عمليات القراءة وتحولاتها

 

نتكنيكات القراءة:

هناك عدة تكنيكات للقراءة يتم اختيارها بناء على طبيعة النص وغرض القراءة، والوقت المتاح لها، أو بالأحرى السرعة التي تتم بها، وقد درج الباحثون على توصيف تكنيكات القراءة للنصوص المطبوعة على الوجه التالي:

(أ‌) قراءة ماسحة Skimming: والغرض منها هو الإلمام العام والسريع بالنص إذا ما كان ذلك كافيا، أو توطئة لقراءته بتكنيك أكثر عمقا، وقد اقترح البعض للقراءة الماسحة منهجية من الخطوات التالية:

 نظرة عامة على النص للتعرف على هيكليته وإطاره العام.

 قراءة العناوين الرئيسية والفرعية، وكذلك الكلمات أو المقاطع المبرزة داخل النص.

 الإطلاع على الصور والأشكال والجداول والقوائم، إن وردت.

 قراءة الفقرتين الأولى والأخيرة بالكامل.

 قراءة الجملة الأولى من باقي الفقرات.

 بعد انتهاء القراءة محاولة تذكر الأفكار المحورية.

(ب‌) قراءة انتقائية Scanning: والغرض منها سرعة البحث عن النقاط الرئيسية التي يتناولها النص أو البحث فيما احتواه عن فكرة محددة أو رأي أو مقطع معين، وتعتمد القراءة الإنتقائية بشدة على خبرة القارئ في التعامل مع نوعيات النصوص المختلفة، والتي تولد لديه حاسة تحديد المواضع الهامة داخل النص، وهو ما يتطلب بجانب التدريب الذهني تدريبا بصريا على القراءة الرأسية التي سبق لنا الإشارة إليها، والتي تستهلك النص سطرا سطرا لا كلمة كلمة، كما في القراءة الأفقية.

(ج) قراءة متعمقة in–depth: وغرضها الإستيعاب الدقيق لمضمون النص، وقد اقترح لها البعض منهجية من عدة خطوات يرمز لها بالإختصار التالي SQ3R:

 قراءة ماسحة للنص (Skimming).

 تحديد القارئ لمجموعة من الأسئلة ينشد الإجابة عنها من خلال النص (Questioning).

 قراءة النص (Reading).

 استعادة النقاط الرئيسية من الذاكرة (Recall).

 مراجعة عامة للنص مع التركيز على النقاط التي عجز القارئ عن تذكرها (Review).

إضافة إلى ما سبق فقد استخدمت الإنترنيت تكنيكات قرائية جديدة هي:

(أ) قراءة تفاعليةInteractive : والغرض منها تحصيل المعلومات واستخلاص المعرفة من خلال الإبحار في الفضاء الرقمي للإنترنيت، وهي قراءة تطوي في عباءتها تكنيكات القراءة المذكورة عاليه، والتي تم تحديدها على أساس التعامل مع نص واحد (مطبوع غالبا)، إلا أنها تتجاوزها بكثير نظرا لسبب بسيط هو تعاملها مع أكثر من نص، ومن ثم أكثر من كاتب أو مصدر في نفس جولة القراءة، ويعني ذلك أن هذا النص الرقمي المتشظي قد فقد ثلاثة من أهم مقوماته، ألا وهي: التماسك السياقي cohesion، والترابط المنطقيcoherence ، والتجانس الشكلي uniformity ، ولا بأس هنا أن نورد تعريفات موجزة لهذه المصطلحات مراعاة للقارئ غير المتخصص.

- التماسك السياقي: ويتمثل في شبكة العلاقات السطحية التي تربط بين الكلمات وعناصر النص المختلفة ووحدات النص الأطول: مقاطع من الجمل وأشباه الجمل والفقرات، وهي العلاقات الناشئة أصلا عن أشكال التآخي المعجمي من قبيل علاقات الترادف والتضاد والإحتواء والإنضواء وارتباط الأفعال بمكملاتها التي تلازمها في السياق، والتآخي الصرفي من قبيل علاقات الاشتقاق أصغره وأكبره، والتآخي النحوي من قبيل العطف والبدل، والتوازي التركيبي(1) وعلاقات الإسناد والتطابق وما شابه.

- الترابط المنطقي coherence: ويتمثل في شبكة العلاقات المفهومية للنص، كعلاقة مفهوم السلطة بمفهوم الديمقراطية أوغيابها، أو مفهوم الحتمية بالجبرية، أو مفهوم التحليل بالتركيب، وهي أمثلة من مفاهيم كثيرا ما يتواتر ذكرها سويا في نفس النص، وتشمل شبكة الترابط أيضا العلاقات المنطقية، والتي تأتي على رأسها علاقة النتائج بالمقدمات والافتراضات، وتسلسل السرد من حيث صعوده من الخاص إلى العام أو هبوطه من العام إلى الخاص، وكذلك علاقات الاستقراء للانتقال من كم الشواهد والملاحظات والحالات إلى القوانين العامة.

- التجانس الشكلي: تتعامل القراءة التفاعلية عبر وسيط الإنترنيت مع أشكال مختلفة غير متجانسة للوثائق الالكترونية، ليس فقط لتنوع الأنساق الرمزية (نصوص، أشكال، جداول، قوائم، صور متحركة، أصوات)، بل أيضا لتنوع أنماط النص ما بين سردي narrative أو مقتطفي segmentative، وجدولي tabulative، وتلغرافي telegraphic، حيث يصاغ في هيئة قائمة من النقاط المركزة "أوالطلقات bullets"(2)، فوق ذلك كله يمكن بناء هذه الأشكال المتنوعة للوثائق الالكترونية وفقا لنظم قياسية مختلفة لتوصيف هيكلية الوثيقة الإلكترونية وترميز عناصر بنائها من عناوين رئيسية وفرعية وفقرات وجداول وصور وأشكال وتذييلات وما شابه(3).

وربما يقول قائل إن هناك من النصوص المطبوعة، لبعض الروائيين خاصة، قد تخلت عن مسؤوليتها عن الترابط المنطقي أو التماسك السياقي بدرجة أقل كما يحدث في لجوء الروائي إلى تداعي الذاكرة الفردية، كما في أدب "فيرجينيا وولف"، وتداعي الذاكرة الجمعية، كما في بعض أجناس الأدب الوثائقي، والذي أعطى لنا "صنع الله إبراهيم" نموذجا له في رائعته ذات، إلا أن ذلك يظل مرتبطا بالنص الواحد والذي يختلف كثيرا عن نظيره في فضاء القراءة ذات النصوص المتعددة، بل في وسعنا أيضا أن نضيف هنا أنه مهما كان مسعى كاتب النص المطبوع لتحقيق ذلك سيظل هناك قدر لا بأس به من قرائن ترابط منطقي والتماسك السياقي.

بغياب هذه المقومات الأساسية لبنية النص الرقمي تقع على عاتق القارئ نفسه مسؤولية التعويض عنها، فهو بحكم مسؤوليته عن تحديد معنى النص أصبح المسؤول عن إقامة عناصر الترابط والتماسك النصيين، ومرونة التعامل مع عدم التجانس الشكلي، ويتطلب ذلك مستويين من مهارات القراءة:

إن القراءة التفاعلية تنصهر في بوتقتها مهام القراءة والبحث وتوليد الوثائق، وقد باتت تمثل بيئة مثلى لدراسة شقي عملية القراءة، ونقصد بهما الإدراك البصري والعمليات الذهنية المرتبطة بالقراءة والعوامل التي تؤثر على فاعلية القراءة وإنتاجيتها.

(ب) قراءة متسكعة: إن جاز اصطلاحنا، وهي طور مستحدث وليد الإنترنيت أيضا، قراءة غير هادفة، إبحار بغير هدى، ربما يصادف خلالها القارئ موضعا قرائيا يستهويه فيسلك مساره ويمكن النظر إلى قراءة التسكع بصفتها استشارة لتداعي الخواطر الفردية من خلال تداع طليق للذاكرة الجماعية، الإنترنيت في حالتنا.

1- مثال للتوازي التركيبي "اليوم خمر وغدا أمر" 2- كما هو الحال في عروض برنامج ميكروسوفت شائع الاستخدام PowerPoint 3- مثل نظام DOC لبرنامج تنسيق الكلمات لمكروسوفت، ونظام أكروبات لعرض الوثائق و HTML، وXML لترميز عناصر الوثيقة الإلكترونية.

ملاحظة: هذه بضع صفحات من مقال تحت عنوان "الفجوة العميقة: إشكالية القراءة وتكتيكاتها في عصر المعلوميات"، أصدره الباحث المصري نبيل علي في العدد الخامس من مجلة الدوحة، ملتقى الإبداع العربي والثقافة الإنسانية (مارس 2008، ص. 1-13 ). ويتميز المؤلف بمعرفته بالثورة المعلوماتية التي يعرفها العالم المعاصر، وهو يجمع بين الخبرة العلمية الدقيقة، وعُمق معرفة الأبعاد الإبستمولوجية والفكرية للظاهرة المعلوماتية، كما أنه أنجز دراسات هامة حول واقع العالم العربي في مستوى مواكبة التحولات المذكورة. ونذكر من بين كتب نبيل علي: الثقافة العربية وعصر المعلومات (2001)، والفجوة الرقمية: رؤية عربية لمجتمع المعرفة (بالاشتراك مع نادية حجازي، 2005)، وكلاهما من منشورات سلسلة عالم المعرفة (الكويت).

المصدر: رباط الكتب

 

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك