إصلاح المؤسسة الدينية.. طريق إلى الإصلاح السياسي

إشكال المجتمعات العربية.. في اشكال فرق مذاهب علمائها.. الذي كلٌ ينادي الى ما يراه في صحيح الدين. ولا يمكن الحديث عن صحيح الدين الا خارج السياسة.. اما داخلها فلا صحيح للدين.. وكان صحيح الدين منال مناوشات فقهية وتأويلات شرعية.. كلٌ يعزو صحيحه الى صحيح مذهبه.

إن صحيح الدين.. خلاف صحيح السياسة.. كما إن ممارسات رجل الدين.. خلاف ممارسات رجل السياسة. ان الدين يفقد حيثيته العبادية اذا تلامست حيثيته الدينية بحيثية السياسة. فالسياسة في خصوصية علاقة الناس بالناس.. والدين في خصوصية علاقة الخالق بالمخلوق. ان الدين في صفاء ونقاء تفاصيل جوهره.. خلاف السياسة التي لا نقاء ولا صفاء لديها في تفاصيل جوهرها. وصحيح كما يقول: امام وخطيب جامع الامام الصادق في الدراز آية الله عيسى قاسم.. «إن منبر الجمعة اصلا انما هو منبر رسول الله ثم اوفيائه وليس لاحد يعتلي هذا المنبر في غيبتهم فضلا عن حضورهم الا باذن صاحب المنبر في الشريعة الكاشفة عن اذن الله مالك الامر كله» ولسنا هنا بصدد حيثية «الشريعة الكاشفة» التي يختلف عليها فقهاء المذاهب في الاسلام.. الا ان الكل يعلم ان منابر صلاة الجمعة التي يؤمها الخطباء لأداء صلاتها.. هم لم يحصلوا على اذن لا من عند الله.. ولا من عند رسول الله في اعتلاء منبر صلاة الجمعة أو عدم اعتلائه وهو شأن الناس فيما بينهم.. خلاف تأويله لدى عيسى قاسم!! وانه ليس من البر والتقوى ان يدعي أحد ان لديه اذنا من الله ورسوله في اعتلاء منبر صلاة الجمعة واحتكاره دون غيره. «وان العمل بدين الله وتطبيق منهجه في الارض والتوحد في سبله والتعاون على البر والتقوى ومواجهة المنكر والمظالم والعمل على احقاق الحق وابطال الباطل».

شأن روحي عبادي يأخذ منهجه تحديداً في تقويم روح المخلوق في روح الخالق. وفي نقاء وصفاء جوهر الدين بعيداً عن لغط السياسة.. وهذا خلاف ما يأخذنا اليه الشيخ عيسى قاسم في مكايلة الدين بالسياسة ومكايلة السياسة بالدين من على منبر صلاة الجمعة مشيراً الى ان منبر الجمعة «راصد ومراقب أسبوعي لحركة المجتمع بكل أبعادها لتدارك أخطاء هذه الحركة وما قد يعرض عليها من انحراف أو قصور». وهو لا يستثني من ذك أمراً اقتصادياً أو اجتماعياً أو سياسياً كما يقول متخذاً من «منبر رسول الله» واجهة سياسية يرصد عبرها انشطة مؤسسات المجتمع ميلاً الى الجهة السياسية التي ينتمي اليها فيما يجوز وما لا يجوز متخذاً من بيت الله بيتا سياسيا لحزبه.. ومن منبر رسول الله منبراً سياسيا لحزبه. تلكم واقع نتيجة من يخلط الدين بالسياسة ويخلط السياسة بالدين.. وكان هذا الواقع الذي يدعونا لمراجعة أكثر من 450 خطبة جمعة واقع هذا الحراك الغوغائي الطائفي المتطرف في تأزيم أوضاع مملكة البحرين.. وما نواجهه جميعاً في كارثة احداث الدوار.. ويؤكد عيسى قاسم قائلا: «ان منبر صلاة الجمعة ليس للفوضى وتأجيج الفتن واثارة النعرات وتفتيت المجتمع وافتعال الازمات واحداث المشاكل». الا ان ما نواجهه من فتن طائفية لم ينبت ببنت شفة في ادانتها ورفضها وكأنه يرحب بها!!

إن الواقع يشير وهو ما يؤسف اليه: ان مساجد الله ومنابرها شكلت احدى الركائز في تأجيج الفتن واثارة النعرات الطائفية في تفتيت المجتمع وافتعال الازمات وإحداث المشاكل.. وقد لاقت تأييد ومباركة بعض خطباء صلاة الجمعة وعلى رأسهم خطيب جامع الامام الصادق في الدراز الشيخ عيسى قاسم في تفعيل الفتنة الطائفية في المجتمع وفي خطب تحريضية طائفية ملتبسة حيال أجندة خارجية ترى صداها بثا حرفيا في فضائية (العالم) وفضائية (المنار). ولا يمكن الدفع الى الاصلاح عن طريق التشدد والتطرف واستعداء الخارج عبر تأجيج الفتنة الطائفية في المجتمع.. ولم يكن مشروع الاصلاح الوطني الذي ارتفعت راياته الاصلاحية في قلب الوطن منذ عشر سنوات إلا سمة من سمات واقع اصلاح وطني ديمقراطي سياسي واجتماعي واقتصادي وثقافي يأخذ طريقه في عمق الحياة الوطنية في مملكة البحرين. ولا مشاحة بأن الاصلاح في حقيقته العلمية والعقلانية عليه ان يأخذ طريقه اولاً في اصلاح المفاهيم الفقهية في المؤسسة الدينية تجاه «كلوتة» الدين في السياسة والعمل على تزييف الوعي الوطني والاجتماعي والسياسي والارتداد الى مفاهيم وشرعة القرون الوسطى في عدمية ظلامه وتخلفه وجموده وانحداره.

إن اصلاح المؤسسة الدينية وتحديد انشطتها الدينية في قنوات بيوتها العبادية والروحية واقصائها عن السياسة.. واقع اجراء موضوعي وعقلاني يؤدي الى اصلاح حقيقي في المجتمع برمته ويأخذ سلاسة طريقه دون عقبات في الحرية والديمقراطية والتعددية وحقوق الانسان وفي المساواة في الحقوق والواجبات بين ابناء المجتمع ذكوراً واناثا وبدون استثناء في الجنس أو العرق أو الدين أو المذهب والطائفة..

إن اصلاح المؤسسة الدينية يعني عدم استغلال المسجد ومنبر صلاة الجمعة لاغراض واطماع سياسية كما يريدها الشيخ عيسى قاسم قائلا: «إن منبر الجمعة في الاسلام راصد ومراقب اسبوعي لحركة المجتمع وما قد يعرض عليها من انحراف وقصور أو تقصير أو تذبذب أو تردد وتصحيح كل المسارات ورد الامور الى نصابها لا يستثنى من ذلك أمر اقتصاد أو اجتماع أو سياسة أو غير ذلك». وارى مخلصا ان مشروع الاصلاح الوطني لن يأخذ طريقه في التجديد والتطوير والارتقاء بالمجتمع الى مصاف الامم المتطورة الا بعد اصلاح المؤسسة الدينية وتطهيرها من مرتزقة السياسة في اقصاء الدين عن السياسة والدولة وتحديد الانشطة العبادية والروحية في دور العبادة واستقامة طهارتها الروحية بعيدا عن السياسة واعوجاج مداخلها ومغاليق دهاليزها.

المصدر: http://www.okhdood.com/index.php?act=artc&id=8571

 

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك