التعبير والطمأنينة
قاعدة أنّ ما قام على باطل فهو باطل تفسّر أمورًا كثيرة حتى الأمراض. أثبتت الدراسات والتجارب أن الإنسان إن عاش حالًا لا يطيق التكيف معه آمادًا بلا فكاك سيؤدي به يأسه إلى أعراض وشكاوى يردونها غفلة إلى أمراض جسدية وعصبية ونفسية، حتى يحصل المرض ويتشبث بعضو أو بالجسم فلا يعود في حياة صاحبه أحداثًا غير الآلام والأمراض والعلاجات والمستشفيات وقصصها، بعد أن كانت البداية أعراضًا مؤقتة فيها هروب من الواقع.
فوق ألم المرض تطال هذه وذاك، تتألم لحماقات تجعل حياة أحدهم سجنًا بلا نافذة ولا سلوى ولا مستمع ولا مهرب، فلا يطيق ضوءًا ولا يطمئن لصوت ولا يستسيغ لقمة ولا يهنأ بنومة. يعيش في حيرة وقلق وعذاب ثم تبقى ذاته هي المهرب فيبدأ فيه العرض والمرض، ولو استطاع وحاول المصاب الاختيار وغيّر وضعه وعاش بإرادته لبرئ من الأمراض.
وفوق الحال الذي لا يرتضيه من فرض عليه والأعراض والأمراض الناتجة عنه، هناك مصيبة ثالثة لخصها المتنبي بقوله:
مَن يهنْ يسهلْ الهوان عليــه ما لجــرحٍ بميــتٍ إيــــلامُ
عندما يمسي المرء ثلمّ الحس موقنًا أنه ليس بالإمكان أفضل مما كان، فيأتي بأحمق التصرفات ويربي ويعوّد الناشئين حوله بأساليب مفتعلة عقيمة، هذا إذا استطاع أن يكون له تأثير في غيره سوى تعريضهم لمثل حاله الذي لم يعد يستطيع إلا أن يعيشه هو ومن هم على شاكلته من حوله. عندها تعلم أن البيئة التي بدأ فيها وانتهى هي غثاء وعبث وتهور وإن كان ظاهرها لامعًا جذابًا مجلجلًا.
ينبعث سؤال حق جميل وحده: أوليس من لذّات التأمل والإطلاع والرحمة أن يتعلم الإنسان لذّات الاختيار والإرادة لنفسه ولذة احترامها في غيره؟ بلى، فتلك طريق الطمأنينة. الجواب والعلاج الطبيعي السهل الواضح في كتابنا وقدوتنا وسادة تاريخنا وحتى في الأمم الأخرى هو التعبير والخيار. عبّر عن أحاسيسك وآمالك وأظهر اختياراتك تعش مطمئنًا، واسمع تعبير غيرك عن أحاسيسه وآماله وأقبل اختياراته يشاركك الطمأنينة التي فيها مناعة ضد أعراض وأمراض. سماعك للتوجيه وللمشورة ليس إلا لتصلح من اختيارك أنت. أحلامنا ورغباتنا واختياراتنا ليست غريبة محرجة لكن تعبيرنا وتفاهمنا وحديثنا الصريح الهادئ هو الغريب المحرج عندنا. أن تندم على سوء اختيارك بقناعتك خير وأجمل من أن تندم على سوء اختيار غيرك لك وبدون قناعتك.
المصدر: http://www.nashiri.net/articles/general-articles/5349-2013-02-24-17-32-0...