حوارات أخلاقية ـ الصبر بين والد وولده

حوارات أخلاقية ـ الصبر بين والد وولده
السيد حسين المرسومي
الصبر هو ثبات النفس وعدم إضطرابها في الشدائد والإبتلاءات.. والصبر هو فضيلة كانت للكثيرين سبباً في رضا الله وقبول الأعمال.. وكما قال رسول الله (ص) : (الصبر من الإيمـان بمنزلة الرأس من الجسد ولا جسد لمن لا رأس له ولا إيمان لمن لا صبر له...) وللوقوف على هذا العنوان تعالوا معاً لنقف على حقيقة هذا المصطلح من خلال إطلالة على حوار بين والدٍ وولده.

علي: السلام عليكم يا أبتي ورحمة الله وبركاته.
الوالد: وعليكم السلام يا قرة عيني ورحمة الله وبركاته.
علي : يا ابي من باب من شكى حاجته إلى مؤمن فكأنما قد شكاها إلى الله اشكوا إليك ما ابتليت به من الهموم وما أعانيه من الغموم مما يجري على المؤمنين من أنواع الإبتلاءات والمحن والكروب والأحزان فقد اجتمعت علينا مصائب لو صُبَّت على الجبال لاندكت فإلى الله جل جلاله المشتكى وعليه المعول في الشدة والرخاء اتعلم يا أبي ان كثيراً ممن اعرفهم قد أثرت فيهم هذه المصائب لدرجة اصبحوا معها مخلين ببعض وظائفهم الشرعية فعباداتهم الآن ليست كالسابق وأخلاقهم الآن ليست كما كانت وما ذلك إلا رد فعل بازاء هذه المحن بل بلغني عن بعضهم انهم وصلوا لمرحلة اليأس والقنوط.نستجير بالله.
الجزع
الوالد : هذا ما يسمى (الجزع) يا بني.
علي : وماذا تعني بالجزع؟
الوالد: الجزع هو اطلاق دواعي الهوى ـ عند الابتلاء ـ من رفع الصوت او ضرب الخدود او شق الجيوب او ضيق الصدر او التبرم او التضجر.
علي : وهل هو من الرذائل يا أبي؟
الوالد: وكيف لا يكون كذلك وهو في المصائب من المهلكات لأنه في الحقيقة إنكاراً لقضاء الله وكراهية لحكمه وسخط على فعله جلّ جلاله. ولذا قال رسول الله (ص) (الجزع عند البلاء تمام المحنة) وقال (ص) أن عظم الجزاء مع عظم البلاء فله السخط) وقد ورد في الحديث القدسي (من لم يرض بقضائي ولم يشكر على نعمائي فليطلب ربّاً سواي) وروي عن الإمام الصادق (ع) (الصبر يظهر ما في بواطن العباد من النور والصفاء والجزع يظهر ما في بواطنهم من الظلمة والوحشة... الجزع اضطراب القلب وتحزن الشخص وتغيّر اللون والحال وكل نازلة حلت اوائلها من الإخبات والإنابة والتضرّع إلى الله فصاحبها جزوع غير صابر).
علي : لا حول ولا قوة الا بالله ولكن ما الحلّ يا أبي وقد طفح الكيل.
الوالد: الصبر الصبر يا بني.
علي : اولسنا صابرين يا أبي.
الوالد : كلا يا بني بل الحالة التي عليها كثير من الناس هي انهم مغلوبون على أمرهم فهي اقرب إلى اللاحيلة فلذا ترى القلوب مضطربة والألوان متغيّرة والنفوس حائرة.
الصبر
علي : إذن ماذا تقصد بالصبر يا أبي؟
الوالد: ضد الجزع هو الصبر وهو ثبات النفس وعدم اضطرابها في الشدائد والمصائب وذلك بأن تقاوم معها بحيث لا تخرجها عن سعة الصدر وكانت عليه قبل ذلك الابتلاء من من السرور والطمأنينة فيحبس لسانه عن الشكوى واعضاءه عن الحركات غير المتعارفة فهذا هو الصبر على المكروه.
أقسام الصبر
علي : وهل هناك اقسام اخرى للصبر غير الصبر على المكروه؟
الوالد: للصبر أقسام أخر ولها اسماء خاصة كالصبر في الحروب وهو من أنواع الشجاعة وضده (الجبن) ، والصبر في كظم الغيظ وهو (الحلم) وضده (الغضب)، والصبر على المشاق كالعبادات وضده (الفسق) أي الخروج عن العبادات الشرعية، والصبر على شهوة البطن والفرج من قبائح اللذات وهو (العفة) وضده (الشره)، والصبر عن فضول العيش وهو (الزهد) وضده (الحرص)، والصبر في كتمان السر وضده (الإذاعة).
علي: أرى الصبر يا أبي فضيلة عظيمة ولها اقسام متعددة فهل لك ان تتفضّل عليّ بان توجزه في كلمة جامعة؟

حقيقة الصبر.
الوالد : الصبر هو (ثبات باعث الدين في مقابلة باعث الهوى).
علي : زدني يا أبي.
الوالد: المراد بباعث الدين هو قوة العقل الهادية للإنسان إلى طريق الخير والصلاح والمراد بباعث الهوى هو قوة الشهوة الخارجة عن طاعة قوة العقل فالقتال سجال دائماً بين الباعثين وقلب الإنسان هو ساحة المعركة وَمَدَدُ باعث الدين هو الملائكة الناصرين لحزب الله جل جلاله، ومدد باعث الهوى هو الشياطين الناصرين لاعداء الله، فان ثبت باعث الدين بمعونة الملائكة حتى قهر باعث الهوى واستمر على مخالفته غلب حزب الله والتحق بالصابرين، وان غلب باعث الهوى بمعودة الشياطين ولم يصبر باعث الدين على دفعه التحق باتباع الشياطين.
علي : وكيف يثبت باعث الدين امام باعث الهوى؟
الوالد : عمدة ما يثبت به باعث الدين هو قوة المعرفة اي اليقين بكون الهوى عدواً قاطعاً لطريق الوصول إلى الله ومضاداً لأسباب السعادات في الدنيا والآخرة.
علي : وهل يمكن ان ينتصر باعث الدين بصورة تامة على باعث الهوى؟
حالات الصبر
الوالد : باعث الدين إمّا ان يقهر داعي الهوى بالكلية بحيث لا تبقى له قوة المنازعة فيدوم الصبر وتستقر النفس في مقام الاطمئنان وتنادى بـ (يا أيّتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية) فتدخل في زمرة الصدّيقين السابقين وتسلك في سلك عباده الصالحين. او يغلب داعي الهوى وينقهر باعث الدين بحيث لا تبقى له قوة المنازعة وييأس عن المجاهدة والمقاومة فتسلّم نفسه التي هي سرّ الله جل جلاله ووديعته إلى حزب الشيطان ومثله مثل من أخذ اعزّ أولاده وسلّمه إلى الكفار من اعدائه فيقتلونه ويحرّقونه بين يديه.
علي: اذن قلب الإنسان يا ابي اما ان يغلب فيه باعث الدين فيكون رحمانياً او يغلب باعث الهوى فيكون شيطانياً فهو دوماً بين هاتين الحالتين.
الوالد : بل بين الحالات الثلاث يا بني الأولى ان يغلب باعث الدين على باعث الهوى في جميع الأوقات والثانية ان يغلب باعث الهوى على باعث الدين في جميع الأوقات والثالثة ان يغلب باعث الدين على بعض باعث الهوى او يغلب باعث الهوى على بعض باعث الدين. وقد اشير إلى الحالة الأولى في الكتاب العزيز بقوله جل جلاله: (ياايتها النفس المطمئنة ارجعي الى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي) وقد اشير إلى الحالة الثانية بقوله جل جلاله: (ولكن حقّ القول منّي لأملأن جهنّم من الجنّة والناس اجمعين) وإلى الثالثة بقوله جل جلاله: (خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً عسى الله ان يتوب عليهم).
علي : وهل ينحصر الصبر في هذه الحالات الثلاث؟
الوالد: إضافة إلى ما ذكرناه قسّم الصبر باعتبار حكمه إلى خمسة اقسام: فمنه الصبر عن الشهوات المحرمة وعلى مشاق العبادات الواجبة، ومنه أيضاً الصبر على بعض المكاره واداء المندوبات، وعلى الأذية التي يحرم تحملها حرام ومثالها الصبر عن قصد حرمة بشهوة محضورة وقد يكره او تترتب عليه منقصة ما وقد يباح في الأمور اليسيرة وبذلك ظهر انه ليس كل صبر محموداً فبعضه ممدوح وبعضه مذموم والكلمة الفصل فيه للشرع فما حسنه حسن وما قبحه قبيح.
علي: أراك يا ابي قد ذكرت لي مراحل الصبر واقسامه، ولكن لم تذكرلي ما ورد في مدحه.
فضيلة الصبر
الوالد : نعم يا قرة عين فقد جاء في الكتاب العزيز آيات كثيرة مدحت الصبر مثل قوله تعالى: (ولنجزين اللذين صبروا اجرهم باحسن ما كانوا يعملون) وقوله تعالى: (اولئك يؤتون اجرهم مرتين بما صبروا) وقوله جل جلاله: (انما يوفّى الصابرون اجرهم بغير حساب) وقوله جل جلاله: (واصبروا ان الله مع الصابرين) واما في الأحاديث فهناك روايات كثيرة مدحته قال رسول الله (ص): (الصبر نصف الإيمان) وقال (ص) (الصبر كنز من كنوز الجنة) وقال (ص) (الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد ولا جسد لمن لا رأس له ولا إيمان لمن لا صبر له) وروي عن أمير المؤمنين (ع): (الصبر وحُسْن الخلق والبرّ والحلم من اخلاق الأنبياء) وروي عن الإمام الصادق (ع) (من ابتلي من المؤمنين ببلاء فصبر عليه كان له مثل اجر الف شهيد) وهناك احاديث كثيرة وردت في مدح الصبر.
علي : وهل ثمة مزيد في مبحث الصبر؟
الوالد : ما يزال امامنا كثير من النقاط التي تحتاج إلى توضيح ولكن الأفضل ان نؤجل الكلام فيها إلى وقت آخر.
علي: لك ما تشاء يا ابي وانا استودعك الله والسلام عليكم.
الوالد : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المصدر: http://www.alnajafalashraf.org/magtwentyeight/n28hwarat28.htm

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك