تقليد الغرب في المظهر الخارجي

د. موسى حجيرات

 

إنّ الثقافة الإسلاميّة لم تزل في صعد منذ أن وطأ ربعيّ بن عامر بساط كسرى وقال :"جئنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة ربّ العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام". 

ومنذ أن أقبل عمر بن الخطاب إلى الجمع المحتشد في انتظاره وعلى رأسهم البطريرك الأكبر صفرونيوس، ليتسلم مفاتيح المدينة. 

هكذا انتشرت هذه الثقافة، وعمّت بقاع الأرض وأصقاعها، وارتاحت لها الشعوب والأمم، والجماعات الإثنيّة، والقبائل، والعشائر، والأسر، والأفراد، ونعم في ظلالها الشرق والغرب، البشر والحيوان وحتّى القطط. 

هذه الثقافة التي اعتبرت، وقدّرت، وقوّمت الرجال والنساء، الكبار والصغار، العرب والعجم، المثقف المتعلّم والأميّ، ولم يحرم من فضلها أحد. بل اعتبرت الفرد وقّدراته، جسدا وروحا، فظهر بأبهى المظاهر، وأبهى الحلل ممّا يناسب الذوق السليم، والمنطق الصحيح، ويلائم الظروف البيئيّة، والصحيّة، ونظرة الآخرين أيضا، واطمأنّ، وسكن، وارتاحت نفسيّته؛ فنام ليله، لا يقلقه أمر، ولا يحزبه آخر. 

ولكن حين ضعف المسلمون، وضعف إيمانهم بدينهم وحضارتهم، وضعف تمسّكهم بعقيدتهم وشرعهم، وباتوا في انسحاب وتراجع مستمر، بل وطالت نظرتهم إلى ثقافة غيرهم؛ فأوهمهم الشيطان أنّهم وهنوا واستكانوا؛ فوهنوا واستكانوا فعلا. ذهبت ريحهم؛ فتداعت عليهم الأمم، واجتمعوا حولهم كقصعة التاريخ، وبدأوا ينهشون بدينهم وشرعهم، وعقيدتهم، ويغزونهم فكريّا، ويستميتون في النيل من ثقافتهم، ولكنهم لا يجدون لها بديلا. فثقافاتهم الماديّة تعجز عن السيطرة والهيمنة، وتبدو مكشوفة حيال أيّ ثقافة أخرى، ولكن، ومع ذلك فهم يستميتون في سيطرتهم، وهيمنتهم على العالم كله. 

أمّا المسلمون فتهاونوا بثقافتهم حتى بسطت بين يدي الغرب الذي استغل هذا الضعف ليفرض سيطرة سياسيّة، وهيمنة واهية زائلة، فبات الشرق يرضخ لثقافات الانحلال والفساد. 

والأنكى من هذا الرضوخ الفكري بدأ النشء المسلم الشرقي يحسبون أنّ هذه الثقافة هي الأسمى والأنبل؛ لأنّها الثقافة المهيمنة سياسيّا، فراحوا يقلدونها، فينتزعون كلّ شرقي عربي مسلم، ويلبسون كلّما هو غربي مستورد، وفي مجالات متعدّدة، ودروب كثيرة. 

ومن هذه المظاهر تقليد المظهر الخارجي، والشّكليات في الأحذية واللباس وقصّات الشعر والتّجمل الغربي.

وللتنويه أنّ ليس للمسلم مظهر خاص، ولا لباس يميّزه ولا يطالب الشاب المسلم بلبس الثوب الأبيض الطويل أو الزيّ الأفغاني، ويعتمر عمامة أو غير ذلك. وكذلك الفتاة المسلمة إنّما طولبت بارتداء الجلباب الشرعي.

إنّ المقصود بالجلباب الشرعي هو الساتر لكافّة أطراف البدن دون تحديد نوع أو لون أو قَصّة. ولكن تفضيل بعض الأشكال، عرفيّا ومحليّا، أدّى لأن ينظر إليها الناس، وكأنّها شرعيّة لمراعاتها الدّين، والمنطق السليم على السواء.

فالتقليد يكون في انتعال أحذية مصنّعة غربيّا للشباب، ومعظمها غير مريحة صحيّا، وتؤثر فعلا على هيئة المشي، وتتعب الأقدام؛ فترهق البدن حتّى ينتظر منتعلها فترة انتزاعها، والراحة منها حين يأوي إلى مخدعه. 

والغريب أنّ غالبيّة النشء ينتعلون هذه الأحذية، وكأنها تمنحهم مركزا اجتماعيّا ساميا أو كأنّها تشرّفهم؛ فيسمون، ويعلون شرفا أو كأنّها رمز التقدّم والرقي؛ فيعتزون بها لأنّها تنسبهم إلى جماعة المتقدّمين، وتنفي عنهم صفة التخلّف، والرجعية التي باتوا يؤمنون أنهم إنّما يتصفون بها. 

أمّا أحذية الفتيات، فحدّث ولا حرج فابتداء من الكعوب العالية، مرورا بالأوان الزاهية، ودمج الجلود والخيوط، وأحذية الأقمشة الخفيفة أو الجلديّة الثقيلة، وكلّ هذه النوعيّات حتّى وإن كانت في بعض الأحيان مناسبة صحيّا للقدم إلا أنّ أشكالها، وألوانها الزاهية لا تناسب الفتاة أو المرأة، وكثيرا ما تلائم الفتاة العصريّة لون حذائها للون شفاهها، وأقراط أذنيها ممّا يجعلها تبدو في صورة ساخرة مضحكة يعجب المرء كيف تطيقها أو تقبلها. 

والأمر الآخر هو اللباس ففي تقليد الفتيات العربيات المسلمات لفتيات الغرب إنّما كلها أمور فاضحة، مخزية، خارجة عن الدين والشرع، فيكفي أن تكون الفتاة المسلمة قد انتزعت جلبابها الساتر لأعضاء جسمها، والذي يعطيها هيبة الفتاة المسلمة الموقرة، وارتدت مكانه خرقا وأسمالا لا تكاد تغطي أجزاء بسيطة من جسدها. 

قيل عن هؤلاء الكاسيات العاريات، وحذرهنّ الشرع من عاقبة الأمور. ومع ذلك، فلم يأبهن لدين أو شرع أو حتّى للعادات الشرقيّة والتقاليد، وصرن يفخرن بخرقهنّ الكاشفة لعوراتهنّ، والتي تجعلهنّ يبدون بأشكال مضحكة مهزّئة لقيمتهنّ وكيانهنّ الإنساني.

فملابس قصيرة، وأحيانا طويلة، ولكنّها شفافة. وإن كانت شفافة فلاصقة، محجّمة، لا يزيد مظهرها عن الطّلاء الملوّن.

ولم يقتصر التقليد لنساء الغرب، بل تعدّى ذلك لتقليد رجال الغرب ولبس ملابسهم. فالشاب المسلم نسي انّ الرسول قد نهاه عن ذلك، كما نهى الفتاة ايضا عن لبس ملابس الرجال. فقد "لعَن رسول الله صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم الرّجلَ يلبَس لبسَةَ المرأةِ والمرأَة تلبَس لِبسَة الرَّجل". 

ليس إلا، بل ألقت حجابها، وباتت حاسر سافرة، لا يميّزها سوى التبرّج، والسّفور حتّى لم يعرف لذلك انتسابها العرقي أو الاجتماعي. 

والغريب أنّ هذا المظهر بات محفّزا على الزواج، وأنّ الشباب إنّما يفضّلون ذلك، حسب اعتقادهنّ الخاطئ؛ فتعمد الفتاة للظهور بهذا المظهر طمعا في أن تكون مختارة من قبل الشباب للزواج، وطال ذلك الاعتقاد حتّى وصل للأهل؛ فباتوا يسكتون عن عري بناتهم، وسفورهنّ بغية طلبهنّ للزواج.

إنّ أغرب ما في أمر تقليد الغرب من حيث اللباس هو أنّ المقلّد الشرقي فات المقلّد الغربي، لقد شاع تقليد الغرب في مجتمعاتنا، وبين كلّ الطبقات. وفي كافة أماكننا، العامّة والخاصّة، ترى العري والسفور. 

فنراه في بيوتنا، وشوارعنا، ومدارسنا، ومكاتب مصالحنا العامّة، وساحاتنا، وفي كل مناسباتنا، أفراحنا وأتراحنا، وحفلات تخريج بناتنا وأبنائنا، أعراسنا، وإحياء ذكرى مناسبات أخرى.

أمّا في الغرب، فالعري ليس بظاهرة عامّة وطامّة، ويرى في أماكن معيّة خاصّة كالمحافل الخاصّة الساهرة، والمنتديات والمراكز الخاصّة، وشواطئ البحر، وبيوت الدعارة والرقص، والحفلات الساهرة.

وأغرب من هذا كله أن شهيرات نساء الغرب في مقابلاتهنّ في مراكز التلفزة يثنين على اللباس الإسلامي ويتمنّينه، ويشجعن على ارتدائه، ويحلن له أسباب الخيانات الزوجيّة، والأسريّة وتحطّم المجتمعات. ويعتبرن كل ذلك عائد إلى العري والفجور في مجتمعاتهنّ.

وكذلك مشاهيرهم يطالبون خفية نسائهم بارتداء الحجاب كما فعل مادوراي أدهينام الهندي.

والأمر الآخر من تقليد الغرب هو تقليدهم في قصّات الشعر، وهنا لا يعتبر التقليد ظاهرة انتشرت في بلاد الغرب؛ فعمّت شبابهم وفتياتهم أنّما هي حالات فرديّة خاصّة يقوم بها الساقطون من الغرب، والمنحطّون أخلاقيّا، والمدمّرون نفسيّا، حثالات المجتمع، المنبوذون حتّى في مجتمعاتهم، ولكن حين تسوّقهم الفضائيات التجاريّة ذات السّياسات المغرضة الهادفة للهدم، والتدمير ينتشر صيتهم، وتنتشر صورهم؛ فتطغى أشكالهم المزرية المقزّزة للنفوس.

وهكذا فقصّات الشعر قد يعاني منها الطبيعيّون من المسلمين الذين لم يجعل دينهم تطويل الشعر من السّنة فلم يؤجر عليه فاعله ، ولم يأثم تاركه. بل أمر بإكرامه، لقوله صلى الله عليه وسلم قال :"مَن كان له شعر فليكرمه". 

وقد أخضع علماء العصر تطويل الشعر إلى العادات، والأعراف المحليّة. 

وقد يعاني منها، كذلك، الغربيّون الطبيعيّون الحريصون على الظهور بمظاهر البشر الاعتياديين. 

ومن هذه الأشكال تقليد الحيوانات الأليفة حيث اعتاد أصحاب الحظائر، مربو الماعز والأغنام قصّ شعر الماعز وأصواف الأغنام من جوانب البطن، وأسفله، وبين الأرجل، وإبقاء الشعر على ظهر الجدي أو الحمل حماية له من الحرّ في الصيف.

وفي هذا العصر نجد بعض الشباب يحلق رأسه من جوانب الرأس، وحول الأذنين، ومؤخرة الرأس، ويبقيه على أعلى الرأس فقط. 

وبعضهم يحلق الشعر من جوانب رأسه بالكامل، ويبقيه أعلى الرأس، ومؤخرة الرأس، اقتداء بأحد مشاهير كرة القدم الساقطين. 

ويعمل أصحاب القصّات بصبغ شعورهم بالدهن، والطلاء، والمساحيق الخاصّة، ورفعه بمادة خاصّة. كما يعمل البعض على قصّ الشعر حتّى يبدو خفيفا جدّا، وفي بعض المواضع يحلقه بالكامل حتّى يبدو الجلد في هذه المواضع على شكل نكت أو سطور كأنّها سطوات ناتجة عن ضربات فأس أو سكين أو أيّة أداة حادّة. ويعتبر هذا الشكل دلالة على الشجاعة، وخوض الشجارات العنيفة. 

وقد وصلت هذه الأشكال حتّى لقصّات شعر الأطفال، ورضي بها الآباء، وشجّعوها، وتفاخروا بقصّات شعر أطفالهم، ونسوا تحطيمها لبراءة أشكالهم الطفوليّة.

كما أنّ بعضهم بدّل رسم السطور، والسطوات إلى رسم أرقام تعبرّ عن أمور خاصّة، كيوم الميلاد أو ميلاد المعشوقة أو عمرها أو عمر فنّانة مشهورة أو مطربة أو أحرف كالحرف الأول من اسم العشيقة أو اسم لاعب كرة شهير أو صور قلوب أو أشكال أخرى.

وفي حين بدأت هذه المظاهر تنتشر في مدننا، وقرانا، وفي مدارسنا، وشوارعنا، وبيوتنا تخلو منها مدارس الغرب، وجامعاتهم، بل دورهم، وشوارعهم. 

إذا هذا إثبات أنّ تقليد قصّات الشعر ليس تقليدا للغرب إنّما لساقطي الغرب وساقطاته، ومنحلّيه، ومنحلاته، وفاسديه، وفاسداته.

هذا تقليد قصّات الشعر أمّا شعر اللحية؛ فيعتبر أكثر انتشارا، وأكثر سفاهة، وانحلالا فقد غيّر المقلدين من الشباب أوامر الرسول صلى الله عليه وسلم بإعفاء اللحية، لقوله: " أحفوا الشّوارب، وأعفوا اللحى". وشدّد على عدم تقليد اليهود والنصارى. فقال: "إعْفُوا اللِّحَى وَقُصُّوا الشَّارِبْ، وَخَالِفُوا اليَهُودَ والنَّصَارَى". 

وخلافا لذلك صاروا لا يقلدونهم، فحسب إنّما يقلدون، وكما ذكر، الساقطين منهم؛ فباتوا لا يحلقون لحاهم فحسب، إنّما يبقون منها ما يشبه الخيوط، والمسارب الشعرية الرفيعة في الذقن. أو أحيانا إبقاء بقاع شعريّة في أماكن من الذقن أو الخدّ أو نكتات سوداء صغيرة تحت الشفّة السفلى. 

وأحيانا لا تحلق اللحية أبدا، إنّما تعفى وبغزارة حتّى يبدو الملتحي منهم كأنّه من جراء قصور الإقطاع وكلابهم المنزليّة. وهذا أكثر ما يزيد الأمر غرابة إذ شرف الله المسلم، ووقّره، وخلقه في أحسن تقويم. لكنّه يأبى إلا أن يقلد الحيوانات، والساقطين، المنحلين، الفاسدين من مجتمعات أخرى. أو أن يترك ما علّمه رسول الله الكريم صلى الله عليه وسلم بشأن شعره ولحيته ما إن لو اتّبعه لبدا بأحسن ما يكون، وراح يقلد أشكالا تقشعر لها الأبدان وتشمئز منها النفوس. 

وأخيرا فلقد وصل تقليد الغرب إلى تقليد أبنائهم بالتزيّن الغربي الذي لا يتزيّن به سوى الهابطون، والهابطات، والسفلة الذين يتظاهرون بما ليس 

فيهم أو مقلدي الجنس الآخر.

فبدأ بعض الشباب العربي المسلم يضعون الأقراط في آذانهم تشبّها بالنساء. وهنا لسنا بحاجة لأن نذكر ما أفقدهم هذا التقليد من هيبة المسلم، ووقار الرجال، ومعالم الرجولة.

إلا أنّ الأمر لا يزيّنهم بمعنى التزيّن والتجمّل حتّى صاروا أشبه بمردة الشياطين، ذوي الصور الخياليّة، ونسوا ما نهى عنه الدين والشرع. فقد روى ابن عبّاس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه قال: "لعَن رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّم المتشبّهين مِن الرِّجالِ بِالنّساء ، وَالمتشبهات مِن النّساء بالرّجال". 

ومنهم من قصّ حاجبه أو خدش جلده بكيّ نار أو علامة بلون أو صبغة قويّة ثابتة أو قاموا برسم صور، ومناظر على جلودهم، وفي مناطق مختلفة من الجسم كمؤخرة الرقبة أو الذراعين للشباب أو أسفل الصدر للفتيات أو على الحزام أسفل الظهر، وفوق المؤخرة، ومن الرسومات المنتشرة صور الأفاعي، والعقارب للفتيات أو صور الأسلحة أو الخناجر للشباب. 

المصدر: http://www.swmsa.net/articles.php?action=show&id=2305

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك