التدين الشيعي.. فرز بين خطابين

  يحيى الأمير

لأننا ندرك أن أيا من إخواننا ممن ينتمون إلى المذهب الشيعي حينما يقدمون نقدا لأي تطرف من مسلم سني فهم بالتأكيد لا يريدون نقد المذهب أو الاعتداء عليه، وإنما يتناولون جانبا متطرفا في المذهب، هو الذي حول خطابه إلى مادة للنقد، ولا بد هنا من إثبات أننا قد استسلمنا كثيرا للحساسية المفرطة التي يبديها بعض إخواننا الشيعة تجاه نقد كثير من التصرفات والأفكار بل وحتى الاعتقادات التاريخية، فيما لا نتوقف أبدا عن نقد مذاهب مقابلة، ولعل الحالة السياسية في كثير من دول الخليج هي التي أسهمت في تعميق تلك الحساسية من نقد المذهب الشيعي، خاصة حين ارتبط المذهب سياسيا بالجمهورية الإسلامية الإيرانية التي لم تجعل من التشيع مذهبا دينيا تعبديا وشعائريا بل مذهبا ارتبط بالثورة والتدخل في السياسة وابتكار أشكال لذلك كان من أبرزها نموذج : ولاية الفقيه، الذي يمثل ذروة تحكم المذهب في السياسة، تلك السياسة التي لا مكان لها في الدولة الحديثة إلا من خلال القانون والمعرفة لا من خلال الفقه والموروثات، ولقد كانت الفترات التي تمر فيها إيران بخطاب متشدد هي الفترات التي يصل فيها إلى الرئاسة نفر من المتدينين المتشددين لأن ولاءهم للمذهب أكثر من ولائهم للدولة، وتنفيذهم لأفكار ومبادئ ومصالح المذهب أكثر من الدولة.
على الجانب الآخر، فقد أثبت الكثير من مراجع المذهب ومن قياداتهم من إخواننا الشيعة ما يمتازون به من اعتدال وتعايش في ظل الدولة الحديثة التي لم تعد دولة مذهب وإنما أصبحت دولة دولة، واتجهوا بذلك للإسهام في نقل أفكار التسامح والتعايش لتكون مواد للعمل الوطني وهو ما يحسب لهم بلا شك، ويوضح أنهم يمثلون مذهبا لا يجعل من الخلافات والشقاق هدفا له.
الطائفية في الدولة الحديثة مسألة مزعجة للغاية، بل إنها إذا ما تجذرت غالبا ما تمثل تهديدا لاستقرار الدولة واستقرار مؤسساتها، فالطوائف دوائر صغرى داخل الدائرة الكبرى المتمثلة في الوطن، وشرط وجود كل تلك الطوائف معها هو شرط الدولة الحديثة التي يلتقي فيها المتعدد والمتنوع والمختلف طائفيا وثقافيا ومذهبيا، إنما حين تنتصر الطوائف لنفسها يتحول الوطن إلى أدوات صراع لا إلى دائرة تعايش. وبخاصة حين تكون تلك الطوائف دينية، يصبح العامل الديني هو المحرك الأبرز لها، مما يعني حالات صراع وتحد أوسع وأكبر.
أبرز ما يمثل مشكلة في نقد الخطاب الديني الشيعي، أولا تلك الحساسية المفرطة التي امتلأنا بها طول السنوات الماضية خوفا من أن يقال بأن أي نقد هو نوع من الطائفية، وهي ذات تهم العلمانية والليبرالية التي يواجه بها كل من ينتقد مظهرا متطرفا في المذهب السياسي، إضافة إلى أن المذهب الشيعي وإن كان يشهد حركة واسعة في مجال التجديد الفقهي، إلا أن مشكلته الكبرى تتمثل في أن مبناه الاعتقادي قائم على أحداث وشخصيات لا على أفكار ومضامين، حيث تمثل الأحداث والشخصيات التالية لزمن الرسول صلى الله عليه وسلم أبرز المواد في بنية التفكير والاعتقاد الديني الشيعي، وتواترت مرجعية الأفراد لا مرجعية الأفكار، مما جعل تلك الشخصيات التاريخية حجر الزاوية في البناء العقائدي والديني الشيعي.
في الخليج العربي، وفي كثير من الدول العربية استطاع الشيعة أن يقدموا نماذج إيجابية للعمل الوطني الذي يحافظ على روحانية المذهب وينأى به عن سياسته، على الرغم من أن كثيرا من علماء الشيعة لا يرون التفريق بين تشيعين روحي وسياسي، وهو ما يؤكده محمد باقر الصدر في كتابه "نشأة التشيع والشيعة".
حينما كتب سماحة الشيخ حسين الراضي أحد كبار علماء الأحساء بحثا عن السب واللعن مفندا كونه من التدين الشيعي، تصدى له كثيرون ممن يرون في موقفه ذلك تمييعا، وهو ذات الموقف الذي يتعرض له كثير من علماء الشيعة المعتدلين، خاصة أمام أولئك الوعاظ الذين يتوقف لديهم التدين الشيعي في محورية الأفراد وبالتالي تاريخية وظروف حياة أولئك الأفراد والانتصار لمن انتصر لهم تاريخيا وبغض من يبغضهم تاريخيا، وهو ما جعل كثيرا من خطبهم ومواعظهم مجرد دوران حول فكرة المظلوم والضحية، ومواقفهم انتصارا أو رفضا للأفراد في زمنهم وفي ظروفهم.
العاصفة التي أحدثها ياسر الحبيب أحد أكثر المنتمين إلى المذهب الشيعي تطرفا، تمثل جزءا من تلك العقدة وانسياقا غير منطقي خلف الأفراد بل وسذاجة مفرطة في فهم التدين، وقد أظهرت تسجيلات الفيديو للحفل الذي أقيم خاصة لشتم وقذف أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، أن الحفل كان مفتعلا وسطحيا وساذجا، بل إن هناك من يحركه.
لقد قطعت الدولة القطرية بما فيها من مواطنيها السنة والشيعة الطريق على الفتن السياسية، فاتجه البحث إلى إقامة فتن دينية عن طريق الضغط على الجوانب التي تمثل خدشا لشعور كل مسلم وهو يسمع كلاما كالذي دار في تلك المناسبة، ظنا أن مثل هذه المواقف سوف تثير أتباع المذهب السني وتفتح باب الفتنة بينهم وبين إخوانهم الشيعة وهو مخطط استخباراتي غالبا، لابد أن تكون وراءه دولة تستفيد من ذلك، فمن الواضح أنه لو كان لدى ياسر الحبيب وغيره في ذلك الحفل أسوأ مما يقال عن عائشة رضي الله عنها لقالوا به، تحقيقا لهدف الاستفزاز وهو ما تنبه له عقلاء الشيعة، الذين لم يتوانوا في رفض هذا الموقف وبشدة.
إننا وكما نقول لإخواننا من السنة حينما يردون على متطرف أو إرهابي، بأن هذا إيجابي ومؤثر للغاية، لكن القضية ليست في الرد والرفض والجدال، ولكن القضية تكمن في نقض الخطاب الذي يستند عليه المتطرفون، وهو ما نقوله بكل مودة لعقلاء الشيعة. إن الأكثر أهمية في هذه المرحلة ليس الدخول في مهاترة مع يسار الحبيب وأمثاله، ولكنها في نقض الخطاب الذي ينطلق منه.

http://www.alwatan.com.sa/Articles/Detail.aspx?ArticleId=2309

 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك