الإسلاموفوبيا الغربية...من مخلفات العصور الوسطى
جوسلين سيزاري
تحرير: علي المخلافي
الدكتورة جوسلين سيزاري هي مديرة برنامج الإسلام في الغرب بجامعة هارفرد وزميلة بحوث رئيسة بمعهد بيركلي للدين والسلام والشؤون العالمية بجامعة جورجتاون. هذا المقال هو الرابع في سلسلة حول العلاقات المعاصرة بين المسلمين والغرب.
خوف الغرب من الإسلام والمسلمين
الإسلاموفوبيا الغربية...من مخلفات العصور الوسطى
في الوقت الذي دحض فيه العمل البحثي العلمي فكرة عدم تناغم الإسلام مع القيم الغربية، إلا أن ذلك لم يغيّر في الواقع هذا المفهوم المسيطر، والذي يهيمن على الطرح السياسي وصنع السياسة.
لقد احتدم مفهوم عدم التناغم هذا بين الإسلام والغرب في الواقع خلال السنوات الخمس عشرة الماضية، حيث اندمج مفهوم الإسلام على أنه العدو الخارجي مع الخوف من الإسلام داخل الديمقراطيات الليبرالية الغربية. أما النتيجة فهي أنه أصبح يُنظَر إلى المسلمين اليوم من قبل الكثيرين كعدو داخلي وخارجي في كل من أوروبا والولايات المتحدة.
ليس لمراوحة وبقاء ثنائية الإسلام ضد الغرب علاقة بنوعية العمل الأكاديمي، وإنما بحقيقة أن هذا العمل نادراً ما يتم استغلاله من قبل سياسيين وثقافيين، أو حتى وسائل الإعلام.
ومع ذلك، فهناك أمل بحصول تفهم أفضل لواقع المسلمين الاجتماعي والثقافي، الذي يناقض بصورة صارخة الصدع المنظور، ومفاده أن المسلمين في الغرب يدعمون القيم الغربية والتكامل المدني. وفي هذا السياق، يمكن بذل الجهود لتعريف المواطنين بهذا الواقع من خلال أساليب تعليمية وثقافية مختلفة.
خوف غير مبرر من الإسلام
يشير كتابي "لماذا يخاف الغرب من الإسلام: استكشاف الإسلام في الديمقراطيات الغريبة الليبرالية" (حزيران/ يونيو 2013، بالغريف ماكميلان) إلى نزعة مُثابِرة في الغرب لربط الإسلام بسلوك غير مدني، ورؤية مسلمين جازمين كأعداء داخليين يهدّدون القيم والهويات الوطنية وكذلك كأعداء خارجيين يشنون حرباً على الحضارة الغربية.
من المثير للدهشة والفضول عدم وجود دلائل تجريبية ترتكز على سلوك المسلمين في الدول الأوروبية أو الولايات المتحدة، تدعم هذه المخاوف. فواقع الأمر هو أن الممارسات السياسية المسلمة ليست مختلفة عن ممارسات المواطنين الآخرين الاعتيادية.
وتُظهِر تحقيقاتي أن المسلمين في الولايات المتحدة وأوروبا يعبّرون عن ثقة أعظم في المؤسسات الوطنية والديمقراطية مقارنة بالمواطنين الآخرين، وأن حضور الصلاة في المساجد تيسّر في الواقع التكامل الاجتماعي والسياسي.
تأثر غربي بالتاريخ
رغم ذلك، فإن تصوير المسلمين على أنهم العدو في الديمقراطيات الليبرالية يحصل في البيئة الموجودة أصلاً والمتأثرة بالتاريخ، بحيث يتم إضافة بعد آخر وهو العدو الداخلي للصفة المتواجدة والباقية أصلاً، وهي العدو الخارجي.
يُنظَر إلى المسلمين عادة على أنهم "الآخر" بالنسبة للغرب منذ العصور الوسطى. وبدقّة أكبر، فقد تم بناء التعريف الغربي الذاتي على مفاهيم التقدم والأمة والفردية العقلانية وإضفاء العلمانية، في مواجهة الامبراطوريات الإسلامية. أسست علاقة أوروبا مع الامبراطورية العثمانية تدريجياً الثنائية الشرقية الغربية التي كان لها وقع حاسم على السياسة العالمية منذ القرن التاسع عشر.
وفي الولايات المتحدة، وخلال القرنين العشرين والحادي والعشرين، يمكن اقتفاء أثر مفهوم أن الإسلام هو العدو الخارجي إلى أزمة الرهائن في إيران عام 1979 إلى 1981، وتفاقُم الوضع بعد الحادي عشر من أيلول/سبتمبر عندما أصبح يُنظَر إلى المسلمين على أنهم أعداء داخليين نتيجة للخوف من الإرهاب الناشئ داخلياً.
خلفيات عن مسلمي المهجر
لدى العديد من المسلمين في أوروبا ما بعد الحرب العالمية الثانية خلفية مهاجِرة، ويقدّر حالياً أنهم يشكّلون حوالي 5% من سكان الاتحاد الأوروبي البالغ عددهم 425 مليون نسمة. وكمهاجرين، نشأت الأجيال بمهارات عمالية منخفضة جداً، بعكس معظم المسلمين في الولايات المتحدة، الذين يملكون بشكل عام نسبة مرتفعة من التعليم والمهارات القابلة للتسويق.
تفسّر معدلات التعليم المنخفضة وفرص العمل القليلة الأداء الاقتصادي السيء للمسلمين في أوروبا. وتتركز أعداد السكان المسلمين في أوروبا أحياناً في مناطق حضرية منفصلة يسودها الانحراف والجريمة والظروف المعيشية المتردية.
هناك حاجة عبر المحيط الأطلسي لإعادة بناء السرد الوطني ليضم المسلمين والإسلام كجزء من الذاكرة والثقافة للمجتمعات الوطنية التي يعيشون فيها.
ويمكن تحقيق ذلك على الأرجح إذا تم فصل الإسلام عن المصالح الحزبية ليصبح قضية وطنية للاعبين السياسيين والاجتماعيين والدينيين عبر الطيف العقائدي. وتشكّل الجهود التعليمية والسياسية عبر العقود الخمسة الأخيرة لضم الأمريكيين من أصول إفريقية إلى السرد الوطني الأمريكي إثباتاً جيداً على هذه الجهود الجماعية.
وفي حالة الإسلام، سوف يحتاج الأمر إلى تحالف بين المشاركين الدينيين من كافة الديانات والمذاهب، الذين يستطيعون لعب دور حاسم في الترويج لنقاط التماثل بين الإسلام وغيره من الديانات التوحيدية. وهذه مهمة سياسية نبيلة للعقود المقبلة.
المصدر: كومون غراوند نيوز 2013