثر عن هذه القضية. الموقف الصحيح يعمق الأمل وروح النضال والحلم فينا لتحقيق أهدافنا القومية في التحرير والوحدة والديمقراطية والتقدم الاجتماعي وبالعكس، فالموقف الخاطئ من قضية فلسطين (فما بالك بالتفريط؟) يعمق من أزمتنا، ويهدد الهوية القومية، ويجزئ المجزأ من الأقطار العربية طائفياً ومذهبياً. 

إننا نرى بوضوح ان عملية تحرير فلسطين ليست مهمة الشعب الفلسطيني وحده، بل هي المشروع القومي الشامل مهمة الأمة ضد المشروع الامبريالي الصهيوني، والتي تتطلب حشد وانتظام جميع عناصر قوة الأمة: طاقاتها البشرية، وثرواتها الهائلة، وموقعها الاستراتيجي، واستلهام تراثها الحضاري والكفاحي في مواجهة كل الغزاة والطامعين عبر التاريخ. 

إن دور الشعب الفلسطيني هو دور الجزء الذي يتحمل مسؤولية خاصة في استمرار المقاومة وعدم الاستسلام (لكون المشروع الصهيوني يهدد مباشرة وجوده وهويته وأرضه)، لكن الأمة العربية كلها مهددة بهذا المشروع، الذي اتخذ من أرض فلسطين قاعدة ارتكاز لفرض نفوذه وسيطرته وتوسعه، وفرض استراتيجية الهيمنة الغربية على الوطن العربي. 





جدلية علاقة التحرير بالديمقراطية والوحدة والعدالة الاجتماعية 



إن عملية تحرير فلسطين تطرح قضية المجابهة الجدية للهيمنة الامبريالية والتخلف والتجزئة وتحقيق الديمقراطية من خلال عملية الصراع وليس من خارجها، كما يحلم بعض الموهومين والمضللين والمستسلمين في هذه الأيام، فتحرير فلسطين هو القضي المفتاحية لتحرر وحدة وتطور الأمة العربية، وحيث لن يتم ذلك بدون حشد ومشاركة وتفاعل طاقات وامكانات الجماهير العربية ضمن إطار علاقات ديمقراطية مجتمعية، وعبر نضال معقد وصعب يتم فيه بناء الانسان العربي القادر على التحرير، أي انطلاقاً من التعامل مع الإنسان العربي كقيمة وليس كوسيلة استخدامية، لان جدل علاقة التحرير بالديمقراطية يؤدي الى الثقة بالانسان العربي وبقدرته على التحرير بإزالة أبرز العوائق التي زرعها الاستعمار في قلب الأمة العربية (الكيان الصهيوني) لكيتظل عاجزة مجزأة، مهددة، غير واثقة من حاضرها ولا تقرر مستقبلها بنفسها. 

وعلي فإن معركة التحرير هي معركة الجماهير العربية، معركة الديمقراطية الحقيقية معركة الثقة بالذات القومية، معركة تحقيق العدالة الاجتماعية واستعادة الحق التاريخي القومي، معركة القيم الإناسنية وتجديد الدور الحضاري الفاعل للأمة العربية في مسار التطور العالمي. 

ولأن قضية فلسطين هي قضية الحق والعدالة، قضية النضال ضد قوى العدوان والظلم والشر.. لذا فإن التفريط بفلسطين يعين عملياً التفريط بحق السيادة القطرية والقومية والقبول بتجزية المجزأ وباستمرار الهيمنة الغربية والاستسلام للظلم والعدوان، والتخلي عن كل قيم العدالة والحق والخير والتآمر على حاضر ومستقبل أجيالنا العربية. 

إن فلسطين تعني الكثير وتتطلب الكثير، لكل من يريد رؤية تردي الواقع العربي الحاضر وبالتالي العمل على امتلاك القدرات اللازمة لاحداث التغيير المنشود، واستشراف آفاق المستقبل. وفلسطين تتطلب حشد وتبعئة الجماهير على أسس ديمقراطية، وامتلاك عناصر المعرفة والثقافة والعلم ومواكبة ودراسة التطورات والمتغيرات والسعي لتوظيفها لصالح قضايانا. عل الرغم من ان هذه التطورات في ظل الظروف الراهنة لا تسير مؤقتاً لصالحنا، لكن علينا حتى في هذه الحالة ان نعمل على التقليل من نتائجها السلبية. 

إن ما يريده ويخطط له العدو الامبريالي الصهيوني هو أن تبقى الجماهير العربية والذات القومية في حالة سلبية، عاجزة، منفعلة، متلقية، لكي تسهل عملية الاخضاع والتكيف، لذا يتوجب علينا ان نسعى لتعزيز ثقة الجماهير العربية بطاقاتها ودورها وبقدرتها على التغيير والتحيرير والتوحيد وبناء المستقبل العربي. ونقيض ذلك فإن خط الاستسلام هو خط المتسولين الزاحفين على بطونهم لالتقاط فتات موائد الاعداء المغتصبين، خط الشركاء الصغار، والصغار جداً للصهيونية والامبريالية. 

ترى ماذا ستقول بحقهم الاجيال العربية القادمة، وهم يتواطؤون على حقنا التاريخي القومي في فلسطين وحقنا في الديمقراطية والوحدة والتطور والتنمية المستقلة، وفي تغيير الواقع المرفوض، وفي صنع المستقبل العربي المنشود؟.

إن قضية فلسطين بقدر ما هي في الجوهر قضية قومية، فهي أيضاً قضية قيم الحق والعدالة والإنسانية إضافة الى كونها قضية دينية مقدسة لدى المسلمين والمسيحيين على السواء، وهي لذلك، القضية المحك لكل المؤمنين بالقيم التي رفعتها الانسانية خلال مسار تطورها الطويل ومن يتنكر لهذه القيم يبيع نفسه للشيطان.. لقوى الظلم والشر والعدوان. 

وإن من أبرز الاسباب المؤدية إلى تردي الواقع العربي الراهن على أكثر من صعيد هو تخلي معظم الانظمة العربية (وقيادة السلطة في مقدمتهم) عن قضية تحرير فلسطين باعتبار التحرير هو الحلقة المركزية الناظمة والجامعة بشكل جدلي لسائر الحلقات الاخرى كما بيّنا سابقاً. 



التراجع عن تحرير فلسطين أدى إلى التخلي عن سائر أهداف الأمة 



إن مقارنة سريعة بين سمات الواقع العربي الراهن اليوم، وبين حقبة الخمسينيات والستينيات من هذا القرن ابان صعود المد القومي التحرري الرافع لاهداف التحرير والوحدة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والتنمية القومية، والاستقلال، تؤكد أنه حين تم التراجع ومن ثم التخلي عن هدف التحرير، تراجعت كل الاهداف الاخرى المذكورة أعلاه. فالوطن العربي الراهن أبعة ما يكون عن قضية الوحدة اليوم، وازداد تخلفاً وتبعية وتعمق ارتهانه لارادات وسياسات ومصالح الدول الامبريالية، وخاصة أمريكا، وأكثر من ذكل فان هويته القومية اصبحت مهددة أكثر من أي وقت مضى، ويعيش أزمة عميقة وشاملة. 



ازدياد تبعية وتخلف الوضع العربي 



إن إلقاء نظرة عاجلة على بعض ملامح هذه الأزمة على صعيد الأمة، وحتى داخل كل قطر عربي تكشف عن تراجع متواصل في الانتاج، وانخفاض مستمر في معيشة السكان، وتعمق الخلل في الهيكل القطاعي للاقتصاد (على حساب الصناعة والزراعة) وفشل الصناعات التحويلية في التطور الاقتصادي، وازدياد تراجع القطاع الزراعي واستنزاف وهدر عائدات النفط العربي والمواد الخام، وغياب التعاون والتكامل الاقتصادي العربي، وتزايد ارتباط السوق العربية بالسوق العالمية، وبروز التبعية الغذائية (التي تشكل تهديداً للأمن الغذائي لكل بلد عربي) وتفاقم المديونية، وارتفاع العجز في الموازنات.. الخ. 

بالاضافة إلى أمننا القومي المهدد, فإن الأمن الغذائي العربي مهدد كذلك، فبينما اعتمد الوطن العربي طوال تاريخه السابق على الاكتفاء الذاتي الغذائي، حيث كنا حتى الأمس القريب نهدد شعبياً بمقاطعة البضائع الاجنبية كسلاح للضغط على الدول الامبريالية، اصبحت الآن الدول الامبريالية وخاصة أمريكا تهددنا بالمقاطعة، ومنع تصدير الغذاء والسلع، وتفرض الحصار والحظر تحت حجج مختلفة.. وهذا يدل على مدى التبعية التي وصل إليها الاقتصاد العربي. 

لقد استوردت البلاد العربية من السلع الزراعية عام 1988 ما يقارب (21) مليار دولار، ومنذ عام 1980 وحتى عام 1988 ما ثمنه (121) مليار دولار ثمن سلع زراعية (راجع التقرير الاقتصادي العربي لعام 1990 ص24) ومن المتوقع أن يكون الرقم قد تجاوز (30) مليار دولار الآن ثمن السلع الزراعية المستوردة سنوياً. وقد بلغ حجم المديونية العربية (136) مليار دولار عام 1988، وارتفع إلى (163) مليار دولار عام 1990 (راجع التقرير السابق). 

لقد ذكرت هذا المثل عن حالة الزراعة لكونها تشكل الاعتماد التقليد الرئيسي في بلادنا، ولكي لا يقال إننا استشهدنا (أو أنني استشهدت) بقطاعات أخرى كالصناعة، والتي نعرف كلنا طبيعتها التحويلية ونتائجها الفاشلة، كما أن حجم المديونية يدل بوضوح على مدى التردي الذي وصل إليه الاقتصاد العربي، فهل كان الحال كذلك في السابق رغم التخلف والضعف؟. 

إن التنمية والسياسات القطرية المختلفة أثبتت فشلها على كافة الصعد، فمن الصعب تحقيق برامج ومشاريع تنمية بعيداً عن الصراع مع العدو الامبريالي الصهيوني.







هل حقاً غيرت الامبريالية طبيعتها الاحتكارية الاستغلالية؟ 



لقد ازداد تعمق تبعية بلادنا، فأصبحت اقتصادياتها وسياساتها مرتهنة أكثر من السابق، ونظام النهب الامبريالي، ازداد شراسة، بعد انهيار الاتحاد السوفياتي والمنظومة الاشتراكية، ومع ذلك يجري حالياً لـ "نظام عالمي جديد" مختلف عن السابق، ويسعى إلى تعميم "التطور والازدهار" في كل أنحاء العالم، وإلى حل المشاكل والصراعات من خلال التفاوض وتحقيق "المصالح المشتركة"، والتركيز فقط على المصالح الاقتصادية، وعلاقات السوق ..الخ.

ويبدو من هذا الترويج المضلّل، وكأن الامبريالية غيرت طبيعتها الاحتكارية والاستغلالية واستبدلت سياسة النهب والهيمنة والالحاق بسياسة التعاون والتنمية المتبادلة والمساواة، وكأنه يمكن إلغاء كل التاريخ السابق والمتواصل للامبريالية بمثل هذه "التنظيرات" التي تكرر وتردد ما يوجه الغرب الامبريالي ووسائل اعلامه، لكي يسهل لها إحكام السيطرة تحت شعارات جديدة براقة خاوية المضمون. 

إن لشعبنا الفلسطيني وأمتنا العربية أعداء حقيقيين ويزدادون شراسة، وخاصة بعد سقوط الثنائية القطبية (التي كانت تخفف من انفلات الوحش الامبريالي سياسياً وعسكرياً واقتصادياً) وانهيار النظام الاشتراكي (الاسباب ليس هنا مجال ذكرها) ونتائج حرب الخليج الثانية، وحيث تجري عملية استثمار واسعة النطاق للنتائج السلبية والهزائم السياسية والعسكرية التي منيت بها الأمة العربية في الفترة السابقة، لتحويلها الى وقائع دائمة، والحيلولة دون تجدد واستمرار الصراع ضد العدو الامبريالي الصهيوني. 



دور الإعلام والفكر المعادي في تزيين الاستسلام 



وهنا يأتي دور الاعلام والفكر المعادي في تسويغ وتبرير، بل وتزيين الاستسلام، وذلك بالتناغم مع الانظمة والقوى العربية والفلسطينية المستسلمة والمفرطة بالحقوق العربية، مقابل الحصول على موقع "الشريك" الصغير التابع للعدو. 

ونحن في حركة "فتح" وانطلاقاً من إيماننا العميق بمنطلقاتها الوطنية والقومية لم تخدعنا أبداً مثل هذه الشعارات والتنظيرات التي ازداد تدفقها في السنوات الأخيرة" مستهدفة شل الإرادة الكفاحية وإحباط الجماهير والتخلي عن ثوابت وأهداف النضال الوطني القومي. 



استهدافات العدو الامبريالي الصهيوني لم تتغير 



لم تتغير أبداً الاستهدافات الرئيسية للعدو الامبريالي ـ الصهيوني، وما كان يتغير دوماً هو الاشكال والوسائل، وسعي الانظمة والقوى المستسلمة إلى تمرير الصفقات والتنازلات مع هذا العدو، وما يطرحه ذلك من تعقيدات تتباين بين ظرف وآخر تبعاً لموازين القوى وطبيعة برامج القوى العربية المتصدية او المتعاملة مع هذا العدو. إذن فإن استهدافات العدو لم تتغير في الجوهر، وأهمها:-

1- إحكام السيطرة والهيمنة على هذه المنطقة الاستراتيجية التي تحتل موقعاً عالمياً متميزاً يربط ويجمع بين قارات ثلاث ويتحكم بحركة المواصلات (البرية والبحرية) والتجارة العالمية وذا أهمية عسكرية كبرى. 

2- الاحتياجات العملاقة للنفط العربي واحتياجات الصناعة العربية الحيوية له، والتي لا يوجد بديل آخر لهذه الطاقة الرخيصة، فالسيطرة على الثروة النفطية وتقرير سياسة الانتاج والتوزيع وبالتالي إعادة توظيف العائدات النفطية العربية (أساساً في الغرب) بما يخدم المصالح الامبريالية، وخاصة المصلحة الامريكية، وتستخدم هذه الأخيرة، تحكمها في انتاج وتصدير النفط العربي (نفط الجزيرة العربية والخليج العربي) كوسيلة ابتزاز وضغط على اوروبا واليابان بهدف تحسين شروطها في المنافسة داخل المعسكر الرأسمالي. 

3- العمل تاريخياً وراهناً وبكل الأشكال السياسية والعسكرية والاقتصادية والثقافية على إضعاف وتجزئة الوطن العربي وتحويله إلى مجموعة من الدول والدويلات المسخ، وخلق الأسس والشروط الاقتصادية والسياسية والثقافية والقانونية التيتسوف وتشجع قيام واستمرار الكيانات القطرية وتجزئة الاجزاء إذا أمكن طائفياً ومذهبياً باسم الديمقراطية وحقوق الانسان. فالمستهدف هنا الهوية القومية العربية، باعتبارها الرابطة الحضارية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية ومعلوم أن العرب يشكلون تكتلاً قومياً هاماً، يشتمل على الجزء الرئيسي من بلدان البحر الابيض المتوسط في آسيا وافريقيا، ويحيط بالبحر الاحمر من جميع جهاته ويصل الى شواطئ الاطلسي والى المحيط الهندي ويحيط بالخليج العربي. 

هذا التكتل القومي الذي يصل تعداده حالياً الى حوالي (230) مليون نسمة في حال توحده في دولة واحدة، وفي حال تحكمه بثرواته، ومواكبته للتطور سيكون قادراً على ممارسة دوره التاريخي القومي والعالمي، والمساهمة الفعالة في صياغة نظام عالمي جديد فعلاً يرتكز على التعاون والتكافؤ والمساواة بين الشعوب، نقيضاً للنظام الرأسمالي العالمي الاحتكاري الاستغلالي. 

4- السعي الغربي المتواصل لتثبيت شرعية الكيان الاستعماري الصهيوني العنصري بعدما نجحوا في زرعه في فلسطين ـ قلب الوطن العربي، لضرب أية محاولة تحررية وحدوية لهذه الأمة. وهذه الوظيفة للكيان الصهيوني مترابطة بإبقاء الهيمنة الغربية على مقدرات الوطن العربي والإبقاء على تخلفه وتجزئته. 

ومن هنا فان الاعتراف بالكيان الصهيوني والتصالح معه يعني عملياً تكريس شرعية العدوان المتواصل ضد الأمة العربية والموافقة على خطة الاضعاف والتفتيت والالحاق والنهب الامبريالي. 



مقاومة المخطط الامبريالي واداته الصهيونية ترتكز على المصالح الجذرية للأمة وتراثها الحضاري العريق 



إن مقاومتنا للمخطط الغربي (وأداته الكيان الصهيوني) تاريخية، وقبل ولادة الاتحاد السوفييتي، وهي إن كان ستتأثر في هذه المرحلة السياسية أو في مراحل لاحقة بموازين القوى العالمية، لكن هذه الموازين لا تحدد مسار ولا مستقبل هذه المقاومة القومية، لكون هذه المقاومة نابعة من المصالح الجذرية للامة العربية، ومستمدة من تراثها الحضاري، وحيث بزغت على أرضها الحضارات البشرية الاولى، وانبثقت الرسالات السماوية التي تضم مليارات البشر في جميع أنحاء العالم، هذا التراث الحضاري، قبل وبعد الاسلام والى اليوم هو مثار الثقة والاعتزاز والتطلع نحو الافضل، وهو يختزن القيم الإنسانية ويذود عنها، ويدفع نحو التعمق لامتلاك الوعي المعرفي والعلم، وبالتالي فإنه ولكل هذه الاسباب يشكل الحصانة التاريخية والثقافية والنفسية ضد المحاولات الرامية لطمس الهوية القومية ومنع وحدتها. 



أمريكا ليست قدراً.... وتشهد مرحلة الانحسار 



إن الهيمنة الامريكية على منطقتنا والعالم ليست قدراً حتمياً، فلقد سبق ان واجهنا أشكالاً مختلفة من الاستعمار القديم والحديث، بما في ذلك الاستعمار البريطاني والفرنسي والايطالي في القرن التاسع عشر والقرن العشرين، ولم يصمد الاستعمار أمام المقاومة المتواصلة للجماهير العربية. 

وكل المعطيات والمؤشرات تدل على ان السنوات القليلة القادمة ستشهد بداية الانحسار الاقتصادي، وبالتالي السياسي، للولايات المتحدة الامريكية، فاتجاهات الركود وتدني انتاجية العمل ورأس المال، وازدياد المديونية وعجز ميزان المدفوعات.. قد أضعفت القدرة التنافسية الامريكية في الاسواق العالمية، وداخل أمريكا نفسها، وأمام تدفق السلع اليابانية والاوروبية المنافسة في الجودة والتقنية والسعر. 

وقد انخفض (على سبيل المثال) معدل الناتج القومي الامريكي إلى 9% عام 1990 بالمقارنة مع اليابان 5.6%, وألمانيا 4.6% لنفس العام، وتشير دراسة أعدها الامريكيان (هاري فيجي) و(جيرالد الدسوانسون) عام 1992 تحت عنوان (الافلاس عام 1995 الانهيار القادم لامريكا وكيف نوقفه؟...) تشير إلى أن معدلات العجز الناجمة عن الديون الداخلية قد قفزت من 59.6 مليار دولار عام 1980 الى 386.3 مليار دولار عام 1990 وبحلول هذا العام فإن 85% من أموال الضرائب ستدفع لسداد الديون، ولقد بلغ عجز الموازنة 640 مليار دولار في نهاية العام الماضي 1993.

فأمريكا تواجه أزمة حقيقية أدت إلى أنهيار العديد من الدول العظمى في الماضي والحاضر (كالاتحاد السوفييتي) وهي عدم تناسب الانفاق مع الدخل القومي المتدني.

ويذكرنا هذا بما استنتجه »بول كندي« في كتابه المعروف "أسباب صعود وهبوط القوى العظمى 1500- 2000", أي المعادلة التناسبية التالية: كلما تصاعد الانفاق الحكومي على الوظائف والجانب العسكري والدور العالمي... الخ.. وزاد على الدخل القومي، كلما وجدنا هذه الدول العظمى تتقلص ويتلاشى دورها العالمي والاقليمي. 

إن الدور العالمي الامريكي معرض للاهتزاز والتغيير،ولن تبقى وحدها مهيمنة على الاقتصاد والسياسة العالميين، وهي إذ تلجأ حالياً إلى تكثيف سياسة التدخل ووضع اليد على المناطق الغنية بالثروات البترولية والمواد الأولية، لكي تستخدمها في صراعها التنافسي، ولممارسة التهديد والمقاطعة وفرض الضرائب العالية على السلع المستوردة المنافسة لها حتى داخل الولايات المتحدة، فلكي تطيل عمر دورها العالمي الآخذ بالاحتضار ويعاني المجتمع الامريكي مظاهر التفكك والانحلال، فهو يتألف من أقوام مختلفة لم تتجانس وتنصهر تاريخياً وحضارياً وثقافياً في بوتقة قومية متماسكة، فما زال المجتمع الامريكي يشهد الكثير من الصراعات الاثنية والعنف والجريمة على نطاق واسع. ومن مشكلة اضطهاد الزنوج والحقد على الآسيويين والأجانب(كما أثبت مؤخراً لوس أنجلوس عام 1992)، كما نجد المقارنة المدهشة التالية:- 

ينفق المجتمع الامريكي 100 مليار دولار سنوياً على المخدرات المختلفة.. وهذا الرقم يمكن أن يشكل ميزانية لعشرات الدول المتخلفة مجتمعة.. كما أن نزعات الاستهلاك تتفاقم على الانتاجية, فالأمريكيون ينفقون 50 مليار دولار سنوياً على الاستهلاك الفردي للنفط ومشتقاته كما تتزايد مظاهر الانحلال الاجتماعي والاغتصاب ومعدلات الجريمة، فالشرطة الامريكية تكتشف حسب اعترافاتها الرسمية دائماً أقل من 20% من مجموع الجرائم، الأمر الذي يطرح بقوة قيم العدالة والأمن الاجتماعي المفقود. 

وحسب الاحصاءات الرسمية, فإن أكثر من 25% من الاطفال يولدون خارج نطاق الزواج, والمستوى التعليمي الثانوي والجامعي يعتبر الادنى بين الدول الغربية، ونسبة الأمية ترتفع باستمرار، والجهل الثقافي والمعرفي يتفاقم، والمجتمع الامريكي مهدد حالياً بأن يتحول إلى مجتمع استهلاكي أكثر مما هو منتج، إنه مجتمع شائخ، يعاني سكرات الاحتضار، ومهددة بالافلاس وانحسار دوره العالمي. 

إن عالم القطب الواحد المهيمن لن يستمر طويلاً، وإن عالماً متعدد الاقطاب على وشك الانبثاق وسيتيح ذلك هامشاً نسبياً للاستفادة من تناقضاته ومنافساته، وذلك سواء لبلادنا، أو لسائر البلدان التي تكافح للتخلص من التخلف والتبعية والهيمنة. 



العالم الثالث سيظل هدفاً رئيسياً للنهب الامبريالي 



لكن ذلك لا يعني أن نزرع الأوهام مجدداً، فما كان يسمى (العالم الثالث) سيظل بالنسبة للدول الامبريالية المتعددة هدفاً رئيسياً للنهب الامبريالي، مواد أولية، وأسواق تابعة وسيظل يواجه الضغوط والتدخلات الغربية لمنع قيام التنمية الحقيقية، وبالتالي تطور مجتمعاته، لذا فعلى دول العالم الثالث أن تقيم أطراً جديدة للتعاون والتضامن والتنسيق في شتى المجالات، حتى تتمكن من فرض شروطها السياسية والاقتصادية على الدول الامبريالية، وما ينبغي التوقف عنده تلك الاطروحات الغربية والصهيونية عن ضرورة قيام نظام شرق أوسطي جديد من خلال فرض الاملاءات السياسية والاقتصادية الامبريالية على بلادنا ومنطقتنا وفي أنحاء عديدة من العالم. 



النظام الشرق أوسطي يتنافى مع الانتماء القومي العربي 



إن مشروع النظام الشرق أوسطي معد لضرب الهوية القومية العربية، وتذويب الانتماء الحضاري التاريخي الثقافي في منظومة متعددة القوميات، ولتبرير اندماج الكيان الصهيوني المصطنع في هذا النسيج المصطنع أيضاً. 

ولنلاحظ أن مصطلح (الشرق الأوسط) نفسه الذي وضعه الاستعمار البريطاني كتعبير عن منطقة نفوذ سياسي عربي، أي أن المصطلح يعكس علاقة هذه المنطقة المسماة كذلك بالخارج الاستعماري، لا من حيث طبيعتها وخصائصها التاريخية والحضارية والقومية والثقافية، كما أنه يعبر عن التعدد والتباين وليس الوحدة أو التماثل... أي بما يتنافى مع الانتماء القومبي العربي. 

أما السوق الشرق أوسطي، فقد طرح ليحول دون توطيد التكامل الاقتصادي والسياسي بين الأقطار العربية، وقيام الوحدة العربية، والملفت للنظر أن كل مشاريع البنية التحتية الاقتصادية والسياحية وحتى مناطق التجارة الحرة المطروحة للتنفيذ، سواء من قبل أمريكا والدول العربية أو البنك الدولي والمؤسسات الدولية المختلفة سوف تمر بالكيان الصهيوني، وكأن هذه المشاريع لا يمكن ان تتم في المنطقة بمعزل عن مشاركة وإدارة "الدولة الصهيونية" التي ستشكل مركز هذه المشاريع، والجدير بالذكر أن مصطلح "السوق الشرق أوسطي" كان أول من استخدمه "جمعية السلام الاسرائيلية" في نهاية الستينيات، وعلى أن يشمل هذا السوق: الاردن، سوريا، لبنان، العراق، الخليج العربي، السعودية، مصر، تركيا، وايران، وعلى أن تكون الدولة الصهيونية محور هذا السوق. 

إن ما سعى اليه العدو الصهيوني، وبدعم من الدول الامبريالية هو قيام "اسرائيل الكبرى"اقتصادياً أولاً، ومن ثم سياسياً... وكما ذكر شمعون بيريز وزير خارجية العدو معبراً عن المصلحة الصهيونية في قيام السوق شرق أوسطي: "تواجه "اسرائيل" خياراً حاداً آن تكون "اسرائيل الكبرى" اعتماداً على عدد الفلسطينيين الذين تحكمهم أو تكون اسرائيل الكبرى اعتماداً على حجم واتساع السوق التي تحت تصرفها". 



اتفاق غزة ـ أريحا وإفرازاته تكريس لشرعية الكيان الصهيوني والالتحاق بمخططاته 



جاء اتفاق غزة ـ اريحا الذي وقعته بعض القيادات الفلسطينية ليلبي المطالب الصهيونية والامبريالية وليشكل الخطوة الاولى على طريق إقامة السوق الشرق أوسطي، حيث تم في هذا الاتفاق ليس تكريس شرعية الكيان الصهيوني فحسب، بل والالتحاق بمخططاته تجاه الأمة العربية فلقد تم الاتفاق على قيام منطقة "تجارة حرة" تضم في البداية الكيان الصهيوني وسلطة "الحكم الذاتي الفلسطيني"، والاردن، على ان يشمل لاحقاً دولاً عربية أخرى، وكذلك انشاء "بنك الشرق الاوسط للتنمية والتعاون" لتطوير منطقة التجارة الحرة، هذا عدا عن مشاريع البنية التحتية المشتركة "كهرباء, مواصلات، مياه، نفط.. الخ" وكل هذه المشاريع سيكون مركزها والمستفيد الاول منها هو الكيان الصهيوني.

ولعل القيادة المتنكرة للميثاق الوطني الفلسطيني ولوحدة الشعب والأرض الفلسطينية ولمركزية قضية فلسطين وللانتماء القومي العربي، ولكل دماء شهداء شعبنا وأمتنا العربية، قد ارتضت هذا الدور التصفوي تحت حجة السلام المزعوم في المنطقة. وحين يطالب شمعون بيريز في كتابه الأخير "الشرق الاوسط الجديد" بضرورة تغليب القيم الاقتصادية على القيم القومية والثقافية، بإقامة سوق اقتصادي شرق أوسطي ما فوق قومي، وان تتم محاربة الفقر بالازدهار الاقتصادي في عموم المنطقة، فكأنه يريدنا ان نتجاهل الدور الذي لعبه الكيان الصهيوني ضد تطور وازدهار ووحدة بلادنا، وكأن شرط هذا الازدهار ووحدة بلادنا، وكأن شرط هذا الازدهار هو الالتحاق بمشاريع الكيان الصهيوني ومخططات الهيمنة الغربية. 

ان اتفاق غزة ـ أريحا ما هو الا آخر تجليات الحرب الامريكية الشاملة التي تشنها الولايات المتحدة على الأمة العربية، وعلى كافة الصعد السياسية والعسكرية والاقتصادية والثقافية والحضارية بغية تحقيق الأهداف التالية:- 

1- ضمام إحكام السيطرة على الأمة العربية واخضاعها لتسهيل عملية نهب ثرواتها، وتحويل الوطن العربي سوقاً استهلاكية بتصرف احتكاراتها. 

2- وضع اليد على الوطن العربي وزرعه بالقواعد العسكرية الامريكية والغربية الحليفة أو التابعة لها في مواجهة أي مشروع قومي أو إسلامي فيه، ولمواجهة أية تطورات في الصين بما لها من خيار اشتراكي خاص، وروسيا الباحثة مجدداً عن دورها كقوة عظمى. 

3- ضمان أمن الكيان الصهيوني وجوداً ودوراً ووظيفة في المنطقة.. وهذا لا يتم إلا بتعميق التجزئة في الوطن العربي وتشكيل نظام اقليمي "النظام الشرق أوسطي"، أي ضرب الهوية القومية العربية، بحيث يكون الكيان الصهيوني مركز هذا النظام المزمع اقامته. 

وعليه فإن من نافل القول التأكيد على أن المشروع الامبريالي الصهيوني المعادي لم يترك لنا إلا خيارين اثنين لا ثالث لهما.. هما: 

1- الاستجابة لاملاءاته والتكيف معه، والتبعية المطلقة له، كل ذلك بالطبع يكون على حساب تاريخنا وتضحياتنا، وقيمنا، وعلى حساب حاضر ومستقبل اجيالنا العربية. 

2- خيار المواجهة مع هذا المشروع واستهدافاته، مستلهمين قيم وتراث أمتنا الكفاحي في دفاعنا عن حاضر ومستقبل أجيالنا. 

ونحن نعرف تمام المعرفة ان الوجود الصهيوني في فلسطين هو النقيض للازدهار والتطور والسلام في بلادنا، وهو يستهدف اليوم خنق اليقظة الوطنية والقومية بالحديث عن "السلام والرخاء المشترك"، وأي رخاء يتحدثون عنه؟ فهل جلبت جيوش المستعمرين أينما حلت سوى الويلات والعبودية للشعوب المستعمرة، ترى هل حملت لشعوب آسيا وافريقيا وامريكيا اللاتينية سلاماً وإزدهاراً وديمقراطية ..الخ؟ وكل هذه الاباطيل التي يتشدقون بها. 

ان المستعمرين لم ولن يحملوا معهم سوى الاستغلال والاضطهاد ونهب ثروات الشعوب ومصادرة حقوقها. ونحن نتساءل بالمناسبة: لماذا لم يعمم العدو الصهيوني نموذجه في الرخاء المزعوم في قطاع غزة وفي الضفة الغربية المحتلين عام 1967 وفي داخل الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1948 طوال عشرات السنوات؟ وبعيداً عن هذه المناقشة الشكلية فإن المشكلة الحقيقية التي نعانيها اليوم تكمن في أزمة حركة التحرر العربي وغياب حركة جماهيرية عربية فاعلة قادرة على التصدي للاحداث والمتغيرات. 



جوهر أزمة حركة التحرر العربي تناقض تيارات الأمة الثلاثة 



تفتقد حركة التحرر العربية اليوم الوضوح في منهج العمل،وفي تحديد أولويات النضال وترابط حلقاته، وأعتقد وكما نرى نحن في حركة (فتح) ان الحلقة المركزية الناظمة والجامعة لسائر الحلقات النضالية الاخرى (الديموقراطية والوحدة والاستقلال والتنمية وتحقيق العدالة الاجتماعية) هي القضية الفلسطينية باعتبارها القضية القومية المركزية التي تصون الهوية والانتماء القومي والقيم الحضارية والإنسانية لأمتنا. 

وانطلاقاً من ذلك فإن جوهر أزمة حركة التحرر العربي تكمن في تناقض فهم التيارات الرئيسية الفكرية والسياسية في الأمة (القومية، والديموقراطية، والدينية) لطبيعة العلاقة الجدلية بين سائر حلقات النضال العربي، وفي المركز منها قضية فلسطين، الأمر اذي حد من امكانية التعاون فيما بينها في العقود الماضية لتحقيق الاهداف المشتركة، وافسح المجال للخلافات الايديولوجية والسياسية للتقدم على تناقضها الرئيسي مع معسكر اعدائها، مما جعلها في موقع العجز والفشل في توحيد جهدها للعثور على القواسم المشتركة فيما بينها والذي كان ضرورياً لتحمل أعباء المواجهة مع المشروع المعادي. 

أي ان تجاهل التيارات الثلاثة لمركزية القضية الفلسطينية في نضال الأمة العربية، واخضاع سائر الحلقات النضالية لها، اسهم في تعميق حركة التحرر العربي، لأنها لم تحدد موقفها وفهمها من طبيعة المشروع الصهيوني واستهدافاته وكيفية حل التناقض معه، وبهذا أخفقت في النضال من أجل تحقيق الوحدة العربية وسائر الحلقات الأخرى. 

ان الموقف الصحيح والواضح من قضية فلسطين، هو المدخل الصائب لحل أزمة حركة التحرر العربية وهو الذي يحدد طبيعة المشروع الصهيوني المحتل لفلسطين ووظيفته الامبريالية في المنطقة الرامية الى ضرب حركة الوحدة العربية والتحرر والنهوض على كل المستويات، وابقاء المنطقة على حالة التخلف والتجزئة والتبعية سائدة فيها، كما يعمق لدى جماهير أمتنا روح النضال من أجل تحقيق الاهداف القومية في الوحدة والديموقراطية والتقدم الاجتماعي. 

وفي ضوء ما تقدم فإن مواجهة الازمة الحادة التي عاشتها وتعيشها حركة التحرر العربي لا يكون بقبول أفكار التعايش والصلح مع العدو، أو بالتنازل عن حقنا العربي الثابت في كل الارض الفلسطينية ولا في أية بقعة من وطننا العربي، لأن من يفرط بالقضية المركزية للأمة، يفرط بقضية الدفاع عن الهوية والانتماء القومي، وبحق السيادة القطرية والقومية، وبالقيم الحضارية والانسانية أي ان من يفرط بالقضية القومية المركزية للأمة يسهل عليه التفريط ببقية حلقات النضال العربي والسكوت عن الارتهان للارادة ومصالح الامبريالية والصهيونية، التي تسعى وفق ما تخطط له في سياق برنامجها القديم ـ الجديد لاخضاع المنطقة وصياغة حاضر ومستقبل الأمة بما يتناسب ومصالحها. 

ومن باب الانصاف نستطيع القول ان التيارات الرئيسية الثلاثة (القومية ـ الديموقراطية ـ الدينية) تحملت تاريخياً في العقود الماضية، عبء المواجهة مع المشروع المعادي، بهذا القدر أو ذاك. لكن الذي ميز التيار القومي بمختلف روافده عن سواه من التيارات، كان امتلاكه للفهم الصحيح لعلاقة قضية الوحدة العربية بقضية تحرير فلسطين، ولاستهدافات الامبريالية في الوطن العربي من خلال المشروع الصهيوني الاستيطاني في فلسطين، مما حمل هذا التيار العبء الرئيسي في مواجهة المشروع الامبريالي ـ الصهيوني في المنطقة. 

لقد كانت ثورة يوليو(تموز) بقيادة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر رداً على الهزيمة العربية في العام 1948، ورفضاً للوظيفة الامبريالية للكيان الصهيوني في المنطقة، ولهذا السبب طرحت الناصرية قضية الوحدة العربية على قاعدة الاشتباك مع العدو الصهيوني، فتقدمت الصفوف، وحازت على ثقة الجماهير العربية من المحيط الى الخليج، واربكت المشروع المعادي، الذي كثف جهوده ومؤامراته للنيل من دورها التحرري والوحدوي. 

أما التيارات الاخرى، فقد اختلتف مع الحركة القومية العربية على قضيتي تحرير فلسطين والوحدة العربية لانها لم تطور فهماً مناسباً لطبيعة المشروع الصهيوني ووظيفته في المنطقة، ولكيفية حل التناقض معه ومع المشروع الامبريالي المعادي في الوطن العربي. فكان ان تخلفت بذلك عن دور فاعل في عملية المواجهة مع المشروع المعادي، وافتقدت حتى التجانس فيما بين صفوفها، وخسرت القاعدة الشعبية التي كان يمكن ان تدعم نضالاتها، وعجزت عن ايجاد قواسم مشتركة مع باقي تيارات حركة التحرر العربية للائتلاف في عمل موحد مواجه للمشروع المعادي، مع ان هذا المشروع ظل يستهدف الجميع، وفي ساح المواجهة معه كان، ولا يزال، هناك دائماً متسع للجميع. 

لقد كان لتحويل التيارات الماركسية العربية للسياسية السوفيتية تجاه قضايا الصراع في بلادنا إلى ايديولوجية ثابتة، والوقوع في التبعية الفكرية والسياسية للسوفييت، الدور الأهم في اختلاف فهم هذه الاحزاب لطبيعة ودور الكيان الصهيوني، وفي عدم ادراكها ان هذا الكيان هو ثكنة امبريالية يسكنها مستوطنون يهود، وليس "دولة قومية في طور النشوء" لجميع اليهود, أو أن "المجتمع الصهيوني مجتمع عادي ككل المجتمعات يتطور ديموقراطياً"، كما نظرّت لذلك معظم الاحزاب الشيوعية العربية. وكان طبيعياً، والحالة تلك، ان يفوت هذا التيار فهم حقيقة ان طبيعة التناقض التناحري مع العدو الصهيوني لا تسمح بحله بالتسويات والتعايش والتصالح مع هذا الاستعمار الاستيطاني التوسعي العدواني. 

وللسبب نفسه، تخلف فهم هذه الاحزاب للمصالح القومية والاجتماعية للأمة العربية، فلم تول اهتماماً مركزياً لقضيتي الوحدة العربي وتحرير فلسطين، مغلبة ما ظنته خطأ مهام ديموقراطية واقتصادية، كونها تصورت النجاح في هذه المهام ممكناً خارج إطار الصراع الجاري في بلادنا فظل السؤال المطروح على اجندتها معلقاً بدون إجابة مناسبة، وهو: أية ديمقراطية وتنمية اقتصادية تلك اتي يمكن ان تتحقق بمعزل عن الاشتباك مع العدو القومي للأمة، وبعيداً عن مواجهة استهدافات البرنامج المعادي، وأهمها الحفاظ على تجزئة الأمة، وتخلفها, وتبعيتها للاحتكارات الرأسمالية العالمية؟. 

الحال نفسه، يسري على الاتجاه الاسلامي الذي وضع نفسه طوال عدة عقود مضت بمنأى عن عملية المواجهة القائمة في المنطقة للمشروع الامبريالي ـ الصهيوني ـ الرجعي، مغلباً، بدوره الايديولوجيا على ما سواها من قضايا النضال القومي والاجتماعي، معادياً بذلك الاتجاهين القومي والماركسي، ومفتقداً في الوقت ذاته لرؤية صحيحة لتحالفاته واصطفافاته الاقليمية والدولية. 

كل هذا جعل التيار الاسلامي يعيش عزلة حقيقية لسنوات طويلة، ويخوض معركة عداء ومواجهة مع من يفترض انهم حلفاء له، متخلفاً بذلك عن العملية النضالية القومية وقضيتها المركزية قضية فلسطين. 

المهم في الأمر، هو أنه بعد كل هذه التجارب المريرة، والنكسات القاسية التي مرت بها أمتنا العربية، تبدو الفرصة متاحة، والظروف مناسبة أمام هذه التيارات الرئيسية الثلاثة لتجري عملية مراجعة نقدية للمرحلة الماضية. وهذه التيارات تملك الإن من النضج والتجربة ما يتيح لها القدرة الأنسب على استخلاص الدروس، واشتقاق القواسم المشتركة فيما بينها وتحديد اولويات الصراع، الأمر الذي يبدو ملحاً في المرحلة الراهنة، كي لا ينتقل التناقض القائم مع جبهة الأعداء مجدداً إلى الداخل، فالعدو الامبريالي ـ الصهيوني يستهدف الأمة بمجموع قواها وتياراتها ولن يستثني من عدوانه أياً منها. 

ونحن نلمس اليوم العديد من البوادر المشجعة، لقيام مثل هذا التعاون المشترك بين تيارات الأمة الثلاثة، على قاعدة ديموقراطية لا تتيح لأي كان أن يلغي الآخر، وعلى قاعدة ان القضايا الكبرى الوطنية والمصيرية، لا تخضع لانصاف الحلول، بحجة التكتيك او الواقعية او وجهات النظر، فالواقعية هي ان نفهم الواقع بكل مكوناته وابعاده. 



المستقبل العربي المنشود يرتكز على تشكيل كل تيارات الأمة لحركة تحرر عربية 



ان المستقبل العربي المنشود رهن بسرعة وجدية انفتاح تيارات الامة العربية الرئيسية على بعضها البعض، وتشيكلها لحركة تحرر عربية جديدة ملتزمة بأهداف الأمة، وفي مقدمتها تحرير فلسطين. 

ان فلسطين هي عنوان ومفتاح المستقبل العربي، فلا مستقبل عربي حقيقي بدون تحرير فلسطين ولا ارادة حرة أو تنمية أو وحدة عربية بدون فلسطين. 

وتحرير فلسطين هدف قومي وديني وإنساني عادل، وحين نعطيه الاولوية، وكل ما يستحقه من جهد وتضحيات، فإننا نتكامل تلقائياً وجدلياً مع سائر. حلقات النضال العربي الأخرى، أي من خلال التركيز على أولوية حل التناقض مع العدو الصهيوني بتحرير فلسطين. 



الرد الحضاري العلمي على التحدي الامبريالي ـ الصهيوني 



يهمنا أن نشير هنا أننا لسنا دعاة انغلاق، بل دعاة انفتاح حضاري متواصل وانطلاقاً من مصلحة وتطور الذات القومية العربية. 

لقد ازدهرت الحضارة العربية الاسلامية، وتمثلت منجزات الحضارات الأخرى لكون الاسلام في روحه وجوهره قد حض وشجع على المعرفة والعلم والعمل، ولكن حين تم قفل باب الاجتهاد ولم تجر مواكبة تطورات وتعقيدات الحياة، والعجز عن وضع الحلول الملائمة لها تراجعت الحضارة العربية وتقوقعت. وينطبق هذا القول على كل التيارات الفكرية والسياسية التي تدعي المرجعية بصورة مسبقة، وترفض التحالف مع التيارات الفاعلة الاخرى من أجل تحقيق الاهداف المشتركة للأمة العربية. 

اننا نواجه اليوم مخاطر جديدة ومعقدة، والرد على التحدي الامبريالي في صيغه وأشكاله الجديدة السلمية الأشد خطراً من الحرب نفسها، إنما يكون بحشد كافة تيارات الأمة في جبهة موحدة الأهداف، وفي العلم الدؤوب لتعبئة وتنظيم الجماهير العربية لخوض معركة التحرير والديموقراطية والوحدة والتنمية والعدالة الاجتماعية. 



دعوة للحوار من أجل مشروع قومي نهضوي 



ومن أجل تحقيق ذلك، فإننا ندعو اليوم إلى حوار بين تيارات الأمة يهدف الى رؤية نقدية للماضي وإلى فهم أعمق للواقع الراهن، وصولاً الى ابداع مشروع قويم نهضوي نابع من ظروف أمتنا ومصالحها الجذرية، وقادر على تلبية طموحاتنا وفق رؤية قومية مترابطة شاملة وذلك مع الأخذ بعين الاعتبار الظروف الملموسة في كل قطر عربي وعلى أن يتم التحديد الدقيق للعلاقة الجدلية بين القطري والقومي، على قاعدة الاستراتيجية القومية في التحرر القومي والأمن القوي، والمصالح القومية المشتركة والاستقلالية النسبية لكل ساحة عربية وفق ظروفها الملموسة، وبما لا يتعارض مع المصالح القومية العليا. 

وكلما أسرعنا في انجاز متطلبات هذا الحوار نكون قد أسهمنا في عملية الاستنهاض القومي لأمتنا. 

هنا لا بد من الاشارة في هذا السياق إلى أن ركائز النهوض العربي تاريخياً تقوم على أقطار ثلاثة لعبت الظروف دورها في تعطيل قيامها بدورها الطبيعي في هذا المجال، وهي: 

- مصر الشقيق الأكبر المكبلة باتفاقيات "كامب ديفيد" والمرتهنة إلى ما يقوم به نظامها من سمسرة على قضاياها وقضايا الأمة. 

- والعراق، المدمرة قدراته وامكاناته اثر مغامرة بائسة أقدمت عليها قيادته، عندما اختارت التوقيت والعنوان الخطأ، فزجت جيشها إلى حيث استدرجوه وأرادوا له معركة أو فخاً لتدميره. 

- وسوريا, الركيزة الأخيرة، المتمسكة بثوابتها الوطنية والقومية رغم كل الظروف الصعبة التي تواجهها، وكبلد تفتقر الى قوة مصر السياسية، العراق العسكرية، والسعودية المالية. 



مفهومنا الشامل لمعركة التحرير 



ونحن نرى أن أية خطوة يتم انجازها في إطار العمل الوحدوي، قطرياً أو قومياً، على الصعيد السياسي أو الاقتصادي، أو العلمي أو التنموي أو الأمني، هي طلقة في حرب التحرير الشعبية، وكذلك فإن أية خطوة يجري تحقيقها على صعيد الحريات العامة وحقوق الانسان العربي، وتعميق البعد الديموقراطي في حياة جماهيرنا على كل الصعد، وتفجير طاقاتها الابداعية، في اشتقاق الحلول للعديد من المعضلات التي نواجهها، يساعد في تحصين وتماسك مجتمعنا العربي قطرياً وقومياً، وهو بذلك طلقة أخرى في هذه الحرب. 

ان مفهومنا لحرب التحرير الشعبية يرتبط بكل جهد يبذل على صعيد الأمة العربية، قطرياً وقومياً، ويصب في هدف تجاوز التخلف والقهر والاستغلال والتبعية والضعف والتجزئة.

وكما هو معلوم فإن هذه هي استهدافات جبهة أعدائنا ليسهل عليهم السيطرة والنهب والاستغلال، وتدمير البعد القيمي الانساني الذي تحمله أمتنا. 

والاشادة هنا بالدور الحضاري للعرب والمسلمين لا يعني التقليل من دور الأمم والشعوب الاخرى واسهاماتها في الحضارة الانسانية، ولكننا نشير الى واقع الحال، حيث شكلت أمتنا العربية وضعاً متفرداً بموقعها الجغرافي المتميز، والاستراتيجي على الصعيد العالمي في قارتين من قارات العالم، وبما تملكه من ثروات (خاصة النفط كمادة استراتيجية على الصعيد العالمي)، ولتاريخها ودورها الحضاري الإنساني. 

ان هذا يقودنا الى الحديث عن كل هذه الحملة من الاضاليل واسعة النطاق التي تقودها الامبريالية، فتصور نفسها داعية للسلام والازدهار والأمن والاستقرار. وفي إطار بحثها عن خصوم (بعد سقوط النظام الاشتراكي وفي الاتحاد السوفييتي) اختلقت فزاعة "الارهاب وخطر الديكتاتورية والاصولية"، فأصبحت المعركة الايديولوجية والاعلامية ضد ما يسمونه "خطر الاصولية الاسلامية" في بلادنا والعالم تستحوذ على القسط الأكبر من الاهتمام الامبريالي، وذلك مرده إلى أن الاتجاه الاسلامي الجهادي المستنير، يشكل رافعة أساسية من روافع المشروع العربي النهضوي في مواجهة المشروع الامبريالي الصهيوني في بلادنا. 

ان المتغيرات الدولية حملت آثاراً مباشراً وسريعة وملموسة على الوضع العربي انتهزها المشروع المعادي في محاولته اغلاق الطريق امام امتنا، حتى لا تكون موضوعاً من موضوعات العالم تؤثر وتتأثر بتطوراته، ومن المؤسف أنه نظراً لكون النظام العربي بشكل عام قد استجاب لما تريده امريكا، وأصبح في معسكرها, يحاولون اليوم أن تكون هذه الاستجابة مطلباً شعبياً من خلال ماكينة هائلة من التضليل الايديولوجية والاعلامي أشرت إليها سابقاً.

المصدر: http://www.yafanews.net/arabic/pages/article.php?articleID=225

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك