أحكام الأمراض المعدية في الفقه الإسلامي

  عبد الإله بن سعود بن ناصر السيف

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضلَّ له ومن يضلل فلا هادي له ، واشهد أن لا اله إلا الله وحده لاشريك له، واشهد أنَّ محمدا عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى اله وصحبه ، ومن اهتدى بهديه واتبع نهجه إلى يوم الدين، وسلَّم تسليما كثيرا.
أما بـــــــــــعد:
فإنَّ من نعم الله تعالى وعظيم مننه عليَّ أن هيأ لي أسباب مواصلة العلم عن طريق الدراسات العليا في قسم الفقه بكلية الشريعة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ،كما أكرمي باختيار موضوعٍ أحسبه من المواضيع التي تحتاج الأمة في هذا الزمان إلى معرفة الأحكام الشرعية الفقهية المتعلقة به ، فوقع اختياري على موضوع:" أحكام الأمراض المعدية في الفقه الإسلامي" لأنني وجدت موضوع الأمراض المعدية من أهم الموضوعات المعاصرة وتتعلق بمسائل كثيرة جداً ،يحتاج إليها الناس، خاصة وأنها لم تبحث من قبل في رسائل علمية، ولأهمية هذا ا لموضوع من نوازل العصر ومما عمت به البلوى ويتعلق بالمحافظة على بعض الضروريات الخمس وهي: النفس ، والنسل،طرقت بابه ،وركبت جواده ؛ رغبة في سبر غوره،ومعرفة أحكامه إذ الأمة في حاجة له بل الحاجة ماسة .
أهمية الموضوع وأسباب اختياره:
إن أهم سبب لاختيار هذا الموضوع ما يتميز به من القيمة العلمية والعملية ويمكن إبراز هذه القيمة في النقاط التالية:
أولاً:تعلق البحث بمجموع الناس فالإنسان معرض للمرض، والأمراض كثير منها المعدي وهو أخطرها ،وكثير من الأمراض المعدية انتشرت انتشار النار في الهشيم في كل بلاد العالم بلا استثناء في العصر الحديث ، وبعض الأمراض المعدية خاصة الوبائية منها تنتشر في ساعات قليلة ،تحصد في طريقها مئات الآلاف ،ففي شتاء عام 1918-1919م ، مات أكثر من 20 مليون شخص بسبب وباء الأنفلونزا ،ويبلغ عدد المصابين بمرض الإيدز سنوياً أكثر من 35مليون ،ولا زالت كثير من الدول تأن تحت وطأة الأمراض الجنسية المعدية كالايدز والزهري السيلان والهربس وما ذاك إلا نتيجة مباشرة لغياب الدين عن حياة كثير من الناس، وانتشار الشذوذ الجنسي والزنا وطغيان المادة، والبحث عن حياة الملذات، واللهو والمجون الإحصاءات عن مدى انتشار تلك الأمراض مروعة ومقلقة ومؤذنة بهلاك ودمار، ومع انتشارها فلإنسان معرض للإصابة بالمرض المعدي لأسباب كثيرة،فيحتاج لمعرفة أحكامها الشرعية .
ثانياً: إن هذا الموضوع بمباحثه ومطالبه يعد من النوازل العصرية إذ اكتشفت أمراض معدية قاتلة لم توجد من قبل كالإيدز وأبيولا ، وسارس ، وأنفلونزا الطيور وغيرها كثير تحتاج إلى البحث والدراسة والتأصيل لمعرفة الحكم الشرعي فيها من خلال الأصول الشرعية والقواعد الفقهية المتعلقة بالمصاب بها ، والمخالط له ،
ثالثاً: مع انتشار الأمراض ،ومعرفة العالم لأهم الفئات التي ينتشر بينها وهم الزناة والشواذ ،ظهر صيحات ناعقة تطالب بنشر مايعرف بالثقافة الجنسية بين الشباب والشابات ،باعتبار ذك من أنجع السبل لمكافحة المرض، بحيث تكون العلاقة الجنسية بينهم آمنه ،وهذا يتطلب إظهار الأحكام الشرعية وما يتعلق بها من أحكام، ومثاليتها للتطبيق، وأنها الحل الوحيد والناجع للمشكلات ، بدليل قلة ظهور تلك الأمراض في البلاد الإسلامية عامة،وفي المملكة العربية السعودية بلاد الحرمين خاصة.
رابعاً: إن هذا الموضوع يهم فئات المجتمع جميعاً،كالعلماء والقضاة والأطباء،والأفراد، فيهم علماء الفقه والمفتين والقضاة لكثرة ما يمر من حوادث وقضايا في العبادات والجنايات وغيرها،والأطباء لهم حالات كثيرة لمصابين بأمراض معدية ، يختلف التعامل معها بسبب وجهات نظر الأطباء فيها ، كما أن الزوجين أساس بناء الأسرة التي يتشكل منها المجتمع بأسره تتعلق بها كثير من أحكامه في النكاح والطلاق والرضاعة والحضانة ، وغيرها. فهو من الموضوعات العملية المهمة.
خامساً: إن بعض جوانب البحث- خاصة القضايا المستجدة- لم أجد من تطرق إليها بالبحث والدراسة والتأصيل وبيان الحكم الشرعي لها وذلك مثل : كحكم حضور المصاب بالمرض المعدي لصلاة الجماعة والجمعة ، حكم الحج في حقه ،وحكم إمامته ،حكم تغسيله وتكفينه ،وحكم الحج في حقه ،حكم منعه من العمل أو فصله منه ،حكم الإنجاب إذا كان أحد الزوجين مصاباً وغيرها كثير .
سادساً: إن ما كتب في موضوع الأمراض المعدية بشكل عام لم يتعرض للجوانب الشرعية بل أكثر ماكتب لايخلوا من أن يكون كتابات طبية اعتنى أصحابها بالتصورات الطبية، وكان الحديث عن الحكم الشرعي فيها مختصراً ، أو كتبا تتناول الأمراض المعدية بشكل إجمالي دون التفصيل وتكون في الغالب ذات صبغة وعظية تحذيرية .
وهناك بحوث ومقالات كتبت عن الموضوع تركز على جانب منه أو بعض الجوانب أفدت منها كثيرا لاسيما ما صدر عن جهة معتبرة كالمجامع الفقهية ونحوها،إلا أنها لاتحمل الصبغة التفصيلة التأصيلية .
كل هذه الأمور تبين أهمية دراسة وبحث موضوع الإجهاض وهذه الأهمية هي الدافع الرئيس لاختيار موضوع البحث.
وهناك دوافع أخرى منها:
1/ الفائدة العلمية التي يمكن أن تتحقق –بإذن الله _ في بحث هذا الموضوع لاسيما في مجال التأصيل والجمع والترجيح والتفصيل، والتخريج وتطبيق القواعد الفقهية والأصول العامة التي يمكن بناء الأحكام المستجدة عليها.
2/ الرغبة في طرق الموضوعات المستجدة لما تشتمل عليه من تجديد وفائدة علمية وعملية والإطلاع على المراجع المتنوعة والاستفادة منها.
3/ الاطلاع على ما كتب حول الموضوع من الناحية الطبية والاجتماعية – من غير استطراد في هذه النواحي- لبيان مثالية الأحكام الشرعية للتطبيق العملي وواقعيتها في الجانب الطبي الشرعي .
فهذه أهم وابرز دوافع اختيار الموضوع.
ومما تقدم يظهر جلياً أن الموضوع بحاجة إلى دراسة علمية منهجية مؤصلة لجميع جانبه المتعلقة به من حيث تعريفه ،أسباب انتشار الأمراض، والوسائل التي تساعد على مواجهته، والأحكام الشرعية المترتبة عليه، فحاولت قدر الطاقة استيعاب الموضوع وجمع ما قيل فيه، واختيار ما أرى أن الدليل يؤيده.
ولا يخفى أن مثل هذه الموضوعات حرجة تحتاج إلى جهود متضافرة على مستوى المجامع الفقهية والهيئات العلمية لتتلاقح فيها الآراء ووجهات النظر للخروج برؤية إسلامية واضحة لتكون ادعى للقبول والتطبيق والاطمئنان.
وهذه الدراسة التي أقدمها مساهمة في هذا الأمر، أسأل الله أن ينفع بها.
وقد سرت في بحث الموضوع على خطة قوامها: مقدمة، وفصل تمهيدي وفصلان، وخاتمة.

المقدمة: وفيها بيان لأسباب اختيار الموضوع، وأهميته، وخطة البحث، ومنهجه، وأهم الصعوبات التي واجهتني في البحث.
فصل تمهيدي :
في المرض والعدوى
وفيه أربعة مباحث :
المبحث الأول: المرض وأقسامه، وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: تعريف المرض.
المطلب الثاني: أقسـامه.
المطلب الثالث: أجر الصبر على المرض، وفيه ثلاث مسائل:
المسألة الأولى: تعريف الصبر، وفضله.
المسألة الثانية: أنواع الصبر، وحكمه.
المسألة الثالثة: أجر الصبر عليه.

المبحث الثاني: العـدوى، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: تعريف العدوى وحكم إثباتها أو نفيها، وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: تعريف العدوى.
المسألة الثانية : حكم إثبات العدوى أو نفيها.
المطلب الثاني: تسمية المرض المعدي طاعوناً وما يترتب على ذلك.
وفيه ثلاث مسائل:
المسألة الأولى: تعريف الطاعون.
المسألة الثانية: خصائصه وأجر الصبر عليه
المسألة الثالثة: قياس الأمراض الوبائية على الطاعون.
المبحث الثالث: في ضوابط المرض المعدي.
المبحث الرابع: طرق الوقاية من المرض المعدي ، وفيه أربعة مطالب :
المطلب الأول: الحجر الصحي.
المطلب الثاني: التطعيم ضد المرض.
المطلب الثالث: تجنب المخالطة للمصاب بالمرض المعدي.
المطلب الرابع : التحرز عند نقل الدم .
الفصل الأول:
أحكام المصاب بالمرض المعدي ،
وفيه سبعة مباحث:
المبحث الأول : أحكام المصاب بالمرض المعدي في الطهارة والصلاة ،
وفيه مطلبان:
المطلب الأول : حكم اغتسال المصاب بالمرض المعدي في الماء الراكد أو وضوءه منه .
المطلب الثاني : أحكام المصاب بالمرض المعدي في الصلاة ،
وفيه أربع مسائل :
المسألة الأولى : حكم ترك المصاب بالمرض المعدي لصلاة الجماعة والجمعة.
المسألة الثانية : جعل مكان خاص بهم للعبادة في المسجد أو في البلد.
المسألة الثالثة : حكم إمامة المصاب بالمرض المعدي .
المسألة الرابعة : حكم تغسيل المصاب بالمرض المعدي وتكفينه والصلاة عليه .
المبحث الثاني : أحكام المصاب بالمرض المعدي في الحج ، وفيه مطلبان :
المطلب الأول : حكم الحج في حق المصاب بالمرض المعدي أو النيابة عنه ، وفيه ثلاث مسائل :
المسألة الأولى : حكم الحج في حق المصاب بالمرض المعدي ابتداءً .
المسألة الثانية : حكم النيابة في الحج عن المصاب بالمرض المعدي .
المسألة الثالثة : حكم الإحصار بالمصاب بالمرض المعدي في الحج والعمرة .
المطلب الثاني : حكم إيجاب التقصير لشعر الرأس في حق المصاب بالمرض المعدي
المبحث الثالث : أحكام المصاب بالمرض المعدي في المعاملات ، وفيه مطلبان:
المطلب الأول : حكم التبرعات المالية في حق المصاب بالمرض المعدي .
المطلب الثاني : حكم منع المصاب بالمرض المعدي من العمل
وفيه مسألتان:
المسألة الأولى : حكم منعه من العمل ابتداءً .
المسألة الثانية : حكم فصله من العمل .
المبحث الرابع : أحكام المصاب بالمرض المعدي في النكاح ، وفيه ستة مطالب:
المطلب الأول : حكم الكشف الصحي قبل الزواج .
المطلب الثاني : حكم زواج المصاب بالمرض المعدي من غيره ،
وفيه مسألتان:
المسألة الأولى : حكم زواج المصاب بالمرض المعدي من السليم .
المسألة الثانية : حكم زواج المصاب بالمرض المعدي من مصاب مثله .
المطلب الثالث : حكم الوطء أو المباشرة دون الفرج .
المطلب الرابع : حكم إخبار أحد الزوجين المصاب بالمرض المعدي لصاحبه .
المطلب الخامس : حكم الإنجاب إذا كان أحد الزوجين أو كلاهما مصاباً .
المطلب السادس : حكم إجهاض الجنين المصاب بالمرض المعدي لحماية الأم ، وفيه ثلاث مسائل :
المسألة الأولى : حكم إجهاض الجنين المصاب بالمرض المعدي قبل نفخ الروح فيه،أو بعده .
المسألة الثانية : حكم إجهاض الجنين المصاب بالمرض المعدي ، أو بالتشوهات الخلقية .
المسألة الثالثة : حكم إجهاض الجنين المصاب بالمرض المعدي ، إذا كان يخشى على أمه الهلاك ببقائه .
المبحث الخامس : أحكام المصاب بالمرض المعدي في الطلاق ،
وفيه مطلبان :
المطلب الأول : اعتبار المرض المعدي من أسباب الفرقة .
المطلب الثاني : الخيار لغير المصاب من الزوجين .
المطلب الثالث : حكم إثبات الخيار للمصاب لوجود عيب بصاحبه .
المبحث السادس : أحكام المصاب بالمرض المعدي في باب الحضانة ،
وفيه مطلبان:
المطلب الأول : حكم حضانة الطفل المصاب بالمرض المعدي .
المطلب الثاني : إسقاط حق الحضانة بالإصابة بالمرض المعدي .
المبحث السابع : أحكام المصاب بالمرض المعدي في باب الجنايات ،
وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول : حكم التسبب في نقل العدوى للسليم ، وفيه مسألتان :
المسألة الأولى : حكم التسبب في نقل المرض المعدي تعمداً .
المسألة الثانية : حكم التسبب في نقل المرض المعدي عن طريق الخطأ.
المطلب الثاني : حكم إقامة الحد على المريض مرضاً معدياً وحكم تأخيره .
المطلب الثالث : حكم الجناية على الجنين المصاب بالمرض المعدي .
المطلب الرابع : حكم التعدي على العضو المصاب بالمرض المعدي .
الفصـــــل الثانـــــي :
أحكـــام المخالــــط للمصــــاب بالمـــرض المعــــدي ،
وفيــه تســـعة مباحـــــث :
المبحث الأول : الحكم إذا تضرر أهل البلد من مشاركة المصاب بالمرض المعدي لهم .
المبحث الثاني : حكم الصلاة خلف المصاب بالمرض المعدي .
المبحث الثالث : حكم زيارة المريض المصاب بالمرض المعدي .
المبحث الرابع : الدخول للبلد المصاب أو الخروج منه ، والحكمة من ذلك .
المبحث الخامس : إتلاف الحيوان المصاب بالعدوى ، أو أكله ، والمسؤولية في ذلك .
المبحث السادس : حق الولي في المنع من تزويج من تحت يده للمصاب بالمرض المعدي .
المبحث السابع : حكم الجنين السليم في بطن أمه المصابة بالمرض المعدي ، وكيفية إخراجه .
المبحث الثامن : إرضاع الطفل السليم من أمه المصابة بالمرض المعدي ، أو إرتضاع الطفل المصاب بالمرض المعدي من أمه السليمة وفيه مطلبان :
المطلب الأول : حكم إرضاع السليم من أمه المصابة بالمرض المعدي .
المطلب الثاني : حكم إرتضاع الطفل المصاب بالمرض المعدي من أمه السليمة .
المبحث التاسع : القذف بالزنا لمصاب بمرض جنسي معدٍ .

منهج البحث وطريقته :
اتبع في هذا البحث المنهجي العلمي المتبع في القسم ويتبين في الآتي :
1/ أصور المسألة المراد بحثها تصويراً دقيقاً قبل بيان حكمها،ليتضح المقصود منها ،وفي هذا اعتنيت بالتمهيد للمباحث والمطالب التي تحتاج إلى تمهيد ؛ وذلك لتكون الصورة واضحة عما يراد بحثه لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره ، وإذا كانت المسألة تتعلق بأمر طبي فإنني أصور المسألة طبياً، ثم اذكر الخلاف أو الحكم عليه.
2/ إذا كانت المسألة من مواضيع الاتفاق فاذكر حكمها بدليلها ،مع توثيق الاتفاق من مظانه المعتبرة .
3/ إذا كانت المسألة من مواضع الخلاف فاتبع الآتي :
أ/تحرير محل النزاع ، إذا كانت بعض صور المسألة محل خلاف وبعضها محل اتفاق ،وقد حرصت على هذا الجانب كثيراً في هذا البحث.
ب/ ذكر سبب الخلاف في المسألة إذا أمكن ، سواء أكان منصوصاً عليه، أو أنني استنبطه من خلال الأقوال والأدلة .
ج/ذكر الأقوال في المسألة، وبيان من قال بها من أهل العلم، ويكون عرض الخلاف حسب الاتجاهات الفقهية ،وترتيب المذاهب في كل قولٍ حسب التأريخ الزمني ، كما أن ترتيب الأقوال على أساس تقديم القول المرجوح ثم الراجح ،كما هي طريقة بعض أهل العلم .
د/الاقتصار على المذاهب المعتبرة ، مع ذكر مذهب الظاهرية ،مع العناية بذكر ما تيسر الوقوف عليه من أقوال السلف،سالكاً مسلك التخريج إذا لم أقف على المسألة في مذهب ما.
د/اعتنيت بنقل نصوص الفقهاء في المسائل في الغالب ،وتوثيق الأقوال من كتب أصحابها أو من كتب أهل المذهب نفسه .
هـ/محاولة استقصاء أدلة الأقوال ، مع بيان وجه الدلالة،وذكر ما يرد من مناقشات ، وما يجاب به عنها،سواءً كان ذلك في القول الراجح أو المرجوح ،حتى تكون الموازنة بين الأقوال مبنية على العدل والإنصاف .
و/ إذا لم أجد دليلاً للقول فاجتهد بالاستدلال له وأقول: يمكن أن يستدل له، وكذلك إذا كان هناك دليل يصلح إيراده، ولم يذكره أصحاب القول فإنني اذكره مصدراً بالعبارة السابقة.
ز/عند مناقشة الدليل فإن كانت من غيري قلت : نوقش بكذا، وإن كانت من عندي فأقول : ويمكن أن يناقش.
ح/الترجيح بين الأقوال ،مع بيان سببه ، وذكر ثمرة الخلاف إن وجدت ، مع الالتزام الشديد عند الترجيح بأدب المناظرة والخلاف، ومحاولة التوفيق بين الأقوال والنظر في الأدلة بعين المنصف المتجرد عن الهوى والتقليد.
4/الاعتماد على أمهات المصادر والمراجع الأصيلة في التحرير ، والتوثيق، والتخريج، والجمع ،مع الحرص الشديد على استعمال الألفاظ الشرعية ،والمباني الفقهية للكلمات ، مع الرجوع لما كتبه الباحثون المعاصرون ،وما استدلوا به.
5/التركيز على موضوع البحث وتجنب الاستطراد .
6/العناية بضرب الأمثلة خاصة المعاصرة والواقعية ،إذ البحث متعلق بالوقت الحاضر تعلقاً واضحاً .
7/تجنب ذكر الأقوال الشاذة .
8/العناية بدراسة ما جَدَّ من القضايا مما له صلةٌ واضحة بالبحث .
9/ قمت بعزو الآيات ، بذكر الآية ، واسم السورة.
10/ اعتنيت بتخريج الأحاديث النبوية من مصادرها، فان كان الحديث في الصحيحين أو أحدهما عزوته إليهما،أو لأحدهما، واكتفيت بذلك، وذلك لاعتمادهما من قبل العلماء وقد أشير إلى كتب السنة الأخرى نادراً ، فإن كان الحديث في غير الصحيحين فقد حرصت على تخريجه من كتب السنة المشهورة، وان عثرت على كلام للائمة فيه ذكرته-إن تيسر- وإلا اكتفيت بالرجوع إلى كتب المعاصرين كالشيخ محمد ناصر الدين الألباني-رحمه الله-وغيره.
11/ قمت بتخريج الآثار الواردة عن الصحابة أو التابعين من مصادرها الأصيلة والحكم عليها_إن تيسر ذلك_.
12/العناية بتعريف المصطلحات الشرعية و الطبية، وشرح غريب الألفاظ .
13/العناية بقواعد اللغة العربية، والإملاء، وعلامات الترقيم، ،كما العناية الخاصة بعدم وجود أخطاء مطبعية في الرسالة .
14/جعلت الخاتمة عبارة عن ملخص للرسالة يعطي فكرة واضحة عما تضمنته الرسالة ، مع إبراز أهم النتائج والتوصيات .
15/قمت بالترجمة للأعلام غير المشهورين،والمشهور في هذا البحث الخلفاء الراشدون _وإن كان الكثير ممن ورد في ثنايا الرسالة مشهوراً.
16/ختمت الرسالة بخاتمة ذكرت فيها أهم النتائج ،والتوصيات .
17/اتبعت الرسالة بالفهارس الفنية المتعارف عليها وهي :
*فهرس الآيات القرآنية.
*فهرس الأحاديث والآثار .
*فهرس الأعلام.
*فهرس الأمراض .
*فهرس المراجع والمصادر .
* المحتوى .
هذا منهجي في البحث وقد حاولت الالتزام به قدر الطاقة.
ومن المعلوم أن هذا الموضوع قد استمر البحث مدة طويلة، يعتري الإنسان فيها فترات نشاط ، وفترات ضعف، وتمر عليه الظروف المختلفة ، ولذا لا يخلو البحث من تفاوت يسير، وقدرة البشر لن تحيط بكل شيء .
أهم الصعوبات التي واجهتني في البحث :
لقد واجهتني صعوبات كثيرة في هذا البحث، في جمع المادة العلمية، وتصنيفها، ومن أهم تلك الصعوبات:
أولا: صعوبة الموضوع ،وجديته،ذلك أن الموضع يشمل عموم الأمراض في عموم الأبواب ،فهو عام في جميع الأمراض المعدية ،ومعروف تفاوتها في الخصائص والآثار ، وعامٌ في جميع أبواب الفقه مما جعل ضبط الموضوع وإعطاء كل مسألة حقها من البحث والدراسة والتأصيل أمراً في غاية الصعوبة – أسأل الله تعالى أن أكون قد وفقت فيه -.
ثانياً :عدم توفر مراجع متخصصة للبحث نظراً لجدية الموضوع،ومع صعوبة الحصول على ماتيسر منها ، وهذا ما دفعني إلى الاتصال بجهات مختلفة ؛لجمع المادة العلمية، ومقابلة بعض الأطباء والمختصين لاستيضاح بعض جوانب البحث ومكاتبتهم في ذلك ، والاستشارة في بعض الأمور التي تخص الموضوع.
ثالثاً: حصول صعوبات في الاطلاع على الكتب الطبية المتعلقة بالموضوع ، ومعرفة بعض المصطلحات فيها.
رابعاً: حصول ظروف اجتماعية خارجة عن الإرادة أدت إلى إشغال القلب،والذهن وحصول تأخر في البحث وانقطاع عنه بعض الوقت.
وإني إذ ألهج بحمد الله تعالى أولا وأخيراً ، وأثني عليه بجميع محامده على ما منَّ به من تجاوز العقبات وتسهيل المهمات ، وبلوغ مرحلة إتمام الرسالة، ، أرى واجباً عليَّ أتقدم بوافر الشكر وأجزله لكل من أعان أو أشار أو ساهم في إعداد هذه الرسالة فلهم من الشكر أجزله ومن الثناء أعطره وأخص بعطر فواح لفضيلة المشرف على الرسالة أستاذي الجليل فضيلة الشيخ الدكتور:/ حمد بن إبراهيم الحيدري –عضو هيئة التدريس بقسم الفقه بكلية الشريعة بالرياض ، الذي قبل الإشراف على هذه الرسالة، وكان من أول الوقت يستحثني للسير في الرسالة وإكمالها ،وقد وجدت منه- رعاه الله-صدق التشجيع وجميل الصبر، وسعة الصدر، ما مكني من إعداد هذه الرسالة والسير فيها على خير وجه، والدأب على البحث، ومواصلة الكتابة وأعلم أنني لن أوفيه حقه من خلال هذه الكلمات، ولكني اسأل الله أن يجزيه خير الجزاء وأن يجعل ذلك في ميزان حسناته، وان ينفعنا بعلمه، ويمتعه بالصحة والعافية.
كما لا أنسى شكر زوجي وأهل بيتي على ماقاموا به من جهود كبيرة جداً لتهيئة الجو المناسب لي _وأخص والدي - رحمه الله - ووالدتي - باركها الله وأطال في عمرها على طاعته- .
كما لاأنسى أن اشكر هذه الجامعة المباركة- جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية- وكلية الشريعة فيها، ممثلة بأصحاب الفضيلة أعضاء قسم الفقه الموقر وكل القائمين عليها، وذلك لما يقدمونه للباحثين والدارسين من خدمات جليلة ونشر للعلم والدعوة.
وفي الختام اعتذر عما يكون في هذا العمل من قصور أو خلل ، وأسأل الله أن يتجاوز عن زللي وخطأي وأن يجعل هذا البحث خالصاً لوجهه الكريم، وأن ينفع المسلمين بهذه ،وأن يجعل بكل حرف فيها أضعافاً مضاعفة من الحسنات ، وأن يبارك فيها ،وفي كاتبها ،ومن ساهم فيها .وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .

بعد هذه الرحلة الطويلة التي قطعت مع أحكام الأمراض المعدية في الفقه الإسلامي يمكن أن ألخص أهم النتائج التي توصلت إليها في موضوع البحث بشكل عام ،واذكر بعض التوصيات التي أرى مناسبتها في ختام هذه الرسالة.
فمن ابرز النتائج يأتي:
1/ من خلال دراسة الأمراض المعدية تتجلى قدرة الخالق- جل وعلا- وحكمته في هذا الكون ،وعجيب صنعه فتلك المخلوقات متناهية الصغر جداً (الفيروسات ،والبكتيريا ،والطفيليات ) تفعل في بدن الإنسان -بإذن الله- من النفع أو الضر ما يجعلنا نزداد إيماناً ويقيناً قال تعالى:?وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ? (الذاريات:21).
2/ إثبات العدوى وأنها لم تكن لتعدي إلا بجعل الله ذلك فيها ، ثم إذا أذن الله تعالى لها بالإعداء أعدت وإن لم يأذن سبحانه لم تعد ،مع وجوب الأخذ بالأسباب من مجانية المصاب والفرار منه ،والنهي عن الدخول إلى البلد المصاب بالمرض المعدي أو الفرار منه ،وفي هذا توافق تام بين الشرع والطب .
3/ من خلال البحث يظهر جلياً الإعجاز الطبي والعلمي الذي كشف عنه العلم الحديث تصديقاً لما في الكتاب والسنة من جوانب متعددة منها:
أ/ الإعجاز العلمي في مسألة العدوى فلقد أثبتت البحوث والدراسات الطبية أن دخول الميكروب إلى البدن لايلزم منه العدوى " لاعدوى ولا طيرة" ،لكن مخالطة المصاب من الأسباب وليست كل الأسباب "فر من المجذوم فرارك من الأسد "،ولا زال الطب حائراً في مسألة العدوى لم تصيب بعض الأفراد ولا تصيب الباقين وهم في منزل واحد ، ومأكلهم واحد ،ومشربهم واحد .
ب/نهيه ? عن الخروج من البلد المصاب بالطاعون ،أو الدخول إليه إعجاز علمي آخر إذ هذا الحديث أصل في الحجر الصحي الذي لم يعرفه العالم إلا على أبواب القرن العشرين ،فقد أثبتت الدراسات أن البلد المصاب بالمرض الوبائي إذا خرج منه الإنسان فإنه ينشر المرض ،وإن لم يصب به ،فأصبح أول قرار يتخذ عند حصول الوباء الحجر الصحي على المنطقة الموبوءة .
ج/ أن النظافة من أهم وسائل مكافحة الأمراض ،فنهى عن الاستنجاء باليمين وإفساد موارد الناس أو ظلهم بالبول أو التغوُّط فيها ،وأمر بوضع اليد أو نحوها على الأنف وقت العطاس وغيرها كثير .
ولا يزال الطب يكشف عن الكثير من الحقائق العلمية التي وردت في القران والسنة مما كان في السابق لايمكن معرفته ولا الكشف عنه.
4/ من خلال البحث تظهر مقاصد التشريع الإسلامي من المحافظة على النفس، والنسل ،والمال، فحيث نُهي عن مخالطة المصاب بالمرض المعدي، والأمر بالفرار منه،والمحافظة على النسل بتحريم إجهاض الجنين،أو الزواج من المصاب بالمرض،أو رضاع الطفل من المصاب ،أو حضانته له .
5/ من خلال البحث يتجلى أمر الشارع بالأخذ بالأسباب ،مع التوكل واليقين بالله ، وأن الناس متفاوتون في التوكل واليقين ،كالأمر بالفرار من المصاب ،والنهي عن الدخول للبلد المصاب ، والحجر الصحي ، والتطعيم ،وتجنب مخالطة المصاب.
6/ من خلال البحث تتجلى عظمة علماء الشريعة في فهم النصوص ودلالاتها الظاهرة والخفية، وذلك دليل صدق النية مع الله تعالى، والتمكن من آلات العلم، والبعد عن التقليد والتحجر، وتطابق آراءهم مع ما توصل إليه الطب في الوقت الحاضر.
7/ يظهر بوضوح من خلال البحث حرص الإسلام على البيئة واهتمامه بالمحافظة عليها ، فنهى عن البول في الماء الراكد ، أو الاغتسال فيه ، ونهى عن التخلي في موارد الناس وطرقهم ، أن النظافة والطهارة هي السلاح الرئيس في مكافحة الأمراض المعدية والوبائية منها بشكل خاص.
8/ يظهر بوضوح عناية الإسلام بالنظافة الخاص منها والعام، من طهارة البدن والثوب والمسكن، والنهي عن الاستنجاء باليمين، والنهي عن التنفس في الإناء وغير ذلك من الآداب الراقية التي فيها الخير للإنسانية.
9/ تتجلى في البحث بعض القواعد الفقهية الكبرى وكثير من القواعد الفقهية الأخرى كقاعدة الضرر يزال والمشقة تجلب التيسير ، ودفع المفاسد أولى من جلب المصالح ،والدفع أولى من الرفع ،إذا تعارض مفسدتان روعي أعظمهما ضرراً بارتكاب أخفهما ،يتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام،التصرف في الرعية منوط بالمصلحة وغيرها .
10/ ترجح تحريم الشارع إفساد موارد الناس أو ظلهم كوضوء المصاب بالمرض المعدي في الماء الراكد أو اغتساله منه، وأن الأحاديث في هذا الباب تتعلق بإلحاق الضرر بالغير ولا تعلق لها بمسألة نجاسة الماء من عدمه.
11/ ترجح أن المصاب بالمرض المعدي يحرم عليه حضور صلاة الجماعة والجمعة في المسجد إذا كان مرضه يلحق الضرر بالمصلين كأن كان ينتقل عن طريق المخالطة والمجالسة أو عن طريق الهواء والتنفس ، أو يشغل المصلين عن صلاتهم ،أو ينفرهم منه ، إلا إذا كان لهم في المسجد مكان خاص يمنع من إلحاق الأذى بغيرهم فتلزمه الصلاة ،ولا يحتاج أن يجعل لهم مسجد خاص بالبلد للصلاة ،كما أنه يمنع من أن يصلي بالناس إن كان إماماً حتى يبرأ من مرضه ، فإن امتنع أثم ،ولزم ولي الأمر أو من يقوم مقامه منعه من دخول المسجد ولزوم بيته .
12/ الميت المصاب بالمرض المعدي إن خشي إسراع البلى إليه بسبب تأثر بدنه بالمرض فإنه يغسل ،أما إن خيف تزلع بدنه وتقطعه بسبب المرض المعدي ،فالراجح أنه ييمم ويصلى عليه ، كما أن من يقوم بتغسيل الميت يلزمه اتخاذ الاحتياطات التي تمنع انتقال المرض المعدي إليه من حيث لايشعر .
13/ إن المصاب بالمرض المعدي يلزمه الحج فإن شق عليه أداء الحج لزمه أن يستنيب غيره ليحج عنه ،فإن احصر بالمرض المعدي ومنع من دخول مكة فإنه كالمحصر بالعدو يتحلل ولا شيء عليه .
14/ لايتوجه إلزام الحاج أو المعتمر المصاب بالمرض المعدي بتقصير شعر الرأس بل إن اتخذ الاحتياطات اللازمة لتجنب نقل العدوى كأن يستخدم آلة الحلاقة التي تستعمل لمرة واحده ، فالحلق أفضل .وعلى شركات الحج والعمرة المسؤولية الكبرى في توعية أفرادها وتوفير كل مايساعد على تجنب العدوى ،وعلى وزارة الحج ووزارة الصحة إلزامهم بذلك .
15/ أنَّ المريض مرضاً معدياً لايمنع من التصرف في ماله ، وإن كان مرضه مخوفاً مادام عقله ورشده معه ، وليس له أن يوصي بأكثر من الثلث .
16/ أن المرض المعدي الذي يشق الاحتراز منه وتخشى الإصابة به يمنع صاحبه من الالتحاق بدور العلم والعمل حتى يبرأ منه ،وعلى ولي الأمر منعه من مخالطة غيره حتى يبرأ ،أما إن كان يمكن الاحتراز منه أو لاتخشى الإصابة به ، فلا يمنع من الالتحاق بالعمل أو دور العلم ، لأن الضرورات تقدر بقدرها ، ويدفع الضرر بقدر الإمكان ، لكن لابد من مراعاة لبعض الاحتياطات ، كطلب فحص طبي للعاملين والدارسين ، اختيار العمل والمكان المناسب للمصاب ، غيرها .
17/ أما إن أصيب وهو على رأس العمل بالمرض المعدي فإن كان لايحصل ضرر ببقائه فيه ،فلا يفصل منه ، فإن كان يحصل ضرر ببقائه ،فإن كان التعاقد مع ذات العامل لا مع العمل فإن أمكن نقله لعمل آخر بلا ضرر عمل به ،وإلا أوقف عن العمل حتى يبرأ ، فإن كان العقد على العمل لا على العامل فيلزم العامل بأن يأتي بمن يقوم بالعمل نيابة عنه ،لأن عقد الإجارة قد لازم وأمكن استيفاؤه بهذه الطريقة بلا ضرر.
18/ التأكيد على ضرورة الكشف الطبي قبل الزواج وأهميته، والمصالح الكبيرة المترتبة عليه، ولولي المرأة إلزام الخاطب به، ولولي الأمر حق الإلزام به أيضاً لأن التصرف بالرعية منوط بالمصلحة، والأطباء متفقون على أهميته.
19/ إن السلامة من العيوب المثبتة لخيار الفسخ من خصال الكفاءة في النكاح، وأنها حق للمرأة والأولياء، فإن رضيت بإسقاط حقها بقي حق الأولياء، فلهم منعها، لوقوع الضرر عليهم.
20/ إذا كان أحد الزوجين مصاباً بمرض معدي ،والآخر مصاب بمرض معدٍ آخر أو مابه أكثر فلا كفاءة بينهما ، فإن تساويا أو مابها أكثر فالراجح أنه لاكفاءة بينهما أيضاً ، لأن المرء يعاف الارتباط بمصاب مثله خاصة وأنه يخشى تعديه إلى نسله ،ويتمنى وهو مصاب الزواج من السليم لعل مابه لا يحصل لنسله ،وللمرأة والأولياء حق التنازل عن شرط الكفاءة لأنه شرط لزوم لاشرط صحة ، لكن بشرط عدم حصول ضرر بسبب ذلك .
21/ إذا رضي السليم بالبقاء مع المصاب بالمرض وجب عليهما اتخاذ الاحتياطات اللازمة لمنع انتقال المرض إلى السليم منهما ، ومع عدم اتخاذها له حق الامتناع عن الجماع سواءً كان الوطء في الفرج أو دونه،ولا يعد الزوج مولياً ولا المرأة ناشزاً
22/ على المصاب من الزوجين وجوب إخبار صاحبه بحقيقة مرضه كي يتخذ من الوسائل مايمنع _ بإذن الله _ انتقال المرض إليه ،وتعديه إلى النسل
23/ إذا كان يخشى على الأم المصابة بالمرض إذا حملت وجب عليه الامتناع عنه، أما إذا خشي وجود تشوهات بالجنين أو إصابة له بالمرض، فلا يعد ذلك مسوغاً شرعياً لمنعها من الحمل.
24/ يحرم إجهاض الجنين إذا استقر ماء الرجل في الرحم ،كما يحرم إجهاضه لأي سبب كان سواءً كان ذلك السبب إصابته بالمرض المعدي ،أو حصول تشوهات فيه ،إلا في حالة ما إذا غلب على الظن هلاك الأم ببقائه فيجوز إجهاضه ،والقول بالوجوب قوي متوجه .
25/ أن الراجح اعتبار المرض المعدي من أسباب الفرقة فللسليم من الزوجين حق الفسخ لوجود مرض معد بصاحبه وأن ضابط ذلك المرض أن يمنع من الاستمتاع ،وتخل بمقصود النكاح ، ويخشى تعدية إلى الولد ،وأن هذا الحق ثابتٌ لمن وجد بصاحبه عيباً ولو كان من جنس مابه ؛لأن الإنسان وإن كان مصاباً بالمرض فإنه يعاف الارتباط بمصاب مثله خاصة ،ويرغب في الارتباط بالسليم منه لأنه أكمل ،وأحرى في إنجاب السليم من الولد ، وقد يلحقه ضرر بزيادة في ذلك المرض ،واشتداده .
26/ أن الطفل المصاب بالمرض المعدي يحتاج إلى رعاية خاصة ومعاملة متميزة تختلف في جوانب عدة عن الطفل السليم فلابد من توفر القدرة على القيام بشؤونه الخاصة المتعلقة به وبمرضه في الحاضن ؛ لأن الحضانة شرعت لمحصلة المحضون عن طريق القيام بكل ما تتطلبه حضانته ؛ لأن الطفل المصاب بالمرض المعدي معرض أكثر من غيره للضرر ، فالمرض يؤثر على الطفل أكثر من تأثيره على البالغ ،وإلا سقط حقه في الحضانة.
27/ إن الحاضن المصاب بالمرض المعدي إذا كان مشغلاً له عن رعاية المحضون، أو كان مرضه مضراً بالمحضون، فيسقط حقه في الحضانة.
28/ إن من تعمد نقل فيروس المرض إلى الغير، فإن كان قصد المتعمد إشاعة هذا المرض الخبيث في المجتمع، فعمله هذا يُعَدُّ نوعاً من الحرابة والإفساد في الأرض يستوجب إحدى العقوبات المنصوص عليها في آية الحرابة …
وإن كان قصده من تعمد نقل العدوى إعداء شخص بعينه ، وكانت طريقة الإعداء تصيب به غالباً ، وانتقلت العدوى ، وأدت إلى قتل المنقول إليه ، يعاقب بالقتل قصاصاً .
وإن كان قصده من تعمد نقل العدوى إعداء شخص بعينه ،وتمت العدوى ،ولم يمت المنقول إليه بعد عوقب المتعمد بالعقوبة التعزيرية المناسبة ، وعند حدوث الوفاة يكون من حق الورثة الدية
وأما إذا كان قصده من تعمد نقل العدوى إعداء شخص بعينه ،ولكن لم تنتقل إليه العدوى فإنه يعاقب عقوبة تعزيرية.
أما إن نقل المرض عن طريق الخطأ، فتلزمه الدية،
29/ أن الطبيب الحاذق الذي أعطى الصنعة حقها ،ولم يتعد أو يفرط فلا ضمان عليه إن أخطأ ، أما إن كان جاهلاً أو أخل بأصول المهنة أو تعدى ،أو تساهل في إجراء الاحتياطات أو الفحوصات لزمه الضمان ..
30/ أن المريض بالمرض المعدي إذا وجب عليه حد فإن كان فيه إتلاف لنفسه ،فلا يؤخر ،وإن كان الإتلاف للطرف انتظر حتى يبرأ من مرضه إذا كان في إقامة الحد إلحاق ضرر زائد به
فإن لم يكن في الحد إتلاف كالجلد فإن كان المرض ممالا يرجى برؤه ،فالراجح إقامة الحد عليه ، فيضرب بعثكال فيه شمراخ بعدد الجلدات ؛لأن إقامة الحد خير من عدمه.
فإن كان المرض مما يرجى برؤه أخر الحد حتى يشفى من مرضه.
31/ الجناية على الجنين المصاب بالمرض المعدي إن كان قبل نفخ الروح فيه، فلا توجب القصاص، وإنما يعزر بما يناسب جرمه.
فإن كان بعد نفخ الروح فيه فلا قصاص أيضاً لكن تلزمه الدية، والتعزيز بما يناسب جرمه.
32/ الجاني إذا قتل مريضاً بالمرض المعدي فإنه يقتص منه ، لأنه قتل نفس لنفس إذ التساوي في ذلك غير معتبر ، أما القصاص في الأطراف فأجمع أهل العلم على حريان القصاص فيه، كما أجمعوا على اعتبار التساوي فيها في الجملة ، والتساوي هنا المراد به السلامة من الزيادة أو النقصان دون غيره من أوصاف التساوي كالكبر الصغر والصحة والمرض .
والمرض المعدي الذي يصيب العضو أو يظهر أثره عليه لا يخلو من حالتين:
الحالة الأولى :ألا يؤدي المرض المعدي إلى فساد العضو أو بعضه ، فيكون المرض على العضو مجرد أثر على الجلد فقط ، فقد اتفق العلماء على أن وجوده في العضو لا يؤدي نقصان العضو بأن ذلك علةٌ ومرضٌ في العضو ،وهو لا ينقص من منفعة العضو سيئاً ،فلا يمنع القصاص
الحالة الثاني : أن يؤدي المرض المعدي إلى ذهاب منفعة العضو أو نقصانه بفساده فلا يخلو الأمر من حالين :
الأولى : أن يكون ذلك العضو غير الأنف والأذن كاليد والرجل الأصبع ونحوها ،فالراجح أنه لايجري القصاص فيه لعدم التساوي .
الثانيـة:أن تكون الجناية على الأنف أو الأذن، كما لو جنى على أنف فسد بسبب الجذام أو أذن شلت بسبب الجدري مثلاً.
فلا يخلو من حالين :
الأولى:ألا يسقط من العضو شيء، فالراجح جريان القصاص فيه، لتساويهما في المنفعة.
الثانيـة:أن يسقط منه شيء فالراجح جريان القصاص فيه، لتساويهما في المنفعة
33/ أن مخالطة المصاب بالمرض المعدي للناس ، ومشاركتهم في استخدام المرافق العام كالأسواق والحدائق مبنية على حصول الضرر منه ، فإن كان يحصل منه الضرر وجب عليه تجنب مخالطتهم حتى يبرأ من مرضه ، فإن كان الضرر يخاف منه في الغالب وجب منعه من قبل ولي الأمر إذ امتنع .
34/ استحباب زيارة المريض بالمرض المعدي وعيادته ،لكن مع اتخاذ الاحتياطات الطبية اللازمة لتجنب إلحاق الضرر بالمريض أو النفس .
35/ كذلك تجب دية الأم إذا ماتت بالجناية عليها أو بالإجهاض، والشأن فيها كسائر الجنايات، فتكون مغلظة في العمد – إذا سقط القصاص بعفو- وفي شبه العمد، ومخففة في الخطأ، وتتحملها العاقلة في شبه العمد – على الراجح- وفي الخطأ.
36/ تحريم الخروج من البلد المصاب بالمرض المعدي الوبائي أو الخروج منه حتى تقرر ذلك السلطات الصحية، وأن هذا من التعاون على البر والتقوى، ما يحرم القدوم عليه، لما في ذلك من إلقاء النفس في التهلكة.
37/ عناية الإسلام بالحيوان والأمر بالرفق به في كل شيء ،ومن ذلك أنه إذا أصيب بالمرض المعدي فحصل منه ضرر ،تُدُرِّج في إزالته، فإن أمكن دفعه دون قتل الحيوان كأن يمكن علاج الحيوان المصاب أو الحجر عليه حتى يشفى، تعين ذلك ولا يقتل، فإن لم يمكن دفع الضرر إلا بقتله كأن لا يمكن علاجه ، أو يمكن علاجه لكن في فترة العلاج تطول فيستحيل منع انتشار المرض إلى غيره من الحيوانات خاصة في الأمراض الوبائية كأنفلونزا الطيور ،فالذي دلت عليه قواعد الشريعة وجوب قتله والتخلص منه، وإذا تقرر قتل الحيوان وإتلافه فالواجب الإحسان في قتله والرفق به ، فيكون القتل بوسائل تريح الحيوان وتزهق روحه بسرعة ولا يطول ألمه ، فيحرم حرق الحيوان أو دفنه حياً .
38/ إذا غلب على الظن أن الجنين سيصاب بالمرض المعدي، عند مروره بقناة الولادة كما في مرض الإيدز، فإن ذلك يعد مسوغاً شرعياً لإجراء الولادة القيصرية؛ لأنها تقلل من احتمال إصابته بالمرض المعدي.
39/ الأم أولى الناس برضاع ولدها ،فإن كانت الأم مصابة بمرض معدٍ يخشى انتقاله إلى طفلها عن طريق الرضاع ،وجب امتناعها عن إرضاع، حفاظاً على سلامته ،إلا إذا خشي على الطفل الهلاك ولم توجد مرضعة إلا أمه فالضرورات تبيح المحظورات فيجب عليها إرضاعه،
لكن لو كان الطفل هو المصاب بالمرض المعدي والمرضعة سليمة من المرض، ويخشى انتقاله إليها، فإن أمكن إرضاعه بطريق غير مباشر كسحب اللبن من الثدي ثم يعطى للطفل، أو إرضاعه بالأطعمة البديلة كالحليب المجفف تعين المصير إليه،
فإن لم يمكن ذلك ،وخشي هلاك الطفل وجب على الأم إرضاعه ،مع اتخاذ بعض الاحتياطات الضرورية .
40/ جاءت الشريعة بحفظ الأعراض ،فيحرم قذف المصاب بمرض جنسي معدٍ بمجرد إصابته به ، وعلى القاذف حد القذف ،فإن كان المصاب معروفاً بفسقه وفجوره وسفره لبلاد البغايا ،فيحرم قذفه أيضاً ،ويعزر قاذفه ،ولا يحد . .
هذه من أبرز النتائج التي توصلت إليها في موضوع البحث.
وأما النتائج العامة والمقترحات فمن أهمها:
1. من خلال البحث ،واللقاء بكثير من الأطباء ، تتضح الهوة بين الدراسات الفقهية والقضايا الطبية، وبسببها تحصل التصورات بعدم قدرة الفقهية على استيعاب المشاكل الطبية وإيجاد الحلول لها ،كما تسبب حصول تصورات طبية خاطئة لا تلتزم بالأحكام الشرعية، ونشا عنها انحرافات في الجانب الطبي ، وجهود المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية في الكويت بالتعاون مع المجمع الفقهي الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي لتضييق الهوة واضحة تحتاج للتشجيع ، من قبل الكليات والجامعات خاصة وأن كثيراً من القضايا الطبية أصبحت عالمية المشكلة فتعقد لها المؤتمرات الطبية الدولية والمشاركة الفقهية فيها شبة معدومة ، فكان لابد من استباق المحاولات الدولية بمناقشة القضايا الطبية محلياً من خلال الجامعات ،قبل أن تطرق تلك الموضوعات في المؤتمرات العالمية ، ومن الموضوعات التي تحتاج إلى دراسة على هذا المستوى الأمراض المعدية وما يتعلق بها ، ذلك انه أصبح يطرق في المؤتمرات الدولية ، وفي وسائل الإعلام المختلفة، ولا تكاد تمضي فترة يسيرة إلا ونسمع خبرا عن مرض جديد ،وإحصائيات جديدة مرعبة للمصابين بها، فهذا مما يؤكد أهمية استيعاب جوانبه، وطرحه بالتصور الإسلامي على مستوى مجمعي.
2. إدخال القضايا الطبية من منظور شرعي في المناهج الطبية المقدمة في كليات الطب أن الأحكام الشرعية الخاصة بالفروع الطبية، كالإجهاض، وزراعة الأعضاء، الأمراض المعدية، الاستنساخ، وأحكام التجميل وغيرها كثير.
3. نشر تلك البحوث والدراسات على المستوى المحلي والعالمي ،كي يظهر للعالم أجمع من خلال تلك البحوث عظمة الفقه الإسلامي ، واختصاص أحكامه بالشمولية، والوفاء بأحكام أفعال المكلفين، وهذا مما يرسخ العقيدة بان هذه الشريعة صالحة لكل زمان ومكان وأمة، وأنها الشريعة الباقية الخالدة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وتتبين كذلك منزلة الاجتهاد ، وحكمة الشرع في ذكر كثير من الأحكام العامة، حتى يمكن استنباط مثل هذه الأحكام بإدخالها تحت عموم الدليل، أو تخريجها على قاعدة فقهيه أو اصل معين.
4. إقامة مؤتمر سنوي يتعلق بالقضايا المستجدة في عالم الطب ،والموقف الشرعي منها،
يجمع نخبة من العلماء في الشريعة والطب حتى يتم التواصل عن قرب بين هاتين الفئتين من المجتمع، كما أن للزيارات المتبادلة بين الكليات الشرعية والطبية وتبادل البحوث، وإقامة البحوث المشتركة دوراً هاماً في سد بعض الحاجة.
هذه أهم النتائج والمقترحات التي ظهرت من خلال البحث المتواضع

 

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك