الفرنكوفونية، استعمار لغوي أم حوار ثقافات

الفرنكوفونية، استعمار لغوي أم حوار ثقافات

كتب المهندس حواس محمود
خاص الوارف ـ حوار الثقافات

ظهرت كلمة "الفرنكوفونية " في نهايات القرن التاسع عشر في كتابات "أونزيم ريكلو" وهو عالم في الجغرافية، ابتكر طريقة جديدة لتصنيف الشعوب حسب اللغة التي تتحدث بها في الحياة الأسرية وفي العلاقات الاجتماعية.

نُسيت الكلمة و لم تظهر من جديد إلا في عدد خاص من مجلة "إسبري الفرنسية حول موضوع " الفرنسية في العالم " نشر في 1962م و جمع كتاباً من جنسيات و تخصصات مختلفة من صحفيين و سياسيين و مثقفين و من ضمنهم الرئيس و الشاعر سنجور و الأمير نوردوم سيهانوك ، في هذا العدد تغْني ليبولدسيدار سنجور لهذه الأداة الرائعة التي وجدت على أنقاض النظام الاستيطاني :اللغة الفرنسية و كان الرئيس التونسي السابق الحبيب بورقيبة متحمساً آخر لمفهوم اللغة المشتركة . جامعة للشعوب الناطقة بها ، فكان اقتراحه عام 1965م ب"كومنولث فرنسي " يحترم سيادة كلٍ من المشتركين ، و تجدر الإشارة إلى أنَ الفرنكوفونية بالنسبة للبعض تقوم على شعور الانتماء إلى جماعة تتقاسم لغة هي الفرنسية ( مع ما تحمل من ثقافة و حضارة بالطبع – المؤلف ) يتأتى عن ذلك سهولة التبادل و التعاون المتعدد الأشكال ( ثقافية على أنواعها من أدب و فكر مع مختلف الفنون ، اقتصادية على أنواعها من تجارة و صناعة و زراعة الخ – المؤلف )
هذان التعريفان أو بالأحرى المفهومان مستمدان من الموسوعة الفرنسية الأول مختصر للغاية و مائع و ثقافي و شبه مجرد إن جاز التعبير ثم تبسيطه بعض الشيء بما تم إضافته بين هلالين ، كما تم تبسيطه بين هلالين .
يشير الدكتور غسان سلامة في مقال له بمجلة العربي الكويتية عن الفركوفونية إلى قول معروف للرئيس اللبناني الراحل شارل الحلو : " ليست الفرنكوفونية إمبريالية لغوية أو سياسية إنما هي الوسيلة الفضلى لحوار الثقافات " و يرى الدكتور سلامة أنه انطلاقا من هذه الفكرة يتضح أن الفرنكوفونية ترمي إلى توطيد العلاقات بين مختلف البلدان الناطقة كليا أو جزئيا باللغة الفرنسية و إلى ترسيخ التواصل بينها في مختلف المجالات و خصوصا منها الثقافية و إلى بناء تضامن حقيقي في مواجهة التحديات المحدقة ، كما أن الفرنكوفونية التي كانت و لا تزال مبنية على مبادئ الإنسانية و الحرية و الأخوة التي ترمز إليها تاريخيا الثورة الفرنسية ، يمكن أن تؤدي عن طريق هذا التواصل إلى حيث البلدان الفرنكوفونية على التمسك بالمبادئ الديموقراطية الراسخة ، و على بناء دولة القانون التي نطمح إليها .
و جدير بالذكر أن هناك سبع دول عربية أعضاء في هذه المنظمة و هي : لبنان و مصر و تونس و المغرب و موريتانية و الجمهورية الإسلامية لجزر القمر و جمهورية جيبوتي ، و يرأس الفرنكوفونية حاليا د. بطرس غالي الأمين العام السابق للأمم المتحدة ( مصري الجنسية )
الآداب الفرنكوفونية :
يمكن القول أنه يوجد في الواقع مجال أدبي فرنسي خارج فرنسا ، كما يجري الكلام عن آداب "ملحقه " ، "محلية " ، " هامشية " ، " ما وراء البحار " ، " بتعبير فرنسي " ، " فرنكوفونية " ... و هذا أمر غير موجود مثلا في آداب اللغة الانجليزية فالأدب الأمريكي مستقل عن الأدب الإنجليزي ، كذلك الأمر بالنسبة للأسبانية ، حيث لا يشعر كتاب مكسيكو و بوينس آيرس أوباهيا بأكثر من أنهم أبناء العم البعيدين لإخوانهم في مدريد أو لشبونة ، على عكس ذلك هو الوضع بالنسبة للأدب الفرنسي فباريس كانت و لا تزال لها سلطة ساحرة و جذابة على كتاب بروكسيل و جنيف و داكار و مونتريال و تاتاريف ( عاصمة مدغشقر ) ....
الخ فالكثير منهم ذابوا بشكل طبيعي في الأدب الفرنسي كروسو و" سندرارز" و " ميشو "
أو "سيمون " و هنا فحتى الذين يتمنون الحفاظ على هويتهم الأدبية ينتظرون من باريس الاعتراف أو التكريس و ربما أحيانا التتويج ، و على المستوى الثقافي نتذكر قول الشاعر السوفيتي الكبير صداح الثورة آنذاك مايا كومنسكي : لو لم تكن موسكو عاصمتي لكانت باريس عاصمتي و هي عاصمتي الثانية . و مع ذلك ففي باريس قرر راموز أن يصبح " فودي " ( من مقاطعة فود السويسرية ) فاللغة الفرنسية لم تعد الملك الخاص للفرنسيين و لم تعد فقط مكرسة لعالمية الحضارة الفرنسية : فكل شعب ( و كل جماعة ) يستعمل هذه اللغة بإمكانه تكليفها التعبير عن قيمه و تخيلاته ، ففي " الكيبك " و أفريقيا السوداء كانت برامج التعليم قد قلصت للغاية القدر المخصص للأدب الفرنسي و أدخلت الكثير من نصوص الكتاب الكيبكيين و الأفارقة ، و إذا ما كانت المؤسسة المدرسية،- و كما يقال- هي التي تختار فيتوجب ملاحظة وجود أدب كيبكي و أدب أفريقي باللغة الفرنسية ، لذلك فإن أدبا ما قد لا يعبر عن وجوده بمجرد استعمال اللغة الخاصة به، و إنما أيضا ببناء المساحة الأدبية مع شروطها الخاصة بها ، و التي بواسطتها تكتب المؤلفات و تطبع و تنشر و تقرأ و تتداول و تستقبل من قبل الضمير الجماعي بناء عليه فعندما أملى " ماركوبولو " مؤلف كتاب " عجائب العالم " و كتب "كازانوفا " مذكراته مستعملان كلاهما اللغة الفرنسية ، فإنهما لم يؤسسا فقط لأدب إيطالي بلغة فرنسية ، إنما شهدا لعالمية هذه اللغة الفرنسية في زمن كانت فيه فرنسا القوة المسيطرة في العالم العربي ، و هذا يؤكد عدم الصدفة التي وردت سابقا و رفضناها و فسرناها ، و اليوم إذا ما ترك كل من " تريستان تزارا " و " أوجين يونسكو " لغته الأم الفرنسية فإنهما لا يؤسسان لأدب روماني معبرا عنه باللغة الفرنسية لأنهما يكتبان أولا لجمهور فرنسي لذلك فكيما يكون هناك أدب فرنكوفوني يجب أن يكتشف كتاب أو يختر عوا بالفرنسية عالما تجد نفسها فيه جماعة ما أو يكتشف فيه ضمير قومي ما بالإضافة إلى ذلك يجب أن تنتقل مؤلفاتهم و تتداول داخل المجتمع المعني ، يجب أن نجد جمهورا يعيش فيها هويته الثقافية .
بين الكومنولث و الفرنكوفونية :

لنطرح السؤال حول صوابية وجود بعض الدول العربية في الفرنكوفونية و منها مصر التي كانت خاضعة للهيمنة البريطانية المباشرة و عدم وجودها في الكومنولث مع ما لهاتين المنظمتين من أوجه تشابه في وظائفهما و خلفياتهما التاريخية ، و اللافت للنظر هنا غياب الجزائر و سورية من الفكر الفرنكوفونية في حين انضمت مصر إليها ، ...إذا كانت الفرنكوفونية لا تأخذ مواقف سياسية حاسمة مما يحصل من تطورات سلبية لدى الدول الأعضاء فإن الكومنولث اعتاد أن يندد بخرق حقوق الإنسان أو الانقلابات العسكرية كما فعل أخيرا بالنسبة إلى باكستان التي علقت عضويتها في المنظمة بانتظار العودة إلى الحياة الديمقراطية بعد استيلاء القادات العسكرية على مقاليد الحكم ، أما الفرنكوفونية فلا تتدخل في الشؤون الداخلية لأعضائها ، و لا ترى من وظائفها الرئيسية نشر المبادئ الديمقراطية ، مع الإشارة إلى أن لوكالة الفرنكوفونية برنامجا متخصصا واحدا من برامجها الستة حول نشر مبادئ الديمقراطية و دولة القانون و حقوق الإنسان و المواطنة ، أما البرامج الأخرى فهي تدور حول تشجيع التنمية و تملك وسائل الحداثة ، و تسهيل الحصول على العلم و التقنيات و على تشجيع التعددية اللغوية و الثقافية ، و من المعروف أن الرئيس الفرنسي الحالي لم يكن متحمسا لاتخاذ مواقف لتشجيع الديمقراطية في الدول الأعضاء في الفرنكوفونية ، و أقدم في الماضي على الإدلاء بتصريحات حول عدم صوابية تطبيق نموذج الديمقراطية المبنية على تعددية الأحزاب في أفريقيا ، قمة لابول في فرنسا عام 1995 م برئاسة الرئيس الراحل فرانسو ميتران ركزت على قضية الديمقراطية و حقوق الإنسان و لم يكن لها أي صدى ، و لم تكن من القمم الناجحة .
المراجع :
1- د . أمينة رشيد " علاقة جديدة بين الذات و الآخر أم إعادة تبعيتها للآخر " مجلة العربي أكتوبر 2001م صفحة (64)
2- د . عاطف علبي " ما هي الفرنكوفونية " مجلة الطريق عدد سبتمبر – نوفمبر2001م صفحة ( 79) .
3- د . جورج قرم " الفرنكوفونية و العرب " مجلة العربي مصدر سابق مذكور صفحة ( 54)
4- د . غسان سلامة " أبعاد القمة الفرنكوفونية " العربي مصدر سابق صفحة (52) .
5- زهيدة درويش جبور " الفرنكوفونية و الحوار بين الثقافات " ملحق النهار 21 ابريل 2001م .

المصدر: http://www.alwaref.org/arabic/2009-03-01-17-51-49/140-2009-04-18-00-07-39

الحوار الخارجي: 
أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك