صراع السنة مع السنة

د.مطلق سعود المطيري

في أكثر من مكان في عالمنا العربي المنكوب في ماضيه وحاضره ومستقبله، نشهد اشكالا من اشكال الصراع الذي حددت دوائر انتماءاته الضيقة مسبباته واهدافه، فبعد أن ماتت القومية العربية نهائيا التي كانت تحرك الدبابات والطائرات لتقضي على اعدائها، وتعتقل المنشقين عنها وترميهم للوحوش الكاسرة لتلتهمهم احياء، وانتجت زعماء شاذين فكريا وسلوكيا، غدت مادة ساخرة للتاريخ في خطاباتها وشعاراتها وقادتها، فلا وجود لها اليوم إلا في أفلام نجدت انزور، التي هجرها المشاهد العربي ليبحث عن التسلية في برنامج "عرب آيدول" وبرنامج البرنامج للساخر باسم يوسف.

جاءت حرب افغانستان لتعلن الجهاد الاسلامي على المشركين والملحدين، وبعد أن مضت الظروف إلى ما مضت اليه وانهزم الروس، بقوة الطرف الأقوى في الحرب الباردة وليس بقوة المجاهدين، انقلب المجاهد على المجاهد، وخرجت علينا فنون الصراع من الكهوف لتبدأ حرب الخوارج على الخوارج.. واستمر الضياع ليسلمنا لضياع أكثر هلاكا ورعبا، بعد أن وجد ملالي ايران لهم موضع قدم دائماً في عاصمة العرب بغداد، فنادوا من كربلاء ان الحرب بين معاوية والامام علي لم تتوقف، وان شهيد آل البيت له جنة عرضها السموات والأرض!!

اليوم نشهد تحركا مريبا ولا يدعو للإطمئنان ابدا، بعد ان قدم لنا المعطى العربي في الثورات العربية كل اشكال الصراعات من افغانستان لآيات الله العظمى، وأزياء معمر القذافي، معارك للهالكين من أجل رفعة لواء الماضي والدم والخراب.

من هذا الخراب خرج علينا فصيل سني يحارب ضد فصيل سني آخر، بدأ ظهوره في العراق، تحت اسم "الصحوات" ووصل مداه الى اقصى شمال افريقيا، واتضح خلاف السلفيين مع جماعة الاخوان المسلمين الذي لم يكن في بعض مشاهده خلافا فكريا او سياسيا، بل وصل في أكثر من مرة للتصادم بالسلاح، وكذلك هو الحال بالقاهرة.

أما في سوريا لا يمكن أن نسلم بصحة فكرة واحدة للحكم على مستقبل صراع السنة مع السنة إلا بعد أن نطيل النظر في المتغيرات السياسية، التي جعلت كل الأمور هناك تسير الى نتيجة واحدة في حال سقوط نظام بشار الأسد وهي حرب السنة على السنة، فقد تم رسم هذه الاستراتيجية بإحكام شديد، فالنظام بسوريا ومعه حليفته طهران، هما من جهز الميدان عسكريا لصراع السنة مع السنة، فأغلب الانتصارات التي تتحقق في ساحة المعركة بسوريا تحسب لجماعة النصرة أو مايسمى الفصائل الجهادية التي جاءت من الخارج، فنظام الأسد اعطى للقوى الجهادية ميزة قتالية على حساب الجيش الحر والقوى الثورية الوطنية الأخرى.

فقد تم سحب الجماعات الجهادية السنية للداخل السوري حتى تعطي صورة غير واقعية لطبيعة الصراع، فنظام بشار يدير الصراع سياسيا واستراتيجيا وعسكريا، اما الجماعات الجهادية ليس لها مشروع سياسي، وتنحصر رؤيتها الاستراتيجية بالقضاء على نظام الاسد بأي ثمن، فالعمل الجهادي في ظل غياب اطار سياسي محكوم بمحددات الدولة وليس الجماعة، جعل نظام الاسد هو من وضع الاطار السياسي للصراع، فماذا يعني انتصار الثورة على النظام ؟ لا يخرج عن اطار النظام السياسي، فلا مكسب سياسياً للانتصار بل جهاد مستمر.

عرف نظام الاسد بفعل الخبرة ان يضع القواعد السياسية التي يبنى عليها أي انتصار عسكري في المستقبل، فحتى لا يصبح اهل السنة خصوما لأهل السنة عليهم مراجعة إطار جهادهم السياسي جيدا.

المصدر: http://www.amnfkri.com/news.php?action=show&id=22849

الأكثر مشاركة في الفيس بوك