الاختلاف الفكري وتقبل الاخر
أ.محمد عبد الحميد الاسطل
بسم الله الرحمن الرحيم
لقد وُجد الانسان على الارض مصبوغا بصبغة التباين والاختلاف ؛ حيث برزت سمات التباين فى اللون والجسم والعقل واللسان والعمل ووجهات النظر ، كما انه ايضا –الانسان – تباين واختلف في ردة فعله لهذا التباين ، فاخذه البعض على انه شكل من اشكال الرفض ، وبالتالي رفض الاخر ، بل وربما عاداه ، فيما استطاع البعض الاخر من الناس تفهم هذه الطبيعة البشرية ؛ فتعامل معها بشكل راق ومسئول ، اذ ادرك ان المنظومة البشرية تقوم على هذه التباينات ، بل وقد علل البعض كل الرقي البشري الذي جرى خلال الاف السنين بانه عائد لهذا التباين .
فهل كان هذا التباين دوما يوضع في مساره الصحيح ؟ وهل اثّر ذلك التباين والاختلاف على العلاقات بين الافراد والجماعات على حد سواء ؟ وهل سعى الانسان والاديان لنبذ هذا التنافر الناشئ عن ذلك التباين والاختلاف ؟ وهل وضعت الحلول الملائمة التي من شانها ان تساعد على التغلب على الفكرة القاتمة التي يغذيها عدم فهم وادراك معنى الاختلاف ؟
اسئلة كثيرة يمكن طرحها ، كما ان هناك اخرى نجدها تقفز بين الفينة والاخرى بالحاح شديد ، نظرا لانها تكون مرتبطة ببيئات ومجتمعات وتكوينات حكمتها دائما فكرة رفض الاخر ، هذه الاسئلة الكثيرة تتصدرها على الاطلاق اجابة واحدة كانت ولا تزال مسيطرة على العقل البشري وحتى السلوك الخاص به ، وهي انه كان ولا يزال الاختلاف باشكاله المختلفة يشكل حاجزا او جدارا سميكا حال وبشكل كبير دون تقبل الاخر وتفهمه .
والتباين الفكري وهو محور الموضوع ؛ لم يتكون فجاة ، ولكنه نتج عبر سنوات من التعبئة الخاطئة والمفاهيم المغلوطة ، وحتى الغبية ؛ التي لم تفرق بين فكر الانسان ومكونات العقل البشري الذي يقوم دوما على اساس البحث عن النقيض ، بحيث كان ولا يزال الاختلاف منطقا اساسيا لدى البشر ، وعلى الجميع ان يدرك هذه الخاصية لدينا ، فالفكر المتباين هو نتاج طبيعي للتكوين البشري ، يجب علينا ان نؤمن به ، اكد ذلك ديننا في قوله تعالى ( افتكره الناس على ان يكونوا مسلمين ) وقوله : ( لا اكراه فى الدين ) ، والاختلاف داخل البيت الواحد او الدين الواحد او الفكر الواحد هو ايضا يعتبر من محطات الرقي العقلي لهذا الفكر ، وعليه ، فتقبل الاخر بهذا المفهوم الراقي يدفعك لاحترام ذاتك وفكرك ، ونبذهم وكراهيتهم وقذفهم ينعكس عليك نبذا وكراهية وقذفا ،( ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم ) .
وعليه يمكن ارجاع سبب التنافر الحدّي بين الجماعات والافراد الى تدني الفهم بكينونة الاختلاف ، وانه اساس بنيت عليه العقلية البشرية ، كما انه سنة كونية يجب تقبلها ، وان هذا الجدار السميك الذي وضعناه بيننا وبين انفسنا ؛ هو جدار يكسوه الجهل والتخلف ، بحيث وقف عثرة في وجه المعرفة ، فمعظم الناس يضع حاجزا ضخما بينه وبين المختلف معه فكريا ، فلا يقرا له او يطلع على ثقافته وافكاره ، لانه صدّر الرفض قبل النظر والمعرفة ، وهذا بالتاكيد اساس الجهل ، اذ ان الحكمة متناثرة بين يدي البشر والمؤمن احق الناس بها ، كما ان المعرفة البشرية في حالة مستمرة من التلاقح والمشاركة والتفاعل والامتداد ، وهذا ما يجعلها دوما في طور الرقي ؛ بحيث تشكلت معها الثقافة البشرية المتراكمة عبر القرون الماضية .
لذا فان وضع الحواجز في وجه اقتباس المعرفة والاستنارة ؛ يدفع باتجاه التقوقع على الذات ، وعدم الاطلاع على ما حققته المجتمعات الاخرى من انجازات ، سواء اكانت علمية او اجتماعية وثقافية ؛ فهذا هو اساس التطور الفكري للنهوض من الغفلة ، وبدونه يحكم على المجتمع بالدوران فى الحلقة المفرغة التي يظل يدور فيها وهو يظن انه قطع مسافات من المعرفة ؛ غير مدرك على الاطلاق انه يدور فى حلقة مفرغة ، وان اتسعت تظل مفرغة ، وان تراجعت انكب المجتمع على نفسه ، آكلا ظهره ، و محطما ذاته ؛ لذا فاننا نشيد كما اشاد السابقون بكل عقلية متفتحة على الاخر تنهل من ابداعاته وابتكاراته ، بحيث لا تضع سدا امام الانطلاق بعيدا نحو المعرفة النافعة ، والتي هى حق للجميع ، بحيث تساهم في رقي المجتمع وتطوره ، فالجهل كل الجهل يقبع على راس المجتمع اذا انغلق على نفسه ، ولم يفتح الافاق لابنائه ليتزودوا من ثقافات الاخرين ومعرفتهم .