حوار من أجل الوطن

يوسف الكويليت

الخلاف سلوك إنساني طبيعي ينشأ في الأسرة والعائلة الأكبر، والمجتمع، وكل البنيات البشرية تعاني منه، لكنه في الأمور الأكبر عندما يصل إلى القطيعة بين المجتمع الواحد، تحت شعار مذهبي أو قبلي وعشائري، أو مناطقي يهدف لإلغاء مبدأ الوطن لصالح الفريق الأصغر يأتي الرفض وقد شهد تاريخنا العربي والإسلامي حوادث مزقت النسيج الاجتماعي والديني في وقت نجد مجتمعات كبرى كالهند والبرازيل وماليزيا وغيرها وضعت أسس وتشريعات تحمي شعوبها من خطر الانقسامات القومية أو الدينية، ونحن في المملكة ليس لدينا هذا العمق بالخلافات أو التقاطعات التي تخلق الفرقة بين المواطنين، حتى إن مؤسس الدولة الحديثة الملك عبدالعزيز - رحمه الله - كان أكبر موحد تبنى مبدأ الشعب الواحد لكل المواطنين، ومع أن وجود الخلاف حق طبيعي، فإن وجود شيعة وسنّة وقبائل وحضر وبادية جزء من تكويننا الأساسي، لكننا لم نشهد فئة تستعين بعدو خارجي أو تذهب إلى حصر هويتها بلون وطائفة من أجل مكاسب تخرج عن المساواة بالحقوق والواجبات، ولذلك حين يرفع شعار «كلنا للوطن» وتحت هذا المفهوم تنعقد سلسلة حوارات في القطيف بين عناصر تمثل مختلف الاتجاهات، فالموضوع يهدف للاقرار بالحقائق بما فيها الخلافات الطائفية لطرحها بشكل موضوعي وعلمي دون حساسيات، ولكن من خلال مكاشفات واضحة ترتفع عن الشحن والتشنج إلى الآفاق الأكثر رحابة، ولعل الملك عبدالله هو راعي هذا التأكيد بأن الأرض أرضنا، والبلد بلدنا إلى حد تجريم من يثير الفتنة على أسس مذهبية وطائفية أو قبلية وغيرها، وطالما الموضوع مفتوح للمصارحة والمكاشفة، فإن حصر الحوار في الداخل وضمن دوائر وطنية وأشخاص لا يرقى الشك بوطنيتهم، فإن الطريق ألا نكون «فعل ماض» نحمّل واقعنا الجديد وزر الخلافات التاريخية، بل التعالي على المفاهيم المتجزئة والتي ترى أن الزمان والمكان والوعي اختلفت جذرياً عن تلك المراحل، ودون إنكار للثوابت الجامعة لكل المواطنين..

الصراع الطائفي مزق أوروبا، وجزّأ امبراطوريات ودولا، وفي التاريخ الحديث شهدنا كيف ذُبح لبنان والعراق، والصومال، والطريق محفوف بالمخاطر في بلدان عربية وإسلامية أخرى لا تزال على خط نار الاحتراب الطائفي الذي ولد العداوات لمجتمعات لم تكن على خارطة الأزمات في أزمنة الاستعمار وغيرها، لدرجة أن من قاوموا الاحتلال الأجنبي في كل الدول العربية لم نجد قبطياً، أو مارونياً، أو درزياً، أو طائفة إسلامية تخون وطنها، بل أفرزت تلك المراحل وجوهاً وطنية كانت نماذج في نضالها دون انفراد بهوية غير هوية الوطن الواحد..

لقد شهد الوطن العربي العربي طفرات قومية بغلاف اشتراكي، وحزبية لبست ثياب الوحدة وأخرى دعت للاتحاد وذهبت خلف الشرق والغرب، ولما لم تكن البيئة هاضمة لتلك التيارات والأفكار نتيجة فشلها، صعدت القوى الإسلامية والتي رفع بعضها شعار التكفير، والأخرى ذهبت إلى تأسيس خلافة جديدة تحت شعار إسلامي محدد بطائفة واحدة، وغيرها تبنى الإرهاب، فكان لابد أن ينشأ في ظل هذه التيارات انقسامات تريد ألا تكون خارج هذا المسار أو تصنف بأنها الفئة المعزولة والمهمشة فطفت مشكلة تحديد الهوية الوطنية، ومع أننا لم نشهد هذا الواقع بضغوطه، فإن مبدأ الحوار كان البديل الحقيقي لطرح جميع الآراء المختلف عليها بما فيها الحقوق الوطنية التي تشمل الجميع، وقطعاً حتى لو اتسعت المسافة بعض الشيء فطبيعة النجاح لأي خلاف أن يأخذ وقته لتلاقي الأهداف في المصالحة حتى نصل إلى نقاط التلاقي، ولعل ما نريد الوصول إليه أننا في حزام الأزمات العربية والاقليمية، لكن طالما توجد النوايا والفهم المشترك فكل العقبات يمكن تذليلها في إطار الوطن الواحد..

المصدر: http://www.amnfkri.com/news.php?action=show&id=23916

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك