الحق في العدالة
من هنا جاء اهتمام الفلاسفة والمفكرين على الدوام بتأمل هذا المفهوم والتفكير في شروط إنجازه، منذ كتاب الجمهورية لأفلاطون إلى كتاب فكرة العدالة لأمارتيا صن (Amartya Sen)، مرورا بكتاب جون رولز نظرية العدالة الذي أثار جدلا واسعا وردود فعل كثيرة منذ ما يزيد على أربعة عقود.
لكن إذا كان الجميع يتفق على رفع شعار العدالة، والسعي لتحقيقها في كل زمان ومكان وفي كل مجتمع وثقافة، فإن الإجماع حول معيار واحد لتصورها وتقديرها وتفعيلها لا يمكن أن ينعقد. لذلك كانت العدالة واحدة،كأمل وحلم نبيل، لكنها كتصور وتحقيق ملموس متعددة بتعدد الثقافات والفلسفات ورؤى الكون. يضاف إلى ذلك أن الإجماع لم يتحقق حول سؤال ما إذا كانت العدالة تحظى بالأسبقية في سُلّم القيم، وفي تأسيس شرعية الدولة واستقرارها، أم أنها تتساوى في قيمتها مع غيرها من القيم السياسية والأخلاقية، ومن أهمها قيمة الحرية. وبمناسبة الحرية، لم يتوقف الفلاسفة منذ أفلاطون عن طرح سؤال علاقتها بالعدالة، هل هي علاقة تعاند، بحيث، "بقدر ما تكثر العدالة تقلّ الحرية"، كما يقول هوركهايمر، أم هي علاقة إشراط وتضايف متبادل، بحكم أنه لا يمكن تحقيق وجود أحدهما دون تحقيق وجود الآخر؟
ولمّا كانت العدالة ترتبط ارتباطا تاريخيا، وربما ذاتيا، بالسلطة السياسية (موازاة لارتباط العدل بالسلطة القضائية)، نتساءل هل من المعقول أن يطالِب المرء بفصل العدالة عن السلطة، حتى تحافظ على تعاليها عن الانحياز لهذا النمط أو ذلك من أنماط الحكم السياسي، أم عليها أن تمارس السلطة لأنه لا يمكن تحقيق العدالة من دون دولة؟
كانت العدالة على الدوام شعارا يُرفع في وجه أنظمة القمع والاستبداد. وقد أدى اندحار الأنظمة المستبدة في الأزمنة المتأخرة في كل من أوروبا ما بعد النازية وما بعد "الأنظمة الاشتراكية"، وفي أمريكا اللاتينية ما بعد الأنظمة العسكرية، وفي إفريقيا ما بعد الأنظمة العنصرية والفردية... إشكالية "العدالة الانتقالية" التي تطرح السؤال الآتي: هل تحقيق هذا النوع من العدالة يقتضي نسيان الماضي من أجل بناء المستقبل، أي محو ذاكرة الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبتها أجهزة الدولة ضد شعب بأكمله أو أجزاء كبيرة منه، والتنازل عن حق الضحايا والعفو عمّا سلف، أم أن تحقيق العدالة الانتقالية يقتضي على العكس من ذلك استحضار تلك الذاكرة عبر القيام بإصلاحات ديمقراطية تنقل المجتمع شيئا فشيئا من نظام الحكم الشمولي والاستبدادي إلى نظام ديمقراطي.
وكانت "العدالة الانتقالية" معْبَرا "للعدالة الدولية"، التي تنظر في جرائم الحرب والعدوان والإبادة والجرائم ضد الإنسانية، مما أضفى على العدالة والعدل بُعدا دولياً يتجاوز السيادة الوطنية. وقد استبشرت الإنسانية خيراً بهذه الخطوة الهامة للغاية أملا في أن لا تفلت بعض الأنظمة والدول المارقة من المحاسبة والعقاب. لكن، هل تسمح مساطر التوافق السياسي، والنفوذ الكبير الذي تمارسه الدول العظمى على مجريات المحاكم الدولية، بممارسة العدالة الدولية؟
لا نريد بهذه الأسئلة وغيرها الإيحاء بأن تحقيق العدالة أمر مستحيل بسبب العوائق الذاتية والخارجية المذكورة، وإنما الدعوة إلى فتح نقاش واسع وحر حول الحق في العدالة، أخذا بعين الاعتبار الحوار الذي جرى ويجري بين الفلاسفة والمفكرين والسياسيين والاقتصاديين والقانونيين والحقوقيين حولها. لهذه الغاية تنظم مجموعة البحث "فلسفة الحق السياسي والأخلاقي" التابعة لكلية الآداب بالرباط، جامعة محمد الخامس أكدال بالرباط، بشراكة مع مؤسسة الملك عبد العزيز للدراسات الإسلامية والعلوم الإنسانية بالدار البيضاء، ومع المجلة الإلكترونية رباط الكتب، مائدة مستديرة بعنوان »الحق في العدالة«، خلال يومي 18-19 فبراير 2011، وتتوزع محاورها كالآتي:
- 1)تاريخ التفكير الفلسفي والحقوقي والديني في العدالة.
- 2)جون رولز ومحاوروه: ي. هابرماس، أمارتيا صن الخ.
- 3)العدالة بين الوحدة والتعدد، بين المثال والإمكان، بين التعالي والمحايثة.
- 4)علاقة العدالة بمبادئ الحرية، التسامح، المساواة، الانصاف، الاختلاف....
- 5)العدالة والفقر، العدالة والحرية، العدالة والحكم ...
- 6)العدالات المستحدثة: "العدالة الانتقالية"، "العدالة الدولية"...
المصدر: http://www.ribatalkoutoub.com/index.php?option=com_content&view=article&...