رهبنة وإرهاب
نحت للفرسان من قِبَل البابا، والتي كان منها استقلالهم عن جميع الدول باستثناء الكرسي الرسولي، وكذا السماح لهم بتكوين قوة عسكرية وشنِّ الحروب، كل ذلك جعل من فرسان مالطة كياناً مستقلاً، وفي 1310م استولوا على جزيرة «رودس» وكان رئيسهم إذ ذاك «فرا فولك دي فيلاريه»، فأصبح فرسان مالطة يُعرَفون كذلك باسم: «فرسان رودس» نسبة إلى الجزيرة، ثم قُسم أعضاء التنظيم الذين توافدوا من أقطار أوروبا إلى سبع مجموعات (ثم ثمانٍ) حسب اللسان الذي يتحدثه العضو وكل مجموعة كان لها «أديرة» و«أديرة عظمى» و«إمارات»، ثم أصبح لهم أسطول كبير في البحر المتوسط شارك في كثير من المعارك ضد المسلمين.
وفي عام 1522م هزمهم السلطان سليمان القانوني وفقدوا سيادتهم، فتنازل لهم الإمبراطور «تشارلز الرابع» عن بعض الأقاليم، وفي عام 1530م استولى سيدهم الأعظم «فرا فيليب دي فيلييه» على مالطة التي أصبحت وطناً لهم، وعرفوا منذ ذلك الحين باسم: «فرسان مالطة».
وفي عام 1607م ثم 1620م اجتمع لزعيم التنظيم لقبا «السيد الأعظم» و«أمير الإمبراطورية الرومية المقدسة»، وبقي بهم الحال كذلك حتى نفاهم «نابليون بونابرت» عام 1798م وهو في طريقه إلى مصر، فآواهم القيصر الروسي «بولس الأول» وجعل نفسه «السيد الأعظم» لهم، وبقوا في ضيافة بلاطه منذ 1798م، وفي عام 1801م تحالف «فرسان مالطة» مع التنظيم اليسوعي ولا يزالون كذلك إلى يومنا هذا.
تنظيم فرسان الهيكل «الداوية»:
بعد أن استولى الصليبيون على بيت المقدس عام 1099م بدأ «حجاج» النصارى على حد دعواهم يتوافدون على «بيت المقدس» لكن السبل إليه لم تكن تخلو من مخاطر؛ فكان لا بد من تأمين طريق الحجاج إلى بيت المقدس، عندها اجتمع عام 1119م اثنان من المحاربين الصليبيين: أحدهما: الفارس الفرنسي «هيوز دي بايان»، والآخر: قريبه «جودفري دي سان أومير» واقترحا إيجاد «تنظيم» لحماية الحجيج، وافق الملك «بولدوين الثاني» على الاقتراح واقتطع لهم من أرض «المسجد الأقصى» لبناء قاعدة لهم، ولتسميتهم المسجد الأقصى «هيكلاً» عُرِفوا باسم: «فرسان المسيحِ وهيكلِ سليمانَ الفقراء» أو «فرسان الهيكل»[2] اختصاراً، كما يُعرفون في المصادر العربية باسم «الداوية» ويُذكَرون غالباً إذا ذكر «الإسبتارية» (فرسان مالطة).
لكن فقر فرسان الهيكل لم يَطُل؛ فقد أسهم القديس «برنارد دي كليرفو» (الذي كان ذا مكانة في الكنيسة) في حصولهم على اعتراف رسمي من قِبَل الكنيسة في مجمع «تروي» عام 1129م، وبهذا حصل لتنظيم فرسان الهيكل من الامتيازات ما يشبه تلك الامتيازات التي حظي بها فرسان مالطة، خصوصاً أن هذا التنظيم كان تنظيماً عسكرياً منذ نشأته؛ فكان بمثابة الخط الأول للدفاع عن البقاع المقدسة بعد أن استولى عليها النصارى. لكن فرسان الهيكل امتازوا كذلك بالاشتغال بما يشبه الصرافة وأصبحوا يمتلكون ثروة كبيرة بالإضافة إلى التبرعات التي كانت تعطى لهم؛ حتى إنهم أسسوا شبكة من الصيارفة وأرباب المال في أوروبا كلها.
ولكن بعد أن هيأ الله لأهل الإسلام من يذب عن حياضه وأذل النصارى على يد صلاح الدين الأيوبي - رحمه الله - في معركة حطين عام 1187م خسر الفرسان قاعدتهم في بيت المقدس فترددوا بين «عكا» ثم «طرطوس» بالشام ثم «ليماسول» بقبرص؛ حيث انتقلت قاعدتهم.
لكن نفوذ فرسان الهيكل كان أقوى من أن يبدِّده انتقال القاعدة من مكان لآخر؛ فقد شكلت الحروب الصليبية بالنسبة لهم مصدر ابتزاز من عامة الشعب المتعاطف مع فرسانه، تقول «نستا وبستر» نقلاً عن الكاتب الماسوني «بارون تشودي» Baron Tschoudy: (إن الحرب التي كانت بالنسبة لأكثرية المحاربين مصدر إعياء وخسائر ومصائب، أصبحت بالنسبة لهم (فرسان الهيكل) مجرد فرصة للغنائم والتعالي، ولئن كانوا ميزوا أنفسهم بأعمال باهرة قليلة، فإن الدافع لهم لم يعد أمراً مشتبهاً فيه بعد أن رُؤوا يغتنون بغنائم حلفائهم، ويزيدون رصـيدهم بقـدر ما أمكنهم، ويتعالون لدرجة تضاهي الملوك ذوي التيجان في الأبهة والعظمة...وأخيراً يتحالفون مع ذلك الزعيم الفظيع المتعطش للدماء المدعو شيخ الجبل، زعيم الحشاشين[3].
عُرف هؤلاء الفرسان بعبادة إله يدعى «بافوميت» وهو روح إله الشمس «أوزيريس» وهو «كبش منديس» المعروف في الكتابات الباطنية؛ فهو بهذا إله شمس مطابق لـ «بعل» أو «لوسيفر» إله الباطنيين.
أخيراً: في عام 1307م أمر ملك فرنسا «فيليب الرابع» باعتقال آخر قادتهم «جاك دي موليه» ومن معه من الفرسان المقيمين في فرنسا، وتبعه البابا «كلمنت الخامس» فأصدر مرسوماً في العام نفسه يدعو ملوك أوروبا إلى اعتقالهم ومصادرة ممتلكاتهم. وفي عام 1312م في «مجمع فيان» Council of Vienne صدر مرسومان بابويان:
أحدهما: Vox in excelso «صوت من العلي» جاء فيه «بقلوبٍ تملؤها المرارة والأسى نلغي تنظيم الهيكل... ونحرِّم إعادته».
والآخر، هو: Ad providam الذي قضى بمنح ممتلكات «فرسان الهيكل» لـ «فرسان مالطة»[4].
هنا انتشر الفرسان في أوروبا وبدؤوا يعملون في الخفاء إلى أن أعيد تنظيمهم ثانية من قِبَل أسرة «ستيوارت» الكاثوليكية في نهاية القرن السابع عشر وبداية القرن الثامن عشر تحت اسم: «الماسونية»، ولهذا مزيد بيان إن شاء الله.
ــــــــــــــــــــــــ
[1] فرا Fra: لقب كنسي مختصر عن الكلمة الإيطالية frate، وتعني: «أخ».
[2] وأما تسميتهم بـ «فرسان المعبد» فهو من الخطأ في ترجمة الكلمة الإنجليزية (والفرنسية) Temple.
[3] Webster، Nesta.Secret Societies and Subversive Movements
(BiblioBazaar، LLC، 2008)، pp. 73 - 74.
لقراءة نصي المرسومين انظر:[4]
http://www.piar.hu/councils/ecum15. htm#BULL2