مستجدات الإرهاب

أحمد الشرعبي

 

لم ترضخ القيادة اليمنية لابتزاز القاعدة، أو أن وسعها لتقديم الفدية غير ممكن، خاصة وأن العملة اليمنية لا تغري المجاهدين وقد تحولوا إلى مرتزقة

لا جدال مطلقا في حاجة حكومات العالم ـ المتقدم فيها والمتأخر، قويها وضعيفها ـ لبناء جسور متينة من العلاقات المتبادلة فيما بينها وتنمية وتعزيز المصالح المشتركة بين شعوبها.
وإذا كان الاقتصاد والتأريخ الإنساني المشترك قد مثلا أساسا حيويا لعلاقات التعاون المتبادل بين الدول سواء على المستوى الثنائي المباشر أو على نطاق التحالفات والمحاور والأحلاف، فضلا عن الشراكات الكبرى في إنشاء المنظمات الإقليمية والدولية، إلا أن ظواهر سلبية جديدة طرأت على مسرح الحياة وفرضت تحدياتها على مختلف النظم السياسية التي لم تجد بدا من إعادة ترتيب أولوياتها لمواجهة الآثار العالقة من حقبة الحرب الباردة. الأمر الذي أفضى إلى ما يشبه الإجماع الدولي على اعتبار الحرب ضد الإرهاب أولوية قصوى لإحلال الأمن والسلام الدوليين، وتبعا لذلك قدمت منظمات وشعوب ودول العالم التزامها بتعقب مفاعيل التطرف واجتثاث جذوره واستئصال شأفته، متعهدة بالعمل على إنشاء وتطوير شبكات أمنية لوجستية أوكل إليها تطويق المنظمات الإرهابية وتجفيف منابعها. والأرجح أن الإجراءات الاقتصادية لمراقبة مصادر تمويل أنشطة القاعدة بمسمياتها المتعددة أدت دورها، وحدت من منسوب السيولة النقدية في متناول جماعات العنف السياسي، كما وقلصت الاستثمارات الهائلة التي استطاع القاعديون بناءها في غير مكان من العالم، تحت غطاء الجمعيات الخيرية وعمليات غسل الأموال، وبفضل تلك الإجراءات أمكن كبح جماح التطرف إلى حد كبير، ولكن دون القضاء على الظاهرة، إذ ما نزال نشهد بين فينة وأخرى محاولات إحياء سياسية وأيديولوجية لبؤر التطرف، وربما كانت الأوضاع الأمنية غير المستقرة في بلدان الربيع العربي، وبروز القوى السياسية الدينية في مقدمة العوامل المساعدة على استعادة تلك البؤر شيئا من التعافي في هذا القطر أو ذاك وسط حالة استرخاء دولي وإقليمي أثر على المستوى السابق من استراتيجيات الحرب الدولية على الإرهاب.
ولاغرو أن جهدا شاقا بذل على المستوى الأمني والاقتصادي والإعلامي المكرس لمقارعة الإرهاب والإرهابيين، فيما ظلت الجهود المفترض أعمالها لمعالجة جذر الظاهرة تربويا وسياسيا على شأنها من القصور الفاحش ذلك أن الجانب التربوي، استمر بنفس مضامينه المتقاطعة مع قيم الحداثة ومفاهيم وتحولات العصر بينما تلوح على الشق الثاني "سياسيا" بوادر تراجع في السياسات الغربية ويفهم من مؤشراتها المتواترة رغبة الولايات المحتدة بفتح صفحة جديدة مع تيارات الإسلام السياسي، وتمكينها من الحكم مقابل القيام بما عجزت عنه النظم السياسية في منطقتنا، وهو توجه لم يعد مجرد تهيؤات تستقرئها آراء المحليين قدر ما تفصح عنها مستجدات الواقع وتكشفها بوضوح تام مجريات الربيع وطبيعة الدور الأميركي في تشكيل ملامحه وهيكلة قواه ودفع الأحزاب ذات المنشأ الإخواني إلى صدارته.
لم تكن الولايات المتحدة قد اكتشفت كوجود بنيوي على جغرافيا البسيطة عندما أطلق الشاعر النواسي دعوته لـ"التداوي بالتي كانت هي الداء"، وقد لا يكون معلوما لديها من الأمثلة العربية قولهم: "الأفضل أن يكون الساحر طبيبا".. غير أن أسوأ السياسات تلك التي تنتهجها الدول بعد فوات الآوان.. وما يهمنا إثارته في موضوع الحرب على الإرهاب، أن قياس مستوى النجاحات المحرزة في هذا الشأن يختلف من دولة لأخرى باختلاف القدرات الاقتصادية لكل قطر هذا أولا، أما ثانيا فإن إغلاق حنفيات الدعم المالي المقدم للجماعات الإرهابية المتطرفة اضطرها للتضحية بالغطاء الأخلاقي الذي اعتادت إسداله على نفسها فيما تطلق عليه الجهاد دفاعا عن العقيدة أو مقاومة غزو الرأسمالية ومادياتها الدنيوية، ولنا أن نمعن النظر في دوافع جرائم الخطف المرتكبة مؤخرا، وكيف أن هذه الجرائم جرت بغرض الحصول على المال والمال فقط؟.
لم ترضخ القيادة اليمنية لابتزاز القاعدة أو أن وسعها لتقديم الفدية غير ممكن، خاصة وأن العملة اليمنية لا تغري المجاهدين وقد تحولوا إلى مرتزقة.. ترى والحال كذلك أيكون تدخل أطراف أخرى غير حكومية بالتفاوض المباشر مع الجماعات الإرهابية مبررا بمنطق السيادة الوطنية أو بمسوغ الحالة الإنسانية للمخطوفين أو بمحددات الحرب على الإرهاب؟.
ذلك سؤال مفتوح يدعو لتوارد الخواطر وقد نعود إلى تخومه لاحقا..؟

المصدر: http://www.amnfkri.com/news.php?action=show&id=22615

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك