دورة المملكة العربية السعودية في مكافحة الإرهاب

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي شرّع الإسلام، فسهَّل شرائعه لمن وَرَدَه، وأعزَّ أركانه على من غالبه، فجعله أمناً لمن علقه، وسلماً لمن دخله وبرهاناً لمن تكلم به، وشاهداً لمن خاصم به، ونوراً لمن استضاء به وأنعم علينا بإرسال الرسل عليهم الصلاة والسلام إرشاداً للعباد ودلالة وإنقاذاً لهم من السقوط في دركات الظلم والضلالة، وجعل المصطفى المجتبى رحمة مهداة، ونعمة مسداة، لروام النجاة، وقصّاد العَدالَة وناهلي الاستقامة، وأرسله والناس صنفان : ظالم ومظلوم. فأمضى بالعدل حكمه، وقرن بالصواب تدبيره وأبرم بالسداد أموره، ووصل بالجد عمله والحق بالقصد سيرته، وأمر بالعدل والقسط غيره وحذر من الوكس والشطط من لحقه فما أصبح بالعباد نعمة إلا هو طريقها، وما رام غاية إلا هو دليلها.
فصلِّ اللهمَّ على محمد المبعوث بالدلائل الواضحة والحجج القاطعة والبراهين الساطعة الذي انتهت إليه أصول الرسالات، وتجمعت لرسالته تجربة النبوات، فحمل القرآن بين دفتيه الشهود التاريخي، بما قصّ من أخبار الأمم، والشهود الحضاري بما تجسد من سيرة الرسول  ،وتمثل في خير القرون، والشهود المستقبلي بما أصَّل من قواعد، ووضع من معالم، وكلَّف من نظر وتدبر في سُنَن الله في الأنفس والآفاق التي هي السبيل للتمكين في الأرض، والقيام بالشَّهادَة على الناس والقيادة لهم :  وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ ( ) .
وأصدق الدعوات للمؤمنين بحبل الله المتين، أن يرشدهم تعالى إلى الصواب لإدراك ما يُحاك لهم ويُمكر بهم من نوازع الشر فيعملوا على لـمِّ شعتهم ورتْق فتقهم ورَأْب صدعهم وسدِّ ثغرهم لتكون لهم يد متينة تحول دون تحقيق ما يراد لهم من تبديد لشملهم وشقٍّ لعصاهم حتى تُرسى قواعد الخلافة ويُبرم حبلها فتحفظ الحوزة وترعى الرعية وتكف الجنف وتدرأ الحيف وتنتصف للمظلومين من الظالمين وتقوم باستيفاء الحقوق من الممتنعين وإيفائها على المستحقين دون فصل للدنيا عن الدين لإشاعة عدالة السماء بين ربوع الإنسانية جمعاء.

فان للملكة العربية السعودية دورا بارزا ويدا سامقة في محاربة التطرف والارهاب والتشدد والغلو في الدين ولا يخفى على عاقل ما قامت به المملكة متمثلة في ولاة أمرهاوعلمائها بل وتعاون من جميع المواطنين ضد كل فكر مغالي وطريق منحرف يدعو إلى قتل الأبرياء من المسلمين أو المستأمنين ,وسأبسط في هذا البحث المجمل الخطوط العريضة لهذا الدور من خلال النقاط التالية :
- مفهوم الارهاب في اللغة والاصطلاح
- دورالمملكة في محاربة الارهاب
- دور علماء المملكةفي محاربة الارهاب
- اسس الحوار مع المخالفين لمنهج أهل السنة
- ما العلاج لهذا الداء
والله تعالى أسأل أن يجعل فيما عزمت عليه وشرعت به نفعاً وهداية ورشداً وأن يوشحه بالتوفيق والإخلاص.

وأنا أسأل الله تعالى بجوده الذي هو غاية مطلب الطُّلاّب وكرمه الواسع الذي لا يحول دونه سترٍ ولا حجاب أن يجعله في إصلاح الدين ورجحانا في ميزاني عند خِفَّة الموازين إنه خير مأمول وأكرم مسؤول...

الدكتور محمد عبد الغني
نهر البارد

مفهوم الإرهاب

اتفق أرباب اللغة وأصحاب المعاجم أن الإرهاب مصدر أرْهبْ يُرهِبْ إرهابًا وترهيبا ً، وأصله رَهَبَ يَرْهَبُ فالراء والهاء والبهاء أصلان ويأت في اللغة لأحد معنيين أحدهما يدل على خوف، والآخر يدل على دقةٍ وخفة( ) .
وقد وردت لفظة (رهب وأرهب) في القرآن الكريم، والحديث النبوي الشريف في مواضع عديدة كلها لا تخرج عن معناها في اللغة العربية وهو: الخوف والفزع والخشية.

وعرفت الأمم المتحدة الإرهاب: تلك الأعمال التي تعرض للخطر أرواحًا بشرية بريئة أو تهدد الحريات الأساسية أو تنتهك كرامة الإنسان( ).

وعرف القانون الدولي الإرهاب: جملة من الأفعال التي حرمتها القوانين الوطنية لمعظم الدول( ).

الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب التي صدرت بالقاهرة عام 1998م عرفت الإرهاب بأنه: (كل فعل من أفعال العنف أو التهديد به أيا كانت بواعثه أو أغراضه يقع تنفيذا لمشروع إجرامي فردي أو جماعي، ويهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس، أو ترويعهم بإيذائهم أو تعريض حياتهم أو حريتهم أو أمنهم للخطر، أو إلحاق الضرر بالبيئة أو بأحد المرافق أو الأملاك العامة أو الخاصة أو احتلالها أو الاستيلاء عليها أو تعريض أحد الموارد الوطنية للخطر).

وأوردت مجموعة دول عدم الانحياز تعريفا للإرهاب الدولي يتكون من العناصر الآتية:
1. الإرهاب الدولي يقصد به جميع أعمال العنف وأعمال القمع الأخرى من أجل التحرر والحصول على حقها المشروع في تقرير المصير والاستقلال ومن أجل حقوق الإنسان وحرياته الأساسية الأخرى.
2. قيام الدول بأعمال إرهابية ضد دول أخرى ذات سيادة.
3. أعمال العنف التي يرتكبها أفراد أو مجموعات من الأفراد والتي تعرض للخطر حياة الأبرياء أو تنتهك الحريات الأساسية ( ).

وأصدر مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر: تعريفًا للإرهاب وذلك بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م فقال عنه: (هو ترويع الآمنين وتدمير مصالحهم ومقومات حياتهم والاعتداء على أموالهم وأعراضهم وحرياتهم وكرامتهم الإنسانية بغيًا وإفسادًا في الأرض. ومن حق الدولة التي يقع على أرضها هذا الإرهاب الأثيم أن تبحث عن المجرمين وأن تقدمهم للهيئات القضائية لكي تقول كلمتها العادلة فيهم) ( ).

وأصدر المجمع الفقهي في مكة المكرمة( ) تعريفا للإرهاب مؤداه: (العدوان الذي يقوم به فرد أو جماعة أو دولة ضد الإنسان "النفس - الدين - المال - العرض - العقل" ويكون ذلك بالتخويف والأذى والتعذيب والقتل بغير حق وأحد صوره الحرابة وإخافة السبيل وأي وجه من أوجه العنف) ( ). قال تعالى: ( وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) ( ) [الأعراف: 85].

وهذا التعريف من أفضل التعاريف وأقوها في بيان محاربة الإسلام للاعتداء والعنف وترويع الآمنين وأنه صدر من أقوى مجمع يمثل الإسلام وأهله فهو يشمل صنوف التخويف والأذى والتهديد والقتل بغير حق وما يتصل بصور الحرابة وإخافة السبيل وقطع الطريق، وكل فعل من أفعال العنف أو التهديد، يقع تنفيذًا لمشروع إجرامي فردي أو جماعي، ويهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس، أو ترويعهم بإيذائهم، أو تعريض حياتهم أو حريتهم أو أمنهم أو أحوالهم للخطر، ومن صنوفه إلحاق الضرر بالبيئة أو بأحد المرافق والأملاك العامة أو الخاصة، أو تعريض أحد الموارد الوطنية، أو الطبيعية للخطر، فكل هذا من صور الفساد في الأرض التي نهى الله سبحانه وتعالى المسلمين عنها في قوله: (وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) ( ).

وقد شرع الله الجزاء الرادع للإرهاب والعدوان والفساد، وعده محاربة الله ورسوله- صلى الله عليه وسلم- في قوله تعالى: (إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) ( ) ولا توجد في أي قانون بشري عقوبة بهذه الشدة نظرًا لخطورة هذا الاعتداء الذي يعد في الشريعة الإسلامية حربًا ضد حدود الله وخلقه .

موقف المملكة وعلمائها من الإرهاب
وقفت المملكةالعربية السعودية دولة وعلماء في وجه الغلو والتطرف وانحراف الفكر وتمثل هذا الوقوف في وجه هذا الإرهاب والتخريب في اتجاهين رئيسيين:
الاتجاه الأول: الاتجاه الفكري العلمي والإعلامي:- فوجدنا ولله الحمد اجتماع كلمة المختصين والمعنيين من العلماء وطلبة العلم والمفكرين والإعلاميين وسعيهم إلى بيان الشبه التي يدعو إليها أصحاب وأتباع هذا الفكر المنحرف مبينين للناس عدم صحة تلك الدعاوى الباطلة وبطلان تلك الشبه التي يدعون لها فبين العلماء حفظهم الله تعالى أوضح بيان تحريم دماء الأبرياء وتحريم تدميرالمنشآت، فالمسلمون والمعاهدون لايحل قتلهم في بلاد المسلمين مادام أنهم قد أعطوا الأمان ورأينا ولله الحمد العديد من الفتاوى والكتب والندوات والمحاضرات والخطب والمقالات التي انتشرت من خلال وسائل الاعلام حتى وصلت إلى بيت مسلم في أصقاع المعمورة وجميعها تقول بصوت واضح الإسلام بريء من قتل الأبرياء وكل من يحملون السلاح على المسلمين والمستأمنين لايمثلون المسلمين إنما يمثلون أنفسهم فقط وما أقدموا عليه فإنه انحراف فكري قد ابتلوا به ولايوافقهم المسلمون عليه.
الاتجاه الثاني:- الاتجاه الأمني العملي:- فقد سعت حكومة المملكة العربية السعودية إلى حفظ الأمن وقدمت الكثير من الجهود الموفقة وتابع رجال الأمن كل الأنشطة المشبوهة التي تهدد أمن المجتمع وتمكنوا ولله الحمد من القضاء على الكثير من تلك الأنشطة التي تستهدف الأمن والاستقرار فأفسدوا خطط من يقوم بتلك الأنشطة وتم القبض على بعضهم وجعلت المكافآت الكبيرة لكل من يبلغ عن عمل أو شخص يخطط للقتل والدمار وأعطى ولاة الأمر فرصة ومهلة زمنية داعين فيه أولئك إلى الرجوع إلى الحق والصواب وهذه بادرة لم يسبق إليها بل انفردت بها حكومة المملكة العربية السعودية فاندحرت تلك الفئة وتبين للجميع ضلال أصحابها وبعدهم عن ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من وجوب لزوم الجماعة وعدم محاربتها والخروج عليها حيث قال (إن يد الله مع الجماعة) فأمن الناس ولله الحمد وتمكن المسلمون من أداء الواجبات الشرعية وأمنوا على أنفسهم وأعراضهم وأموالهم.
موقف خادم الحرمين من الارهاب :
لما كان دستور المملكة العربية السعودية كتاب الله تعالى وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام وأنها ترفض كل أشكال ومظاهر الإرهاب وهذا ما أكده المرحوم خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز في أحد خطاباته ( ) (نؤكد مجددا رفض المملكة العربية السعودية القاطع للإرهاب في شتى صوره وأشكاله وهذا أمر ينبع من العقيدة الإسلامية وسعيها الدائم لمكافحته فهو إثم مبين يستهدف الأبرياء).
كما أكد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز حيث يقول :(إن المملكة إذ تدين الإرهاب أيا كان مصدره تدعو إلى إزالة أسبابه وتنقية البيئة التي ينشأ فيها ومعاقبة مرتكبيه وتتعاون مع المجتمع الدولي لاجتثاثه) ( ).
وما أكده خادم الحرمين كذلك أمام رئيس دولة النمسا في صفر 1425هـ أبريل 2004م أن الإسلام هو دين السلام والمحبة والتسامح وإن الإرهابيين الذين يسفكون الدماء البريئة ليسوا سوى قلة قليلة من المنحرفين الذين يبرأ الإسلام والمسلمون منهم ومن جرائمهم مما يؤكد رفض المملكة للإرهاب والسعي الحثيث للقضاء على جذوره ومحاربته وإدانة المملكة لجميع العمليات الإرهابية.
وهذا ما أكده كل فقهاء الإسلام في المملكة العربية السعودية وغيرها من الدول الإسلامية.

موقف المؤسسات الشرعية في المملكة من الإرهاب والعنف
ونعني بالمؤسسات الشرعية الإدارات والأجهزة والمؤسسات التي تمثل المنظومة الشرعية وتؤدي الوظائف والأعمال والمهام المتعلقة بجانب الدين والشريعة في المملكة وذلك يتمثل في إدارة الإفتاء والبحوث الإسلامية، ووزارة العدل والمحاكم الشرعية ووزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكليات الشريعة وأصول الدين والدعوة والإعلام في مختلف الجامعات وغيرها من المؤسسات المشابهة.
وحين نتناول موقف المؤسسات الشرعية في المملكة من قضية الإرهاب فإن ذلك يكتسب أهميته من زاويتين:
الأولى: كون المملكة دولة إسلامية شرعية جعلت من شريعة الإسلام منهجها في الحياة ومؤسساتها الشرعية هي الواجهة الممثلة لسمتها الشرعية بشكل مباشر.
الثانية: ما يحاوله بعض المغرضين المناوئين للمملكة من النيل من مسلكها الشرعي الصحيح المتوازن، وتجريم مؤسساتها الشرعية واتهامها بدعم الغلو وتصدير الإرهاب، وهي شنشنة نعرفها من أخزم، وتجلية الأمر وإيضاح الحقيقة أمر حتمي وضروري ليستبين الواقع وتتساقط الدعاوى الزائفة الكاذبة، والمملكة العربية السعودية تعتز بشموخٍ بإسلاميتها وحملها لرسالة الدين الخالدة واصطباغها بذلك، ففي (المادة الأولى) من النظام الأساسي للحكم الصادر بالأمر الملكي رقم أ 90 وتاريخ 27 / 8 / 1412هـ النص على أن المملكة العربية السعودية دولة عربية إسلامية ذات سيادة، دينها الإسلام ودستورها كتاب الله تعالى وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام.
والمؤسسات الشرعية في المملكة من إفتاء وقضاء وتعليم ودعوة وتوجيه وإعلام ونشر وبحوث ودراسات كلها تعد واجهات حكومية ذات هيكلة إدارية تمثل السمة الشرعية للبلاد وتؤدي دورها الفاعل في بث الوعي الشرعي وأداء رسالة الإسلام، وتلك الأجهزة بمجموعها من وزارات وإدارات ومحاكم وهيئات تنضوي تحت مظلة المنهج العام للدولة القائم على الإسلام وشريعته ومبادئه، لذا فهي تستوحي رسالتها منه وتقوم برامجها باختلافها وفقًا لتعاليمه وقيمه وأحكامه، ومنهج الدولة الإسلامي ومهمتها في أدائه ورد مبينًا في النظام الأساسي للحكم موضحًا: أن الدولة.. تحمي.. عقيدة الإسلام، وتطبق شريعته، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتقوم بواجب الدعوة إلى الله.
والحكم في المملكة يستمد سلطته من كتاب الله تعالى وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام وهما الحاكمان على جميع أنظمة الدولة.
وتقوم الدولة على أساس العدل والشورى والمساواة وفق الشريعة الإسلامية..
ويهدف التعليم فيها إلى غرس العقيدة الإسلامية في نفوس النشء وإكسابهم المعارف والمهارات النافعة.
وتحمى الدولة حقوق الإنسان وفق أحكام الشريعة الإسلامية.
ومن واجبات مواطني المملكة الدفاع عن العقيدة الإسلامية والمجتمع والوطن.
‌‌‌‌‌‌‌ويعتمد‌‌‌‌ الإفتاء في المملكة كتاب الله تعالى وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام.
كما أن القضاء له سلطته المستقلة، ولا سلطان على القضاة في قضائهم لغير سلطان الشريعة الإسلامية وتطبق المحاكم على القضايا المعروضة أمامها أحكام الشريعة الإسلامية وفقًا لما دل عليه الكتاب والسنة وما يصدره ولي الأمر من أنظمة لا تتعارض مع الكتاب والسنة..
كما يقوم الملك بسياسة الأمة سياسة شرعية طبقًا لأحكام الإسلام، ويشرف على تطبيق الشريعة الإسلامية والأنظمة والسياسة العامة للدولة وحماية البلاد والدفاع عنها ( ).
ومما سبق يتبين لنا أن الأصل في موقف المؤسسات الشرعية في المملكة اعتماده على النظرة الشرعية للإرهاب وارتكازه على منهج الدولة المتأسس على الإسلام وأحكام شريعته، ولئن سبقت إلماحة إلى محاربة الشريعة الإسلامية لفكر الإرهاب وأعمال العنف وجنوح التطرف فإن فيما يأتي من موقف المؤسسات الشرعية حكاية تفصيلية لبعض ما أجملناه سلفًا، ويتعدد موقف تلك المؤسسات تبعًا لتعدد النظرة لمشكلة الإرهاب ولوثاتها الخطرة سواء في الفكر أو المنهج أو السلوك والممارسة وحين نتأمل ما أصدرته المؤسسات الشرعية ورجالاتها في هذه القضية يتضح لنا بجلاء منابذة تلك المؤسسات لهذا الفكر وأعماله وسلوكياته ومحاربتها لرموزه .

نماذج من مواقف علماء المملكة من الارهاب

أولا: سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز- رحمه الله- مفتي عام المملكة سابقافي بيان صادر عن سماحة الشيخ عبد العزيز بن بازفي (حادثة مكة 1409 هـ): ( )(بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد استنكر العالم الإسلامي ما حدث في مكة المكرمة من تفجير مساء الاثنين 7 / 12 / 1409 هـ واعتبروه جريمة عظيمة ومنكرا شنيعا، لما فيه من ترويع لحجاج بيت الله الحرام، وزعزعة للأمن وانتهاك لحرمة البلد الحرام، وظلم لعباد الله، وقد حرم الله سبحانه البلد الحرام إلى يوم القيامة، كما حرم دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم إلى يوم القيامة، وجعل انتهاك هذه الحرمات من أعظم الجرائم، وأكبر الذنوب، وتوعد من هم بشيء من ذلك في البلد الحرام بأن يذيقه العذاب الأليم، كما قال سبحانه: (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ)( ). فإذا كان من أراد الإلحاد في الحرم متوعدا بالعذاب الأليم وإن لم يفعل فكيف بحال من فعل، فإن جريمته تكون أعظم، ويكون أحق بالعذاب الأليم وقد حذر الرسول صلى الله عليه وسلم أمته من الظلم في أحاديث كثيرة، ومن ذلك ما بينه للأمة في حجة الوداع حين قال عليه الصلاة والسلام: إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ألا هل بلغت فقال الصحابة نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت فجعل يرفع إصبعه إلى السماء وينكبها إلى الأرض ويقول: اللهم اشهد اللهم اشهد وهذا الإجرام الشنيع بإيجاد متفجرات قرب بيت الله الحرام من أعظم الجرائم والكبائر ولا يقدم عليه من يؤمن بالله واليوم الآخر، وإنما يفعله حاقد على الإسلام وأهله، وعلى حجاج بيت الله الحرام فما أعظم خسارته وما أكبر جريمته فنسأل الله أن يرد كيده في نحره، وأن يفضحه بين خلقه، وأن يوفق حكومة خادم الحرمين لمعرفة وإقامة حد الله عليه إنه سبحانه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.

ثانيا: سماحة الشيخ محمد بن صالح العثيمين- رحمه الله- عضو هيئة كبار العلماء :
في خطبة جمعة صوتية ومفرغة على موقعه الرسمي على شبكة الإنترنت جاء فيها في (حادثة الخبر 1417 هـ): ( )(وعلى هذا فمن كان عندنا من الكفار بأمان فهو محترم محرم الدم وبذلك نعرف خطأ عملية التفجير التي وقعت في الخبر في مكان آهل بالسكان المعصومين في دمائهم وأموالهم ليلة الأربعاء العاشر من هذا الشهر شهر صفر عام أربعة عشر وأربعمائة وألف الذي حصل من جرائه أكثر من ثمانية عشر قتيلا وثلاثمائة وستة وثمانون مصابا منهم المسلمون والأطفال والنساء والشيوخ والكهول والشباب وتلف من جراء ذلك أموال ومساكن كثيرة ولا شك أن هذه العملية لا يقرها شرع ولا عقل ولا فطرة أما الشرع فقد استمعتم إلى النصوص القرآنية والنبوية الدالة على وجوب احترام المسلمين في دمائهم وأموالهم وكذلك الكفار الذين لهم ذمة أو عهد أو أمان وأن احترام هؤلاء المعاهدين والمستأمنين احترامهم من محاسن الدين الإسلامي ولا يلزم من احترامهم بمقتضى عهودهم لا يلزم من ذلك محبة ولا ولاء ولا مناصرة ولكن هو الوفاء بالعهد إن العهد كان مسئولا وأما العقل فلان الإنسان العقل لن يتصرف أبدا في شئ محرم لأنه يعلم سوء النتيجة والعاقبة وإن الإنسان العاقل لن يتصرف في شئ مباح حتى يتبين له ما نتيجته وماذا يترتب عليه وإذا كان - صلى الله عليه وسلم- قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت»( ).

ثالثا: سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ مفتي عام المملكة حول (تفجير مبنى إدارة المرور بالرياض): ( )
قال:(فقد تابعنا ببالغ الألم حادث التفجير الذي وقع في مبنى الإدارة العامة للمرور بوسط مدينة الرياض وما نتج عنه من قتل لأنفس مسلمة معصومة وإصابات متنوعة لعدد كبير من المسلمين العاملين في المبنى أو المراجعين أو من كانوا في الطريق أو في المباني المجاورة وإتلاف للممتلكات من مبان وسيارات وغيرها.
وإني إبراءً للذمة ونصحًا للأمة وبيانًا لحال هذه الفئة الضالة المنحرفة التي اتخذت الدين لها ستارًا لأبين لعموم المسلمين أن هذا العمل محرم بل هو من أكبر الكبائر لأدلة كثيرة منها: قول الله تعالى: (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا)( ). ويقول سبحانه: (وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ)( ) ويقول عز وجل: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ * وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا)( ).ويقول النبي - صلى الله عليه وسلم-: «اجتنبوا السبع الموبقات قيل يا رسول الله وما هن؟ قال: الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق...» ( ) ويقول - صلى الله عليه وسلم-: «أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء»( ) ويقول - صلى الله عليه وسلم-: «لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دمًا حرامًا» قال ابن عمر رضي الله عنهما: «من ورطات الأمور التي لا مخرج منها لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حله»( ).
ويقول - صلى الله عليه وسلم-: «كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا الرجل يموت مشركًا أو يقتل مؤمنًا متعمدًا» ويقول - صلى الله عليه وسلم-: «من قتل مؤمنًا فاغتبط بقتله لم يقبل الله منه صرفًا ولا عدلًا» . ويقول - صلى الله عليه وسلم-: «لو أن أهل السماء وأهل الأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله في النار» - صلى الله عليه وسلم- وهو يطوف بالكعبة: «ما أطيبك وما أطيب ريحك ما أعظمك وما أعظم حرمتك والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن عند الله أعظم حرمة منك ماله ودمه وأن تظن به إلا خيرًا» ويقول - صلى الله عليه وسلم-: «لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم» .
ويقول - صلى الله عليه وسلم-: «يأتي المقتول متعلقًا رأسه بإحدى يديه متلبثا قاتله باليد الأخرى تشخب أوداجه دمًا حتى يأتي به العرش فيقول المقتول لرب العالمين هذا قتلني فيقول الله للقاتل تعست ويذهب به إلى النار».
وقد أجمع المسلمون إجماعا قطعيًا على عصمة دم المسلم وتحريم قتله بغير حق وهذا مما يعلم من دين الإسلام بالضرورة ومما سبق من النصوص الثابتة الصريحة يتضح عدة أمور أهمها:
* تحريم قتل المسلم بغير حق وأنه من أكبر الكبائر.
* أن النبي - صلى الله عليه وسلم-جعله قرينًا للشرك في عدم مغفرة الله لمن فعله.
* أن من قتل مسلمًا متعمدًا فقد توعده الله بالغضب واللعنة والعذاب الأليم والخلود في النار.
* أن الدم الحرام هو أول المظالم التي تقضي بين العباد وحصول الخزي يوم القيامة لمن قتل مسلمًا بغير حق .
* قتل المسلم بغير حق من أعظم الورطات التي لا مخرج منها .
* عظم حرمة المسلم حتى إنه أعظم حرمة من الكعبة بل زوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم.
* الإعانة أو الإشارة أو تسهيل قتل رجل مسلم كلها اشتراك في قتله وهؤلاء جميعًا متوعدون بأن يكبهم الله في النار حتى لو اشترك في ذلك أهل السماء والأرض لعظم حرمة دم المسلم.
* أن من فرح بقتل رجل مسلم بغير حق لم يقبل الله منه صرفًا ولا عدلًا.
*أن قتل المسلم من أعظم ما يرضي عدو الله إبليس عليه لعنة الله.
هذا كله في قتل المسلم بغير حق فكيف إذا انضم إلى ذلك تفجير الممتلكات وترويع الآمنين من المسلمين والانتحار وغير ذلك من كبائر الذنوب التي لا يقدم عليها إلا من طمس الله على بصيرته وزين له سوء عمله فرآه حسنًا كما قال تعالى: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا * أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا(( ) ويقول عز وجل: )وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ(( ).
وإني إذ أبين حكم هذه الفعال القبيحة المنكرة لأؤكد على أمور:
1- أن دين الإسلام يحارب هذه الأفعال ولا يقرها وهو برئ مما ينسبه إليه أولئك الضالون المجرمون.
2- أن الله قد فضح أمر هذه الفئة الضالة المجرمة وأنها لا تريد للدين نصرة ولا للأمة ظفرًا بل تريد زعزعة الأمن وترويع الآمنين وقتل المسلمين المحرم قتلهم بالإجماع والسعي في الأرض فسادًا.
3- أنه لا يجوز لأحد أن يتستر على هؤلاء المجرمين وأن من فعل ذلك فهو شريك لهم في جرمهم وقد دخل في عموم قول النبي - صلى الله عليه وسلم- «لعن الله من أوى محدثًا».
فالواجب على كل من علم شيئًا من شأنهم أو عرف أماكنهم أو أشخاصهم أن يبادر بالرفع للجهات المختصة بذلك حقنًا لدماء المسلمين وحماية لبلادهم.
4- أنه لا يجوز بحال تبرير أفعال هؤلاء القتلة المجرمين.
5- أن هذه البلاد ولله الحمد متماسكة تحت ظل قيادتها وولاة أمرها وأننا جميعًا ندين لله عز وجل بالسمع والطاعة لولاة أمرنا في غير معصية الله عز وجل اتباعًا لقول الله تعالى: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا(( ).
وقول - صلى الله عليه وسلم-: «عليكم بالسمع والطاعة»( ).
6- أن ما أصاب المسلمين من شيء فبسبب ذنوبهم يقول الله عز وجل: )وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ(( ).
فالواجب على الجميع تقوى الله والمبادرة بالتوبة من الذنوب والمعاصي وأحب أن أخاطب إخواني رجال الأمن في هذه البلاد الطاهرة وأبشرهم بأنهم على خير عظيم وهم في ثغر من ثغور الإسلام فعليكم بالحرص واليقظة والعزيمة في الدفاع عن دينكم أولًا ثم عن بلاد المسلمين ضد هؤلاء الضالين.
سدد الله خطاكم وأعانكم على كل خير ثم إني أخاطب من سولت له نفسه القيام بمثل هذه الأفعال الإجرامية المحرمة أو زلت قدمه بذلك أو تعاطف مع أولئك ناصحًا لهم بالمبادرة بالتوبة إلى الله عز وجل قبل حلول الأجل وأن يراجعوا أنفسهم ويتأملوا نصوص الكتاب والسنة مما سقناه وغيره وألا يعرضوا عنها فإن الله سائلهم عنها وعن ما اقترفوه يقول الله عز وجل: )وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ(( ).
وقبل الانتهاء من هذه النقطة نذكر موقف الشيخ البريك في احدى محاضراته التي حذر بها من خطورة التطرف على المجتمع وحدد ثلاثة نقاط تحكم على التطرف وتشير إليه ( التنظيم السري - وتكديس السلاح - الاتصال بالخارج ) وقسم التطرف إلى قسمين ( التكفيريون المتطرفون - والليبراليون العلمانيون ) .

جهود المملكة العربية السعودية في التصدي للإرهاب الإلكتروني:

تتميز المملكة العربية السعودية باعتمادها على القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة شريعة وحكما في جميع شئون الحياة، ومن هذا المنطلق فإن التعاملات المرتبطة بتقنية المعلومات، كغيرها من مجالات الحياة، تخضع للأحكام الشرعية المستمدة من الكتاب والسنة، وفي ضوء تلك الأحكام تقوم الجهات المعنية بوضع اللوائح المحددة لحقوق والتزامات الأطراف المختلفة، كما تقوم الهيئات الأمنية والقضائية والحقوقية بتنزيل تلك الأحكام واللوائح على القضايا المختلفة.
ولقد صدرت في المملكة العربية السعودية بعض الأنظمة واللوائح والتعليمات والقرارات لمواجهة الاعتداءات الإلكترونية والإرهاب الإلكتروني، ونصت تلك الأنظمة على عقوبات في حال المخالفة لهذه الأنظمة والتعليمات واللوائح، كقرار مجلس الوزراء رقم (163) في عام 1417هـ الذي ينص على إصدار الضوابط المنظمة لاستخدام شبكة الإنترنت والاشتراك فيها، ومن ذلك:
1- الامتناع عن الوصول أو محاولة الوصول إلى أي من أنظمة الحاسبات الآلية الموصولة بشبكة الإنترنت، أو إلى أي معلومات خاصة، أو مصادر معلومات دون الحصول على موافقة المالكين أو من يتمتعون بحقوق الملكية لتلك الأنظمة والمعلومات أو المصادر .
2- نص القرار على تكوين لجنة دائمة برئاسة وزارة الداخلية وعضوية وزارات: الدفاع، والمالية، والثقافة والإعلام والاتصالات وتقنية المعلومات، والتجارة، والشئون الإسلامية والتخطيط، والتعليم العالي، والتربية والتعليم، ورئاسة الاستخبارات، ومدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، وذلك لمناقشة ما يتعلق بمجال ضبط واستخدام (الإنترنت) والتنسيق فيما يخص الجهات التي يراد حجبها، ولها على الأخص ما يأتي:
‌أ- الضبط الأمني فيما يتعلق بالمعلومات الواردة أو الصادرة عبر الخط الخارجي للإنترنت والتي تتنافى مع الدين الحنيف والأنظمة.
‌ب- التنسيق مع الجهات المستفيدة من الخدمة فيما يتعلق بإدارة وأمن الشبكة الوطنية.
وهذا القرار يبين مبادرة المملكة العربية السعودية وسعيها لتنظيم التعاملات الإلكترونية وضبطها.
ولقد بدأت المملكة العربية السعودية في عقد دورات تدريبية، هي الأولى من نوعها حول موضوع مكافحة جرائم الحاسب الآلي بمشاركة مختصين دوليين...
عوامل حفظ المجتمع من الإرهاب الإلكتروني: ( )
توصل فضيلة د/ عبد الرحمن السند إلى عوامل تحفظ المجتمع من الإرهاب الإلكتروني:
أولًا: أن التعاملات المرتبطة بتقنية المعلومات كغيرها من مجالات الحياة يجب أن تخضع للأحكام الشرعية المستمدة من الكتاب والسنة، وفي ضوء تلك الأحكام تقوم الجهات المعنية بوضع اللوائح المحددة لحقوق والتزامات الأطراف المختلفة، كما تقوم الهيئات القضائية والأمنية والحقوقية بتنزيل تلك الأحكام واللوائح على القضايا المختلفة، وفض النزاعات الناتجة عنها.
ثانيًا: أن من أعظم الوسائل المستخدمة في الإرهاب الإلكتروني استخدام البريد الإلكتروني في التواصل بين الإرهابيين وتبادل المعلومات بينهم، بل إن كثيرًا من العمليات الإرهابية التي حدثت في الآونة الأخيرة كان البريد الإلكتروني فيها وسيلة من وسائل تبادل المعلومات وتناقلها بين القائمين بالعمليات الإرهابية والمخططين لها.
ثالثًا: اختراق البريد الإلكتروني خرق لخصوصية الآخرين وهتك لحرمة معلوماتهم وبياناتهم والله سبحانه وتعالى نهى عن التجسس،والشريعة الإسلامية كفلت حفظ الحقوق الشخصية للإنسان وحرمت الاعتداء عليها بغير حق. كما أن الاعتداء على مواقع الإنترنت بالاختراق أو التدمير ممنوع شرعًا، ويعد تدمير المواقع من باب الإتلاف وعقوبته أن يضمن ما أتلفه فيحكم عليه بالضمان.
رابعًا: يقوم الإرهابيون بإنشاء وتصميم مواقع لهم على شبكة المعلومات العالمية الإنترنت لنشر أفكارهم والدعوة إلى مبادئهم، وتعليم الطرق والوسائل التي تساعد على القيام بالعمليات الإرهابية، فقد أنشئت مواقع لتعليم صناعة المتفجرات، وكيفية اختراق وتدمير المواقع وطرق اختراق البريد الإلكتروني، وكيفية الدخول على المواقع المحجوبة وطريقة نشر الفيروسات وغير ذلك.
خامسًا: حجب المواقع الضارة والتي تدعو إلى الفساد والشر ومنها المواقع التي تدعو وتعلم الإرهاب والعدوان والاعتداء على الآخرين بغير وجه حق من الأساليب المجدية والنافعة لمكافحة الإرهاب الإلكتروني.
سادسًا: على الرغم من إدراك أهمية وجود وتطبيق أحكام وأنظمة لضبط التعاملات الإلكترونية والتي تعتبر وسيلة من وسائل مكافحة الإرهاب الإلكتروني، فإن الجهود المبذولة لدراسة وتنظيم ومتابعة الالتزام بتلك الأحكام لا يزال في مراحله الأولية، وما تم في هذا الشأن لا يتجاوز مجموعة من القرارات المنفصلة واللوائح الجزئية التي لا تستوعب القضايا المستجدة في أعمال تقنية المعلومات كما لا توجد بصورة منظمة ومعلنة أقسام أمنية، ومحاكم مختصة، ومنتجات إعلامية لشرائح المجتمع المختلفة.
سابعًا: إن أجهزة الأمن تحتاج إلى كثير من العمل لتطوير قدراتها للتعامل مع جرائم الكمبيوتر والوقاية منها، وتطوير إجراءات الكشف عن الجريمة، خاصة في مسرح الحادث بحيث تتمكن من تقديم الدليل المقبول للجهات القضائية وأيضًا يلزم نشر الوعي العام بجرائم الكمبيوتر، والعقوبات المترتبة عليها، واستحداث الأجهزة الأمنية المختصة القادرة على التحقيق في جرائم الكمبيوتر، والتعاون مع الدول الأخرى في الحماية والوقاية من هذه الجرائم.
ثامنًا: تضطلع المملكة العربية السعودية بجهود جبارة في مكافحة الإرهاب الإلكتروني، ولقد أصدرت مجموعة من الأنظمة واللوائح والتعليمات والقرارات لمواجهة الاعتداءات الإلكترونية والإرهاب الإلكتروني، إضافة إلى عقد دورات تدريبية، هي الأولى من نوعها حول موضوع مكافحة جرائم الحاسب الآلي بمشاركة مختصين دوليين.
تاسعًا: على مستوى دول العالم ومع مواكبة التطور الهائل لتقنية المعلومات سنت أنظمة لضبط التعاملات الإلكترونية، وتضمنت تلك الأنظمة عقوبات للمخالفين في التعاملات الإلكترونية ومكافحة الإرهاب الإلكتروني.
ولعل كلمة سمو وزير الداخلية الامير نايف بن عبدالعزيز لمجلس وزراء الداخلية العرب في تونس جاءت لتكون واضحة ودقيقة للتعبير عن هذه الفكرة فقد شدد على ان الجهود الامنية في ملاحقة الارهابيين رغم اهميتها القصوى لا تكون مثمرة اذا لم تترافق مع حرث الارض الفكرية للتطرف واعادة تعقيمها من جديد لينبت فكر اكثر اصالة وانسجاما مع قيم الاسلام الاصيلة, فمهما بلغت الملاحقات الامنية من شأن واهمية تبقى معزولة عن السياقات الاخرى التي ترفد فكر التطرف والارهاب, وهذه ليست مسئولية الاجهزة الامنية او الدولة في اي مجتمع انما تتعداها الى الفضاء الاوسع المتمثل في المجتمع باطيافه ومؤسساته ابتداء من الاسرة الى المسجد والمدرسة كبيئة تعليمية وهو خيار لابد منه اذا اردنا ان نعيد الطمأنينة الى المجتمعات, وهو حديث ورؤية مسئول كبير قاد الجهود الناجحة في القضاء على خلايا الارهاب وكذلك قاد جهودا جبارة في اشراك المجتمع في تحمل مسئوليته الشرعية والفكرية والاخلاقية لمحاصرة الارضية الفكرية التي ينطلق منها الارهابيون.

فتح الاسلام والمملكة العربية السعودية

التساؤل الذي ألقى بثقله حول نشأة وظهور تنظيم " فتح الإسلام " خلال المواجهات التي دارت بينه وبين " الجيش اللبناني " لم يكن أكثر إلحاحاً وغرابة من التساؤل حول هذا الكم من جنسيات وأعضاء التنظيم ، فالمعلومات التي نقلت عن الأجهزة الأمنية اللبنانية تشير لتوزيع عناصر التنظيم بين الجنسيات كما يلي: ( 45% من الفلسطينيين والسوريين , و30% من السعوديين و 20% من اللبنانيين, أما 5% الباقية فتعود لجنسيات أخرى من عرب ومسلمين بينهم شيشان ) ( )
ولم يقم جدل في وسائل الإعلام حول جنسية من الجنسيات بقدر ما أثير حول نسبة السعوديين ، و نرى من خلال الوقائع أن نسبتهم أقلّ مما ذكر أعلاه ( )، فما تمّ التأكد منه هو وقوع ( 6 ) سعوديين في الاعتقال في الشهرين الأوليين ، وموت ( 10 ) منهم خلال الاشتباكات التي دارت في " طرابلس والقلمون " ، إضافة إلى من قتلوا في مخيم نهر البارد وكل ذلك لا يصل إلى ( 35) سعودياً وهو ما يشكل نسبته ( 11% ) من أصل ( 300) . و هذا ما أكده الموقوف السعودي " عائض القحطاني " ( 22عاماً ) الذي اعترف بوجود (40) خليجياً ضمن عناصر تنظيم " فتح الإسلام ".
وقد تمّ استقطاب العديد من السعوديين عبر المنتديات الجهادية المنتشرة بكثرة على شبكة الإنترنت تحت عناوين جذابة ، منها : الدافع الدّيني ، وحبّ الجهاد ، و الدّفاع عن مقدسات المسلمين لا سيما الغزو المجوسي والصليبي للبنان ، و الترغيب في دخول الجنان .
فوالد السعودي " سعد الكعبور " ( ) (23 عاماً ) الذي قضى في المعارك بين الجيش والتنظيم يتهم المواقع الجهادية على شبكة الإنترنت بغسل دماغ ابنه ، حيث أن ولده الذي كان يقيم معه في " الدمام " غادر " السعودية " قبل ثمانية أشهر تاركاً رسالة لهم مفادها أنه "ذاهب إلى الجهاد لطلب الآخرة "، مذيلاً رسالته بأن "الجهاد" سيمنحه " فرصة الزواج من الحور العين " .

إن وجود عدد من السعوديين في أحداث " نهرالبارد " قليلاً كان أو كثيراً لا ينبغي أن يُدرج في باب الاتهام للمملكة العربية السعودية أو علماء المملكة ، فهذا العدد لا يُعبّر عن موقف المملكة التي ناصرت ودعمت – وما زالت – الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية ، و أيدت وساندت – وما زالت – الشعب اللبناني خلال المحن التي عصفت به ، وما زال الدور السعودي الرائد قائماً في حلّ القضايا والاشكالات القائمة على الساحة اللبنانية من خلال الدور الذي يقوم سفير المملكة في لبنان . ولا تتحمّل المملكة مسؤولية في ذلك ، كما أن الحكومة اللبنانية والشعب اللبناني لا يتحملان مسؤولية وجود عدد كبير من اللبنانيين مع " فتح الإسلام " .
وكذلك الشعب الفلسطيني المقيم في لبنان لا يتحمّل مسؤولية وجود عدد قليل منه مع حركة " فتح الإسلام " وهنا ننبه إلى أن نسبة الفلسطينيين والسوريين الواردة حسب الأجهزة الأمنية والبالغة 45% قد تم الجمع بها بين الجنسيتين ، و نؤكد كون الفلسطينيين من ذوي التابعية السورية هم الأغلب ، لكون عدد الفلسطينيين من التابعية اللبنانية لا يتجاوز عشرين عنصراً وهو ما يشكل نسبة 5% .
وتبقى الاشكالية في اطار أفراد تلبسوا فكراً مغاليا متطرفا يتمثل في تكفير أعيان النظام الرسمي ومن يعينهم ومن ثم تأتي فكرة مشروعية قتال من نعتوهم بالتكفير بهدف تأسيس امارة أو فتح أبواب الفساد في بلد آمن كما حدث في مخيم نهر البارد وتبقى الاشكالية الأكبر هل هناك من الأنظمة الرسمية من يعين هؤلاء لصالح أهدافه ؟. مهما يكن الامر فان المملكة العربية السعودية دولة وعلماء مشكورةكل الشكر على منابذتها الارهاب وتحريمه انطلاقا من الشريعة الاسلامية والحمد الله.

علاج الفكر المخالف للسنة
مما لا ريب فيه أن الفكر المخالف للسنة عموماً - وإن كانت آثاره سيئة على الأمة - لا يكون علاجه إلا بالحوار وباعتدال وانصاف فنحن مأمورون بالعدل لقوله تعالى : ( وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) ( ). ولأن الاعتدال سهل الوصول إلى القلوب وإلى العقلاء ، واذا أنصفت الخصم فقد فتحت له باب استقامة , فتبرأ بذلك ذمتك , وتسلم الأمة من شر هذا الفكر , ويشرح الله تعالى صدر مخالفك إلى التراجع .
وحرصاً منّا على ايصال الحق بدلائله وبراهينه , ورغبة في اعانة من خدع ببعض الشبهات آثر مجلس خطباء المساجد في مخيم " نهرالبارد " اختيار هذا الاسلوب في مناقشة فكر جماعة " فتح الإسلام " وهذا الأسلوب قد اعتمده العلماء في المملكة العربية السعودية وأدى إلى نتائج طيبة وآثار حميدة عادت على البلاد والعباد .
وقد يعترض ممن لا ينتهج الإسلام طريقاً هذا الاسلوب , الا اننا نقول لهؤلاء : لو تصورنا إن هؤلاء الذين قد وقعوا في هذا الفكر هم بعض أبنائنا أو أخواننا , أو قرابتنا , فكيف نعالج ما وقعوا فيه ؟!.
ثم من الخطأ أن يُظن أن الدعوة إلى فتح النقاش العلمي , تعني غض الطرف عن أحكام وآثار الفكر من تفجير أو قتل .
ومما ينبغي أن يكون من أولويات الحوار مع المخالف لمنهج أهل السنة :
1 – نعمة الأمن وبيان أهميتها وسبيل تحققها والحفاظ عليها .
فقد امتنّ الله على الخلق بنعمة الأمن، وذكّرهم بهذه المنّة، ليشكروا الله عليها، ويعبدوه في ظلالها، قال تعالى : ( أَوَلَمْ نُمَكّن لَّهُمْ حَرَماً ءامِناً يُجْبَىٰ إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلّ شَىْء رّزْقاً مّن لَّدُنَّا وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ) ( ) ، وقال تعالى : ( فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هَـٰذَا ٱلْبَيْتِ ٱلَّذِى أَطْعَمَهُم مّن جُوعٍ وَءامَنَهُم مّنْ خوْفٍ ) ( ).
فبالأمن والإيمان تتوحَّد النفوس ، وتزدهر الحياة ، وتغدق الأرزاق ، ويتعارف الناس ، وتتلقى العلوم من منابعها الصافية ، ويزداد الحبل الوثيق بين الأمة وعلمائها ، وتتوثق الروابط بين أفراد المجتمع ، وتتوحَّد الكلمة ، ويأنس الجميع ، ويتبادل الناس المنافع ، وتقام الشعائر بطمأنينة ، وتقام حدود الله في أرض الله على عباد الله. وباختلال الأمن تعاق سبل الدعوة ، وينضب وصول الخير إلى الآخرين ، وينقطع تحصيل العلم وملازمة العلماء ، ولا توصل الأرحام ، ويئنُ المريض فلا دواء ، ولا طبيب ، فتختل المعايش ، وتهجر الديار ، وتفارق الأوطان ، وتتفرق الأُسر ، وتنقض عهود ومواثيق ، وتبور التجارة ، ويتعسر طلب الرزق ، وتتبدل طباع الخلق ، فيظهر الكذب ، ويلقى الشحّ ، ويبادر إلى تصديق الخبر المخوف ، وتكذيب خبر الأمن ، وباختلال الأمن تقتل نفوس بريئة ، وترمّل نساء ، وييتم أطفال . و إذا سلبت نعمة الأمن فشا الجهل ، وشاع الظلم ، وسُلبت الممتلكات.
ونؤكد أن الأمن ضرورة لكل الناس وهو مطلب شرعي , وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال : ( من أصبح آمناً في سربه ، معافىً في بدنه ، عنده قوت يومه ، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها ) ( ).
2 – حرمة دم المسلم و حرمة قتل الكافر المعاهد أو المستأمن: فالنصوصُ الشرعية متكاثِرة في بيان حُرمة المسلم وعِصمة دمه ،فاللهُ جلّ وعلا يقول: ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ) ( ). ويقول سبحانه: ( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ) ( ).ويقول سبحانه حكايةً عن ابنَي آدم عليه السلام : ( وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنْ الآخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ) ( ). فبداية القتل كانت مِن وَلَدي آدم.
وقال تعالى: ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَأ) ( ).
وقد ورد في سبب نزولها : أن أبا الدرداء رضي الله عنه كان في سرية ، فعمد إلى شعب لقضاء حاجته ، فوجد رجلاً من القوم في غنم له ، فحمل عليه بالسيف، فقال الرجل: لا إله إلا الله ، فضربه أبو الدرداء بالسيف فقتله ، ثم وجد في نفسه شيئًا ، فأتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فذكر ذلكَ له، فقال : إنما قالها ليتقي بِها القتل، فقال : ( ألا شققتَ عن قلبه ، فقد أخبرك بلسانه فلم تصدقه ، فكيف بلا إله إلا الله ؟! فكيف بلا إله إلا الله ؟! ) قال أبو الدرداء : حتى تمنيت أن يكون ذلك مبتدأ إسلامي ، فنزل قوله تعالى : ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَأً ) ( ).
فقد تضمنت الآية الإخبار بعدم جواز إقدام المؤمن على قتل أخيه المؤمن بأسلوب يستبعد احتمال وقوع ذلك منه إلا أن يكون خطأ ، حتى لكأن صفة الإيمان منتفية عمن يقتل مؤمنًا متعمدًا، إذ لا ينبغي أن تصدر هذه الجريمة النكراء ممن يتصف بالإيمان ، لأن إيمانه ـ وهو الحاكم على تصرفه وإرادته ـ يمنعه من ارتكاب جريمة القتل عمدًا.
وقال صلى الله عليه وسلم : ( لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دمًا حرامًا ) ( )
بل ورد الوعيد لمن أعان على القتل المحرّم أو كان حاضرًا يستطيع منعه أو الحيلولة دون وقوعه ، أو شجع القاتل على القتل ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لو أن أهل السماء و الأرض اشتركوا في دم مؤمنٍ لأكبّهم الله في النار ) ( ) .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( سِبابُ المسلم فُسوق وقتاله كفر) ( ) ، وقال الحَسَن البصري: إنّ عليًّا رضي الله عنه بعث إلى محمد بن مَسلمَة، فجيء به فقال: ما خلَّفك عن هذا الأمر؟ يعني القتال بينه وبين خصُومه رضي الله عنهم أجمعين ، قال: دفَع إليَّ ابنُ عمك ـ يعني النبي عليه الصلاة والسلام ـ سيفًا فقال : ( قاتِل به ما قُوتل العدوّ، فإذا رأيتَ الناس يقتُل بعضُهم بعضًا فاعمَد به إلى صَخْرة فاضربه بها، ثم الزَم بيتَك حتى تأتيكَ منيةٌ قاضية أو يدٌ خاطئة ) ، فقال عليّ رضي الله عنه : خلُّوا عنه ( ) .
ونقل ابن عبد البر عن بعض السلف قوله: ( أحقُّ الناس بالإجلال ثلاثةٌ: العلماءُ والإخوان والسلطان، فمن استخفَّ بالعلماء أفسَد دينَه، ومن استخفَّ بالإخوان أفسَد مروءتَه، ومن استخفَّ بالسلطان أفسد دنياه، والعاقل لا يستخفّ بأحد) ( ) .

3 –التكفير ( ):
جرى حوار حول مسألة التكفير ، وتمّ التأكيد على خطورة هذا الأمر ، فقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من إطلاق لفظ الكفر على أي مسلم ، و بيّن عاقبة هذا التكفير فقال : ( إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء به أحدهما ) ( ) . وقال : ( ومن دعا رجلاً بالكفر أو قال عدو الله و ليس كذلك إلا حار عليه ) ( ) . و قال : ( ومن رمى مؤمناً بكفر فهو كقتله ) ( ) .
إنّ الحكم على الإنسان بالكفر أمر خطير ، ولا يجوز للإنسان أن يقدم عليه إلا ببرهان واضح ، ودليل ساطع ، كما جاء في الحديث : ( إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان ) ( ) .
أما التكفير بالشبهة أو بالمعصية أو بمخالفة الرأي أو غيرها من الأسباب التي لا يستحق صاحبها التكفير فهذا من المصائب التي ابتلي بها فريق من هذه الأمّة ، نسأل الله العافية و الثبات على الحق .
فهذه الأحاديث وغيرها فيها التحذير الشديد من الوقوع في التكفير ، لأنه ورطة عظيمة ، وذلك أن الرمي بالكفر له آثار خطيرة تترتب عليه :
- وجوب محاكمته لتنفيذ حكم الردّة عليه بعد إقامة الحجة و إزالة الشبهة والاستتابة .
- تحريم زوجته عليه ، و عدم بقائها معه ، أو بقاء أبنائه تحت سلطانه .
- إذا مات على ذلك حبط عمله باتفاق العلماء .
- لا تجري عليه أحكام المسلمين ، فلا يرث و لا يورث ، و إذا مات فلا يغسل ولا يكفن ولا يُصلّى عليه ، ولا يُدفن في مدافن المسلمين .
- إذا مات على الكفر وجبت عليه لعنة الله والخلود الأبدي في النار .
- الكافر المرتد اسوأ حالاً من الكافر المستمر على كفره .
- وجوب قتاله حتى يرجع إلى الإسلام .
ولما كانت مسألة التكفير ليست بالأمر الهين ، احتاط الشرع في إطلاقها احتياطاً شديداً فأوجب التثبت ، حتى لا يتهم مسلم بكفر ، وحتى لا تستباح أموال الناس وأعراضهم بمجرد الظن والهوى ، قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) ( ) سفحذّرهم من التسرع في التكفير ، وأمرهم بالتثبت في حق من ظهرت منه علامات الإسلام في موطن ليس أهله بمسلمين .
ومما يدل على احتياط الشرع في مسألة التكفير ومبالغته في ذلك ، إيجابه التحقق من وجود شروط التكفير وانتفاء موانعه ، فلا يجوز تكفير معين إلا بعد التحقق من ذلك تحققاً شديداً بعيداً عن التعصب والهوى ، وموانع التكفير هي :
1- الجهل : وهو خلو النفس من العلم ، فيقول قولاً أو يعتقد اعتقاداً غير عالم بحرمته ، كمن يعتقد أن الصلاة غير واجبة عليه ، أو أن الله غير قادر على حشر الأجساد إذا تفرقت ، والسبب وراء ذلك جهله بوجوب الصلاة وقدرة الله جلا وعلا ، فعن أبي هريرة  عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : ( كان رجل يسرف على نفسه فلما حضره الموت ، قال لبنيه : إذا أنا متُّ فأحرقوني ، ثم اطحنوني ثم ذروني في الريح ، فوالله لئن قدر عليّ ربي ليعذبني عذاباً ما عذّبه أحداً ، فلما مات فُعل به ذلك ، فأمر الله الأرض فقال : اجمعي ما فيك منه ، ففعلت ، فإذا هو قائم ، فقال ما حملك على ما صنعت ؟ قال : يا رب خشيتك فغفر له ) ( )، فهذا رجل جهل قدرة الله جلا وعلا فظنّ أنه إذا أحرق ونثر رماده في البر والبحر فإن الله لا يقدر على جمعه ، ولا ريب أن الشك في قدرة الله جلا وعلا ، والشك في البعث كفر ، ولكنه لما كان جاهلاً غُفر الله له .
وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يَدرُس الإسلام كما يدرس وشيُ الثوب حتى لا يُدرى ما صيام ، ولا صلاة ، ولا نسك ، ولا صدقة ، وليسرى على كتاب الله تعالى في ليلة فلا يبقى في الأرض منه آية ، وتبقى طوائف من الناس الشيخ الكبير والعجوز يقولون : أدركنا آباءنا على هذه الكلمة " لا إله إلا الله " فنحن نقولها ، فقال له صلة : ما تغني عنهم " لا إله إلا الله " وهم لا يدرون ما صلاة ، ولا صيام ، ولا نسك ، ولا صدقة ، فأعرض عنه حذيفة ، ثم ردها عليه ثلاثاً ، كل ذلك يعرض عنه حذيفة ، ثم أقبل عليه في الثالثة ، فقال : يا صلة تنجيهم من النار ثلاثا ) ( ) فهؤلاء كتب الله لهم النجاة ولم يعرفوا من الإسلام إلا الشهادة ، وجهلوا ما سواها من شعائر الدين و أركانه ، لكن لما كان الجهل هو عذرهم نفعتهم الشهادة التي ينطقون بها .
و ليعلم أن العذر بالجهل إنما يقبل في حقّ من كان في محلٍّ أو حالٍ هو مظنّة أن يجهل هذه الأحكام كمن نشأ في بادية بعيدة أو كان حديث عهد بكفر ، أما من عاش بين المسلمين ، يحضر صلواتهم ويسمع خطبهم ، ثم يجهل شيئاً من أصول الدين أو أمراً معلوماً منه بالضرورة فلا يعذر بجهله ، لأنه متسبب في وجود جهله وعدم إزالته.
2- الخطأ : وهو أن يقصد بفعله شيئاً فيصادف فعله غيرَ ما قصد ، كمن يريد رمي غزالٍ فيصيب إنساناً ، أو كمن يريد رمي كتاب كفر فيرمي كتاب الله جلَّ وعلا ، والأدلة على العذر بالخطأ كثيرة منها قوله تعالى : ( وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ ) ( ) ومن الأحاديث المشهورة في العذر بالخطأ ، قوله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استُكرهوا عليه ) ( ) .
وهذه الأدلة عامة في العذر من عموم الخطأ ، وثمة دليل خاص يدل على العذر من الخطأ في مسائل الكفر ، وهو ما رواه مسلم عن أنس بن مالك  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لله أشد فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه ، فأيِسَ منها فأتى شجرة فاضطجع في ظلها قد أيس من راحلته ، فبينا هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده ، فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح : اللهم أنت عبدي وأنا ربك ، أخطأ من شدّة الفرح ) ( ) ولا شك أن مخاطبة الله بالعبد كفر ومروق من الدين إن كان عن قصد وتعمد ، ولكن لما كان نطق الرجل لها خطأ كان معذورا بخطئه.
3- الإكراه : وهو إلزام الغير بما لا يريد ، ففي هذه الحالة يكون المكرَه في حلٍّ مما يفعله أو يقوله تلبية لرغبة المكرِه دفعا للأذى عن نفسه أو أهله ، وهذا من رحمة الله عز وجل بعباده ولطفه بهم حيث لم يكلفهم ما يشق عليهم ، قال تعالى : ( مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَـكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) ( ). وحتى لا يقع الناس في الكفر ويرتكبوا المحرمات عند وجود أدنى ضغط أو تهديد فقد ذكر العلماء الشروط التي يتحقّق بها وجود وصف الإكراه المعتبر شرعاً وهي :
أ- أن يكون التهديد بما يؤذي عادة كالقتل والقطع والحبس والضرب ونحو ذلك .
ب- أن يكون المكرِه قادراً على تحقيق ما هدّد به ، لأن الإكراه لا يتحقق إلا بالقدرة ، فإن لم يكن قادراًلم يكن للإكراه اعتبار .
ج - أن يكون المكرَه عاجزاً عن الذّب عن نفسه بالهرب أو بالاستغاثة أو المقاومة ونحو ذلك .
د - أن يغلب على ظن المكرَه وقوع الوعيد ، إن لم يفعل ما يطلب منه . فإذا اجتمعت هذه الشروط كان الإكراه معتبراً شرعاً .
4- التأويل : وهذا المانع من التكفير إنما يختص بأهل الاجتهاد دون غيرهم من المتقولين على الله بالجهل والهوى ، وذلك أن المجتهد قد يترك مقتضى نص لنص آخر يراه أقوى منه ، كمن اعتقد من الصحابة حل الخمر مستدلاً بقوله تعالى : ( لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُواْ إِذَا مَا اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّأَحْسَنُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) ( ) فلما رفع أمرهم إلى عمر بن الخطاب  وتشاور الصحابة فيهم ، اتفق عمر وعلي وغيرهما من علماء الصحابة رضي الله عنهم على أنهم إن أقروا بالتحريم جلدوا , وإن أصروا على الاستحلال قتلوا . فلم يكفرهم الصحابة رضي الله عنهم من أول وهلة لتأويلهم ، بل أجمعوا على أن يبينوا لهم خطأ استدلالهم فإن أصروا قتلوا ردة ، فلما استبان للمتأولين خطأ استدلالهم رجعوا وتابوا .
والتأويل المعتبر في هذا المقام هو ما كان له وجه في الشرع واللغة العربية ، أما إن كان لا يعتمد على شيء من القرائن الشرعية أو اللغوية فهو غير معتبر شرعاً كتأويلات الباطنية ونحوهم .
تلك هي موانع التكفير ، وهي تدلنا على مبلغ حرص الشرع على وجوب التحقق من وقوع الكفر من فاعله ، حتى لا يسفك دم معصوم بالتهمة والشك ، وفي ذكر هذه الموانع درس لمن يمارسون التكفير دون اعتبار لتوافر شروط التكفير وانتفاء موانعه ، ولا يعني ذكر تلك الموانع أن نتهيب من تكفير من كفّره الله ورسوله صلى الله عليه وسلم لثبوت وصف الكفر في حقه بتوافر شروط التكفير وانتفاء موانعه ، فإن كلا طرفي قصد الأمور ذميم ، ولكن الواجب هو التثبت .

4 - استخدام السلاح :
من القضايا التي طرحت في جلسات الحوار مسألة السلاح واستخدامه ، و قد تمّ النأكيد على حرمة استخدام السلاح في معارك داخلية ، انطلاقاً من حديث أبي بكرة  قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار . فقلت : يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول ؟ قال : إنه كان حريصاً على قتل صاحبه ) ( ).
فالسلاح إنما يوجّه إلى أعداء الأمة من اليهود وأتباعهم الذي دنسوا المقدسات ، واحتلوا الديار ، وسفكوا الدماء ، وارتكبوا أبشع المجازر .
وفي صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا مرَّ أحدُكم في مسجدِنا أو في سوقنا ومعه نبلٌ فليمسِك على نِصالها أو قال: فليقبِض بكفِّه أن يصيبَ أحدًا من المسلمين منها بشيء ) ( ).
5 - تطبيق الحدود :
إثر مقتل أبي عبدالرحمن المقدسي طرحت " فتح الإسلام " مسألة القصاص لمقتله ، وطرح أحد أعضاء مجلس الشورى مسألة تطبيق حدّ الحرابة ، ودار حوار حول المسألة وبيان معنى القصاص ( )والحرابة ( )، ومن يتولى تطبيق الحدود ، وأنه ليس من حقّهم تطبيق الحدود في المخيم ولا في غيره، وأسفر الحديث عن تراجعهم عن طرح هذه المسألة.

ما هي أبرز أساليب العلاج لهذا الداء
في نظرنا القاصر نرى أن من أبرز طرق العلاج النقاط الآتية:
1- فتح جميع قنوات الاتصال بالجماهير أمام دعاة التيار المعتدل الذين يفهمون الإسلام فهمًا شموليًا دقيقًا وعميقًا من تلفاز ومذياع وصحف ومحاضرات عامة ودروس بالمساجد ونحوها لأن في ذلك نمو للفكر الإسلامي الصحيح المعتدل، وهذا يضيق ويقلل من فرص نشأة التيار المتطرف الذي يتبنى العنف في خطابه.
2- لا تتم تلك الخطوة إلا إذا اقتنعت السلطات والجهات الأمنية على جهة الخصوص في تلك البلاد أن هناك فرقًا كبيرًا بين الإسلام بسماحته ورحمته وبين الفكر المتطرف المتشدد؛ ويقترح في هذا المجال عقد دورات تبين هذا الجانب للجهات الأمنية.
3- معرفة الحرية الحقيقية في الإسلام، فالحرية مكفولة في الإسلام ولكن بضوابطها؛ فهي لا تسمح لمن يريد أن يلبس على الناس دينهم أن يتصدر للناس ويعتلي وسائل الإعلام، ومن كان في نفسه شبهة من هؤلاء لا بأس من مناظرته وتبيين خطأ منهجه فإن تاب وإلا أقيم عليه الحد المناسب في الإسلام، أو على الأقل يمنع من التصدي للناس في وسائل الإعلام، فكما يوجد هناك تطرف في ناحية الالتزام في الإسلام فإن هناك أفكارًا أخرى تمثل التطرف المقابل والذي يدعو للتحلل من قيم ومبادئ الإسلام، وكلا التطرفين مرفوض.
4- لا ندعو للتخلي عن الحل الأمني فالحل الأمني مطلوب لمواجهة الفتنة في بدايتها قبل أن تستفحل، ولكن إلى جوار الحل الأمني لا بد من أمرين:
أ‌- النظرة الصحيحة لهؤلاء المتطرفين وذلك بأنهم مرضى محتاجون للعلاج وليس على أنهم مجرمون؛ واختلاف النظرة إليهم ينبني عليه اختلاف التعامل، فإذا نظرنا إليهم أنهم مجرمون سيكون التعامل معهم بكل قسوة وعنف وإنزال أنواع البطش والتنكيل بهم، أما إذا نظرنا إليهم على أنهم مرضى فحقهم علينا الشفقة والرحمة والبحث عن الطرق المناسبة للعلاج، المريض يعالج في المستشفى بينما المجرم يعاقب بالسجن، وهكذا يختلف التعامل بحسب النظرة؛ فهذا علي بن أبي طالب رضي الله عنه في موقفه مع الخوارج الذين ثبت عنده ضلالهم والذين استحلوا دماء المسلمين قال فيهم: (إخواننا بغوا علينا)، وفي قتاله مع معاوية رضي الله عنهم جميعًا كانوا يقتتلون طوال اليوم وفي آخر النهار يجمعون قتلى الفريقين ويصلون عليهم.
ب‌- اعتماد أسلوب الحوار في العلاج، فجميع الأعمال التي تصدر عن الإنسان إنما تصدر عن معتقداته؛ فالتصرفات الخاطئة ناتجة عن معتقدات خاطئة، ولا يمكن تعديلها مهما مورس على الإنسان من ضغط جسدي أو نفسي، نعم قد يكف عنها نتيجة الخوف، ولكن ذلك يكون لأجل محدد وتظل تلك المعتقدات تسيطر عليه حتى إذا ما وجد الفرصة المناسبة خرج ليحقق معتقداته، فحالة الإفساد في الأرض باسم الدين (الإرهاب) لا أتصور أنه يمكن علاجها إلا من خلال الحوار الهادف البناء؛ ولنا شاهد من التاريخ الإسلامي فهذا علي بن أبي طالب رضي الله عنه في سعيه لعلاج مشكلة الخوارج قبل أن يقاتلهم أرسل إليهم عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- ليحاورهم فنجح في مهمته وخفض عددهم إلى النصف حيث تاب نصفهم وعادوا إلى طريق الصواب، وتكرر المشهد نفسه في عهد الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- فمن خلال الحوار استطاع أن يجعل من فترته أهدأ فترات الدولة الأموية من حيث المشكلات التي كان يثيرها الخوارج والمعارك الداخلية، وحتى ينجح الحوار لا بد من اختيار شخصية المحاور بأن يكون ذا علم واسع غزير ملمًّا بالشبهات وطريقة الرد عليها، يملك أسلوبًا جيدًا في الحوار والإقناع، ملمًا بوسائل التأثير الحديثة كعلم النفس ونحوه، وأن يكون الحوار على أساس النِدِّية والتساوي فلا يكون أحد الطرفين في الأغلال والأصفاد والطرف الثاني في وضع مريح، وألا يكون الحوار في صورة الفوقية والتعالي، أو أن يتبنى نبرة الأستاذية أو التوبيخ واللوم ونحوها من سلبيات الحوار.
فتح باب التوبة والرحمة وأن من يتب يُعْفَ عنه، لأن ذلك سيشجع الكثير منهم على العودة عن الطريق الخاطئ، وقد بين الله جل جلاله أنه هو يعفو ويصفح مهما عظم الذنب بقوله تعالى:( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) ( ) فمن باب الأولى أن يكون العباد كذلك؛ هذا بالإضافة لما في ذلك من تعظيم من عفا في قلب المخطئ، وهذا يدفعه لعدم تكرار الخطأ.
السعي في إحياء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كثير من بلاد العالم الإسلامي؛ لأنه صمام الأمان لهذه الأمة؛ ومحاربة جميع المنكرات الظاهرة في المجتمع، ونشر الفضيلة والتقوى فيه كل ذلك سيكون بإذن الله سببًا لنزول الخيرات والبركات وقد وعدنا بذلك ربنا - جل في علاه - يوم أن قال: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) ( ) كما وعد الله أممًا من قبلنا فما صدَّقوا بوعد الله وما التفتوا إليه فلم يحصلوا على ما وعدهم الله به وذلك بقوله سبحانه: ( وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ ) ( ).
5- السعي الجاد والحثيث لعلاج المشكلات والأمراض الاجتماعية في المجتمع من خلال إيجاد آليات سواء عن طريق المساجد وأئمتها وهو الأفضل لما للإمام من مكانة وهيبة في نفوس الناس أو من خلال مجالس للأحياء أو ذات الأسر ونحوها فكل دولة تحرص على علاج لتلك المشكلات بالشكل المناسب لأوضاعها على أن ينبع من جهات شعبية لا من جهات رسمية.
6- السعي الجاد على تسهيل أمور الزواج للشباب من خلال معونات مالية مباشرة أو تسهيلات في صورة قروض مُيسَّرة، هذا بالإضافة إلى حملة وطنية تحث على الزواج المبكر؛ لما في ذلك من تسكين فورة الشباب، وهو مما يساعد على تقليل جانب المنكرات في المجتمع، فأغلب المنكرات إنما تكون من قبل شهوة الفرج.
7- إيجاد قنوات تمتص طاقة الشباب -وبخاصة من سن 14 إلى 30 سنة وتستثمرها في قنوات مفيدة للمجتمع مثل التجنيد لتدريبهم وإعدادهم لوقت الحاجة إذا داهم عدو البلاد أو حتى في رصف الطرق، وفي الأعمال الخيرية من جمع التبرعات وتوزيع الصدقات على الفقراء والمحتاجين أو المعسكرات والرحلات المفيدة وغيرها من الأنشطة في كل دولة بحسبها، على أن يكون القائمون عليها هم من أصحاب الفكر الإسلامي الوسطي النَّير. فالشباب طاقة إن لم تشغل بالمفيد من الأمور شغلت بسفاسف الأمور وبالسيئ منها، مع مراعاة أن تراعي تلك الأنشطة طبيعة الشباب التي تحتاج للحركة والحيوية.
8- إيجاد مرجعية دينية للمجتمع يمكن الرجوع إليها والقبول بحكمه حال الخلاف.
9- الطلب إلى الدعاة أن ينزلوا إلى الشباب ويقترح أن يكون لكل منطقة داعية معتدل في الفكر يبرز ويحبب إلى الشباب ويكون قائدًا ومرجعًا لهم، ويزود هذا الداعية بمعلومات شرعية كافية لما يستجد من الأحداث حتى يكون جاهزًا لإزالة أي شبهة تعلق بأذهان الشباب.
10- يجب التسليم بأنه لا يوجد ما يمكن أن يقاد به الناس بكل سلاسة غير الدين. ( )

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك