أخلاقيات البحث العلمي من منظور الشريعة الإسلامية
حوار مع توماس أيش حول المبادئ الأخلاقية المتعلقة بعلم الحياة في الإسلام:
أجرت الحوار: سارة زاده
ترجمة: عبد اللطيف شعيب
يعمل توماس أيس أستاذا للدراسات الإسلامية بجامعة توبنغن الألمانية. وكان باحثا زائرا في جامعة جورج تاون
"الطب الحديث ومفاهيم الأخلاق الإسلامية" علوم الحياة في الفقه الإسلامي، مختارات وترجمة وتعليق توماس أيش، دار النشر هيردر 2008.
أخلاقيات البحث العلمي من منظور الشريعة الإسلامية
مع تزايد الإمكانيات التقنية الطبية الجديدة بدأ الجدل والمناقشات في ألمانيا وأجزاء أخرى من العالم الغربي بحدّة حول المبادئ الأخلاقية المتعلقة بأبحاث الاستنساخ وخلايا المنشأ، وأصبحت التصورات المتعلقة بالحياة البشرية محل نقاش. هل من الممكن ملاحظة مثل هذا التطور في الدول الإسلامية؟
توماس أيش: نعم، إن كل المستجدات الطبية تخضع لنقاش حاد في المجتمعات المسلمة المتعددة كما هو الوضع في ألمانيا. فأولا توجد تقريبا كل التقنية الطبية في هذه البلاد، وثانيا يمكن الوصول إليها عن طريق السياحة العلاجية. أضف إلى ذلك أن الدول الإسلامية أو المنظمات كمنظمة المؤتمر الإسلامي لها تمثيل دائم في الهيئات العالمية مثل الأمم المتحدة أو اليونسكو أو منظمة الصحة العالمية، ولهذا فهي تشارك في المناقشات العالمية مثل التي تدور حول الاستنساخ على سبيل المثال.
مصطلح كرامة الإنسان له مكانة خاصة في الجدل حول المبادئ الأخلاقية العلمية البحثية المتعلقة بالحياة البشرية بين الجمهور الألماني، هل ينطبق ذلك الحوار على العالم الإسلامي؟
أيش: مصطلح كرامة الإنسان يلعب دورا أساسيا في الحوار الإسلامي حول المبادئ الأخلاقية في البحث العلمي. بيد أن هناك فرقا واضحا بينها وبين الحوار الدائر على مستوى ألمانيا. وفي ألمانيا يعتبر إجراء تجارب على الخلايا الجذعية الجنينية انتهاكا لكرامة الإنسان لأن الإنسان يُستخدم في هذه الحالة كأداة. في النقاش الإسلامي حول المبادئ الأخلاقية المتعلقة بأبحاث الاستنساخ وخلايا المنشأ لا يتم اعتبار بعض المسائل انتهاكا لكرامة الإنسان في حد ذاتها ولكن لأنها تسفر عن نتائج تخالف مبادئ معينة للشريعة مثل الحفاظ على النسب.
على أي شيء تعتمد معايير المبادئ الأخلاقية المتصلة بأبحاث الاستنساخ وخلايا المنشأ في العالم الإسلامي؟ هل توجد في القرآن إجابات أو توصيات صريحة حول جواز الهندسة الوراثية أو التجارب على الخلايا الجذعية أو الإجهاض أو الإخصاب الصناعي؟
أيش: لا، فالقرآن لم يذكر قطّ شيئا عن هذه المسائل، وإن كان فليس بوضوح. لهذا السبب يأخذ الفقهاء المسلمون بمبدأ القياس الذي يعتمد على بعض آيات القرآن وفي الغالب على السنة، التي تعتمد على أقوال وأفعال النبي والصحابة الأولين. علاوة على ذلك تُوضع للحكم على التقنيات الفردية قواعد أساسية للشريعة مثل مبدأ درء المفاسد والأضرار.
لقد جمعتم مقالات فقهاء المسلمين في كتابكم "الطب الحديث ومفاهيم الأخلاق الإسلامية" وقمتم بترجمتها، وبهذا وثّقتم الآراء المختلفة في الجدل حول المبادئ الأخلاقية المرتبطة بقضايا الاستنساخ وأبحاث خلايا المنشأ، كيف يبني الفقهاء أحكامهم؟
أيش: ينطلق الفقهاء من قاعدة فقهية عامة مفادها أنه الأصل في الشيء الإباحة، ما لم يوجد نص بالتحريم. ومثال على ذلك الإخصاب الصناعي خارج نطاق الحياة الزوجية، ففقهاء المذهب السّني يرون في هذه العملية تحقق الزنا ولهذا فهم يرفضون هذه التقنية. وفي خطوة ثانية يجب التأكد من أن التقنية الجديدة لا تؤدي بطريقة غير مباشرة إلى انتهاك حرمة من المحرمات.
وهنا يمكن أن تدخل أمور عدة في الاعتبار، فهناك رأي منتشر جدا يقول بحظر إحدى التقنيات لأنها قد تؤدي إلى ضرر جسدي مثل تشوه الرضيع، ولهذا يجب الموازنة بين المنفعة والضرر الذي قد تجلبه هذه التقنية. ومثال على ذلك إدخال برنامج فحص الجينات قبل الزواج لمكافحة بعض الأمراض مثل الثلاسيما (فقر دم البحر المتوسط). ومع أن القول بأن مثل هذه البرامج تسبب ضررا لأنها قد تحول دون الزواج، إلا أن فائدتها كبيرة في تقليل فرص الإصابة المتوالية بمرض الثلاسيما.
إلى أي مدى تكون فتوى الفقهاء ملزمة؟ وهل هناك إجماع في العالم الإسلامي حول حدود العمل الطبي في الجدل الحالي حول المبادئ الأخلاقية ذات العلاقة بأبحاث الاستنساخ وخلايا المنشأ؟
أيش: تعتبر فتاوى الفقهاء ملزمة بطريقة مباشرة إلى حد ما في عدد محدود من البلاد مثل السعودية أو إيران. أما في البلاد الأخرى مثل مصر فتلعب الفتاوى دورا مهما في تشريع القوانين الجديدة وفي إصدار قرارات من قبل وزارات الصحة.
ويرى فقهاء المسلمين أن حدود العمل الطبي عادة ما تكون، حيث يوجد ضرر للمجتمع أو تدخل في خلق الله، والعبرة هنا في تعريف "إرادة الله". وهذا ما يمكن تصوّره في عملية تبديل الجنس على سبيل المثال. ففقهاء المذهب السني يرون أن النظام الإلهي لا يُوجد فيه سوى جنسين يختلف كل منهما عن الآخر اختلافا واضحا.
وهذا يعني أنه إذا ما ظهرت على شخص سمات خارجية من كلا الجنسين فإن ذلك قد يعني أن سمات الجنس الآخر غطت على سمات "الجنس الحقيقي". فالشخص الخنثى يمكن أن يكون رجلا تظهر عليه علامات الأنوثة، وفي هذه الحالة تعتبر الجراحة مباحة لأنها ليست تدخلا في خلق الله وإنما تساعد على إعادة النظام الإلهي إلى الوضع الطبيعي الذي أراده الله. لكن تغيير الجنس بسبب معايير نفسية (كأن يبدل رجل جنسه لشعوره بأنه في جسد خطأ) يعد عند فقهاء المذهب السني انتهاكا صريحا للنظام الإلهي وتدخلا في خلق الله، وعليه فإنهم يحرمونه.
هل هناك فروق بين الآراء الشّيعية والآراء السّنية؟
أيش: هناك فرق كبير بين الآراء في عديد من المجالات، فقهاء الشيعة يجيزون تبديل الجنس بسبب المعايير النفسية ويجيزون أيضا الإخصاب الصناعي بحيوانات منوية من رجل أجنبي.
هل تقتصر الفتاوى على بعض الفقهاء المسلمين دون غيرهم فيما يتعلق بالمسائل الأخلاقية المتعلقة بعلم الحياة البشرية؟
أيش: هناك بعض الفقهاء أصبحوا متخصصين في المسائل المتعلقة بالأخلاقيات الطبية الحيوية أمثال مختار السلمي من تونس ورأفت عثمان من مصر أو عبد الفتاح إدريس المحاضر في الكويت. وهناك فقهاء كبار أمثال آية الله فضل الله ويوسف القرضاوي أو وهبة الزحيلي يدلون برأيهم في هذه المسائل في إطار تخصصاتهم الواسعة.
هناك تزايد في الاستثمار في الشرق الأوسط وباكستان وإيران وتركيا أيضا في مجال الأبحاث المتعلقة بالطب الحيوي، هل تحتل هذه البلاد الصدارة في العالم الإسلامي فيما يتعلق بالأبحاث المتعلقة بالطب الحيوي ؟
أيش: نعم، إنني أرى أن السعودية وإيران تحتلان الصدارة هذا المجال.
زاده: إلى أي مدى يؤثر تقييم أي بلد للمسائل الأخلاقية المتعلقة بخلايا أبحاث المنشأ وهندسة الأجنة على البُعد السياسي والاقتصادي؟
أيش: في إطار نموّ "السياحة العلاجية" أصبحت المنفعة الاقتصادية من إدخال بعض أنواع التداوي أو أشكال العلاج واضحة للعيان، مثل علاج العقم على سبيل المثال. وفي هذا تتفاوت أوساط العملاء طبقا للمعروض، فلعلاج أمراض الخصوبة يأتي المرضى من البلاد المجاورة في المقام الأول (على سبيل المثال يكثر الطلب على الإخصاب الصناعي في الأردن من مواطني البلد ومن البلاد العربية المجاورة وليس من أوروبا) بينما الأنواع الأخرى من التدواي مثل علاج السرطان فتريد السعودية جذب المرضى من جميع أنحاء العالم.
إنني أرى أن البعد السياسي في طريقة تقييم المسائل الأخلاقية المتعلقة بعلم الحياة يكمن في المقام الأول في أن النقاش العام حول هذه المسائل ليس إلا نقاشا حول الآدمية وحول المسائل الاجتماعية الجوهرية، مثل "كيف نحدد مفهوم الأسرة؟" أو "متى يعتبر الإنسان ميتا؟".
لقد أدت العولمة وهجرة المسلمين إلى أوروبا مناقشات تجديدية في الإسلام ونتج عنها مصطلح "الإسلام الأوروبي"، هل من الممكن ملاحظة نشوء آراء إسلامية أوروبية بخصوص المسائل الأخلاقية المتعلقة بالاستنساخ وعلوم الحياة البشرية؟
أيش: لا، فالمشاركة الإسلامية في الحوار الأوروبي والشمال أمريكي حول المسائل الأخلاقية المتعلقة بعلم الحياة لا يزال إلى حد كبير متأثر بالمناقشات والقرارات الشرق أوسطية، وعلى الأرجح فقد تطور جدلا خاصا بمسلمي أمريكا الشمالية حول هذه المسائل.
من الصعوبة بمكان أن تتوافق المفاهيم الأخلاقية الإسلامية مع المجتمع العلماني، هل ترون على الرغم من ذلك فرصة لحوار بَيْنديني وبَيْنثقافي في المسائل الأخلاقية المتعلقة بعلم الحياة واستنساخ الأجنة البشرية وهل تصلح مثل هذه الموضوعات للحوار البَيْنديني ؟
أيش: لا أعتقد أن المسائل الأخلاقية المتصلة بعلم الحياة تصلح للحوار البَيْنديني، فهذه المسائل يجب أخذ القرار فيها بسرعة وأن توجد لها حلول عملية في التطبيق الطبي. كما أن الحوار البَيْنديني يحتاج إلى مزيد من الوقت، لاسيما وأنه لا يحظى بدور مؤسساتي بحثي في كثير من البلاد، ولكني أرى أن الحوار البَيْنثقافي في هذه المسائل الأخلاقية من الضروريات.
المصدر: قنطرة 2009