حوار العلم والدين في الفضاء الاسلامي

حوار العلم والدين في الفضاء الاسلامي

جون ستون
أسس اللقاء الذي استضافته الدوحة حول حوار العلم والدين، بتنظيم مشترك بين مركز الجزيرة للدراسات وجامعة باريس البينمناهجية، والشبكة العالمية للبحث حول العلم والدين في الإسلام، لحدث على درجة من الخصوصية؛ سواء على مستوى المكان أو على مستوى الزمان.

فهو زمانيا يأتي في لحظة مفصلية بعد مرحلة الحداثة التي كانت قد اتسمت بالقطيعة مع الموروث الروحاني السابق، والتي أطلق عليها الكاتب الشهير سنو (C. P. Snow) تعبير "الفجوة" بين الثقافتين: على النحو الذي أسس لطرفي معادلة كانت بالأحرى أفرب للتضاد: فمن جهة، هناك رؤيتنا أو تصورنا للوجود أو للعالم التي نستمدها من تصورنا الثقافي أو الديني أو التقليدي، ومن جهة أخرى، الرؤية التي نستمدها من العلوم والتكنولوجيا الحديثة. ورغم أن هذا الفصل التعسفي بين هاتين الرؤيتين كان قد تبلور بصورة أساسية في فضاءات الغرب، إلا أن ذلك لا يعني أن مثل هذا التصور لم ينتشر مثل الوباء المعدي في بقية أنحاء العالم.

وهو الأمر الذي أفرز في واقع الأمر نوعين من ردود الأفعال. الأول: يتمثل في رفض العلوم والتكنولوجيا الحديثة لصالح العادات والموروثات القديمة، مع اقتران ذلك بتفسير ضيق الأفق للنصوص المقدسة. أما الثاني: فيتجسد في رفض كافة التقاليد والأديان لصالح معارف العلوم الحديثة.

وفي حقيقة الأمر، نجد إن التقدم الذي طرأ في القواعد المعرفية العلمية المختلفة خلال العشرين سنة الماضية قد سمح لنا بإقامة جسورا بذاتها تسمح بعبور هذه "الفجوة"، والتي يتم تعريفها في فرنسا بالــ " التطبيقات الفلسفية والميتافيزيقية للعلوم ". أما في الدول الناطقة بالانجليزية، فيطلق عليها بشكل أكثر مباشرة أسم "العلم والدين".

نحن الآن غير مطالبين بالاختيار بين التفسير العلمي للعالم، وبين التفسير الآخر القائم على أساس الثقافة أو الدين أو التقاليد. إلا أنه بطبيعة الحال ينبغي، بل ويجب أن يكون هناك تمييز بينهما. إلاّ أنه يتوجب هنا احترام وتقدير الشروط الضرورية المتعلقة بممارسة كل منهما لدوره، فالمسألة ليست مسألة إخضاع العلم للدين، أو العكس. فكلاهما يجب أن يمارس في مناخ من التواضع، خصوصا وأنه إذا ما كانت هناك حقيقة مطلقة، فليس ثمة من أحد يمكن له أن يدعي امتلاكها تماما.

ونجد من بين الرموز الذين أنخرطوا في هذا المجال الجديد من المعرفة، وهم من الحاضرين معنا اليوم، دينيس ألكسندر(Denis Alexander) ، مدير معهد العلم والدين (فارادي) بجامعة كامبردج المرموقة، والذي يحتل كراسي بحث أخرى متعلقة بهذا الموضوع في جامعتي أكسفورد وهارفارد، والذي سبق وأن شارك معنا في عدد من اللقاءات الهامة التي كانت لي الفرصة لتنظيمها في اليونسكو. كذلك من بين الحضور اليوم صديقي فيليب كلايتون (Philip Clayton)، والذي سبق وأن شارك معي في لقاء مشابه بجامعة هارفارد.

خلاصة القول أننا قد بلغنا من حيث الوقت لحظة بعينها: فإذا مضينا قدما في إطار من الدقة البالغة والتواضع والاحترام المتبادل، فإنه يمكننا أن نأمل في سد هذه الفجوة عبر إعادة تطوير رؤية موحدة للبشرية والعالم. وهي ذاتها الرؤية التي تعتمد على الرغبة في التفوق، والقوة التي يمنحها المنطق.

أما فيما يتعلق بالمكان:

ينعقد هذا الاجتماع في مكان يتميز بفضائه الخاص. ففي واقع الأمر أن اجتماعات هامة في السياق ذاته قد تم تنظيمها بالفعل في منظمة اليونسكو وجامعة هارفارد وغيرهما، إلا أن هذه هي المرة الأولي التي يتم تنظيمها في العالم الإسلامي. وذلك بدعم من مؤسسة الجزيرة؛ وبخاصة مركز الجزيرة للدراسات، الذي يترأسه الدكتور مصطفى المرابط، الذي مكن من إقامة مثل هذا اللقاء الذي جمع ما يقرب من الثلاثين محاضر: سواء ممن ينتمون للديانة اليهودية مثل رولد هوفمان (Roald Hoffman)، أو من المسيحية مثل تشارلز تونز (Charles Towns)، أو من الإسلام مثل نضال قسوم. حيث تحدث كل منهم حول تخصصهم العلمي وفي نفس الوقت عن الكيفية التي تمت من خلالها تنمية قدراتهم الشخصية والثقافية والدينية التي بلورت نظرتهم إلى العالم. هناك أهمية كبيرة تتمثل في أن مثل هذا الحدث يجري في بلد مسلم وعلى مرأى من الجميع، سواء الذين كانوا حاضرين في الدوحة، أو الذين تابعوا الحدث عبر قناة الجزيرة مباشر. فهذا الاجتماع قد جمع بين نخبة من العلماء من مختلف المعتقدات الدينية ممن يربط بينهم عامل مشترك، ألا وهو المنهج العلمي، الذي يعد أسلوبا جديدا ذو خصوصية في بلورة آلية جديدة باتجاه الارتقاء بالحوار بين الثقافات، مما يؤدي إلي تجنب الصدام بين الحضارات.

على أن اللافت، أن مشاركة المسلمين في هذه المناسبات الدولية العلمية المختلفة التي أشرت إليها، قد كانت جد متواضعة. حيث لم يكن هناك إلا عدد قليل من المشاركين المسلمين، ولهذا السبب - وبصفتي مسيحي - فإنني مسروراً جداً من تشكيل شبكة البحث حول العلم والدين في الإسلام، والتي تضم فريقا من خبراء العلوم المسلمين بإشراف عبد الحق برينو كيدردوني، وذلك بهدف دعم العلماء المسلمين للمشاركة بهذا النوع الجديد من الحوار الذي صار ينهض بين الثقافات. حيث أنني على قناعة بضرورة إشراك جميع الثقافات في مبحث استكشاف المعاني الفلسفية والميتافيزيقية للعلم.

لهذا السبب أنا سعيد بنجاحنا في تنظيم هذا اللقاء، وأود وبكل إخلاص أن أشكر كل هؤلاء الذين ساهموا في تحقيقه في قطر.

المصدر: http://science-islam.net/article.php3?id_article=932&lang=ar

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك