حوار حول الرواية

ترجمة: إليان ديراني

ـ الرواية وتبديل المجتمع.

ـ ما الرواية الحديث.

ـ أزمة الفن الروائي.

تمهيد:

في جو مشرق من أجواء جزيرة (ماجورك) في البالبار، كان ناشر شاب من شبان الطليعة، السيد كارلوس بارال. قد أقدم على تنظيم لقاء لروائيين فرنسيين وإسبانيين وإيطاليين وبريطانيين وغيرهم.

خلال ثلاثة أيام، من الساعة السادسة حتى الثامنة، كان ميشيل بيتور وألان غريبه والناقد كواندرو من فرنسا قد التقوا عدداً من الروائيين بينهم هنري غرين من إنكلترا وجوا غويتيزولو ولوبيز بانشيكو وديليبس من إسبانيا وإيتالو كالفينو من إيطاليا. تبودلت بينهم أحاديث طويلة عن الرواية ودورها الاجتماعي وما يمكن أن ينطوي عليه فن الرواية من تساؤلات شتّى حول التجربة الأدبية بصورة عامة، وعلاقة الأدب بقضايا ألان سان في عصره.

وعلى الرغم من أن سنوات بعيدة قد مرت على هذا اللقاء، فإن النماذج الأدبية الطليعية التي اشتركت فيه، وأصبح أصحابها ألان من الرواد البارزين لما ندعوه بالرواية الجديدة، تجعله على جانب من الخطورة بالنسبة للقارئ العربي وللكاتب معاً.

1ـ الروائي وتبديل المجتمع.

السؤال الأول:

أ.ديباتر:

هل تعتقدون أن مهمة الروائي تنحصر في نقل صورة عن عصره تساعد على تحويل المجتمع، أو أن هذه المهمة تنحصر في خلق عالم روائي مستقل؟.

موريس كواندرو:

أفي وسعِ الرواية أن تؤثر في تحويل المجتمع؟ لا أعتقد ذلك أبداً، ولا أجد مثالاً على هذا.

لإن شأن الرواية في هذا المجال، هو شأن الباحثين في اللغة الفرنسية. فالمجتمع قد تابع سيره في التطور بصورة طبيعية. ولو أن بروست لم يعمد إلى وصف المجتمع الفرنسي فإن هذا المجتمع باقٍ كما يجب أن يكون عليه تماماً.

جوان غويتيزولو:

ولكنني أرى أن كتابنا خلال فترة طويلة، لم يقوموا بوصف المجتمع كما هو حقاً، بل كما هو في مخيلتهم، فالكاتب، إنما يجب عليه في الفترات العسيرة، أن يكشف النقاب عن وجه المجتمع الحقيقي ويعكس تناقضاته.

لوبيز باشيكو:

إن تحويل المجتمع في بعض البلدان ليس أمراً مبهماً، إنما هو يفرض نفسه بإلحاح. عندئذٍ، من الطبيعي أن يختار الروائي من الحقيقة، ما يساعد على التعديل والتصحيح.

كاميلو جوزي سيلا:

أوافق على هذا ولكن في الوقت الذي يقدم فيه الكاتب على وصف الحقيقة، يجب عليه أن يكون شديد الحذر، فالحقيقة أدبية أكثر مما هي حقيقية، وما على الكاتب إلا أن يجعلها شبيهة بالواقع على الروائي أن يصف ما يجري وصفاً طبيعياً، وعلى الرغم منه، فالرواية تنبعث من الروائي من دون أن يعرف كيف. كما أن المرأة، كي تكون أماً، ليست في حاجة إلى معرفة علم تكوين المرأة.

لوبيز باشيكو:

إلا أن المرأة تختار الرجل الذي تريد، وهذا ما يفعله الروائي بالنسبة إلى موضوعه.

كاميلو جوزي سيلا:

أود أن أضيف ما يلي:

مما لا جدال فيه، أن ثمة أناساً، ذوي خبرة بعالم الصيد في إفريقية، وبالمغامرات القطبية وبالأمراض وأنهم لجديرون بالكتابة في هذا الموضوع الدقيق، رواية، ورواية ناجحة ولكنهم يظلون ثماراً جافة، لأنهم لا يملكون ما ينقلون غير هذه الخبرة.

إيتالوكالفينو:

إن الحالة الفكرية للكتاب الإسبانيين شبيهة بتلك الحالة التي كانت تسود إيطاليا، في فترة إعلان الهدنة، فحاجتهم إلى الواقعية، تبدو لي وليدة الظروف المحيقة بهم، ولكني أعتقد أن هذا هو طابع الرواية في عصرنا.

ألان روب غريبه:

من الخطر على الأدب في نظري، أن نتحدث عن وظيفته الثورية في الميدان الاجتماعي، فإن كنت يا غويتيزولو تفكر أن الأدب يستطيع أو يجب أن يعمل على تحويل المجتمع، فإني أتساءل عما إذا كنت ستنجر بالضرورة إلى الحكم بأهمية كتابٍ ما، ليس بالنسبة إلى قيمته الأدبية، بل بالنسبة إلى قوته الثورية.

جوان غويتيزولو:

لم أتحدث ألبتة عن نشرات سياسية وإنما عن الرواية...

ألان روب غريبه:

ولكن هل تعتقد أن الرواية يجب أن تكون ذات دور في تحويل المجتمع؟.

جوان غويتيزولو:

نعم، إن لها دوراً.

ألان روب غريبه:

إن التفكير في أن لها دوراً، ينتهي إلى قضية خلقية تجاه الأدب وما دام تحويل المجتمع أمراً يهمك ويهمنا، فنحن في طريقنا إلى التساؤل: هل يسير أدبي في اتجاه تطور المجتمع الذي أتمناه؟ وهذا ما يبدو لي على جانب كبير من الخطورة.

جوان غويتيزولو:

بيد أن الكتابة عمل خلقي!.

ألان روب غريبه:

الأمثلة لدينا قليلة جداً، على تأثير الأدب المباشر. لقد ذكر أحدنا روسو.. وأن أندريه بريتون، يفاخر أيضاً، بأنه ألقى ذات يوم، محاضرة أدبية وشعرية في هايتي، فاشتعلت الثورة في اليوم التالي، وهذا ما يبدو لي خرافة، غير أننا، مقابل ذلك، لدينا أمثلة من كتابـ في ظروف معينة، هجروا العمل الأدبي واستبدلوا به وظيفة ذات طابع اجتماعي. وإن أردت كاتباً كسارتر.. فمهما قيل في عمل سارتر، فمن المؤكد أن الغثيان إنما هو كتاب أهم في الميدان الروائي من طرق الحرية. فبين هذين الكتابين، كان سارتر قد وطد العزم على العمل لفكرة معينة. هذا مثال، يجب أن يكون لنا عبرة، ألا ترى ذلك؟ بل أعتقد أيضاً أن في وسعنا أن نمضي إلى أبعد من هذا. فلماذا يحبون الإكثار من التحدث عن هذا، في فن الرواية، لا في الفنون الأخرى؟.

أليس الإلحاح على أهمية الأدب الاجتماعية، ضرب من الاحتقار للفن ليس إلاّ؟.

جوان غويتيزولو:

الميدان الأدبي يختلف كل الاختلاف عن الفنون الأخرى فالرواية مجبرة على أن تظل في احتكاك مع الحقيقة.

ألان روب غريبه:

ألا تعتقد مثلاً، أن أفضل طريقة للروائي، كي ينسجم مع سير التاريخ هي أن يعرض عنه، فلا يهتم إلا بسير الرواية؟ إن تكامل الرواية هذا، هو الذي ينسجم في النهاية مع سير التاريخ. لدينا في فرنسا أمثلة كثيرة تبدأ من المقدمة... أو لنقل من السلم الاجتماعي، كي ننظر في الأدب. لا أزال أذكر هذا الحادث المدهش: كانت مجلة الأزمنة الحديثة تنشر تباعاً رواية لفوكنر وإذا بنقاش يحتدم فجأة في إدارة التحرير، إذا بهم يقولون: آه! حذار، إن فوكتر كاتب رجعي. ما من خطر أعظم من هذا، فالقلق لا يكمن في معرفة إذا ما كان فوكتر منسجماً أم لا، ع سير تاريخ الرواية، إنما في معرفة مدى انسجامه مع سير تاريخ المجتمع. أعتقد أن الحكم على الرواية لا يمكن أن يكون صحيحاً إلاّ من الرواية نفسها.

أنت تقول إن للروائي تأثيراً ما.. ربما.. بيد أني أحب أن أطرح سؤالاً: هل على الروائي أن يتساءل إن كان تأثيره حسناً أو سيئاً؟.

الإسبانيون:

نعم.

إيتالو كالفينو:

يجب عليه أن يقول الحقيقة.

ألان روب غريبه:

إلا أنه دائماً يقول الحقيقة، فالحقيقة إنما هي الفن، وهو دائماً يروي حقيقته.

ميشيل بيتور:

أما من جهتي، فلا بد لي من التصريح أني أشعر بأني أقرب إلى الكتاب الإسبانيين الموجودين هنا، مني إلى زميلي ألان روب غريبه.

إن ألان روب غريبه، يبدو لي فيما قاله لنا: إنه أحد الباقين على قيد الحياة من مخلفات مدرسة خلقية وأدبية، كانت في القرن التاسع عشر، وهي مدرسة معروفة تماماً في فرنسا، إنها مدرسة الفن للفن، إنها مدرسة أشخاص قلقين، جد قلقين، وهم يخافون كل الخوف من أنهم إذا ما انحرفوا قليلاً إلى ناحية أخرى من نواحي فنهم، فإن عملهم كله لا بد من أن ينهار.

لقد سرني جداً، أن أرى روب غريبه، يستعمل في كل من عباراته كلمة خطر وكلمة هلاك لنتحل بشيء من الجرأة ولنقدم على تكوين آراء لنا. فالرواية ليست بالطبع شيئاً يهبط من السماء هكذا، وبسهولة إنما هي شيء يحدث في حقيقة ما، وما نحن إلا جزء منها. بل إنها شيء له خاصة في منتهى الغرابة: ذلك أنها من صنع كاتب، وهذا الكاتب إنسان، وهذا ألان سان له بعض المشكلات. ولكن يبدو لي من الغرابة بمكان، أن يتمكن هذا ألان سان من خلق أدب، وأن لا يمت هذا النشاط بأية صلة إلى ما يفكر فيه خارج فنه.

لقد تكلمنا حتى ألان عن تحويل المجتمع، كما لو كان في مقدورنا، أن نتحدث عن حالة (أ) في المجتمع، وبتدخل الرواية، أية رواية، فإذا نحن أمام حالة (ب). من الأفضل أن يدور الحديث حول مهمة الرواية، لأن هذه العبارة أعم وأشمل. نحن نعلم كل العلم أن مهمة الرواية، يمكن أن تحول أيضاً دون تحول المجتمع. فمن الممكن أن نجد رواية تكتفي بإحياء أشكال قديمة، رواية لها صفة الجمود التام. لولا الرواية لسارت الأمور على نمط مخالف، كما أنه، لولا علم اللغة الفرنسية، لسارت اللغة الفرنسية على نحو يختلف عما هي عليه اليوم، لأن علم اللغة يدخل في ضمير الكاتب عوامل مختلفة تماماً.

إن مهمة الرواية هذه، وتأثير الرواية هذا، لا يستطيع الكاتب إلا أن يتساءل عنهما، إن كان شريفاً. فإذا ما ألقيت حجراً في الشارع، لا بد لك من التساؤل إن كان في هذا الشارع إنسان ما، وإن كان هذا الحجر لا يقع عليه. وإذا ما ألقيت رواية إلى الشارع، فأنت ملزم بأن تطرح على نفسك بضعة أسئلة بشأنها، إلا إذا رغبت في أن تحافظ على مستوى معين من الوجدان، ولماذا لا نقول، أكل عليه الدهر وشرب.

إن مجموع الروايات في أي بلدٍ من البلدان، تشكل ثقلاً مقابلاً لبعض مظاهر الحقيقة، ومن الواضح أن هذا الثقل المقابل إذا ما تحول فلا بد للحقيقة نفسها من أن تتحول. فإن هذا العمل وإن هذا الحلم الذي نسطره على الورق، قد يكون من شأنه، إما أن يحول دون تحول المجتمع وإما أن يساعد عليه، بتجدده.

إن مظهر هذا العمل، يختلف تماماً بحسب المراحل التاريخية وبحسب الظروف.

فثمة بلدان ليس للرواية فيها أي نتائج سياسية أو نتائج، لنقل، فكرية.

وألان! إن الكاتب الذي يلقي إلى المجتمع بمؤلف، يجب عليه أن يتساءل إن كان هذا المؤلف يسهم في تبليد المجتمع، في تجميده، أم في تنويره.

2ـ الرواية الجديدة.

السؤال الثاني:

ـ ما علاقة الكاتب بصنعة الكتابة؟ أي معنى يجب أن نعطيه لعبارة: (رواية حديثة؟).

ألان روب غريبه:

إن عبارة رواية قديمة ورواية جديدة، لا تعني الشيء الكثير. ففي وسع المرء أن يؤكد، على كل حال، أن الرواية الحديثة، لم تولد بالأمس:

فخصائصها ومميزاتها كانت موجودة عند كبار الروائيين في القسم الأول من القرن العشرين! إن كافكا وبروست وهمنغوي وفوكنر قد أوجدوا رواية حديثة.

إن بعض النقاد الذين تجمدت آراؤهم نهائياً في حوالي عام 1850، هم الذين ما انفكوا يطرحون دوماً السؤال التالي: ما صفة بطلك؟ ما الذي سيحدث له؟.

إن هؤلاء هم الذين، حين لا يعثرون على تصنيفاتهم المعتادة، ينادون باطلاً، بالرواية الجديدة.

كاميلو جوزي سيلا:

إن أول قاعدة يجب على المؤلف أن يلتزمها، إنما هي، أن تكون مفهوماً.

ألان روب غريبه:

إن المثل الأعلى للصنعة أن لا تكون ظاهرة، مهما تكن معقدة، ومهما تكن مقصودة.

هنري غرين:

أرجو المعذرة، إذا ما تكلمت على نفسي، لقد كتبت عشر روايات، وإني أؤكد أن الصنعة في الكتابة، لا وجود لها، فلا وجود إلا للشخص نفسه. وللحوار، لا بد من الإكثار من الحوار؛ لأن وجودنا لا يقوم إلا على ما نقول، وعلى ما قيل لنا. فأمك هي أول من يخاطبك، ثم امرأتك ولا سيما أولادك.. لقد سبق لي أن قلت في إنكلترا: قليل من الوصف وكثير من الحوار.

كاميلو جوزي سيلا:

أعتقد أن هنري غرين يخلط بين الصنعة والمخطط. فالصنعة ضرورية جداً على حين أن المخطط ليس كذلك. ومع هذا، فإن اللجوء إلى الحوار الخالص الذي نجده في كتب هنري غرين إنما هو ضرب من الصنعة.

ديليبس:

أخشى مع تطور الصنعة الذي نشهده، أن تغدو الرواية بعيدة عن الفهم وبعيدة عن الشعب، فلا يقرأها أحد سوى الروائيين.

كاميلو جوزي سيلا:

أفضل أن يقرأني الأرستقراطيون من أن يقرأني بورجوازيون ممن يتطلبون إسفافاً في اللغة وفي الشكل. وإني أحيي، دون تحفظ مدرسة روب غريبه وبيتور. لقد كتبت سبعاً أو ثماني روايات، وقد نهجت في كل منها نهجاً في الصنعة، يختلف عن الآخر.

ديليبس:

تدهشني حجج سيلا. وإني لا أشاطره أبداً ازدراءه الجمهور فالقارئ يمكن أن يكون ذكياً.

كاميلو جوزي سيلا:

إنك تتكلم كما لو كنت نائباً.

ألان روب غريبه:

لست موافقاً على أقوال ديليبس. فإني لا أعتقد وجود ما يقال من جهة وبوجود وسائل تتفاوت في البساطة للتعبير عنه من جهةٍ أخرى. فإذا ما رأيت البحر أزرق اللون، ففي إمكاني أن أكتب لأعبر عن ذلك: أرى البحر أزرق اللون، وكان أمام البحر الأزرق اللون أو أزرق اللون كالبحر وكل من هذه الجمل تعبر عن حقيقة مغايرة، فنحن لا نردد كثيراً هذا: ليس من وحدةٍ في المعنى بين قولين للتعبير عن شيءٍ واحد.

جوان غويتيزولو:

بما أني من رواد السينما، أجد غريباً من يستطيع التفكير أن الصنعة ليست أمراً مهماً: نحن جميعاً نعرف أن كل فيلم يعتمد بالدرجة الأولى على المونتاج.

ميشيل بيتور:

إني أسمع الدفاع بحرارة عن الصنعة وعن التجديد في الصنعة.

حيت كتب ستاندال في عام 1837: سأكون مفهوماً في عام 1937 كان يعتبر روائياً بعيداً عن الفهم. أما اليوم فإنه المثال الكلاسيكي للروائي. ففي كل عصر تقوم هذه الفترة من الانتظار بين الخلق والفهم.

علاوة على ذلك، إن الروائي يقوم باكتشافات وهو يفكر في صنعته، وهو يتساءل خلال عمله: هل هذه الطريقة المناسبة لقول ما يجب علي أن أقول؟ فالصنعة هي الوسيلة الفعالة التي تتدخل، وتساعد على إنماء الأصالة، أرى من الأفضل أن يكون المرء ذكياً على أن يكون بكل بساطة غريزياً. والصنعة إن هي إلا الذكاء في حالة العمل.

3ـ أزمة الفن الروائي:

السؤال الثالث:

ـ أتعتقدون أن الرواية بوصفها نوعاً من أنواع الأدب تمر بأزمة أم بالعكس. تمر بمرحلة من مراحل التقدم؟.

 

لوبيز باشيكو:

لا أرى أن الرواية تمر بأزمة ولا سيما في إسبانيا، بل أرى عكس ذلك، بيد أن الخطر يكمن في أن الإفراط في الصنعة قد يؤدي إلى إبعاد الجمهور عن الرواية، فمنذ فترة قصيرة من الزمن والقراء يدخلون المكتبة ليطلبوا رواية حقيقية، رواية بكل معنى الكلمة، كما يطلبون في الفترات العصيبة قهوة بكل معنى الكلمة يتجنبون قهوة من الشعيرة أو قهوة من الهندباء.

جوان غويتيزولو:

لا سبيل إلى التحدث عن ارتفاع أو انخفاض في الرواية، كما يجري في الأسواق المالية.

ففي عام 1925 قام أوتيغو أي غاسي بإعلان موت الرواية، أن التحليل النفسي الروائي كان على شفا الموت، واليوم نعلم أن تحليل العواطف ليس بالشيء المهم.

إن نفسية الشخصيات تبرز من الطريقة التي يتصرفون بها، فإني لا أرى هبوطاً بل تجديداً.

موريس كواندرو:

حين يعم انتشار التلفاز العالم بأسره، فإن قراء الكتب السهلة لن يجهدوا أنفسهم بالقراءة، بل سيبقى ثمة أناس، يبذلون قصارى جهدهم في حماية الرواية، قد يكون ذلك بإعطائها شكلاً أكثر إحكاماً، شكلاً لن يكون على مستوى الجمهور، فالرواية في العصر الحاضر، لن تهمل لتموت، بل بالعكس، إنها فترة تثير نشاط الروائيين والنقاد.

ألان روب غريبه:

الرواية هي كذلك عمل فني. لقد سهونا عن ذلك.

ماذا يعني الخلاص من الأزمة بالنسبة للفن؟.

فالرواية في أزمة دائمة شأنها في هذا شأن الفن، ولو كانت الرواية مستقرة وليست في حاجة إلى أن يقوم الكاتب بالبحث في أمرها، فعلام المثابرة على الكتابة؟.

ايتالو كالفينو:

لا يهم كثيراً إن لم تبق الروايات روايات، على أن تظل كتباً جميلة.

هنري غرين.

كنتم تتحدثون عن التلفاز، أريد أن أقول إنه مرعب، فالناس ينظرون إلى هذا الشيء البشع، هذا المربع الصغير فينصرفون عن القراءة.

ايتالو كالفينو:

إن أزمة نوع من أنواع الأدب، لا يهمني، إن ما يهمني هو الإنسان.

ميشيل بيتور:

لم يحظ عصر بمثل ما حظي به هذا العصر من كثرة ما كتب من الروايات، وما نشر منها، وما قرئ.

هنري غرين:

ليس هذا في انكلترا.

ميشيل بيتور:

إذاً ما عدا إنكلترا، أما في فرنسا فأرقام المطبوع من الروايات، يفوق كثيراً ما كانت عليه قبل الحرب.

وأعتقد أن مكانة جديدة للرواية، قد ظهرت بظهور وسائل التسلية الجديدة، كالتلفاز والمذياع وسائر هذه الوسائل التي تسهل تبادل الآراء. ففي الأصل، حين يجري الحديث عن عمل فني، إنما يجري الحديث عما يبدل آراءنا.

ومن المؤكد: أن بين ليلة وضحاها سننعم جميعاً بالتلفاز وسينتزع جزءاً من اليوم، كان مسخراً للمطالعة، فكل ما هو سلبي وما هو تأمل محض، سينتهي به الأمر إلى الذوبان في التلفاز، وعندئذٍ تزداد المصاعب تجاه الرواية سمواً. وسيكون لوسائل التعبير الجديدة نتائج باهرة على الرواية. فيسارع نموها، وتكون الأعمال الأدبية أوفر غنًى، وأشد أمتاعاً، وبالتالي: أوّل وهلة، أكثر مشقة.

وقد طرح سؤال: هل البحث عن المحتوى الفكري للرواية، يكون بصورة مباشرة، في مؤلفات فلسفية أو في قصص رمزية؟.

آمل أن يزداد إقبال الناس على قراءة الكتب الفلسفية، ولكني أعتقد أن في مقدور الرواية أن تعبر عما تعجز القصة الرمزية عن التعبير عنه، وهذا هو مُسوغ وجودها، فلو شئنا وصف مجتمعنا، لاستحال علينا وصفه مباشرة، لأننا لا نستيطع أن نعالج أناساً نعرفهم، فنحن مضطرون إلى التحفظ والمداراة وإدخال عناصر من صنع الخيال فالرواية تحتل مكاناً، إلا بشكل بسيط، أي نوع آخر من أنواع الفنون الأدبية، فأنا، مثلكم جميعاً هنا، أومن، وأنا جد متفائل، بمستقبل الرواية.

المصدر: العدد الأول من الموقف الأدبي الصادر في أيار 1971 ـ سلسلة كتاب الجيب العدد 67 كانون الأول ـ 2012 السنة الخامسة من ص250 ـ 264.

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك