لماذا التطرف؟
د.كريم شغيدل
لماذا التطرف؟ ما أسبابه؟ ما مدى مشروعيته؟ لماذا توفرت له الحواضن الجاهزة في كل عصر؟ ماذا أنتج؟ إلى أين يتجه؟ من يقف وراءه؟ أسئلة كثيرة تثيرها المعطيات الحالية لهيمنة التطرف على مجريات حياتنا، في العالمين الإسلامي والعربي، وقد يشمل ذلك مختلف أنحاء العالم، سواء أكان مصدره حركات الإسلام السياسي، والجماعات التكفيرية التي قامت بأعمال عنف استهدفت أميركا ودول أوروبا وأفريقيا وعموم آسيا، أم كان مصدره حركات دينية أخرى، فهناك تطرف مسيحي وآخر يهودي وتطرف إلحادي وبوذي وهندوسي، وهذا يعني أن لكل عقيدة سماوية كانت أم وضعية مساحة معتمة لانبثاق التطرف، فما الدافع الحقيقي وراء ذلك؟البعض يدعي بأن انعدام العدالة الاجتماعية يدفع الجماعات المهمشة والمستبعدة لاختيار التطرف سبيلاً لنيل حقوقها، وإذا ما توغلنا قليلاً في التاريخ الإسلامي فسنجد أن التطرف نشأ مع أكثر حقب الإسلام عدلاً، إذ انطلقت شرارته في أيام خلافة الإمام علي(عليه السلام) على أيدي الخوارج، وشهدت حقبة الاستعمار حركات نهضوية وثورية وإصلاحية مصدرها المؤسسة الدينية التي انتهجت آنذاك منهجاً وسطياً، بينما الحقبة العثمانية برغم ما أشاعته من تطرف سلطوي وطائفية معلنة، واضطهادها للديانات الأخرى، لم تنعكس طائفيتها وعنصريتها وتطرفها على حركة المجتمع، إلا في حدود لم تكن مؤثرة، ولم يتخذ التطرف شكلاً رسمياً إلا بعد انبثاق الحركة الوهابية وتعاضدها السياسي مع آل سعود، في حين بقيت مؤسسة الأزهر متوازنة. كذلك الأمر بالنسبة للحوزات العلمية والمؤسسات المذهبية، ربما شهدت بعض الحقب سجالات أو مطارحات فكرية خلافية بين المذاهب، لكن فتاوى التكفير الصريح لم تصدر من أية مؤسسة أو مرجعية سوى المؤسسة الوهابية، التي بنت أطروحتها الأساسية على فتاوى ابن تيمية.ثمة سؤال ربما يكون أكثر فائدة: لصالح من كل هذا التطرف؟ وما مدى مشروعيته؟ ألم نكن أمة وسطاً؟ أين ذهبت مفاهيم الإسلام الحنيف، من مثل: لا إكراه في الدين، وجادلهم بالتي هي أحسن، والناس صنفان أما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق، وخلقناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا، وأحسنكم عند الله أتقاكم؟ أين اختفت مفاهيم التسامح والعفو والإنسانية. لتحل بدلاً عنها مفاهيم التكفير والقتل والتمثيل بالجثث لإرهاب الآخر وترويعه؟ وعوداً على بدء، لصالح من؟ ما الذي قدمه التطرف للإسلام والمسلمين. أو على مستوى الإنسانية؟ ما المنجز الحضاري للتطرف والمتطرفين؟ ما الذي أنتجه التطرف سوى الدمار والخراب؟ تذكروا معي تجربة حضارية واحدة عبر التاريخ البشري بنيت بالتطرف. أشيروا عليَّ بفكر متطرف أسس لقيم أخلاقية وحضارية وثقافية نفعت البشرية. الوقائع اليومية لما يجري في عالمنا اليوم تشير إلى أن بعض الجماعات الضالة لا تعرف من الإسلام سوى لحية طويلة وثوب قصير وسيف مسلط على رقاب الأبرياء، تحركهم فتاوى لها قدسية قطعية بمستوى التنزيل الإلهي، لا صلة لها لا بكتاب الله ولا بسنة نبيه ولا حتى بسير الصحابة أو السلف الصالح كما يدعون، فهل كل هذا يجري بسبب انعدام العدالة؟ أم هناك أسباب سياسية مترجمة عن منطلقات طائفية مقيتة ضيقة الأفق أم هناك أسباب ودوافع نجهلها ومخططات ظلامية خفية، انطلاقاً من نظرية المؤامرة؟ فليس أسهل من أن نتهم الإمبريالية والصهيونية كالعادة، لنبرئ ساحة مشايخ الفتنة والتطرف ونمنحهم الضوء الأخضر بالمزيد من التطرف وفتاوى التكفير والقتل.
المصدر: http://almustashar-iq.net/index.php/%D8%A2%D8%B1%D8%A7%D8%A1-%D9%88%D9%8...