البروتوكولات

 

المؤلف: د.عبد الوهاب المسيري
يتصور البعض أن كُره اليهود والتشهير بهم وإظهار شرورهم الحقيقية أو المتخيلة هو أنجع طريقة لمحاربة الصهيونية. وانطلاقاً من هذا فإنهم يتصورون أن ترويج وثيقة مثل البروتوكولات هو جزء من التصدي للعدو الصهيوني، ولذا يخلعون عليها هالة من الأهمية ويحيطونها بكثير من الرهبة باعتبار أنها تشكل مفتاحاً لفهم الشخصية اليهودية والمشروعات الصهيونية. وهذه الدراسة تنطلق من عكس هذه المقولات، فهي ترى أن البروتوكولات وثيقة مزيفة. وذلك استناداً إلى بعض الحقائق التي نُشرت عن أصولها ومن خلال تحليل النص من الداخل..
**
(أصل البروتوكولات والموضوعات الأساسية فيها)
أثيرت مؤخراً ضجة إعلامية حول كتيب بروتوكولات حكماء صهيون، بعد أن كانت انتفاضة الأقصى قد هدّات من روعنا قليلاً وفتحت كوة من النور في خندق الهزيمة، وابتعدت بنا عن الحديث عن أذرع جيش الدفاع الإسرائيلي الطويلة التي بوسعها أن تصل إلى أي مكان، وعن سيطرة اليهود على الصحافة والإعلام والأموال وعلى العالم الغربي والشرقي والجنوبي والشمالي. وبعد أن بدأنا نتحدث عن التضحية والبذل والبطولات اليومية، ها نحن قد عدنا مرة أخرى إلى استخدام خطاب الهزيمة وإلى الحديث عن المؤامرة العالمية ضدنا، وكأننا لم نحرز الانتصارات المتتالية عليهم منذ أيام حرب الاستنزاف عام 1968، ثم حرب عام 1973، ثم هزيمتهم في جنوب لبنان... فما هي البروتوكولات؟
البروتوكولات وأصولها: بروتوكولات حكماء صهيون وثيقة يقال إنها كتبت عام 1897 في بازل بسويسرا، أي في نفس العام الذي عقد فيه المؤتمر الصهيوني الأول. بل ويزعم البعض أن تيودور هرتزل تلاها على هذا المؤتمر، وأنها نوقشت فيه. وتقع البروتوكولات البالغ عددها أربعاً وعشرين بروتوكولاً في نحو مائة وخمسين صفحة في الأصل الروسي والإنجليزي.
نشرت البروتوكولات أول ما نشرت عام 1905 ملحقاً لكتاب من تأليف سيرجي نيلوس، وهو موظف روسي كان يعمل في الكنيسة الروسية الأرثوذكسية، وكانت له اهتمامات صوفية متطرفة. وقد ادعى نيلوس أنه تسلم مخطوطة البروتوكولات عام 1901 من صديق له حصل عليها من سيدة ادعت أنها سرقتها من أحد أقطاب الماسونية في فرنسا. وقد لاقت البروتوكولات رواجاً كبيراً بعد نشوب الثورة البلشفية التي أسماها البعض آنذاك "الثورة اليهودية". وبلغت البروتوكولات قمة رواجها في الفترة الواقعة بين الحربين العالميتين. والرأي السائد الآن في الأوساط العلمية التي قامت بدراسة البروتوكولات دراسة علمية متعمقة هو أن البروتوكولات وثيقة مزورة. استفاد كاتبها من كتيب فرنسي كتبه صحفي يدعى موريس جولي.
حازت البروتوكولات على اهتمام بعض المشتغلين بالصحافة والإعلام والكتب الشعبية. وأحاطها بعضهم بهالة من الرهبة. فعلى سبيل المثال ادعى الأستاذ محمد خليفة التونسي في مقدمته الطويلة لترجمته للكتيب، أنه ما من أحد ترجم البروتوكولات أو عمل على إذاعتها بأية وسيلة إلا انتهت حياته بالاغتيال أو الموت الطبيعي ظاهراً، كما ادعى آخر أن اليهود يشترون كل نسخ الكتاب حتى لا تقع في يد أحد، وقد أفزعت هذه الشائعات كما يقول الأستاذ التونسي، بعض الناس ومنعتهم من ترجمتها. والملاحظ أن هذه الأقوال التي يرددها كثيرون آخرون من أنصار الفكر البروتوكولي التآمري، هي جميعها أقوال مرسلة لا سند لها. وأنا لا أعرف (ولا يعرف أحد من أساتذتي أو أصدقائي..) واقعة واحدة حدث فيها أن قُتل ناشر أو مترجم للبروتوكولات، وما أعرفه أن البروتوكولات طُبعت مئات الطبعات وتُرجمت إلى معظم لغات العالم.
وقد يكون من المفيد أن أذكر تجربتي مع كتابة موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية: نموذج تفسيري جديد، فعندما بدأت بكتابتها وصلني ثلاثة عشر خطاب تهديد بالقتل من منظمة كاخ.  ووصل لمساعدي الدكتور محمد هشام خطاباً بهذا المعنى ، وكان الهدف بطبيعة الحال ألا نستمر في عملنا، وجاء في إحدى الخطابات (إن لم تتوقف عن مهاجمة الصهيونية في أعمالك فإننا سنرديك قتيلا)، أبلغنا السلطات المصرية التي قامت بحمايتنا، بل إن الصحف الإسرائيلية أخبرت رئيس منظمة كاخ، أنه لو بدأ في عمليات اغتيال ضد المثقفين المصريين فيمكن أن يكون هناك رد فعل مصري عنيف، فارتدع، وهذا يبين أن قوة اليهود ليست مطلقة، وأنهم يفهمون في موازين القوى.
يدعي مروجو البروتوكولات أنها وثيقة سرية تحتوي على مقررات مؤتمر حكماء صهيون. وهو ادعاء لا يحتمل أي دراسة أو تمحيص، فمن الواضح أن البروتوكولات نص روسي غير يهودي بمعنى أن من كتبه ينتمي إلى التشكيل الحضاري الروسي وإلى الكنيسة الأرثوذكسية.
ابتداءً كُتب النص الأصلي باللغة الروسية، وهذا الأمر في حذ ذاته يُثير الشك والريبة في مدى صحة نسبته لحكماء صهيون. لأنه إذا كان حكيم حكماء صهيون قد دون خطبته لمؤتمر حكماء صهيون وأراد أن يحتفظ بها كوثيقة سرية، فلم كتبها بالروسية؟ لماذا لم يكتبها باللغة الآرامية، التي كان يجيدها كثير من الحاخامات آنذاك. والبروتوكولات وثيقة مشوشة ساذجة، تفتقر إلى ترابط الأفكار. وكاتب البروتوكولات جاهل بأمور التاريخ، فهو يؤكد أن حكماء صهيون قد تمكنوا من القيام بالثورة الفرنسية من خلال المحافل الماسونية لتخريب فرنسا والعالم. ومن الواضح أنه لا يعرف شيئاً عن أثر الثورة الفرنسية على يهود فرنسا والعالم. فمن المعروف أنه بعد اندلاع الثورة الفرنسية منحت الثورة أعضاء الجماعات اليهودية كل حقوق المواطنين، وحاولت دمجهم في المجتمع. ودمج أعضاء الجماعات اليهودية يقوض أساس الصهيونية التي تذهب إلى أن اليهود لا يمكنهم الاندماج في مجتمعاتهم، ومن ثم يجب نقلهم إلى فلسطين لتأسيس الدولة الصهيونية.
اليهود وعالم الأفكار: يُشير كاتب البروتوكولات إلى أن قوة اليهود لا تعرف حداً، فهم لن يهيمنوا على
المجتمعات وحسب عن طريق الصحافة والإعلام وقوة المال بل سيسيطرون كذلك على عالم الأفكار. ولهذا السبب اخترع حكماء صهيون، على حد قوله، أفكاراً مثل الحرية والإخاء والمساواة ليألبوا الشعوب على ملوكهم. وهذا القول بالغ السذاجة، فأفكار الحرية والإخاء والمساواة قديمة قدم البشرية نفسها، وبشرت بها جميع الأديان السماوية، وفي مقدمتها الإسلام، قبل كتابة البروتوكولات بعشرات القرون.
كما يذكر حكيم حكماء صهيون أنهم ابتكروا أفكاراً مثل الذاتية (أي الفردية) ليدمروا الحياة الأسرية بين غير اليهود. ولكن يبدو أن نجاحهم قد فاق الوصف والحدود ولذا اكتسحت الفردية أعضاء الجماعات اليهودية أنفسهم (فمعدلات الطلاق بينهم في الولايات المتحدة تزيد على معدلاتها بين الصينيين والهنود والمسلمين، فيبدو أن الفردية التي اخترعها حكماء صهيون قد ارتدت إلى نحرهم).
البروتوكولات كعريضة اتهام: تروج بروتوكولات حكماء صهيون باعتبارها المخطط الذي وضعه حكماء صهيون لإفساد العباد والهيمنة على العالم. وهذه أول أكذوبة. فالبروتوكولات ليست مخططاً  أو قرارات وإنما هي خطاب حكيم حكماء صهيون الموجه إلى بقية الحكماء. وقد لجأ كاتب البروتوكولات لهذه الحيلة حتى يُعطي وثيقته درجة من المصداقية.
وباختصار البروتوكولات تجعل اليهود مسئولين عن كل شيء؛ عن الخير والشر، وعن الثورة والثورة المضادة، وعن الاشتراكية والرأسمالية، أي أنها ترفعهم إلى مصاف الآلهة (أو الشياطين) القادرة على أي شيء وكل شيء.
**
(البروتوكولات واليهودية والعنف)
من الأدلة الأخرى على أن الوثيقة روسية، وأن صاحبها نسبها إلى اليهود، أن كاتبها لا يعرف شيئاً عن العقيدة اليهودية، أن لم يشر مرة واحدة إلى أي من الطقوس أو الأعياد اليهودية ولم يستخدم كلمة عبرية أو أرامية أو يدشية واحدة، كما أنه لم يشر إلى العهد القديم أو التلمود أو كتب الزوهار، وهي كتب تحتوي على ما هو أسوأ من البروتوكولات بمراحل.
يوجد في التراث الديني عدة كتب أخرى قبيحة مثل كتاب هاتانيا  الذي يؤكد أن الأغيار مخلوقات بهيمية شيطانية تماماً وخالية من الخير، وأن ثمة اختلافاً جوهرياً بين اليهودي وغير اليهودي. ولهذا يختلف الجنين اليهودي عن الجنين غير اليهودي، ووجود الأغيار في العالم أمر عارض، فقد خُلقوا من أجل خدمة اليهود.
كل هذه الأمور لا يعرفها كاتب البروتوكولات فخطابه ليس يهودياً رجعياً، أو يهودياً متعصباً، أو يهودياً مستنيراً، بل هو خطاب روسي متعصب جاهل بالأمور اليهودية.
أما التلمود فإنه يتضمن أفكاراً مثل الشعب المختار وضرورة العودة إلى أرض الميعاد، بل وأفكار أكثر تطرفاً تحمل الضغينة والكراهية نحو الآخرين. ولكننا نجد أيضاً عكس ذلك تماماً، فقد جاء في التلمود أن الروح القدس تستقر على الجميع اليهودي وغير اليهودي، كل امرئ حسب أفعاله، كما أن أحد الحاخامات قد أوصى بإطعام فقراء الأغيار مع فقراء اليهود، وبزيارة مرضاهم مثلما نزور مرضانا، وأن يدفن موتاهم مع موتانا حتى ندعم سبل السلام.
كل هذه التناقضات يمكن حلها بأن نتجاوز السببية النصوصية البسيطة، أي التي تدعي أن ما جاء في النص المقدس الذي يؤمن به إنسان ما هو وحده الذي يحركه. وما فعله الصهاينة أنهم استولوا على اليهودية وقاموا بصهينتها وركزوا على الجوانب العنصرية فيها وعلى فكرة العودة وعلى كُره الأغيار.
**
الجذور الغربية الإمبريالية للعنف الصهيوني)
إن تقديس الصهاينة للعنف هو إفراز طبيعي للحضارة العنصرية الإمبريالية التي كانوا يتحركون في إطارها. وانطلاقاً من هذا أعاد الصهاينة كتابة ما يسمى "التاريخ اليهودي".
واهتمام الصهاينة بالعنف مرتبط بمحاولتهم تحديث الشخصية اليهودية وتطبيعها وعلمنتها. ومن المعروف أن اليهودية الأرثوذكسية في بعض جوانبها طالبت اليهود بالانتظار الدائم لعودة الماشيح، وألا يتدخلوا في مشيئة الإله، لأن في هذا كفراً وتجديفاً.
ويقول ماكس نوردو إن اليهودي خلال ثمانية عشر قرناً من النفي، أصبح مترهل العضلات، ولذلك أقترح أن يُقلع عن قهر جسده، وأن يعمل على تنمية قواه الجسدية وعضلاته. 
إن العنف هنا يصبح الأداة التي يتوسل بها الصهاينة لإعادة صياغة الشخصية اليهودية، فاليهودي في هذا التصور يحتاج إلى ممارسة العنف لتحرير نفسه من نفسه ومن ذاته الطفيلية الهامشية.
ويرى كثير من اليهود المتدينين، الذين لم يجرفهم التيار الصهيوني، مثل حاخامات الناطوري كارتا (وهي جماعة يهودية أرثوذكسية ترفض الاعتراف بالدولة الصهيونية) أن الصهيونية هي أكثر المحن الشيطانية التي واجهت المجتمعات اليهودية في العالم. إذ أن الصهيونية تشبه اليهودية بشكل سطحي  وزائف، في حين أنهما في الواقع ضدان لا يجتمعان: "إن إسرائيل الحقيقية لا تقوم على المدافع، وإنما تقوم على الإيمان بالرب والتوراة". ولا يزال الصراع دائراً بين اليهود المتدينين والصهاينة.
**
(البروتوكولات الصهيونية)
تزعم المنظمة الصهيونية أنها عالمية، وقد وقعنا كعرب في هذا الفخ فصرنا نتحدث عن "الصهيونية العالمية"، إلا أننا لو دقننا النظر لوجدنا أنها أبعد ما تكون عن العالمية، فهي ظاهرة غربية من قمة رأسها إلى أخمص قدميها، ولسبب بسيط هو أن الغالبية الساحقة للجماعات اليهودية توجد أساساً إما في العالم الغربي، أو في جيوب استيطانية غربية (جنوب أفريقيا- الدولة الصهيونية)، ولا يوجد يهود في الهند أو اليابان أو الصين (التي لا يوجد فيها إلا حوالي عشرة يهود أن أردنا توخي الدقة) ولا يوجد يهود كذلك في أمريكا اللاتينية (إلا في بيونس إيريس في الأرجنتين وريو دي جانيرو في البرازيل) أو في دول أفريقيا. فكيف سيتأتى لحماة صهيون إنشاء حكومتهم العالمية إذن؟
والطريف أن البروتوكولات لم تذكر المخططات الصهيونية ذاتها من قريب أو بعيد، ولا يوجد ذكر لفلسطين أو لشعارات مثل "من النيل إلى الفرات" أو "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض". ولا يتعرض حكيم حكماء صهيون إلى واحدة من أهم معالم "المؤامرة" الصهيونية اليهودية وهي ضرورة التحالف مع الدول الكبرى وإنشاء جماعات ضغط داخلها. وكل هذا يدل على أن كاتب البروتوكولات لم يكن على علاقة كبيرة بالجماعات اليهودية سواء في روسيا أم خارجها أو حتى بالمخططات الصهيونية.
وإذا كانت الدولة الصهيونية هي فعلاً نواة الحكومة اليهودية العالمية التي ستهيمن على العالم، فما هي آليات تنفيذ هذا المخطط الإجرائي؟ هل عندها من المقومات والقوة الذاتية ما يجعلها قادرة على تغيير موازين القوى لصالحها وضد صالح الولايات المتحدة وأوربا والصين واليابان والهند؟ هل يمكن للرأسماليات الغربية الشرسة أن تترك اليهود يسيطرون على أسواق العالم؟ 
**
(نبوءات وأكاذيب بروتوكولية صهيونية)
يدعي البعض أن كل ما جاء في البروتوكولات قد تحقق بحذافيره أو في طريقه للتحقق، وأنها لو كانت وثيقة منحولة فإن صاحبها، يهودياً كان أم غير يهودي، هو محلل له نظرة ثاقبة ورؤية مستقبلية.
نحن نعرف أن الحرب القادمة ستكون حول المياه، ومع هذا لم تذكر البروتوكولات أي نبوءة عنها، ولم تقل شيئاً عن تحرك "اليهود" للاستيلاء على منابع النيل عن طريق ضمان وجود حكومات عميلة في إثيوبيا وأوغندا. فماذا حدث لمقدرات حكيم حكماء صهيون البروتوكولية؟ كما أن الصهاينة وأصدقائهم لا يكفون عن الحديث عن الهولوكوست، إي الإبادة النازية لليهود، ويعدونها أهم حدث في تاريخ اليهود في العصر الحديث، ومع هذا لم يتنبأ بها حكيم حكماء صهيون بل إنه توقع العكس تماماً.
ومن الأهداف الاستراتيجية الصهيونية، التي أخفق الصهاينة في تحقيقها:
1/ تنبأ الصهاينة بأن الحركة الصهيونية ستقوم بجمع شمل المشتتين اليهود. ولكن هذا الهدف لم يتحقق من قريب أو بعيد. فإسرائيل لا تزال دولة أقلية نظراً لأن يهود العالم – خاصة يهود أمريكا المندمجين – يرفضون تنفيذ النبوءة الصهيونية بالهجرة إلى أرض الميعاد، مكتفين بالتشوق الدائم لها.
2/ الدولة اليهودية التي شيدها الصهاينة ليست هي المدينة الفاضلة التي تحدث عنها المفكرون الصهاينة بل إنها بعيدة كل البعد عن أن تكون دولة "أمة الروح" التي تقدم لأمم الأرض مثلاً يُحتذى، إنها في واقع الأمر ثكنات عسكرية ضخمة منظمة تنظيماً عسكرياً.
3/ ادعى الصهاينة أن المجتمع الصهيوني (اليهودي) سيكون مختلفاً عن المجتمعات الأخرى، بسبب شخصية اليهود الفريدة، ولكن المجتمع الإسرائيلي يواجه معظم المشاكل التي يواجها أي مجتمع صناعي حديث، وبذا تبخرت فكرة الشعب المختار بعد مواجهة قصيرة مع الواقع العملي.
ولنذكر بعض نقاط الإخفاق الكثيرة التي ارتكبتها المخابرات الإسرائيلية:
1/ فشلت المخابرات الإسرائيلية في معرفة أي شيء عن صفقة الأسلحة التشيكية مع مصر قبل وقوعها.
2/ فشلت المخابرات الإسرائيلية في مكافحة اختطاف الطائرات وفي حماية بعض عملائها في الخارج.
3/ أخفقت المخابرات الإسرائيلية في التنبوء بانتفاضة 1987، واستمرت في تسميتها "اضطرابات" لعدة شهور.
4/ توهمت المخابرات الإسرائيلية أن ما يسمى "عملية السلام" ستخدر الفلسطينيين والشعب العربي، وفوجئت باندلاع انتفاضة الأقصى، وبحجم التأييد الشعبي العربي لها.
وما يهمنا في هذا الأمر أن نبين أن من يتحدث عن النبوءات الصهيونية التي تحققت لم يدرس الأمر بما فيه الكفاية ولم يقدم الصورة الكلية، فوقع صريع الرؤية الصهيونية التي تجتزئ الواقع، وتركز على بعض الجوانب وتتجاهل الجوانب الأخرى. وهذا ما تفعله البروتوكولات.
**
 
 
(الصهيونية الاستعمارية الغربية)
يرى حَمَلة فكر المؤامرة أنه يجب تصعيد الكراهية ضد اليهود كجزء من حربنا ضد الصهيونية. وهنا لا بد أن نطرح القضية بشكل أوسع، فثمة خلل تصنيفي أساسي لظاهرة الصهيونية، إذ يصر الكثيرون على أنها ظاهرة يهودية لا يمكن أن تُفهم إلا في إطار يهودي. ولكن الدراسة الفاحصة ستبين أن العكس هو الصحيح، فالصهيونية ظاهرة غربية تماماً من الناحية النظرية والتطبيقية. فالفكر الصهيوني تبلور على يد مفكرين غير يهود قبل أن يظهر مفكرون صهاينة بين اليهود.
قد يُدهش بعض القراء حينما يعرفون أن الأيديولجية الصهيونية نبتت في تربة غير يهودية ثم تحددت معالمها الأساسية في منتصف القرن التاسع عشر على يد مفكرين صهاينة غير يهود يكنون كراهية عميقة لليهود، ثم تبنته بعض القيادات اليهودية (التي تكره اليهود أيضاً).
ومن الأمثلة على صهيونية غير اليهود الاستعمارية الغربية المبنية على كُره اليهود والرغبة في نقلهم خارج أوروبا وتوظيفهم لصالح الغرب، الوعد البلفوري الروسي القيصري. فقد قام هرتزل بمقابلة فون بليفيه، وزير الداخلية الروسي المعادي لليهود، بتفويض من المؤتمر الصهيوني الخامس حتى يحصل على تصريح يُعبر عن نوايا الروس يتلوه في المؤتمر الصهيوني السادس المزمع عقده سنة 1903 وبالفعل صدر الوعد البلفوري القيصري على النحو التالي: ما دامت الصهيونية تحاول تأسيس دولة مستقلة في فلسطين، وتنظيم هجرة اليهود الروس، فمن المؤكد أن تظل الحكومة الروسية تحبذ ذلك. وتستطيع الصهيونية أن تعتمد على تأييد معنوي ومادي من روسيا إذا ساعدت الإجراءات العملية التي يفكر فيها على تخفيف عدد اليهود في روسيا.
وأكد فون بليفيه دون مواربة أو حياء أن الهدف هو التخلص من اليهود عامة باستثناء الأثرياء منهم، وجاء هذا واضحاً في قوله: ".... إن نجاح اليهود في إقامة دولة مستقلة لهم تستوعب عدة ملايين منهم لهو أمر نقبله وندعمه...إننا لا نريد التخلص من جميع اليهود الروس... إننا نريد فقط التخلص من المعدمين والمضطربين".
يتصور البعض أن جهود بلفور الصهيونية هي تعبير عن حبه العميق لليهود، ولكن الواقع هو عكس ذلك. فبلفور يرى اليهود مجرد وسيلة للتعجيل بالخلاص سينقل إلى فلسطين لذبحه أو تنصيره. ويتجلى كُره بلفور لليهود في تلك المقدمة التي كتبها لمؤلف سولوكوف تاريخ الصهيونية حيث يُبدي معارضته لفكرة المستوطن البوذي أو المستوطن المسيحي، فالمسيحية والبوذية في رأيه هما مجرد أديان، ولكنه يقبل فكرة المستوطن اليهودي لأن "العرق والدين والوطن" أمور مترابطة بالنسبة إلى اليهود. كما أن ولاءهم لدينهم وعرقهم أعمق بكثير من ولائهم للدولة التي يعيشون فيها. وقد أعلن بلفور أن ولاء اليهود للدولة التي يعيشون فيها ضعيف إذا ما قورن بولائهم لدينهم وعرقهم، وذلك نتيجة طريقتهم في الحياة ونتيجة عزلتهم، فهم لا يتزاوجون إلا من بني جنسهم، وهذا اتهام لليهود بأنهم جماعة لا تندمج كما أنها تعاني من ازدواج الولاء بل ومن انعدامه أحياناً، وهو اتهام يوجهه دائماً الصهاينة ومعادو اليهود لما يسمونه "الشخصية اليهودية".
ورغم تبلور الفكر الصهيوني وتبني بعض المفكرين اليهود له، ورغم صدور وعد بلفور، فقد ظل المشروع الصهيوني فكرة، أو مخططاً نظرياً، لا تسانده أية جماهير يهودية ولا يستند إلى أي أساس من القوة لأن الغالبية الساحقة من يهود العالم رفضت الفكرة الصهيونية وعارضت الحركة الصهيونية لأنها أدركت الكره والعنصرية الكامنة وراءها.
ورغم تغير أسباب نقل اليهود (سواء بسبب الوعد الإلهي أو وعد بلفور) فإن العنصر الثابت هو العنصر الاستعماري الاستيطاني الاحلالي: نقل كتلة بشرية من الغرب وتوطينها في الشرق لتحل محل السكان الأصليين. وبهذا يمكن القول إن صهيونية اليهود الاستعمارية لم تكن سوى آلية لتسويق صهيونية غير اليهود الاستعمارية المبنية على كراهية اليهود والداعية إلى تخليص أوروبا منهم وتوظيفهم لصالحها، أي أن الصهاينة اليهود تبنوا الحل الاستعماري الغربي للمسألة اليهودية ووضعوا الصهيونية داخل التشكيل الإمبريالي الغربي. والسمة الأساسية للإمبريالية الغربية هي أنها كانت تهدف إلى حل مشاكل المجتمع الأوربي عن طريق "تصديرها" إلى أفريقيا وآسيا. فعلى سبيل المثال يمكن حل مشكلة المواد الخام اللازمة للمصانع البريطانية عن طريق تحويل مصر إلى مزرعة قطن. أما مشكلة زيادة السكان أو "الفائض البشري"، - كما كانوا يطلقون عليه - وجزء كبير منه كان من اليهود، فيمكن حلها بطريقة مماثلة، أي عن طريق تصديرها.
ويبدو أن التعاون بين الصهيونية والاستعمار الغربي من أول وأكثر الموضوعات إلحاحاً في الأدبيات الصهيونية (اليهودية وغير اليهودية) فقد استشهد سوكولوف في الجزء الثاني من كتابه تاريخ الصهيونية، بخطاب مؤرخ عام 1798 بعث به يهودي إلى بني ملته يدعوهم فيه إلى العودة إلى بلاد تمتد من صعيد مصر إلى البحر الميت، الأمر الذي سيجعلهم متحكمين في "تجارة الهند والعرب وجنوب شرق أفريقيا". ثم أضاف كاتب الخطاب قائلاً إن مجلس اليهود سيعرض على الحكومة الفرنسية حماية الشعب اليهودي، نظير أن يشارك تجار فرنسا وحدهم في تجارة الهند وخلافها.
ويبدو أن المخطط الصهيوني لم يكن يهدف إلى تسخير المستوطنين الصهاينة في فلسطين كخدمة للإمبريالية وحسب، بل كان يأمل – على ما يبدو – في تسخير كل التجمعات اليهودية في جميع أنحاء العالم (أين هذا من الزعم البروتوكولي بأن اليهود سيسيطرون على العالم وسيسخرون البشر في خدمتهم؟)
وثمة موضوع آخر يتكرر بصفة منتظمة في كتابات المفكرين والزعماء الصهاينة، وهو أن "يهودية" الدولة التي ستنشأ على أرض فلسطين هي الضمان الأكيد لولائها وعمالتها للقوى الاستعمارية. فقد كان نوردو على سبيل المثال يرى أن بريطانيا مهددة من الاتحاد السوفيتي وبسبب ظهور القومية العربية وتطلعات العرب نحو الوحدة، وبين أن العامل الأخير بخاصة سيُعرّض سيطرة بريطانيا على قناة السويس للخطر. ولذا أكد نوردو أن وجود حليف موثوق به أمر يجب أن يلقى الترحيب، فالصهيونية تعرض أن تكون هذا الحليف بشرط أن تمنحها بريطانيا الفرصة لأن تكون دولة يهودية قوية في أرض الآباء.
ويثير بعض البروتوكوليين وغيرهم عدة اعتراضات على هذا الطرح الذي يجعل من الصهيونية جزءً من تاريخ التشكيل الحضاري والاستعماري الغربي وليست جزءً من تاريخ يهودي عالمي، والذي يؤكد أنه في علاقة الغرب بالدولة الصهيونية (وبالذات الولايات المتحدة) فإن الإمبراطورية الأمريكية هي التي توظف إسرائيل وتتحكم فيها، فيقول البروتوكوليون إن هذا الطرح "يبرئ" ساحة اليهود لأنه يجعل من اليهود مجرد ضحية مستغلة من قبل الغرب، والرد على هذا أننا لسنا في مجال محاكمة "اليهود أو الصهاينة"، وإنما نحاول فهمهم وفهم دوافعهم ورؤيتهم ومخططاتهم، فإن اكتشفنا أن إسرائيل دولة وظيفية عميلة أسست لتقوم على خدمة الغرب والدفاع عن مصالحه، فعلينا أن نتحرك في إطار هذا الإدراك، ونحدد من هو العدو المباشر ومن هو العدو غير المباشر الذي يقوم بدعم عدونا. 
**
الصهيونية ذات الديباجات اليهودية:
يلاحظ أن مؤسسي الحركة الصهيونية لم يعيروا اليهودية أي التفات إلا باعتبارها مشكلة تبحث عن حل، بل أظهر بعضهم عداءٍ واضحاً لها. فتيودور هرتزل تعمّد انتهاك العديد من الشعائر الدينية اليهودية حين قام بزيارة المدينة المقدسة، كي يؤكد أن رؤيته الصهيونية هي رؤية لا دينية. وكان حاييم وإيزمان،، أول رئيس للدولة الصهيونية، يتلذذ في بعض الأحيان "بمضايقة الحاخامات بشأن الطعام المباح شرعاً". وعني المستوطنون الصهاينة عناية غير عادية بالتأكيد على الطبيعة اللادينية وغير التقليدية لمشروعهم. ولعل هذا ما دفعهم إلى التخلي عن لقب "اليهود" وتبني لقب "العبرانيين" بدلاً منه.
ولو استعرضنا موقف الصهاينة من بعض المفاهيم الدينية الأساسية، لاكتشفنا أنهم قد أخفقوا بالفعل في فهمها، فقاموا برفضها أو إعادة صياغتها بطريقة جوهرية. ولنأخذ مفهوم صهيون مثلاً على هذا، فحسب التفسير الديني التقليدي الأرثوذكسي، (حتى نهاية القرن التاسع عشر)، نجد أن صهيون أو فلسطين هي المكان الذي اختاره الله واصطفاه (بالمعنى الديني)؛ فارتباط اليهودي بها هو ارتباط ديني وحسب، يشبه في كثير من الوجوه ارتباط المسلم بأرضه المقدسة، ولذا عد الاستيطان في الأرض المقدسة عملاً خيرياً.
أما بالنسبة لهرتزل، فلم تكن صهيون مرتبطة في ذهنه برؤية الخلاص، وإنما هي مجرد فرصة للاستيطان والاستثمار، وكان هذا هو السبب في إيمانه بأنه يجب تحديد موقع صهيون الجديدة بأسلوب وضعي على أنه قضية "علمية خالصة". فكتب هرتزل في يومياته أن اهتمامه كان مركزاً على إقامة الدولة في منطقة "ذات مناخ متنوع يوافق اليهود الذين اعتادوا العيش في مناطق أكثر برودة أو أكثر دفئاً". واقترح أن يكون "موقعنا على البحر" لتسهيل عمليات الاستيراد والتصدير، كما يجب أن تكون لدينا مساحات واسعة من الأراضي تحت تصرفنا حتى نتمكن من استخدام الميكنة الزراعية على نطاق واسع.
ولم يهتم ليو بنسكر، المفكر والزعيم الصهيوني الروسي، كثيراً بالموقع الفعلي للمنطقة التي تُختار للاستيطان اليهودي. فقد كان مؤمناً بأن هذا الاستيطان يمكن أن يتم في أي من نصفي الكرة الأرضية. وهذه القطعة من الأرض يمكن أن تكون رقعة في الولايات المتحدة أو ولاية كتلك التي تقوم عليها مقاطعات  باشاوات آسيا التركية. بل وصل بنسكر إلى حد القول بأن اليهود يجب ألا يتعلقوا بفلسطين وألا يحلموا باستعادة يهودا القديمة. وحتى عندما وقع الاختيار على فلسطين، فلم يألُ هرتزل جهداً في تأكيد الطبيعة اللادينية لهذا الاختيار. إذ أخبر البابا بيوس العاشر أن الصهاينة "لا يطالبون بالقدس" أو مثل هذه الأماكن المقدسة، وإنما ينصب جل اهتمامهم على الأرض العلمانية فقط".
ينطلق الصهاينة اليهود مما يسمى الدياسبورا، أي رفض الوجود اليهودي خارج فلسطين، أي رفض كل يهودي لا يُهاجر إلى فلسطين ويستوطن فيها.
ويُنكر الصهاينة كل إنجازات عصور الشتات، ويؤكدون أن المساهمات اليهودية التي تمت على "أرض أجنبية" هي محض خيانة للروح اليهودية النقية. ومثل هذا الوصف السلبي للشتات أمر جوهري بالنسبة للفكرة الصهيونية، لأنه إذا افترض أن حياة اليهود خارج إسرائيل صحية نشطة لها نصيبها الطبيعي من السعادة والمعاناة الإنسانيتين، فماذا يكون إذن مبرر وجود الدولة الصهيونية؟ ولماذا توجد الصهيونية أصلاً؟
**
سيطرة اليهود على الإعلام ونفوذ اللوبي الصهيوني"
تشير كلمة "لوبي" بالمعنى المحدد والضيق للكلمة إلى جماعات الضغط التي تسجل نفسها رسمياً باعتبارها كذلك. واللوبي الصهيوني بالمعنى العام لا يتكون من عناصر يهودية وحسب وإنما يضم عناصر غير يهودية أيضاً، وهو يضم كل أصحاب المصالح الاقتصادية وأصحاب الرؤى الاستراتيجية الذين يرون أن تفتيت العالم العربي والإسلامي يخدم مصالحهم. ولا يوظف اللوبي اليهودي الصهيوني العناصر اليهودية والصهيونية وحسب، وإنما يوظف عناصر ليست يهودية  ولا صهيونية (بل وقد تكون معادية لليهود واليهودية) ولكنها مع هذا توظف نفسها دفاعاً عنه وعن مصالحه، بسبب الدور الذي تؤديه الدولة الصهيونية في الشرق الأوسط وبسبب تلاقي المصالح الاستراتيجية الغربية والصهيونية.
يُعد اللوبي اليهودي والصهيوني أداة ضغط فعالة في يد من يمثلون مصالح الدولة الإسرائيلية، ويمكن تلخيص مصادر قوته فيما يلي:
1/ يستند اللوبي اليهودي والصهيوني إلى قاعدة واسعة من الناخبين من أعضاء الجماعة اليهودية.
2/ من أسباب قوة اللوبي اليهودي والصهيوني ارتفاع المستوى التعليمي لأعضاء الجماعات اليهودية.
3/ يوجد عدد كبير من المثقفين الأمريكيين اليهود الذين أصبحوا جزءً عضوياً من النخبة الحاكمة.
4/ الجماعة اليهودية جماعة منظمة لدرجة كبيرة، وهذا يجعلها قادرة على مضاعفة قوتها وزيادة نفوذها لدرجة لا تتناسب مع أعداد أعضائها.
والافتراض الكامن في كثير من الأدبيات العربية أن اللوبي الصهيوني هو الذي يؤثر في صناع القرار الأمريكي، بل ويرى البعض أنه يسيطر سيطرة تامة على مراكز صنع السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط، وهذا يعني بطبيعة الحال أن اللوبي الصهيوني هو لوبي يهودي وأن اليهود يشكلون قوة سياسية وكتلة اقتصادية موحدة خاضعة بشكل شبه كامل للسيطرة الصهيونية ويتحركون وفق توجيهاتها، وان بإمكان أقلية قوامها 2,4% من السكان وآخذة في التناقص أن تتحكم في سياسة إمبراطورية عظمى مثل الولايات المتحدة.
كما يفترض المفهوم أن العلاقة بين إسرائيل والولايات المتحدة علاقة عارضة متغيرة وليست استراتيجية مستقرة، وأن تأييد الولايات المتحدة لإسرائيل ناجم عن عملية ضغط عليها "من الخارج" تقوم به قوة مستقلة لها آلياتها المستقلة، وليس نابعاً من مصالح الولايات المتحدة أو من إدراكها لهذه المصالح. ويستند إدراك كثير من المنادين بمقولة قوة اللوبي الصهيوني إلى مجموعة من المقدمات المنطقية المعقولة والتي تكاد تكون بدهية، من وجهة نظرهم. فنحن إذا حكمنا العقل ودرسنا الواقع بشكل موضوعي لتوصلنا إلى أنه ليس من صالح الولايات المتحدة الأمريكية أن تدخل في معركة مع الشعب العربي، بل ومن صالحها أن تتعاون معه في كل المجالات الممكنة، كما أن الأسواق العربية من أهم الأسواق من منظور تسويق السلع وكذلك استثمار رأس المال. والعلاقة الطيبة بين الدول العربية والولايات المتحدة ستؤدي حتماً إلى تحسين صورتها لا في العالم العربي وحسب، بل في العالم الثالث بأسره. ولكن الولايات المتحدة تتمادى في تأييد إسرائيل وتقف وراءها بكل قوة وتستجلب على نفسها عداء العرب. مثل هذا الوضع شاذ وغير عقلاني لا يمكن تفسيره إلا بافتراض وجود قوة خارجية.
ولكن ما لم يطرأ لمثل هؤلاء على بال أن من المحتمل أن الولايات المتحدة لا تدرك "مصالحها" بهذه الطريقة التي يتصورون أنها عقلانية بل لعلها ترى أن "عدم الاستقرار أو عدم الاستقرار المحكوم" أفضل وضع بالنسبة لها، وأن وضع التجزئة العربية هو ما يخدم مصالحها، وأن إسرائيل هي أداتها في خلق حالة عدم الاستقرار المحكوم هذه، والخادم الحقيقي لمصالحها.
ومما لا شك فيه أن عملية اتخاذ القرار السياسي في العالم الغربي مركبة لأقصى حد، فهي تتم من خلال مؤسسات يديرها علماء متخصصون بطريقة رشيدة، بمعنى أنها تتبع إجراءات معروفة ومحددة لا تخضع للأهواء الشخصية، ولذا لا يُتخذ القرار إلا بعد توفير المعلومات اللازمة وإشراك المستشارين والمتخصصين.
كما أن المفهوم الصهيوني لعالمنا العربي يتفق تمام الاتفاق مع المفهوم الغربي، فالصهاينة يشيرون إلى فلسطين باعتبارها "أرضا بلا شعب"، وإلى الضفة الغربية باعتبارها "يهودا والسامرة"، وهي مصطلحات تلغي التاريخ العربي تماماً، وهم يشيرون إلى الشرق الأوسط على أنه "المنطقة" وهو اصطلاح يشبه في كثير من الوجوه اصطلاح "الفراغ" فكلاهما يؤكد فكرة أن عالمنا العربي مكان بلا زمان وجغرافيا بلا تاريخ.
هذا هو السر الحقيقي للنجاح الصهيوني في الغرب، فهو لا يعود إلى سيطرة اليهود على الإعلام، أو لباقة المتحدثين الصهاينة، أو إلى مقدرتهم العالية على الإقناع، أو إلى ثراء اليهود، وإنما يعود إلى أن صهيون الجديدة جزء من التشكيل الاستعماري الغربي، وإلى أنه لا يمكن الحديث عن مصالح يهودية وصهيونية مقابل دولة وظيفية عميلة للولايات المتحدة تؤدي كل ما يوكل إليها من مهام بنجاح وتنصاع تماماً للأوامر. 
إن قوة الحركة الصهيونية تنبع من أنها تخدم المصالح الأمريكية لا لأنها تقف ضدها. وهكذا يجب أن نفهم سر سطوة الإعلام الصهيوني وسر نفوذ اللوبي.
نذهب إذن إلى أن "سر" نجاح اللوبي اليهودي والصهيوني هو أنه يدور في إطار المصالح الاستراتيجية الغربية وأنه يعرض دولته الصهيونية باعتبارها أداة، أي أن مصدر نجاحه لا يعود لقوته الذاتية أو لعناصر كامنة فيه، وإنما بسبب اتفاق مصلحته مع مصلحة الغرب الاستراتيجية. والنموذج السائد في الخطاب التحليلي العربي (الرسمي والشعبي) هو عكس هذا، فهو يفترض أن نجاح الصهاينة يعود لقوتهم الذاتية ومن ثم يفسر تزايد الدعم الغربي لإسرائيل على أساس تعاظم النفوذ اليهودي والصهيوني، فإن زاد الثاني زاد الأول. ولاختبار هذه الأطروحة الشائعة، سنورد بعض الشواهد والقرائن التاريخية والحديثة:
1/ أن من دعى لإنشاء دولة يهودية في فلسطين في العصر الحديث هو نابليون بونابرت، وهو أيضاً أول غازِ غربي للشرق العربي في العصر الحديث، وما يجدر ذكره أن نابليون كان معادياً لليهود.
2/هناك حشد هائل من الساسة البريطانيين دعوا لإقامة دولة يهودية في فلسطين، إما قبل ظهور الحركة الصهيونية بين اليهود أو في غياب لوبي يهودي أو صهيوني، ومما يجدر ذكره أن كل هؤلاء الساسة كانوا ممن يكرهون اليهود، وبخاصة بلفور، ولكنهم جميعاً وجدوا أن ثمة فائدة استراتيجية تعود على إنجلترا لو أسست دولة صهيونية.
3/ إذا نظرنا إلى سياسة كل من إنجلترا وفرنسا في الوقت الحالي تجاه الشرق الأوسط لوجدنا أنها تتفق مع السياسة الأمريكية والتوجه الاستراتيجي الغربي بشكل عام مع اختلافات طفيفة. ويستطيع الباحث المدقق أن يجد أن سياسة إنجلترا أكثر اقتراباً من السياسة الأمريكية وأكثر دعماً لإسرائيل، وأن السياسة الفرنسية أكثر ابتعاداً وربما اعتدالاً (من وجهة نظر عربية) ولو حاول تفسير هذا الاختلاف على أساس النفوذ الصهيوني لباءت محاولته بالفشل:
( أ ) فالجماعة اليهودية في إنجلترا ضعيفة لأقصى حد من الناحية الكمية، أما من الناحية الكيفية فهي أكثر الجماعات اندماجاً وهي آخذة في التناقص.
( ب ) أما في فرنسا فتوجد جماعة يهودية يبلغ تعدادها 700 ألف وهي جماعة اكتسبت لوناً يهودياً قوياً نوعاً ما بعد هجرة يهود المغرب العربي، وهي جماعة ذات نفوذ قوي في الإعلام وغيره.
وأعتقد أنه لتفسير موقف كلا البلدين يجب ألا نعود إلى قوة أو ضعف الجماعة اليهودية في كل منهما وإنما إلى موقف كليهما من التحالف الغربي وإلى رؤية كل منهما له.
4/ وإذا نظرنا إلى دول مثل هولندا وبلجيكا فلا يمكن تفسير تأييدها لإسرائيل استناداً إلى مقولة اللوبي اليهودي الصهيوني، فالوجود اليهودي في كثير من هذه البلدان يكاد يكون منعدماً.
يمكن القول بأن كل الأمثلة التي وردت من قبل مستمدة من تاريخ إنجلترا أو فرنسا أو الاتحاد السوفيتي وأن الولايات المتحدة حالة مختلفة تماماً وأن النفوذ الصهيوني مسيطر عليها بشكل لم يحدث من قبل أو بعد. ولذا فلنحاول اختبار نموذجنا التفسيري الأساسي: إن المصالح الاستراتيجية/ الغربية (الأمريكية في هذه الحالة) هي التي تحدد القرار الأمريكي، وأن الضغوط الصهيونية – من خلال اللوبي أو الإعلام -  ذات أهمية ثانوية، فهي قد تؤخر القرار قليلاً، وقد تُعدل شكله ولكنها لا تُحدده أو تُعدل اتجاهه الأساسي. ويمكننا أن نذكر الأحداث المهمة التالية للتدليل على مقولتنا:
1/ هناك عدد كبير من رؤساء الجمهورية في الولايات المتحدة ممن دعوا لإنشاء دولة يهودية في فلسطين، حتى قبل أن توجد جماعة يهودية ذات وزن من الناحية العددية والنوعية في أمريكا الشمالية.
2/ المؤسس الحقيقي للوبي الصهيوني في الولايات المتحدة (بالمعنى العام غير الشائع الذي نطرحه) هو وليام بلاكستون الصهيوني غير اليهودي، الذي أرسل عام 1891 التماساً إلى الرئيس الأمريكي هاريسون يحثه فيه على "إعادة" فلسطين لليهود. وقد وقع على هذا الالتماس عدد من الشخصيات المسيحية واليهودية. ولكن كانت هناك معارضة يهودية قوية لمثل هذه الاتجاهات الصهيونية، إما من منظور ديني أو منظور اندماجي. وقد تصاعدت الاتجاهات الصهيونية (الاستعمارية الغربية غير اليهودية) بين أعضاء النخبة الحاكمة الأمريكية مع تزايد اهتمام الولايات المتحدة بالشرق الأوسط، فأيدت الولايات المتحدة وعد بلفور، رغم احتجاج عدد كبير من أعضاء الجماعة اليهودية.
3/ حينما تحالفت إسرائيل مع إنجلترا وفرنسا عام 1956 وشنت العدوان الثلاثي على مصر، دون موافقة الولايات المتحدة، عوقبت أشد العقاب، إذ أن الاستراتيجية الأمريكية حينذاك كانت أن تلعب الإمبريالية الأمريكية دوراً نشطاً في الشرق الأوسط وتحل محل الاستعمار التقليدي (الإنجليزي والفرنسي) وتملأ هي "الفراغ" الناجم عن انسحابهما منه. والدولة الصهيونية باشتراكها في هذه المغامرة وقفت ضد المخطط الأمريكي ولذا كان من الضروري تأديبها.
 
4/ لوحظ أن بعض الإسرائيليين واليهود السوفييت المقيمين في الولايات المتحدة قد أسسوا عصابات تمارس الجريمة المنظمة (المافيا) ولها نشاط في عالم المخدرات وتزييف النقود. ولم يتردد الكونجرس الأمريكي في إجراء تحقيق في الموضوع ونشر نتائج التحقيق، وهو ما أساء لصورة اليهود الإعلامية.
5/ ثم جاءت حرب الخليج فأثبتت بما لا يقبل  أي شك أن الدولة الصهيونية تتحرك داخل إطار الاستراتيجية الغربية وليس داخل إطار المصالح اليهودية أو الصهيونية الوهمية. فقد طلبت الولايات المتحدة  من القوات الإسرائيلية أن تلزم ثكناتها وأن تتلقى الصواريخ العراقية دون أن تحرك ساكناً. وقد امتثلت الدولة الصهيونية لهذه الأوامر، وسُميّ هذا "ضبط النفس".
**
أسباب ازدها الأسطورة البروتوكولية: يمكننا القول إن تضخيم قوة اللوبي والإعلام الصهيوني وجعلهما مسئولين عن كل ما يحدث في الغرب هي أسطورة قد يكون لها علاقة ما بالواقع، ولكنها ذات مقدرة تفسيرية ضعيفة لعدم إحاطتها بكل جوانب هذا الواقع ولعجزها عن التمييز بين ما هو جوهري وما هو فرعي فيه.
هل لو أن اليهود اختفوا تماماً ولم يعد لهم من أثر، ولو ان إسرائيل اختفت من على خريطة العالم، هل ستتغير سياسة الولايات المتحدة وتصبح قوة مسالمة مع القوى القومية والداعية للسلام والبناء، أم أنها كانت ستبحث عن عملاء آخرين وعن أشكال أخرى من التدخل؟ هذا هو السؤال الذي وجهته مرة للسناتور الأمريكي السابق جيمس أبو رزق (من أصل عربي) وكان رده أنه لا يمكن تخيل العالم بدون يهود أو الشرق الأوسط بدون إسرائيل!
والإجابة لا تدل على عجز السناتور أبو رزق عن التخيل بقدر ما تدل على كفاءته النادرة في المراوغة.
ورغم ضعف المقدرة التفسيرية لأسطورة نفوذ اللوبي الصهيوني إلا أنها تزدهر وتترعرع لعدة أسباب:
1/ يروج الصهاينة أنفسهم لأسطورة اللوبي ويرسخونها في الأذهان. ولا شك في أن الصهاينة يستفيدون من مثل هذه الشائعات والأساطير، فهي تضفي عليهم أهمية لا يستحقونها، وتنسب لهم قوة تزيد وزنهم وهو ما يُحسن وضعهم التفاوضي.
2/ نجحت الدولة الصهيونية الوظيفية في إنجاز مهمتها باعتبارها قاعدة عسكرية رخيصة وحارس للمنطقة العربية.
3/ تروج الحكومة الأمريكية ذاتها لمثل هذه المزاعم البروتوكولية عن اللوبي الصهيوني للإيحاء بأنها ترغب في اتخاذ مواقف أكثر اعتدالاً تجاه القضايا العربية ولكنها لا تستطيع ذلك بسبب اللوبي الصهيوني، وبذا يصبح الدعم الأمريكي السخي والمستمر لإسرائيل أمر يتم رغم إرادة الولايات المتحدة وضد رغبتها.
4/ تستفيد الأنظمة العربية من أسطورة اللوبي اليهودي والصهيوني. فهي تبرر الهزيمة العربية إذ تجعلها شيئاً متوقعاً ومفهوماً، كما أن ساحة القتال تنتقل من فلسطين إلى غرف الكونجرس وشوارع واشنطن وباريس حتى يتسنى لهذه الأنظمة العربية ممارسة ضغط يُشبه الضغط اليهودي!
إن توافق المصالح، وتوافق الإدراك الغربي والصهيوني، هو سر نجاح إسرائيل الإعلامي ومصدر قوة اللوبي الصهيوني وليس العكس، وهي العوامل التي تحدد في نهاية الأمر السلوك الغربي.
**
إخفاق الخطاب البروتوكولي من الناحية المعرفية والعملية والأخلاقية: يمكننا القول إن الفكر البروتوكولي التآمري يخفق على مستويات ثلاث، المعرفية والعملية الإجرائية، والأخلاق الدينية.
ولنبدأ بالمستوى المعرفي: الخطاب البروتوكولي التآمري هو نتيجة كسل فكري شامل وتعطيل كامل للعقل، ويتضح هذا في كثير من اوجه هذا الخطاب. فعلى سبيل المثال، يُلاحظ أن البروتوكولات، وكل النصوص البروتوكولية التآمرية تحتوي على آراء كثيرة عن الآخر واتهامات عريضة موجهة إليه وقصص وروايات تبين شره المستفحل دون أن تأتي بأدلة أو براهين، وإن أتت بأدلة فهي عادة واهية منفصلة عن أي سياق. إن حملة الفكر البروتوكولي التآمري لا يدرسون الظواهر بطريقة مركبة ليعرفوا أسبابها وأبعادها وكيفية التعامل معها، وهم لهذا السبب يختزلون أي ظاهرة في سبب واحد أو عنصر واحد، وهو يد اليهود الخفية التي ينسب إليها كافة التغيرات والأحداث والتطورات.
المستوى العملي والإجرائي: الخطاب البروتوكولي التآمري يضفي قوة عجائبية على اليهود ويشيطنهم. ولو كان اليهود شياطين بالفعل فكيف يتأتى لنا التصدي لهم وهزيمتهم؟ ألا يجدر بنا أن نستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ونفر..
والسؤال الآن: للذين يترجمون البروتوكولات ويشيعونها ويؤكدون صحتها ويرددون أن اليهود قوة عالمية مخيفة وأن ما ورد فيها آخذ في التحقق ويبثون الرعب في النفوس. هل سمع هؤلاء عن الحرب النفسية، وأن العدو يود أن يبث الخوف والرعب في نفوسنا حتى نفقد الحرب قبل دخول المعركة؟ وأن البروتوكولات هي جزء من هذه الحرب النفسية؟
هل يعرفون أن ثمة رأياً يذهب إلى أن الصهاينة يقومون بالترويج لهذه البروتوكولات لأنها تخدم المشروع الصهيوني الذي يهدف إلى ضرب العزلة على اليهود وتحويلهم إلى مادة خام صالحة للتهجير والتوطين في فلسطين المحتلة؟
إن البروتوكولات وثيقة تافهة، ولذا يجب ألا نبدد الطاقة في دراستها، وبدلاً من كره اليهود بشكل متعصب أعمى، فلنحدد من هو عدونا ومن يسانده وندرس ما عند الصهاينة من قوة ذاتية ثم ندرس كيف أبدع المنتفضون في فلسطين وجنود مصر وسوريا عام 1973، وكيف تقهقر العدو أمامهم.
أما من الناحية الإعلامية وتعبئة الرأي العام العالمي فالاستشهاد بالبروتوكولات يضر بقضيتنا ولا يفيدها.  فهي كما بينا وثيقة مشكوك فيها، وليس لها أي مصداقية في العالم. ولماذا بالله نلجأ إلى البروتوكولات في حين أن المذابح التي دبرها ويديرها الصهاينة ضد أبناء شعبنا تفوق بكثير البروتوكولات لليهود من شرور؟
المستوى الأخلاقي الديني: نموذج المؤامرة شائع في الخطاب ذي الديباجات الإسلامية المناهضة لإسرائيل، وأُسميه الخطاب "شبه الإسلامي" لأنه يستخدم ديباجات إسلامية دون الالتزام بالقيم الإسلامية. ولا يمكن للمسلم الملتزم بتعاليم دينه أن يوجه الاتهام إلى أي إنسان جُزافاً ودون قرائن، كما لا يمكن لرؤية دينية حقة أن تحكم على الفرد باعتباره تجسداً لفكرة، إذ يظل كل إنسان مسئولاً عن أفعاله. وقد عرّف الإسلام حقوق أعضاء الأقليات، خصوصاً أهل الكتاب، فحدد أن لهم ما لنا وعليهم ما علينا. والإسلام يؤكد لنا أن هؤلاء الظالمين ليسوا شياطين وإنما هم بشر مثلنا، وهو لذلك يدعونا للجهاد ضدهم كما فعل المنتفضون، الذين آمنوا بالله وتوكلوا عليه.
**
من البروتوكولات إلى الانتفاضة: كان الفلسطينيون يرزحون تحت مُستَعمرّ باطش لم يعرف له البشر مثيلاً، يمتلك واحداً من أقوى جيوش العالم، ولكنهم نفضوا عن أنفسهم غبار الهزيمة وانتفضوا انتفاضتهم الأولى ثم انتفاضة الأقصى، وأبدعوا قصصاً أسطورية رصد معظمها الصحف الغربية والإسرائيلية، ورصد بعضها الصحف العربية.
ترجم الإبداع الانتفاضي نفسه إلى بُنى اقتصادية واجتماعية وسياسية محددة فالمنتفضون بدءوا يدركون أن نضالهم طويل ولا بد من ضمان استمراره، ولذا بدءوا يحولون بعض المدن إلى مناطق محررة اقتصادياً ويفصلون قطاعات كاملة من حياتهم عن إسرائيل، وتهدف هذه العملية إلى "تحطيم السيطرة الإسرائيلية" وتنمية الاعتماد على النفس وقد تعلم المنتفضون أن يستغنوا عن سلع العدو حتى أن مدخن السجائر الذي تعود على تدخينها عشرين سنة مضت لا يجرؤ أن يُظهر سيجارته الصهيونية أمام الناس.
وتُقدر الخسائر الاقتصادية لإسرائيل من جراء الانتفاضة بما يتراوح بين 6% إلى 8% من إجمالي الناتج القومي، وكان قطاع السياحة هو الأكثر تضرراً نظراً لعزوف السياح عن التوجه إلى الدولة الصهيونية بسبب المخاوف الأمنية.
ويكمن إنجاز الفلسطينيين الحقيقي في أنهم وضعوا علامة على كل المستوطنين والإسرائيليين كأهداف وألحقوا الأذى باقتصاد إسرائيل وبالسياحة الوافدة إليها، وزرعوا من خلال أعمالهم الإرهابية أجواء من الخوف والجزع في الوقت الذي لم تنجح فيه إسرائيل في زرع خوف مشابه في أوساطهم.
وفي الفترة الأخيرة بدأ ينتشر في إسرائيل نوع جديد من الإدمان هو إدمان غاز الضحك، فلا تكاد تخلو حفلة أو مناسبة دون استخدام هذا الغاز المعروف علمياً باسم "النيتروس" ويؤدي استخدامه بشكل مركز إلى الوفاة الفورية أما استخدامه بشكل مخفف فيؤدي إلى تدمير الجهاز العصبي، لأنه يصل بهم إلى حالة من الضحك الهستيري.
هذه هي بعض ثمار الانتفاضة، فلماذا يحرمنا البكاء البروتوكولي على الأطلال من تذوقها والعيش في ظلالها حتى تزهر أحلامنا وتظلنا سحابة الكرامة بظلها؟ لماذا نبث الخوف في القلوب بقراءة كتاب أصفر مشبوه؟ لماذا نجني الأحزان وقد فاضت أنهار الفرح من حولنا، أنهار ضمخها الشهداء بدمائهم الطاهرة؟
الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك