الفرقان بين التيار الإسلامي والتيار الشهواني

سامي بن خالد المبرك

 

 

1- فمشكلة العالم الإسلامي منذ القدم هي بسبب عدم تطبيق الدين أو توظيف الدين لمصلحة من مصالح الحاكم أو للشعب أو مداهنة للكفار, فلم يكن سبب تخلف العالم الإسلامي هو بسبب الدين بل بسبب الإعراض عنه والإنغماس في الملذات أو البدع ففريق تشدد بالعبادة وابتدع فيها، وفريق تساهل بها وتركها.

2- فلم يأتي الدين ليلبي رغبات الناس بل ليأخذها ويصبها في مسار واحد محدد فالله عز وجل هو الذي خلق هذه النفس ويعلم ما يصلح لها وما لا يصلح لها

3- لم يختارها بحثاً عن الحقيقة أو لكونها حلاً للمشاكل العالمية بل كان كما قال تعالى (افرأيت من اتخذ آلهه هواه) ولو كان اتخذها حلاً لمشاكل الشعوب لكنا حاله كحال من قال عنه الله عز وجل (اتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير) ايظن أن له الحق في اختيار حياته كما يريد؟، قال تعالى (ايحسب الإنسان ان يترك سدى)

4- فخرجوا من قيود الدين كما ظنوا فوضعوا أنفسهم في قيود ابتدعوها، بإسم التحرر، وبإسم القوانين الوضعية,قال تعالى (ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم) هم من كتبوها على أنفسهم، ليس فيها عدل رباني ولا حكمة ربانية بل عقلية قاصرة بشرية..

5- وبعضهم يجامل فيحاول التوفيق بين رغبات نفسه و الدين فيقول أنا مسلم ليبرالي فجمع الضدان والضدان لا يجتمعان

الحمدالله رب العالمين وبه نستعين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وآله وصحبه اجمعين أما بعد:قال تعالى (وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ)

قال تعالى (أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى)

قال البغوي رحمه الله في تفسير الآية (هملاً لا يؤمر ولا ينهى).....

سبب الضجة الفكرية التي أحدثت تصادم بين التيار الإسلامي والتيار الشهواني هو بسبب خلل في فهم طبيعة الإنسان وكيفية توجيه رغبات النفس ومكنوناتها.

فالتيار الإسلامي يخضع لله خضوع كلي أو جزئي، و يرى أن الإسلام هو الذي ينظم حرية الفرد وحياته ومماته في كل صغيرة وكبيرة حتى دخول الخلاء والخروج منه.

والتيار الشهواني يخضع لشهوته فهي التي تنظم حياته، فإن شاء كان ملحداً أو يعبد عقله أو شهوته أو كان شاذاً أو عابداً للشيطان أو يهودياً أو نصرانياً، وله التصرف في حياته وعاداته كما يشاء، خالف بذلك الكتاب والسنة أم وافقهما، وقد يجامل لكيلا يُهجر ويكون وحيداً خاصة إن كان في بلاد الإسلام ويعيش بين المسلمين.

التيار الإسلامي يؤمن أن النفس لله، يتصرف فيها كما يشاء فهي ملكه وهي في ملكوته وهو الذي خلق هذه الرغبات والشهوات في نفس الإنسان ووضع لها مساراً محدداً لا تخرج عنه ابداً.

فشهوة الطعام مثلاُ تكون في الطعام الحلال المباح ولا يحق له أن يأكل المحرم كلحم الخنزير قال تعالى ( حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير )

ويشرب الحلال المباح ولا يحق له ان يشرب المحرم كشرب الخمر قال تعالى ( إنما الخمر والميسر والأنصاب رجز من عمل الشيطان فأجتنبوه لعلكم تفلحون )

وشهوة النكاح تكون في الزواج المباح وله أن يتزوج اربع نساء ولا يزيد وله أن يشتري الجواري كما يريد ولا يحق له أن يفرغ شهوته في زنا او لواط أو استنماء قال تعالى ( فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون )

وهكذا في بقية حاجات النفس والجسد في حياة الإنسان ومماته فلها مساراً محدداً حتى المحبة والبغض والكره والتعلق والرجاء والخشوع والخضوع ونحوه.....

ولا يحق له أن ينغمس في هذه الملذات بحيث يقدمها على دينه فيقع في خطر عظيم بل بقدر بحيث لا يتعارض مع الدين بل تكون وسيلة من وسائل تحقيق العبودية كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميلة، تعس عبد الخميصة، إن أعطي رضي وإن منع غضب، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش ) وهكذا تعس عبد كل دنيا فالحديث ليس مخصوصاً بهذه الانواع بل في كل نوع دنيوي ينصرف به الإنسان عن دينه.

قال ابن القيم رحمه الله تعالى عن أحوال بعض المحتضرين في كتابه الشهير الجواب الكافي (وأخبرني من حضر بعض الشحاذين عند موته، فجعل يقول : لله، فلس لله. حتى قضى. وأخبرني بعض التجار عن قرابة له أنه احتضر وهو عنده، وجعلوا يلقنونه : لا إله إلا الله، وهو يقول : هذه القطعة رخيصة، هذا مشتر جيد، هذه كذا. حتى قضى).

فالتجارة ليست حراماً لكن قد يتعلق بها الإنسان تعلقاً يفضي به إلى مثل هذا الحال نسأل الله السلامة والعافية، ولهذا التجارة له مسار محدد  في كتاب البيوع وفي القرآن الكريم ولها قدر في قلب الإنسان لا يزيد فتكون بمنزلة العبادة .

فلم يأتي الدين ليلبي رغبات الناس بل ليأخذها ويصبها في مسار واحد محدد فالله عز وجل هو الذي خلق هذه النفس ويعلم ما يصلح لها وما لا يصلح لها

فتجد أنه سبحانه وتعالى في سورة النساء في نهاية الآيات يقول ( والله عزيز حكيم)وكأنه لا نقاش ولا مجادلة في هذا الأمر، فالمؤمن هو من يخضع لهذه الأوامر فأنت تخضع اولاً للأمر، ثم تبحث عن الحكمة، فإن وجدتها فالحمدالله وإن لم تجدها ، فلن يكون عدم علمك بها مبرراً لترك الأمر،  بل تقول كما علمنا الله تعالى  ( سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير ) ولا تقول ( سمعنا وعصينا )  ولهذا جعل الجنة هي الدار التي فيها كل ما تشتهي النفس البشرية في خلود دائم وحث المسلمين عليها لكي يعملوا من أجلها.

التيار  الشهواني وإن غير مسماه إلى ليبرالية أو علمانية أو نحو ذلك، يؤمن أن رغبات النفس ومكنوناتها توجه حسب رغبة صاحبها، فيستطيع أن يخالف الفطرة كما يريد ويستطيع أن يأخذ من الدين ما يريد أو يدعه بالكلية، ولا يحق لأحد أن يعترض على المسار الذي اختاره لحياته، والإعتراض عليه هو مصادرة لحقه، فتجد أن هذا التيار يعاني معاناة شديدة في بلاد الإسلام، فيحاول أن يتكلم باللغة التي يريدها أهل هذه البلاد، فيستدل بالكتاب والسنة ويفسر الآيات حسب فهمه الذي يوافق رغباته النفسية ويحاول ألا يصادم أي احد، وتجده ايضاً يبغض بعض الأمور التي تقوض من حريته أو تسلبه، كحرية شرب الخمر والزنا ومداهمات الهيئة فهي تقوض حريته، وبعضهم يجامل فيحاول التوفيق بين رغبات نفسه و الدين فيقول أنا مسلم ليبرالي فجمع الضدان والضدان لا يجتمعان، نعم هو اختار الليبرالية لأنها تجسد أهم ما يريده وهي الحرية، لم يختارها بحثاً عن الحقيقة أو لكونها حلاً للمشاكل العالمية بل كان كما قال تعالى (افرأيت من اتخذ آلهه هواه ) ولو كان اتخذها حلاً لمشاكل الشعوب لكنا حاله كحال من قال عنه الله عز وجل ( اتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير) ايظن أن له الحق في اختيار حياته كما يريد ؟، قال تعالى (ايحسب الإنسان ان يترك سدى)

قال البغوي رحمه الله في معنى الآية (هملا لا يؤمر ولا ينهى)

نعم ايظن أنه يترك الإنسان سدى لا يأمر ولا ينهى ويفعل ما يحلو له، كلا والله بل هو مخلوق لله ويعود إليه فيحاسبه بكل صغيرة وكبيرة ثم يرده إلى جنة أم نار.

وتجد الذي يعيش في بلاد الكفر يفعل ما يحلو له في حدود قوانين البلاد ايضاً، فتجد أن احدهم أراد أن يمارس حريته في قانون ممنوع في تلك البلاد فقبض عليه وحكم عليه بالسجن سنوات عديدة، لا يمكن أن تكون هناك حرية مطلقة وإلا لعمت الفوضى.

 ولهذا تدارك بعض هولاء هذه القضية فوضعوا قوانين وضعية تكفل حرية الإنسان بينما هي تقيده، فالإنسان لا يمكن أن يعيش حرية مطلقة ابداً فهذا من المستحيل

فخرجوا من قيود الدين كما ظنوا فوضعوا أنفسهم في قيود ابتدعوها قال تعالى (ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم ) هم من كتبوها على أنفسهم ليس فيها عدل رباني ولا حكمة ربانية بل عقلية قاصرة بشرية فلابد من شيء ينظم هذه الحياة ويكفل حقوق كل فرد، وكفى بالكتاب والسنة وكفى بهما شريعة، فمشكلة العالم الإسلامي منذ القدم هي بسبب عدم تطبيق الدين أو توظيف الدين لمصلحة من مصالح الحاكم أو للشعب أو مداهنة للكفار فلم يكن سبب تخلف العالم الإسلامي هو بسبب الدين بل بسبب الإعراض عنه والإنغماس في الملذات أو البدع ففريق تشدد بالعبادة وابتدع فيها، وفريق تساهل بها وتركها

فلابد من تطبيق الكتاب والسنة بشكل كلي بلا نقص ولا زيادة، كما أمر الله عز وجل لكي تنتظم أمور الحياة ويعيش كل انسان الحياة التي ارادها الله لا كما يريدها هو ولهذا كان هذا فرقاناً بين أهل الإتباع السوي وأهل الشهوات..

هذا والله اعلم وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين

المصدر: http://www.awda-dawa.com/Pages/Articles/Default.aspx?id=19636

 

 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك