التطرف جين عربي!!

عزيزة المانع

تختلف الأمم في ثقافاتها اختلافا بينا، ومن ضمن ذلك ما يظهر على الشعوب من اختلاف في نوع تفاعلهم مع المواقف المتنوعة ودرجة تحكمهم في انفعالاتهم وقدرتهم على ضبط العواطف. ولعلنا متى قارنا الشعوب العربية بغيرها من الأمم نلحظ ميل العرب إلى المغالاة في الانفعالات والتطرف في الأحكام والعبارات والمواقف، ويظهر ذلك جليا ليس في الأحاديث والتصرفات اليومية فحسب، وإنما أيضا في الخطاب الثقافي وفي الأدب شعره ونثره.
الأدب العربي يزخر باستعارات وتشبيهات ومجازات موغلة في التطرف، فحين يصف العاشق حاله فإنه «لا ينام»، «يقضي الليل يرعى النجوم»، وهو أيضا «لا يأكل» لذلك هو هزيل البدن، لفرط هزاله لو توكأت عليه الحبيبة لانهدم، وإذا بكى، «بكى دما»، و«سالت دموعه أنهارا»، قلبه «مفطور»، وكبده «متصدعة» وغير ذلك من ألوان المغالاة اللفظية.
بلغ من توغل العرب في التطرف الانفعالي أن عدوا التوسط عيبا، فصاروا متى عابوا الشعر وصفوه بأنه «فاتر»، ومتى أساءهم الاستقبال غير الحميم قالوا عنه «فاتر». أما صفة البارد أو الساخن فهي محجوزة غالبا لما يثنى عليه، فإذا رضوا عن الاستقبال قالوا «ترحيب حار» وإذا وصفوا شدة الحب قالوا «عاطفة ساخنة» وإذا أرادوا التعبير عن السرور والفرح بشيء قالوا عنه «يثلج الصدر» و«يقر العين».
وفي أمثالهم لا مكان للتوسط فالتطرف هو الشعار المرفوع مثل «إذا ضربت فأوجع، وإذا طعمت فأشبع»، «لنا الصدر دون العالمين أو القبر»، «فلما بلغت النجم عزا ورفعة وصارت رقاب الخلق أجمع لي رقا». وغيرها كثير مما يمكن القول عنه إنه يمثل وقوع الثقافة العربية في أسر المغالاة والتطرف.
ومن المتوقع أن يمتد أثر هذا الحب للتطرف فيبلغ أقصاه حين يتصل الأمر بإصدار الأحكام على الناس، حيث يظهر الشطط في الحكم والبعد عن الحق في كثير من الأحيان، فهم متى رضوا عن امرئ أسبغوا عليه كل الفضائل، وجعلوه خلوا من العيوب فحملوه إلى أعلى الدرجات ورفعوه فوق هام السحب، ومتى غضبوا عليه فالويل له، يهجونه حتى لا تبقى سيئة إلا وألصقت به فإذا هو أسفل سافلين.
التطرف ما هو إلا نوع من مخادعة الذات والإمعان في الهرب من الحقيقة عندما تكون لا تسر ولا ترضي، فالمغالاة في تشويه صورة من نغضب عليه وطمس ما له من حسنات، هو خداع للذات بإيهامها أن من أغضبها هو غاية في السوء، فننعم بمشاعر الرضا، والعكس أيضا صحيح، عندما نغالي في وصف من نحب أو نرضى عنه بأنه «كامل الأوصاف، ملائكي التصرفات» فنحن نسعى لإقناع الذات أنها على صواب فيما ذهبت إليه من مشاعر الحب.

المصدر: http://www.amnfkri.com/news.php?action=show&id=22962

الأكثر مشاركة في الفيس بوك