شرعية السلطة في العالم العربي

 

الشرعية السياسية في أبسط تعريفاتها: هي قبول الناس لأن يلتزموا ويسمعوا للنظام السياسي القائم والحاكم قبولاً قائمًا على توافق وتوحد بين مبادئ الناس وقيمِهِم وثوابتهم العامة وبين النظام الحاكم ومؤسساته المختلفة، وبدون هذه الشرعية يصعب على أي نظام سياسي إدارة (ماكينة الحكم) بالقدرة الكاملة الضرورية لأي نظام مستقر استقرارًا سليمًا على أسس سليمة.

 

والقوة قد تساعد النظام السياسي في أي بلد على تحقيق الاستمرار بشكل أو بآخر، وقد تساعد على ضبط الأمور، وعلى إظهار النظام بشكل مهيب، ولكن تظل العلاقة بين الناس والنظام الحاكم في هذا البلد أو ذاك علاقةً مضطربةً وقلقةً، محكومةً بسوء الظن بين الاثنين، محكومةً بالرِّيبة والتشكك، وتظل هذه النقطة مصدر الضعف الدائم لأي سلطة وأي نظام سياسي.. فكل أشكال السطوة والرهبة والتسلُّط لا تُغني أبدًا عن حالة الاقتناع العام لدى الناس بأحقية هذا النظام أو ذاك في السلطة والحكم.. هذا الاقتناع أحد المكونات المهمة للشرعية، و(الشرعية) بهذا المعنى أكبر كثيرًا من أشكال التأييد المألوفة في عالمنا العربي، وأكبر من أشكال المعارضة المألوفة أيضًا في عالمنا العربي.

إن الشرعية لا علاقةَ لها بالوصف السياسي للنظام الحاكم ملكيًا كان أو جمهوريًا أو برلمانيًا، فهذه أشكال للسلطة ليس أكثر، والمهم هو التراضي عليها ومنع الاستئثار والاستبداد بها، وإن كان ثبت بدرجةٍ أو بأخرى أن النظام الجمهوري هو أفضل شكل تكون عليه السلطة إذا وُجدت الضمانات الكاملة للعملية الانتخابية من النزاهة والحيدة، وأيضًا مراقبة رأس المال والتوظيف السيئ له في هذا المجال من خلال سنِّ قوانين لذلك، ولكن تبقى الديمقراطية- رغم كل ذلك- أهون من كل أشكال الحكم الأخرى.

في كتاب (البحث عن الشرعية في العالم العربي) لأحد الكتاب الغربيين، متحدثًا عن العلاقة بين المجتمع والسلطة في العالم العربي يقول إنه حين تقوم السلطة في بلد ما في البلاد العربية بإجراء إحصاء- سكاني مثلاً- فإنَّ الناس يكذبون في الأرقام التي يقدمونها.. ووقف مؤلف الكتاب كثيرًا أمام هذه الظاهرة، محاوِلاً فهمَهَا وتفسيرَها.. وخلص إلى أن سبب ذلك حالة (الخوف المُفزع) التي تنتاب الناس حين يأتيهم آتٍ من قِبَل السلطة فهم يشكُّون فيها وفي دوافعها ونوع الأذى الذي تنوي عليه جرَّاء هذه الخطوة.. حالة الخوف من السلطة هذه، والتي يتوارثها الناس كما يتوارثون الممتلكات تقدَح في شرعية أي حكم وتجعله في مأزق غير مقبول.

الأمر اللافت للنظر أن معظم الأنظمة العربية- باختلاف أشكالها السياسية والدستورية- يكاد يكون خطابها العام واحدًا.. نفس المضمون.. نفس الروح.. نفس المفردات.. فالديمقراطية في أحسن حالاتها، والحرية والمساواة متوافرة كالماء والهواء، والعدالة ترفرف فوق رءوس الجميع.
الناس البسطاء بفطرتهم النقية وحسهم الدقيق على وعي كامل بالفارق الكبير بين ما يُقال وبين واقع الحال، وإذ يتكرر ذلك ويتأكد في الوعي العام للناس تكون النتيجة إحباطًا عامًا واكتئابًا عامًا وانصرافًا عامًا عن أي مشاركة أو انفعال أو اهتمام بالشئون العامة، ويظل اهتمام الفرد ينحسر حتى تكون الدنيا وما عليها هي (جلده وجيبه)، ويكون ذلك هو خط دفاعه الأخير عن وجوده في الحياة..!!

التوافق العام بين أبناء الوطن الواحد أحد أهم الأركان الأساسية التي تقوم عليها (الشرعية)، وهذا التوافق الذي لن يكون إلا بوجود (فكرة عامة) تسري وتنساب في عقول وقلوب وضمائر الجميع، توقظ الهمم، وتشحذ القدرات، وتلهب الشعور بكل المعاني والقيم الكريمة، وليس هناك ما يفوق الإسلام في إحداث هذا التأثير المنشود، سواءٌ كان دينًا يدين الناسُ به ويسعون به ويرجون به الله واليوم الآخر، أو كان حضارةً وثقافةً ينتمون إليها وتشكِّل إرثَهم المعرفي والتاريخي، وللأسف الشديد فهذه النقطة لا تشغَل المكان المناسب لدى الأنظمة الحاكمة في العالم العربي، اللهم إلا إذا تحدثوا عن السمع والطاعة وأولي الأمر منكم، أو في مناسبات موسمية، كما أن النخبة المثقفة لم تستلهم الإسلام بتمامه وكماله.

المصدر: http://www.abolfotoh.net/fotoh-articles/fotoh-political/item/365-%D8%A3%...

 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك