الجهاد بين السياسي والديني

شتيوي الغيثي

في فترة الثمانينات كان الجهاد الأفغاني هو الوجهة الدينية لكثير من الشباب في العالم العربي، وكان هذا الجهاد مدعوما من قبل بعض السياسات العربية، بل يتعدى ذلك إلى دعم الولايات الأمريكية للمجاهدين الأفغان، كما كانوا يسمون في تلك الفترة.
لم يكن يهم السياسات الأمريكية أن ينتصر الأفغان على عدوهم الروسي بل لأن الحرب الباردة بين المعسكر الرأسمالي والمعسكر الشيوعي كانت على أشدها استلزم في تلك الفترة أن يكون الغرب ممثلا بالقوة الأمريكية وحلفائها من العرب في صف الأفغان. بعد سنوات تحول هؤلاء المجاهدون السابقون إلى دولة متطرفة ضرب بعض إرهابيي القاعدة أمريكا في عقر دارها. أمريكا في نظر المجاهدين الأفغان والعرب قبل ذلك كانت صديقة، وحينما تغيرت التحالفات بين الطرفين تغيرت المفاهيم فتحول الصديق إلى الشيطان الأكبر وتحول المجاهدون إلى إرهابيين. المجاهدون أنفسهم اختلفوا وبدأ بعضهم يقاتل بعضا. كانت الأمور لعبة سياسية من البداية تلبست لبوس الديني الذي ذهب ضحيته الكثيرون.
مفاهيم الجهاد في العراق كانت امتدادا لمفاهيم الجهاد وتحولاته في أيام الأفغان محملة بكل إشكاليات الفترة الأفغانية والتحولات السياسية في تلك السنوات فأصبح المتطرفون يذهبون هناك مع كثير من الشحن الديني من قبل عدد كبير من المشايخ الذين كانوا مسؤولين عن ذلك رغم أن اللعبة كلها سياسية.
في سوريا منذ ثلاث سنوات تقريبا يتكرر السيناريو بشكل قريب فرغم أن الثورة السورية تحمل فصائل سياسية بحتة إلا أن دخول مفهوم الجهاد الديني أخذ بعده داخل صفوف الثورة ورغم عدم دخول الدول الكبرى في اللعبة السياسية بشكل مباشر إلا أن عددا من الدول العربية من جهة وإيران من جهة تمارس دورا كبيرا في خلق بؤرة صراع على الأرض السورية كما تشترك الأحزاب المتطرفة الإسلامية السنية والشيعية على حد سواء في اللعبة والضحية هو الشعب السوري.
مفهوم الجهاد في العصر الحديث لم يكن إلا لعبة سياسية طالما كان رجل السياسة ورجل الدين يشتركان في صناعة الحدث الجهادي بعلاقات دولية سياسية من قبل السياسي وتغليفه بالديني من قبل رجال الدين لمصالح مشتركة بين الطرفين.
كان مفهوم الجهاد، ولا يزال، مجرد ورقة سياسية تتصارع من خلالها الأطراف الدينية والسياسية لأسباب سياسية بحتة. الإشكالية أن ضحية هؤلاء هم الشباب المغرر بهم، ورجل الدين هو أكثر المهرة في تحريض الشباب على الجهاد، وهو أول من يتخلى عنهم ويتركهم إلى مصائرهم، ثم يبتعد عنهم ليدعي لاحقا وسطيته وابتعاده عن التطرف وادعائه انحراف هؤلاء الشباب في فهم الدين الصحيح.

المصدر: صحيفة المدينة.

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك