الاستغراب.. هل يصلح ماأفسده المستشرقون..؟!

هادي دانيال

ردة فعل على الاستشراق

علينا أوّلا الإنتباه إلى أنّ الإستشراق ظاهرة استعمارية الهدف منها معرفة   المجتمع المستهدف –بفتح الدال- بجوانبه كافة (السياسية والثقافية والعلمية والإقتصادية والدينية والطائفية والإثنية والتاريخية والجغرافية وعاداته وتقاليده إلخ..) معرفة دقيقة ما أمكن  لاستنباط أنجع الطرق والأساليب والخطط لاستعماره والسيطرة على مقدراته بالاحتلال المباشر أوغير المباشر.‏

وهذا يعني وجود مشروع استعماري يخدمه الإستشراق والمستشرقون الذين يتم تكوينهم وتأهيلهم   بمؤسسات تشارك في رسم خطط تنفيذ مهماتهم التي تُوكل إليهم أفرادا ومجموعات بما في ذلك تأمين أغطيتها المختلفة (إنسانية، تبشيرية،علمية و إعلامية..) وبشعارات معلنة تحمل مفردات حضارية أو «تحضيرية» ربما ولكن الشعار الحقيقي هو: استكشاف الهدف «المعاديّ. وبالتالي فإن الاستشراق نشاط استخباراتي بامتياز.‏

وهذا النشاط لم يتوقف للحظة من تاريخ منطقتنا العربية، ولكنه بدأ يأخذ أشكالا أشد خطورة بحيث أصبح «استشراقا معكوسا «على مستوى أدواته البشرية، أي صار الاعتماد أكبر على «مستشرقين» من أبناء المنطقة أنفسهم الذين يجري تكوينهم وتأهيلهم بإشراف مباشر أو غير مباشر من المؤسسات الغربية المعنية ليمارسوا النشاط الاستخباراتي الاستشراقي نفسه وبأغطية باتت أوسع، فإضافة إلى الأغطية التبشيرية والعلمية والإعلامية يتم استخدام النشاط الجمعياتي المدني والحقوقي والشبابي ومراكز البحوث والدراسات كأغطية لهذه النشاطات المشبوهة، التي باتت تبتكرُ أساليبَ وأقنعةَ تحركاتها، والتي لعبت وتلعب دوراً أساسياً في ما يُسمى «الربيع العربي» و«ثوراته» المزعومة.  ‏

وبالمقابل لا يمكن فهم «الاستغراب» إلا كردة فعل على هذا «الاستشراق» بشكليه القديم والحديث مثلما نفهم المقاومة كردة فعل على العدوان أو الاحتلال. ولكن هذا يقتضي مشروعاً عربياً مقاوماً متكاملاً له مؤسساته وخططه على هذا الصعيد، يبدأ بمقاومة الاستشراق وتداعياته السلبية والكارثية أحيانا. ولاينتهي بتحصين من نرسلهم من أبنائنا لإكمال دراساتهم العليا في الغرب     فضلاً عن أجيال جالياتنا العربية في البلدان الغربية، تحصيناً وطنياً من خلال توطيد ارتباطهم ببلدانهم وقضاياها،وحمايتهم من الإذعان تحت أي ضغط يمس متطلبات حياتهم اليومية حمايةً تجعلهم قادرين على مقاومة   دفع ثمن إقامتهم في الدول الغربية من رصيدهم الوطني و رفض توظيفهم ضد المصالح الوطنية العليا لشعوبهم وبلدانهم وفي خدمة أجهزة الدول الغربية ومصالحها الاستعمارية.‏

ولكن هذا يتطلب بالتأكيد عملاً مؤسساتياً جاداً ذا برنامج استراتيجي واضح، وتوفير البيئة التي يراها مثقفنا حاضنة خصبة لمستقبله المعرفي والإبداعي والإنساني، وبالتالي تجريده من ذرائع الخطيئة في حق الوطن. ونحن هنا لانعفي المثقف العضوي من دوره الريادي بتأصيل ذاته في الشأن العام وتأصيل الشأن العام وطنياً في الوقت نفسه تحت أي ضغط أو ظرف، بل أعني هنا أولئك الذين اصطُلِحَ على أن يُشمَلوا بنعت «المثقف» من ذوي الألقاب الأكاديمية الذين أصفهم عادة بتقنيي المعرفة، ومن بينهم يصطاد الغرب والمال السياسي الخليجي طرائده السهلة من عبيد العملة الصعبة ويستخدمهم بألقابهم لتسويق خططه وسياساته التآمرية.‏

بين الشــرق والغــرب‏

 

يبدو أن الدخول في بعض المصطلحات الفكرية هذه الأيام يقود إلى الفوضى والتشويش وعدم التمييز بين السالب والموجب، بين الشمال والجنوب، وأيضا ً بين الغرب والشرق، وعلى الأصح بين الاستشراق والاستغراب، موضوعنا لهذه الصفحة.‏

من منكم يتذكر (المحامي) في إحدى مسرحيات عادل إمام، الذي كانت عيناه محولتان كل ٌ في اتجاه، والذي دعاه الفنان الكبير (عكس عكاس)، ترى هل ينطبق هذا القول على العلاقة بين الشرق والغرب؟ بدقة أكبر:‏

على العلاقة بين الاستشراق والاستغراب - إذا صحت التسمية -؟‏

وكيف يمكن في البداية تفسير، أو تعريف كلا المصطلحين؟‏

يبدو أن الاستشراق كان البوابة الرحبة للغرب في الولوج إلى مجتمعات الشرق الغنية حضاريا ً وماليا ً منذ الحملات الإفرنجية الأولى المسماة (صليبية)، وبالتالي دخول ٌ عسكري ٌ واحتلال ٌ على خلفية معرفة الآخر، وبحجة (حماية قبر المسيح) وبأسلوب ٍ بدأ بقتل المسيحيين في الشرق قبل المسلمين. لكن انكشاف ذلك الأسلوب والهدف لم يمنع الغرب من المتابعة في أسلوبه القديم منذ 800 عام.‏

وهذا ماجعل الاستشراق مبررا ً للدخول، ليس إلى مجتمع الشرق من قبل الغرب، بل وإلى مخه وتفكيره و تلافيف دماغه بغية معرفته للسيطرة عليه،وهذا ما يحدث اليوم بعد مئات ٍ من السنين الاستشراقية.‏

ترى أما آن لنا أن نتخلص من المستشرقين واستشراقهم علينا ؟ مع تقديرنا لبعض ٍ منهم احترموا حضارتنا وتفكيرنا وخصوصيتنا في بحوثهم ودراساتهم.‏

أما آن لنا أن (نستغرب) وندخل تفكيرهم -على الأقل - لنتجنبهم؟‏

مع ذلك فإننا وعندما (نستغرب) فإن هذا الاستغراب يبدو كمن يتزوج امرأة ً من الغرب، فعندما يعود بها إلى الوطن يستشرق ويغير من شكلها فقط، أو (يستشرف) ويلبسها النقاب ويغير عاداتها وطبعها وحياتها..‏

ليتبين في النهاية بأن الاستشراق وجد لفهم الشرق ومعرفته للتمكن منه و القضاء عليه من خلال سلبياته، بينما الاستغراب هو تقليد أعمى لا للحضارة الغربية بل للتوافه والقشور العالقة بها،من دونها.‏

بعض من يتحدثون عن الاستغراب يقولون إنه: التغريب الذي يعني جعل الواقع العربي غربياً بكل أفكاره وقيمه وتقاليد عيشه وحتى لغته حيث أن هذا الاتجاه يكمل ويشابه العلمانية فهو عولمة للفكر  وللعادات والتقاليد العربية وصبغها بطابع غربي. ويرى البعض أن للغرب وجهين.‏

كنت أستغرب الأسئلة التي تأتيني من سياح حول الطوائف والعشائر، في المنطقة ولا أدري لماذا ترن في أذني تلك الأسئلة التي مضى عليها عشرات السنين. قد تبدو تلك الأسئلة بريئة ً لكن استفادة الغرب منها، وجعلها أدوات ٍ للسيطرة عليه تظهر عدم براءتها. ليصبح الاستشراق - لدى البعض - كلمة ً سيئة السمعة تؤثر على البحث العلمي الحقيقي،وحيث كان في بعض الأحيان ارتباط ٌ لبعض المستشرقين بدوائر استخباراتية.‏

ويرى الكاتب المصري (لينين الرملي): «إن أغلب المثقفين عندنا ينظرون للاستشراق بنظرية المؤامرة. فإنهم يرون فيه مجرد وسيلة تساعد الغرب على استعمار الشرق وتمهد للسيطرة عليه.‏

وهنا نجد أنفسنا أمام السؤال المنطقي. وهو لماذا لانستخدم نفس الوسيلة لنقاوم هذا الاستعمار وهذه السيطرة فنحاول معرفة أحوال الغرب في كل المجالات؟‏

أما الاستغراب فيقول إن الشرق يستمد جذوره مما يسمى بالحضارة العربية التي لا علاقة لها بأي حضارة سبقتها و إلا فقدت تميزها وتفردها عن العالم أجمع. والأصح أن نسمي هذا العلم.. بالاستعراب !.‏

سجيع قرقماز‏

د. زكـــــار: لـم نســـتطع التأثيــر في الغــرب حتــــى الآن.. !..بني المرجة: انطباعاتهــــــــــم عنـــــــــــا ســـــــــــــــطحية..‏

إن الاستغراب هو أن نعرف الأمم الغربية معرفة دقيقة, أي أن ندرس قضاياها السياسية والاقتصادية والثقافية والأخلاقية والاجتماعية. وهنا نسأل: ألا يجب أن يكون لدينا استغراب يضاهي استشراقهم فتكون معرفتنا بالغرب على مستوى دراسته الطويلة لنا ولأفكارنا ولمجتمعاتنا ولتاريخنا.‏

ألا يسمى مانراه هو (عجز) ؟ وبالتالي نحن بحاجة إلى نقلة نوعية في مؤسساتنا التعليمية تدفعها إلى معرفة الآخر !!!‏

الثورة التقت بعض الباحثين للتعرف على آرائهم فكانت اللقاءات التالية:‏

د.سهيل زكار:(لانؤثر في الغرب)‏

أشار إلى أن الغرب قد قاموا بالاستشراق لمصالحهم.‏

وقال: لقد كان الاستشراق يهتم بما يسمونه بالحركات المتطرفة، الآن تبدلت المصالح وقد التفتوا إلى التصوف على اعتبار أن دراساتهم ماتزال تخدم أغراضهم.‏

نحن لدينا بعض الدراسات الجامعية حول تاريخ البلدان الأوروبية ولكن لا نستطيع أن نسميه استغراباً لأننا لم نتعمق في ذلك، حتى أننا نعتمد على أبحاث المستشرقين لمعرفة تاريخنا.‏

لدينا بعض الكتب, ولكن ليست مستوفية لكل الشروط الأكاديمية وغير معمقة, ولذلك يجب توفير هذا الشيء وإخضاعه للمدققين, وأنا أطالب بإعطاء البحث العلمي حقه.‏

وأضاف زكار: لو طلبت مني وزارة الثقافة عملاً أكاديمياً فأنا بصراحة غير مستعد والسبب أن المشرفين ليسوا على سوية جيدة، الأجر الذي يدفع لنا هو أقل من التسعيرة الدنيا في السوق, أيضاً يجب أن لايخضع الكاتب لرقيب وأن يتحدث بحرية.‏

يمكن أن أقول أنني ساهمت في الاستغراب حين بحثت في تاريخ الحروب الصليبية ونشرت كل ما كتبه المؤرخين حول الحروب الصليبية...‏

وأود أن أشير بأننا في أحوال غير صحية وحتى الآن لاتوجد محاولة جادة لمعالجة هذه المشكلة, أيضاً نحن لاننفق على الكتاب والفكر ولذلك لانؤثر في الغرب لأننا لسنا قادرين على تدارك أمورنا.‏

إذن: إذا لم تحوّل الجامعات لمراكز بحث وانفق عليها بسخاء وكرم واستحقاق ووجد الباحث كرامته موجودة لايمكن أن يكون هناك استغراب...‏

نزار بني المرجة:(الحضارات الشرقيةذات أبعاد إنسانية)‏

قال: كما هو معروف أن الاستشراق كان في جزء كبير منه يعبر عن حالة استطلاعية للشرق تمهيداً لاستعماره والسيطرة عليه، فكان يقوم على إجراء دراسات جغرافية واجتماعية الهدف منها تسهيل وسائل التمهيد للسيطرة على بلدان الشرق عموماً, في الوقت الذي نلاحظ فيه أن الحضارات الشرقية عموماً ذات أبعاد إنسانية سامية بعيدة في معظمها عن الروح العدوانية وحب الهيمنة على الآخرين.‏

وهذا الأمر لايلغي وجود مستشرقين قاموا بإنجازات علمية بحتة من شأنها إيجاد أرضية مشتركة للتعاون والتقارب بين الشعوب, ومن هنا نلاحظ الدارسين الشرقيين في الغرب كانت كتاباتهم وأبحاثهم آقرب ما تكون إلى انطباعات السائحين بمعنى تدور حول الوصف والإعجاب بما يشاهدونه وليس بغرض التغلغل في تفاصيل وجزيئات المجتمعات الغربية نظراً لعدم وجود رغبة في السيطرة في أوساط تلك المجتمعات, وبالتالي كانت الكثير من الدراسات أقرب ما تكون إلى أدب الرحلات وبالمحصلة لم يكن هناك استغراب يعادل موضوعياً مفهوم الاستشراق الذي عرفناه من خلال تجارب كثيرة ومعظم من برز فيها كانت له أدوار في حملات السيطرة على أجزاء من الشرق.‏

عمار النعمة‏

الرحالة الكاتب عدنان عزام : التحـول من حالة الدفـاع إلــى حالــة الهجـوم‏

المصدر: http://thawra.alwehda.gov.sy/_archive.asp?FileName=85694260020120624194312

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك