قراءة تحليلية في فقه المختلف .. إحكام أهل الذمة أنموذجا

عبد الامير زاهد

المدخل: الفقه محمول وموضوع، قضية وحكم، واقعة وتكليف، محوران متلازمان بينهما علاقة جدلية ويؤثر كل منهما في الآخر هكذا بدأ الفقه اول ظهوره وهكذا استمر، بل لقد سبق في بعض مراحله الواقع

 

فكان يفترض الواقعة ويصمم حولها وهو اشبه بالدراسات المستقبلية التي ترصد الحاضر وتستكشف المستقبل وتصنع الخطط اللازمة للتعامل معه، بيد ان وقف الاجتهاد الرسمي في القرن الخامس، جعل الوقائع والموضوعات هي المتحرك، والحكم الفقهي هو الساكن، وبذلك صار (الحكم) او (الفتوى) القديمة تطبق قسرا على الموضوع الجديد الذي قد يباين الموضوع الذي شرع له الحكم سابقاً.

 هذه احدى مشكلات التعامل التراث الفقهي الذي تعجز محاولات التجديد او التحديث التي يتبناها المجتهدون انفسهم عن معالجتها لأن كماً واسعاًمن تقاليد الاجتهاد تتقبل بسهولة (المشهور) او ما لاخلاف فيه، وتتبنى اتفاق المجتهدين، وسيرة المتشرعة على الموضوعات القديمة وتتبناها على الوقائع الجديدة حتى لو لم ترتق الى علاج مشكلتها بيد انها ترجح الحكم على عموم الموضوعات دون ان تلاحظ باهتمام التفاصيل التي تغيرت داخل ذلك العنوان من ذلك مثلاً احكام (اهل الذمة) في الفقه الاسلامي.

 

تحليل الموقف الفقهي الراهن:

الموقف الفقهي الراهن يعيد الاحكام التي دونت في المتون والمطولات الفقهية السابقة رغم تغير الاوضاع.

فبالامس كان العالم القديم قد اختار ان يقسم نفسه تقسيما دينيا، وقد ابتنت الدول والجماعات والامارات على اساس ديني، وازاء هذا كان لابد للفقيه المسلم ان يتجاوب مع هذا الاختيار، ويشرع له ويجعله الفصل في القسمة والقسيم، وكان على وفق ذلك التقسيم ان الناس يصنفون اما مسلمون او غير مسلمين فقد يكونون من اهل الكتاب (يهود ونصارى) ووقد يكونون وممن الحق بهم مثل المجوس والصابئة، او عبدة الكواكب واما المشركون صراحة بوحدانية الله كالبوذيين والوثنيين واتباع الديانات الطوطمية فهم في التقسيم الديني هو القسم الثالث ...اذن فتصنيف المجتمعات يجري على معيار ديني فالناس اما اذن مسلمون او اتباع الكتب السابقة او مشركون.

وتفريعا على هذا التصنيف قسم العالم القديم سياسياً الى دار الاسلام (وطن المسلمين، الدولة الاسلامية) ودار الكفر (وطن الكتابيين المشركين) الذين قد يكونون محاربين للمسلمين فتكون اوطانهم دار الحرب او يكونون ممن عقد اتفاقية عدم اعتداء ودار فتسمى ديارهم دار العهد اي وطن (الذين عقدوا معاهدة سلام وعدم اعتداء مع المسلمين) وعلى اساس هذا التقسيم تأسس فقه العلاقات الدولية انذاك. (1) ونجد في الفقه الاسلامي رؤيتان تتنازعان الصدارة وهما:

الرؤية الاولى:ترى ان الاصل ان المسلمين مكلفون بتحرير العالم كله من العقائد الباطلة (غير الاسلام) وايصالهم الى عقيدة الاسلام بكل الوسائل بما في ذلك الوسائل المسلحة واستخدام الحروب والفتوحات العسكرية.

الرؤية الثانية :ترى ان الاصل في علاقة المسلمين بالامم الاخرى هي علاقة تعاون وتكامل وان امة الاسلام مكلفة بالدعوة السليمة الى الله، على ان لايتسبب المسلم ابداً بالاضرار بالغير بسبب مغايرة العقيدة انما يدعوه بالحكمة والموعظة الحسنة، وليس النزاعات المسلحة الا اضطراراً من المسلم للدفاع عن نفسه او كيانه او حقه في الدعوة والتبليغ، لرد العدوان سواء الواقع او المتوقع (2) .

و بالدخول في التفاصيل سوف نجد ان المساحة المشتركة بين هاتين النظريتين تتسع بعد اختزال الاراء المتطرفة سواء عند الفريق الراديكالي الاسلامي، او الفريق الليبرالي الاسلامي اوعند اليمين المحافظ من الاسلاميين.

لقد تفرع عن المعيار الاساس الذي قسم عليه العالم القديم وهو معيار الديانات ان الدين صار اساساً للعلاقات الخارجية واساساً لتقسيم رعايا الدولة الاسلامية نفسها، ففي الداخل (العالم الاسلامي) جعل المجتمع السياسي مقسم الى (مسلمين) و (ذميين ومستأمنين) (3) ، فالمسلمون مواطنون مستقرون دائمياً على اقليم الدولة الاسلامية، ولهم مجموعة من الحقوق وعليهم الواجبات، والذميون ايضا (مواطنون) من اهل الاقليم اختاروا البقاء على ديانتهم – الكتابية- غير الاسلام مقابل حقوق ربما تكون منقوصة او واجبات مضافة على الاقل من وجهة نظرهم بينما ، هي من وجهة نظر المسلمين عكس ذلك فهم يعتقدون ان لديهم امتيازات ليست للمسلمين وان كثيراً من الواجبات على المسلمين اسقطت عنهم مقابل ضريبة مالية، اما الصنف الثالث (المستأمنون) وهم اهل الديانات كافة من غير الاسلام-الذين يطلبون (الموافقة الرسمية على الاقامة غير الدائمة في بلاد المسلمين لاغراض العمل او الدراسة، او لأي غرض مشروع آخر على ان يلتزموا بموجبات النظام العام والقوانين الوطنية التي تسمى وثيقة الاستئمان وتبعا لهذا التقسيم فان (اهل الذمة) هم مجموعة اجتماعية وجزء من مكونات مجتمع الدولة الاسلامية وان لهذا المكون ثقافة خاصة وشعائر وعقائد وبنية معرفية واعراف اجتماعية تشكل جزءاً من ثقافات التنوع لدى مواطني الدولة الاسلامية وان هذا المكون يؤمن بالعيش المشترك على اقليم الدولة ويسعى الى بتنمية ثرواته وتحقيق التقدم فيه ويهدف الى ان يتمتع اهله بخيراته وينالون الفرص الوظيفية والسياسية بحسب وثيقة العهد وما نصت عليه والاحكام الدستورية الخاصة بهم وبذلك تظهر من هذه الزاوية مجموعة مفاهيم ترتبط بهذا الواقع ابرزها (مفهوم الامة) و (مفهوم الشعب) .

ويراد (بمفهوم الامة) :الجماعة البشرية التي يجمعها رابط معنوي مشترك كالدين الواحد او اللغة، او الحضارة فهي تترابط مع بعضها على اساس ذلك المشترك ولايشترط في تماسكها ان يكون لها اقليم ارضي واحد، او حكومة واحدة، او حتى دستور دولة موحد. (4)

وكمثال على ذلك فان العرب او الكرد من حيث كونهم امه لانهم تجمعهم لغة واحدة او حضارة واحدة فانهم مهما توزعوا في اقاليم دول متعددة او خضعوا لحكومات متعددة فانهم (امة واحدة) وكذلك المسلمون في العالم (كونهم يتبعون ديناً واحداً) يجمعهم فهم امة واحدة من دون ناس، يتآخون على اساس هذا الرابط المعنوي المشترك .

اما الشعب:فهم مواطنو الدولة سواء كانوا جماعة متجانسة دينيا ًاو عرقياً ولايشاركهم في وطنهم اخرون ممن لهم ثقافة اخرى او انهم مجموعة مسلمين ولكن تشاركهم جماعات اخرى لهم دين او حضارة اخرى، كما لو كانوا متعددين (لغة/ديناً/حضارة) بيد ان هذه الجماعات المتعددة الاعراق والثقافات ولا تعتبر مجتمعا سياسيا معترفا به دوليا مالم تكن لهم دولة لايكتسب مفهوم الشعب الا اذا كان لها اقليم محدد جفرافيا وسياسيا وحكومة يخضون له، وقوانين يلتزمون بها واعلاها الدستور لتتشكل الدولة من عناصرها الاربعة (الشعب/الاقليم/الحكومة/السيادة) .

 

مما تقدم يتقرر:

1- ان المواطن المقيم اقامة دائمية في اقليم الدولة الاسلامية ايا كان دينه (مسلماً او كتابياً) يكتسب حق العضوية الكاملة في مجتمع الدولة السياسي، وله الحق في اكتساب الجنسية والتمتع بامتيازاتها كافة. (5)

2- في الوقت الذي كان العالم يقسم نفسه على اساس ديني محض ويمنح الحقوق على هذا الاعتبار فقد تبنت الشريعة الاسلامية نظرية (لا اكراه في الدين) واقرت بوجود الاديان الاخرى رغم ان تلك الاديان لم تعترف بالاسلام دينا واحترمتها وامرت اتباعها بالايمان بها، وسمحت لاتباع تلك الديانات باكتساب صفة المواطنة في دولة اسلامية، وهذا في ذلك الوقت يعد امتيازا يحسب للشريعة الاسلامية ولتجربتها السياسية.

يترشح مما تقدم ان الاقليم الواحد من اقاليم العالم الاسلامي المعاصر قد يضم مجموعة من المسلمين ترتبط بيد انها بارتباطين

أ‌- ارتباطها مع مجتمع الاقليم وعناصرها الاربعة فشعب الاقليم قد يضم غير المسلمين الى جنب المسلمين ويخضع لحكومة الاقليم وقوانينه ويعيش على تربة ذلك الاقليم وهذه رابطة المواطنة.

ب‌- ارتباطها مع امة الاسلام المنتشرة في العالم برباط اخوة الدين والامتثال لوجوب التضامن والتكافل والتآزر والنصرة والسعي المخلص لاقامة الدولة الربانية القرآنية العالمية التي تقيم العدل وتحكم بقيم الاحسان ومباديء الحكم الصالح.

لكن:لتطور الحال ودخول تفضيلات سياسية في سلوك الحاكمين، وزرع الشعور بالعلو والتفوق والتسيد بسبب الانتماء للدين فقط .مما لايراه عدد من المفكرين الاسلاميين الا فهماً بشرياً يخضع بطبيعة الاحوال الى اثر الزمان والمكان والوعي والمعرفة (6) وهو نوع من الفهم النسبي البشري مما دعا الى اختيار مجموعة من الترجيحات كاحكام ازاء المواطنين المختلفين معنا في الدين رغم قبول مواطنتهم وكانموذج لهذا الفهم ساستعرض بعض احكام الفقهاء المسلمين من المذاهب موضوع اهل الذمة كافة واركز على (نص كتاب المختلف) للعلامة الحلي لاعتبارات اكاديمية منها :

- ان كتاب مختلف الشيعة في تحصيل الشريعة الاسلامية للعلامة الحلى خلاصة شاملة للاحكام والادلة والافكار التي سادت منذ بواكير عصور الفقه عند الامامية في القرن الرابع حتى عصر العلامة الحلى، الذي يعد الشخصية التي استوعبت بجدارة كل ثقافة عصره وماسبقه وكان من موضوعيته انه يستبسل في الدفاع عن اراء مخالفيه ويستعرض باخلاص ادلتهم الاصولية في الوقت الذي يدلل فيه على اختياره، ويبين القوادح في ادلة مخالفيه بلغة اكاديمية وقيم حوارية عالية

- انه ثايناً لم يهمل فقه المذاهب الاخرى وادلتهم في الكثير مما عرض من مسائل، رغم ان اؤلئك لم يتطرقوا الى فقه الامامية اطلاقاًلا في كتبهم المذهبية، ولا فيما سموه بكتب الفقه المقارن

و اشير هنا الى اني لست ساعياً الى عرض او اعادة انتاج المادة العلمية لكتاب المختلف بقدر ما انا متجه تماماً نحو تفسير سوسيولوجي، او محاولة لتلمس تيارات الوعي المنتجة لمثل هذه الاحكام للاراء الفقهية في محاولة للتحري عن ايدلوجيات التعامل مع الآخر، ومحاولة الكشف عن مدى التغاير بين مقتضى النص ومعطى المقصد وبين الفهم المرتبط بمقتضى العصر الذي يعيش فيه ذلك الفقيه باحداثه التي ترجح له اختياراته..

قراءة في فقه المختلف (احكام اهل الذمة)

سيكون هذا البحث اجابة عن مجموعة اسئلة تشكل مداخل لفهم مسار التفكير واساسياته، ومن تلك الاسئلة .

1-هل الجزية مدخل دستوري لضم مواطنين من الاديان الاخرى مطلقاً الى مجتمع الدولة الاسلامية

2-هل يقبل الاسلام تواجد هؤلاء الناس على الارض المفتوحة مقابل (وظيفة مالية) بحيث يستبطن ذلك الرغبة في جلائهم فيما بعد، او ضم ارضهم.

3- هل نظام الجزية :نظام صلح عقائدي هدفه التعايش بين اتباع الاديان فتكون الجزية صيغة بديلة عن صيغ النزاع المسلح لاسباب دينية.

4-  هل يعد مجتمع الدولة الاسلامية مجتمعاً مدنياً بحيث يراعي صنع السلام المجتمعي بين الاديان الكبرى – وعليه فيجب يقر على دينه من يفضل البقاء عليه سواء كان العربي وغير العربي (7) طالما ودفع الجزية ودخل في عقد الذمة فان كان اختيار الديانات الكتابية يحقق نصف المطلوب العقائدي اي الايمان بالله الواحدو النبوات والمعادو هذا مسوغ شرعي للتعامل لادخل له بالقومية، صحيح ان اللغة عنصر جاذب للاسلام فدخول العربي في نظام الذمة سيمهد له الاطلاع على القرآن الكريم من خلال لغته فتكون الذمة مقدمة لجلبه الى الاسلام وهذا الافتراض عكس ما يراه اغلب الفقهاء من ان العربي لاتقبل منه الجزية

فاذا كانت الغاية (بناء قاعدة المواطنة) فتحقق الاقامة التاريخية على اقليم الدولة يلزم منه قبول الكتابيين ومعهم (اتباع الديانات الاخرى) طالما التزموا بالنظام العام.

لعل ذلك هو الذي نقله القرطبي عن الاوزاعي من انها تؤخذ من كل انسان سواء كان عابد وثن او نار او جاحد او مكذب وكذلك قال مالك :يؤخذ من جميع اجناس الشرك عربيا او عجميا وقال تلامذته _ابن القاسم واشهب وسحنون) تؤخذ حتى من مجوس العرب. (8)

5- كيف يفهم المفسرون والفقهاء (مصطلح) الصغار الذي ورد في آية الجزية في القرآن الكريم، وكيف يؤثر ذلك الفهم على نوع التعامل من الآخر الديني؟

6- لم وجبت الجزية :هل هي عقوبة لهم على عدم ايمانهم بالاسلام

او هي عوض عن الكف عن قتلهم ؟

او هي عوض عن اسكانهم في دار الاسلام؟

او هي عوض عن اقرارهم على ديانتهم

او هي وظيفة مالية تؤخذ منهم كما تؤخذ الزكاة والخمس من المسلم للمساهمة في التنمية ؟

او لانهم معفوون من اداء الكثير من الواجبات (مثل الدفاع عن البلد)

7-  هل مقدار الجزية محدد في اقله، او في اقله واكثره ام هو متروك للدولة تحدده ضمن وظيفة (صلحية) ؟

وهل تجب على (العاطلين عن العمل) او عموم الفقراء؟

وهل تجب على (الحراثين والفلاحين) ؟

وهل تجب على الشيوخ (كبار السن) ؟

8- هل يصح فيها الازدواج الضريبي اي على الرؤوس، والاموال، والاراضي؟بسبب اختلاف الدين فقط؟

9-  ما الالتزامات الاخرى المفروضة على الذمي ؟ في مجال التعامل المدني (المحرمات) تحريم الذبائح والمناكحات وفي التعامل الديني (شعائره) وفي التعامل الجنائي

10- هل في الاية الكريمة (آية الجزية) وجه دلالى آخر.غير الذي اعتاد المفسرون ذكره من اراء فقهاء القرن الرابع والخامس الهجريين.

باستكمال الاجابة على هذه الاسئلة يتضح التاسيس المرتجى من هذا البحث وتؤدي القراءة التحليلية مهمتها العلمية

 

الاشتراط العقائدي للمواطنة.

للاجابة على الافتراض الاول من البحث اود الاشارة الى ضرورة التفريق بين فقه الفتوحات واثارها على الهيكل الحقوقي وبين فقه الدعوة واثارها، ففقه الفتوحات عبارة عن تنظيم لآثار الحرب، وتداعياتها، ومثاله الموقف من الارض المفتوحة والانسان الذي خسر الحرب وسيكون ذلك الفقه مترتبا على معطيات القوة والغلبة وعوامل الصراع بينما فقه الدعوة سيكون فيه الموقف من الانسان والارض بناء على الحق والاستحقاق وما تقتضيه القيم الانسانية (9) .

ففي الازمان التي انتجت غالب المعرفة الفقهية لم تكن الحرب هي الضرورة التي يلزم ان تقدر بقدرها، انما كانت الحرب هي القاعدة المتحكمة في رسم العلاقات بين الامم.لذلك جاء الفقه الدولي بوصفه منظماً لسلوك النزاعات ناهيك عن انه الاساس الذي يصف عليه الانسان (الدين) وليس القومية او الجغرافيا وبما ان (الدولة الاسلامية دولة دينية فقد اتسعت بنظام الفتوحات) فصار ضم المواطنين لرقعتها الجغرافية يفرض على الفقهاء ان يراعوا في المواطن الجديد (طبيعة الانتماء الديني) لذلك الانسان لذلك فرق الفقهاء بين

- اتباع الديانتين اليهودية والنصرانية عن غيرهم من اتباع الديانات الاخرى فالمجوس مثلاً لم يلحقوا حتى شهد عبد الرحمن بن عوف ان النبي اخذها من مجوس حجر فقال (ص) (سنوا بهم سنة اهل الكتاب) قال ابن قيم وهذا صريح في انهم ليسوا اهل كتاب) (10)

- و بموجب النص النبوي الحقوا ولكن ليس الحاقاً تاماً اذ أمر (ص) ان لاتؤكل ذبائحهم ولاتنكح نساؤهم. (11)

- ثم اختلفوا في الحاق الصابئة بهم اختلافا شديدا لذلك ينص العلامة في المختلف :

على ان الاجماع منعقد على ان المشمول بعقد الذمة هم (اهل الكتاب) وانه منعقد على ان النص النبوي الحق بهم المجوس بفارق الا تؤكل ذبيحتهم ولاتنكح النساء منهم (12) .

ويشار هنا الى ان العلامة استفاد من عدم ذكر ابن ابي عقيل الفقيه الشيعي من الرعيل الاول للمجوس استفاد عدم ادخالهم، وان حكمهم غير الحكم في اهل الكتاب، بدليل عموم (قاتلوا المشركين) ثم يرد العلامة الاستدلال بان هذا العموم مخصص بخبر الواحد لاسيما المستفيض منه الذي ادخل المجوس في احكام اهل الكتاب .

وينقل العلامة عن مالك قوله ان كل دين غير الاسلام حكمه حكم المجوس وكأن النبي (ص) عندما الحق المجوس بأهل الكتاب قد فهم منه انه لايريد به خصوصهم انما عموم اهل المعتقدات الاخرى بناء على تعدية النص. (13)

 ان المسلك الفقهي هذا يفتح باب المواطنة في الدولة ليس على اساس ديني، ولا على اساس انتقائي، بل على اساس الانضمام بموجب العقد الدستوري الذي سينظم العلاقة بين (الجماعات المتعددة) و (الدولة) .

 اما الصابئة فقد وقع الخلاف فيهم عند فقهاء المذاهب الاخرى، فعن الشافعي ان حكمهم حكم المجوس قالوا (وهو مذهب عمر بن عبد العزيز) (14) والحقهم فقهاء الحنفية بالنصارى (15) .

انما الحقهم الشافعي بالمجوس شمولهم بتوسيع مقتضى النص والحقهم الحنفية لجهة تقارب معتقداتهم مع المعتقد النصراني ويتوقف العلامة الحلي فيهم وذلك لان سنة الرسول توقفت على المجوس، ولم تعط الصابئة حق الاستفادة من عقد الذمة، فلا يلحقون باهل الكتاب بناء على مدركة الفقهي –عدم التنصيص – واما التشابه في المعتقدات كما ورد عن الحنفية فهو عند العلامة الحلي (فهم مجتهد) لذلك يقول العلامة الحلي لو خلينا والقياس لكانت المانوية والمزدكية ملحقة بالمجوس لتقارب اصول مذاهبهم ولكانت المرقونية والماهانية اقرب الى النصرانية ويرتب العلامة على ذلك انه لو كان طريق التقارب في اصول المذهب مناطاً لكان الصابئة اقرب لعبادة الاوثان من المجوس (16) لانهم يعبدون الكواكب.

 وبذلك يفهم:

1- ان باب المواطنين الى مجتمع الدولة الاسلامية مشروط بالكتابي، ومن الحقه النص به، وفي غيره خلاف اظهره المنع.

2- ان المستخلص ليس المراد منه فتح الباب لكل من رغب من اهالي البلدان المفتوحة في الابقاء على نفسه من مواطني الدولة ..انما هناك ماعدا هؤلاء ممن لايقبل منه الا الاسلام، او الجلاء عن ارضه او القتال، وهنا تجد موقفا يحتاج الى تامل فاذا كان المناط كله عبارة عن عقد اجتماعي ناتج عن ارادة بالالتزام باحكام عقد الذمة وان مبدأ لا اكراه في الدين مبدأ عام يشمل به اتباع الاديان وان الالحاق النبوي للمجوس وان كان قد علل فيما بعد انهم قد كان لهم كتاب فاحرقوه.. الا ان التعليل ذاته يشير الى شركهم فلا يتساوون مع من يقدس كتابه ويحترمه على ما نراه من انه محرف من وجهه نظرنا فصار الالحاق ليس باباً من ابواب توسيع المواطنة على اساس تعاقدي انما على اسس دينية حددها النص .

3- ان باب السلام المفتوح، وباب اجارة المشركين وابواب اخرى مفتوحة لاستماع كلام الله (وان مشرك استجارك فأجره..)

ان افتراض مقاصد المعايشة مع المجتمع الاسلامي يفتح الباب واسعاً لقبول عقد الذمة من اهل الاديان كافة واهل المعتقدات كافة على امل الاستماع الى الكلمة الربانية الصحيحة.

4- ان ملكية الكتابي او غير المسلم للارض واستقراره عليها –قبل دخول المسلمين لها –يكسب ذلك (الشخص) درجة من الحق فيما يملك او ما درج عليه..وليس من الانصاف ان يجد ما عدم قبوله عضواً في دولة الاسلام لكي يضطر الى واحدة من ثلاث اكراهات

الاولى :ان يترك وطنه مهاجراً لبلاد الكفر وهذا معارض بعدم اكثار الكفار والمحاربين

الثانية:ان يدخل مجبراً في دين الاسلام وهذا معارض مع مبدألا اكراه في الدين

الثالثة :ان يقاتل المسلمين وهذا غير مقصود لان الاصل الاسلام

وهذه الاكراهات الثلاثة هو لايريدها، او لايختار احداها، بل عنده رغبة قوية في التعامل مع الوضع الديني والسياسي للمسلمين على اساس قانوني.

 

الفرضية الثانية: قضية دخول العرب وعد دخولهم في عقد الذمة

اجمع الفقهاء : ان الجزية تؤخذ من كل الامم من اهل الكتاب الا العرب، فلا يقبل منهم الا الاسلام او السيف (17) ولكن وان ورد على هذا الاجماع اكثر من استثناء .

من ذلك مثلا ً:النصارى بني تغلب الذين هددوا بالالتحاق بالروم، فأشار الصحابة على عمر بان لا يسميها الجزية انما يأخذ منهم العشر مضاعفاً.

فاذا كان المناط (الدين) فلماذا تقبل من نصراني ولا تقبل من نصراني أخر، وان كان الواقع والمصلحة العليا للمسلمين فهو الغرض الذي نلاحقه في فقه المقاصد .

هل لان العربية لغة هذا الدين، ووعائه البشري الاولهم العرب، كان هذا الموقف الضاغط على امة العرب بتضيق لخيارات بين الاسلام او السيف (18) .

الفرضية الثالثة :ورد مصطلح (الصغار) في الاية الكريمة (حتى بعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) (19)

 وقد تعدد فهم الناس للصغار على اقوال استعرضها العلامة:

- نقل عن الطوسي في كتابه الخلاف ان الصغار التزام الجزية على ما يحكم به الامام بلا تقدير محدد وهذا يعني (الجانب المالي من مقدار الجزية) (20) اي انهم يقبلون المقدار الذي يفرضه الامام عليهم عندئذ لا ينطلق هذا الرأي من ان عقد هو الجزية عقد رضائي، انما عقد اذعاني كبقية العقود الادارية التي طرف منها الدوله وطرفها الاخر المواطن وينقل عنه ايضاً انه يرى ان الصغار قبولهم بالتزام احكامنا وجريانها عليهم، وهو ما اثبته في كتابه المبسوط (21) .

وهذا يسوغ :نظرية المواطنة

اذ ان صلب (نظام المواطنة) قبول المواطن بقواعد النظام العام والقوانين المشّرعة والنظام القضائي والضريبي للبلد الذي يعيش فيه .

وينقل العلامة الحلي عن ابن الجنيد انه يذهب الى ان الصغار (قبول احكام المسلمين عليهم في الخصومات بينا وبينهم، او فيما بينهم وهم يتحاكمون الينا (22) ، وتصاغ هذه الفكرة ان المصطلح يعني قبولهم (احكام القضاء الاسلامي) بناءً على افتراض مسبق في نزاهته ودستوريته وعدالته وحرفيته وعدم تعامله مع المترافعين في اروقته على اساس ديني او مذهبي او عرفي.

ونقل العلامه عن ابن أدريس : انه ذكر خلاف المفسرين ثم رجح ان المراد بالصغار الزامهم باحكام الاسلام ودمج معها (الا تقدر الجزية عليهم بقدر) (23) بل بحسب مايراه الامام . اي ان مقدارها غير ثابت انما يقدرها الامام سنوياً بحسب الظروف والمصالح العامة .

وعن المفيد : الصغار (ان يحملهم الامام على مالايطيقون حتى يختاروا الخلاص بالاسلام) ولعل المفيد وحده من يذهب الى هذا الرأي فلم اجد حدود التتبع من تبنى هذا الوجه من وجوه الحكمه ورجح العلامة رأي الشيخ الطوسي في الخلاف . اي قبولهم بسريان احكامنا عليهم .. (24)

 الفرضية الرابعة ماالسبب الذي وجبت الجزية لأجله ؟

في ادبيات الفقه الاسلامي هناك سبع نظريات في السبب الموجب للجزية ربما تتقارب فيما بينها او يكون بعضها عام وبعضها خاص

فقد ذهب بعض الفقهاء الى انها عقوبة لهم لأنهم بقوا على دين ثبت بالدليل العلمي نسخه بالاسلام، فاستوجبوا لذلك اذلالاً بفرض الجزية، وهذا السبب وان كان من وجهة نظر اسلامية يحمل شيئاً من المقبولية الا انه يتعارض مع مبدأ (لا أكراه) ، ومع مبدأ مواطئة الكتابي في دولة الاسلام، والمواطئة لاترتكز على العقوبة اي لايتعامل الاسلام (مع النصارى واليهود على انهم مجرمون من جهة العقيدة وتفرض عليهم عقوبات بسبب الجريمة العقائدية كالعقوبات المالية (الجزية) وتصل بهذه النظرية نظرية اخرى ترى انها بدل عن الكف عن قتلهم، والمدرك في ذلك محل مناقشه لان لاقتل الا على من قاتل المسلمين، وهؤلاء جنحوا للسلم لذلك اسقطت عمن لم يقدر على القتال منهم الجزية كالمجنون والشيخ الكبير والمرأة لانهم لم يقاتلوا المسلمين، ولانهم حتى لو قاتلوا لايجوز قتلهم متى احكمت السيطرة وعليه فهي عوض عن اعتبارهم مقاتلين وفتؤخذ منهم لهذا الاعتبار، لكن ذلك ليس اجماعاً اذ يقول الطوسي في المبسوط، تؤخذ حتى ممن لاقدرة له على القتال لعموم الآية، ولانهم لو وقعوا في الاسر جاز قتلهم.

ولو قيل : ان الجزية (بدل) عن سبيهم واسترقاقهم فانه يجب ان يكون بناءً على انهم (أسرى) ومع ذلك فان حكم التعامل مع الاسرى (مناط بالامام وحسب مقتضى المصلحة) والجزية عقد اجتماعي دائم فافترق الامر ومهما يكن من امر فان (هذا العوض: البدل) مقداره مجهول غير معلوم . لان الكثير من اراء الفقهاء تركوه للامام يحدده حسب الظروف ويتصل بهذه النظرية تلك التي ترى انها عوض عن اقرارهم على دينهم، ويرد اعتراض انه لو كان الامر كذلك .. لجاز توسيع المناط فيتم استبدال البقاء على دين ما، مقابل (مال) يدفعه شخص لدولة الاسلام .

هذه النظريات تشكل (محوراً) واحد يتعامل مع الجزية بوصفها عقوبة مالية.

هناك محور آخر يتعامل مع الجزية بوصفها وظيفة ماليه على (مواطن) لة وضع ثقافي مغاير لثقافة الاغلبية ويشتمل هذا المحور على عدة نظريات منها مايبتني على ان دار الاسلام (دار المسلمين فقط) والسكنى فيها اصلاً للمسلمين، ولاجل ان يساكنهم احد من غير المسلمين فعليه ان يقدم عوضاً لهذا المستوطن في بلادهم وهذه النظرية تقترب من فكرة اختصاص اقليم الدولة بلون اجتماعي وديني واحد، بيد ان النص حينما اجاز اخذ الجزية فتح الباب للاستثناء الى جانب هذه ترى نظرية اخر ى ان الجزية ليست الا مساهمة مواطن في بناء بلده، فطالما ان المسلم يجب عليه دفع الزكاة والخمس، ولأنه لازكاة ولا خمس على غير المسلم فصارت عليهم وظيفة ماليه ازاء بلد يتمتعون فيه بالمواطنة فصارت الجزية استحقاق مالي على المواطن للدولة مثل استحقاق الزكاة وقد تاول عدد من العلماء اواخر القرن ماقبل الماضي ان الجزية انما شرعت بدلاً عن مهام يقوم بها المسلم، ويعفى منها غير المسلم فاستوجب ذلك منهم مشاركة من قبيل الدفاع الشرعي عن الاوطان والمصالح الوطنية، فصارت الجزية كأنها الفرضية مساهمة مالية توضع في مجال الدفاع فاذا قبلوا الانخراط في جيوش المدافعين عن البلدان الاسلامية سقطت عنهم الجزية (25) .

 

الخامسة :  هل مقدار الجزية ثابت في اقله واكثره او هو ثابت في الاقل مفتوح في الاكثر او ليس هو من الثوابت لا في الاقلولا في الاكثر.

هناك عدة اقوال للفقهاء :

1- فمنهم من ذهب الى ان حديث النبي (ص) لمعاذ (ان يأخذ من كل حالم دينار) نص في مقدارها وحاصل ذلك ان الحد ثابت في الاكثر والاقل وعليه فقه الشافعية (26)

بينما : اعتبر غير اولئك ان مبلغ (دينار واحد) على كل رجل بالغ ليس الا الحد الأدنى . وقد نسب هذا القول لأبن الجنيد . (27) ولكن حتى لا يهدر النص الوارد مطلقاً، فقال لا يفيد النص الا تدبير امام الوقت نظراً للتغير اذي يحصل في الحياة .

 

اعتمد آخرون :

تجربة العصر الاول لتطبيق الجزية وتقسيمها على ثلاثة مستويات مستوى الاغنياء، وقد فرض عليهم (48) درهماً، اي ما يقابل بحساب العراق اربعة دنانير اوما يساوي بسعر الصرف اليوم (800) الف دينار سنوياً وعلى الطبقة المتوسطة (24 درهماً) اي مايعادل ديناران شرعيان ومايقابل (اربعمائة الف دينار سنوياً) وعلى الطبقة دون المتوسطة (12 درهماً) اي مايعادل دينار واحد اي (بما يساوي مائتا الف دينار سنوياً) . وقد عملت الدولة الراشدية على ذلك في زمن عمر ابن الخطاب وظلت هذه المقادير سارية المفعول حتى نهاية عصر خلافة الامام علي (عليه السلام) ، ولعل ذلك منها تقدير لما يناسب ذلك العصر يقول العلامة الحلي : (اما استدلالهم بان عليا وضع على الغني 48درهماً فانما هو على سبيل الاتفاق لمصلحة رآها لاما انه شيء لازم موظف لا يتجاوز قلة وكثرة (28) ....... الخ)

اي انه تدبير مصلحة وليس شيئاً لازما اما مشهور الامامية وربما وافقهم في ذلك فقه المالكية وغيرهم ان اقلها واكثرها بحسب مايراه الامام من تحقيق المصلحة العليا للدولة وللمسلمين وللذميين انفسهم يؤدي بنا الى :

انه اذا كان مبدأ استيفاء الجزية من الثوابت الدينية فان التطبيق العملي يعتبر من المتغيرات الزمنية المتروكة كمنطقة فراغ لاجتهاد امام الوقت وكما ان للامام ان يضع المقدار فله ان يفرض على المواطنين كافة مقداراً من المال للبناء والتنمية او يجعل (مقداراً ما) على فئة، كما لو جعل الحاكم ضريبة على المستثمرين او المستفيدين من منابع الانهار او الذي يتمتعون بأمتيازات جغرافية

او الذين يتاجرون بمواد معينة لاسيما عندما يراد تقليل الاتجار بها فان كل ذلك متروك لتقديره المصلحة العامة واذا كان هذا العصر يحكم بان المصلحة العامة تكمن في ان نتعامل مع مواطنينا جميعاً تعاملاً واحداً وللفسحة التي وجدها لنا التشريع في جعل الأمر للامام فانه عندما يرى وجه المصلحة يقرر ما يحققها ..

بيننا على هذه المسالة – فقهاً – تتفرع مجموعة فروع

الاول :

 1- ذهب الامامية في المشهور من مذهبهم انه لا تفرض على اهل الذمة ضريبتان كجزية الرؤوس، وجزية الاراضي لقد ذهب الشيخ الطوسي في كتابه (النهاية) ان ذلك لايصح (29) وبه قال القاضي ابن البراج وابن حمزة وابن ادريس ووافقهم العلامة الحلي على ذلك (30)

اما ابن الجنيد وابن الصلاح فقد اجازا الجمع بين وظيفتين والمستند في المنع رواية ابن بابويه في (من لايحضره الفقيه) (31) .

 

فقد سأل محمد بن مسلم الامام (ع) عن الخمس الذي يأخذه السلطان وياخذون من الدهاقين جزية الرؤوس اما عليهم في ذلك شيء موظف فأجابه الامام كان عليهم ما اجازوا على انفسهم وليس للامام اكثر من الجزية ان شاء الامام وضع ذلك على رؤسهم وليس على اموالهم شيء وان شاء فعلى اموالهم وليس على رؤوسهم شيء (32) فيما ارى مجملة تحتاج الى بيان

أ‌- الدهاقين: هل يراد بهم (مطلق الذميين) ام اصحاب الاراضي الواسعة التي يشتغل عليها لهم فيها اجراء (اي الاقطاعيين الزراعيين) .

ب‌- هل في ذلك اسقاط لوظيفة الخراج على الارض والاكتفاء بالجزية.

ان بقية ارائهم في كتبهم لاتعفيهم من وظيفة خراج الارض اذا ادى جزية الراس لاسيما في مباحث صيرورة الارض التي فتحها المسلمون عنوة لاسيما العامرة بشرياً او طبيعيا لذلك فاني ارى ان هذا المستند (عن ابن بابويه) يحتاج الى اضاءة للسؤال..ومعرفة لمقامية الجواب.

الثاني: ان المعسرعن اداء الجزية، هل تسقط عنه كبقية الديون التي هي من جنس حق الله ام تؤجل الى حين يساره لانها من جنس حق العباد للشيخ الطوسي قولان. فقد قال في المبسوط :تجب وينظر الى حين اليسار فان صار غنياً اخذت منه من يوم استحقاقها وقد وافقه في ذلك سلار، والشيخ المفيد، وابن حمزة، وابو الصلاح (33)

ولابن ادريس نظر في هذا الفقه (34) وقال في الخلاف:لاتجب، بل تسقط (35) ومعه في ذلك ابن الجنيد وايده العلامة على فتواه في المبسوط بعدم السقوط مستدلا بعموم الاية.. (36) واستدل القائلون بسقوطها بمدعى الاجماع، واصاله براءة الذمة لانها تجب مع التمكن وتسقط بسقوطه تكليفاًووضعاًلقوله تعالى (لايكلف الله نفساًالا وسعها) ولعل الاستناد الى الاجماع لامعنى له مع وجود المخالف وقد وردت اصالة البراءة معارضة بالاية، والاصالات تعمل عندما لايوجد نص موجب، او نص مانع (ناف) اما قولهم انالاية (لايكلف الله....) فان انظاره الى اليسار إعمال للاية ايضا.

ولاجل ذلك اختلفوا هل تجب على ذات الانسان كصدقة الفطر، ام على (مايملك) كالزكاة.فاذا كان وجوبها لذات الذمي فهي لاتسقط عن الفقير والعبد والمرأة..الامانص الدليل على عدم وجوبها .

 

وللشافعي ثلاثة اقوال

1- لاجزية على فقير عاجز عن ادائها وهو قول الجمهور.

2- يجب عليه فان لم يدفع يخرج من بلاد الاسلام اذ لاسبيل لاقامته بغير جزية.

3- او تستقر بذمته وتؤخذ منه اذا قدر عليها (38)

 

الراجح: انها لاتجب وذلك للادلة التالية

1- لقوله تعالى :لايكلف الله نفساً الا وسعها

2- تسقط كسقوط الزكاة والديه والكفارة عن العاجز

3- لاواجب مع عجز ولاحرمة مع ضرورة

4-  ان ديون الله غير ديون الادميين لان ديون الله تجري مجرى التسامح

5- دين الله على القادر وقت حلوله

فاذا قيل هل الجزية بدل اجارة السكن في دار الاسلام ؟

يرد عليه بان احكام الاجارة كلها غير موجودة في فقه الجزية فلا تعامل على انها بدل اجارة

اما اذا وجبت على من يملك فانها تسقط عن الفقير والمعسر لانه لايملك شيئا وتسقط عن العبد لانه مملوك، فهو لايملك اصلاً.

اختلفوا ايضا :اذا اسلم الذمي بعد حلول الحول ووجوب ما اقتضته الذمة؟ما الحكم

اختار الشيخ الطوسي:انها تسقط عنه لان الاسلام يجب ما قبله..

الى ذلك ايضا ذهب المفيد، وابن البراج وابن ادريس ونقل الشيخ عن جماعة قولهم بالوجوب.

 في حين فصل ابو الصلاح انها تسقط اذا اسلم قبل انتهاء الحول، وبذلك يكونوا قدتعاملوا معها بين كونها ديناً للمجتمع، او عقوبة على الذمي فمن تعامل معها انها (ديناً) ذهب الى انها لاتسقط كالضريبة المترتبة عل المالك،، لذلك قالوا اذا اسلم اثناء الحول اخذت بقد ما مضى من العام .

اما من عاملها بانها عقوبة، فان سببها قد انتفى فتسقط بسقوط السبب لذلك قالوا هي صغار وان الاسلام يتنافى مع الصغار.

اختار العلامة انها عقوبة واستدل لسقوطها بعموم الكتاب واستنتاجه انها وضعت للصغار والاهانة وهو مناسب للكفر وغير مناسب للمسلم.

اما القائلون بعدم سقوطها فقد استندوا الى رواية حفص بن غياث لقياسهم على المراةوكان جواب العلامة:ان حفصا عامي لايعول على روايته لاسيما اذا عارضها قرآن.

لكن: لقد سبق القول ان مقدارها في الاقل والاكثر لما كان متروكا لامام العصر وبحسب ما تقتضيه المصلحة، وان ذلك مبدأ عاماً، فعلى وفقه يترك الامر لتقديره وضعاً او اسقاطاً.

التفريع الرابع:ماذا لوطلبت المرأة من اهل الكتاب عقد ذمة لها فقط هل تؤخذ منها جزية رغم ان الاصل انها ممن لاتؤخذ منها الجزية اصلاً

قال بعض الفقهاء: 

يعقد لها عقد ذمة، بشرط جريان الاحكام عليها ولاتسبى كبقية نساء الكفار عند اسرهم ولاتؤخذ منها (الجزية) .

وقال اخرون:يسوف امرها حتى يتم فتح البلاد فيتم سبيها

وذهب فريق ثالث:الى انه لاتصح اجابتها.

يرى العلامة :ان النسوة اذا طلبت الجزية منهن فهذا شرط يخالف المنصوص ويؤسس على انهن في حالة الارض المفتوحة (سبي) والسبي مال والجزية تؤخذ من الرؤوس ولاتؤخذ من المال.

 

 

السادسة:ماالالتزامات الاخرى في محاور التعامل المدني والديني والجنائي؟

في التعامل المدني :

ذهب بعض الفقهاء الى ان حزمة الحقوق المدنية للكتابيين الذميين هي اقل من حزمة حقوق المواطن المسلم ومن ذلك مثلاً ما ذهب اليه بعضهم انه لايرى له الحق في احياء الارض والمعادن والمياه .

قال احمد:يملك الذمي بالاحياء كما يملك المسلم، خلافاً لفقهاء المدينة (الذين يمنعونه) واهل البصرة الذين يضاعفون عليه العشر وما ذهب اليه الحنفية والمالكية انه ليس عليه فيما يملكه من الاحياء شيء.ومذهب الشافعية ان يستحصل اذن الامام، رغم ان مذهبهم في المسلم عند الاحياء انه لايحتاج اذن الامام لان الرسول (ص) قال : (موتان الارض لله ولرسوله ثم هي لكم) (37) . وليس في اموالهم وتجارتهم (صدقة) ، اما اعمالهم في ارض الخراج فعليها الخراج. وللفقهاء اقوال اذا عملوا في الارض العشرية:

1- اذا اشترى الذمي ارض عشر تحولت الى ارض خراج (ابو حنيفة)

2- يضاعف عليه العشر (ابي يوسف)

3- يبقى العشر على حاله (محمد بن الحسن الشيباني)

4- ليس عليه شيء (لاعشر ولا خراج) لان الذمي لاتنطبق عليه احكام العشر ولا الخراج

5-  (مالك) يؤمر ببيعها لان بقاءه عليها تضييع للصدقة.

وقاس الحسن بن صالح الارض على الماشية قال ارايت لو اشترى ماشية فان الصدقة تسقط عنه فلو استاجر من مسلم ارض عشر، فلا شيء عليه، لان الزرع ليس للمسلم فلا زكاة، وليس على الذمي خراج لان اصل الارض عشرية.

سال الناس احمد بن حنبل عن الذمي يشتري ارض عشر قال لا اعلم عليه شيئا..وذكر قول اهل المدينة انه لايترك ان يشتري ارض عشر حتى لاتذهب الزكاة، ثم قال ويعجبني ان يحال بينه وبين الشراء.

وقال الفقهاء :انهم يمنعون من دخل جزيرة العرب.

وحدد الاصمعي:جزيرة العرب قال هي من ريف العراق الى عدن طولاًو من تهامة الى اطراف الشام عرضاً فقط.

وذهب احمد الى انها (المدينة المنورة وما والاها) و حتى هذه المناطق فيجوز دخولهم اليها للتجارة.

اذا اظهروا المحرمات، وبنو الكنائس، وضربوا النواقيس واطالوا البناء..هل تنتقض الذمة؟:ذكر العلماء اربعة اقوال:

الاول:لاينتقض الا اذا اشترط عليهم في عقد الذمة

الثاني:لا ينتقض سواء اشترط عليهم او لا

الثالث:يعزر الفاعل، او يحد اذا ارتكب عقوبة حدية

الرابع:ينتقض العهد للرواية

راي الشيخ الطوسي: نقل العلامة قول الشيخ انهم

- اذا ارتكبوا حداً في شرعهم (اقيم عليهم الحد)

- اذا فعلوا ما يستحلونه لايتعرض لهم ما لم يظهروه فاذا اظهروه فللامام ان يقيم عليه الحد.

 

اما اذا انهدمت كنيسة:فلهم الحق في بنائها واستدامتها بناءاً على الجواز مقابل رأى يذهب الى المنع.

علل الشيخ الطوسي:باننا طالما اقررناهم على ابقاء الكنيسة سمونا ببنائها فلو منعناهم من بناء ما انهدم لكان عهدنا لهم لامصداقية له.

وعلل القائلون بالمنع:بانهم اقروا علينا ساعة انعقاد عقد الذمة وعلى ما هم عليه، فان انهدم شيء بعد ذلك لايعاد لعدم وجود الدليل على الجواز، بل لعموم كون الكنيسة مكان لايمت لشعائر الله بصلة من وجهة نظرنا فلا يجوز تعميره لان استدامة ذريعة الى خلط عقائد المسلمين وسداً للذريعة لاتبنى.

يقول العلامة: الاقرب الجواز لان لهم الاستدامة، وعليه جاز لهم اعادة البناء في بيوت اهل الذمة. (39) وقيل : هل يجوز ان تطال على بيوت المسلمين من مجاوريه.

قال المحقق الحلي:نعم واحب الشيخ الطوسي له ان يقصره عن بنيان المسلم وجوز ابن ادريس للذمي ان يعلي داره على مجاوريه ومنع العلامة من ذلك دليله:الاسلام يعلو ولا يعلى عليه دليل المجيزين :انه ملكه ويجوز له ان يتصرف بملكه

هل تتدخل الدولة الاسلامية في عقيدة الذمي اذا انتقل من اليهودية الى المسيحية

.نقل عن الشيخ الطوسي قولان:

الاول: انتقاله جائز لان الكفر ملة واحدة

الثاني:لايجوز لقوله تعالى (ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه) يستعرض العلامة: دعوى اجماع الشيخ على غير الجواز وقوله لاسيما وان الدين الذي انتقل اليه دين مقبول ويناقشه العلامة :ان قوله تعالى (ومن يبتغ....) فيراه عام في المسلم والذمي ولقوله (ص) من بدل دينه فقتلوه. لكن :لايمكن اخذه على عمومه لاننا اذا اخذناه على عموم وجب ان يقتل من يبدل دينه الى الاسلام.

لكن:هل يقر من ينتقل من المسيحية الى اليهودية (40)

الشيخ في المبسوط :لايقر ويعتبر مرتداًفيطالب اما البقاء على المسيحية او الانتقال الى الاسلام

قال العلامة :اذا قيل لايقبل منه الا الاسلام كان قوياً، اما اذا انتقل الى دين وثني فلا يقبل منه مطلقاً.

وعند ابن الجنيد:اذا كان الدين الذي انتقل اليه مما يؤخذ من اتباعه الجزية فأنه يقر.

اما اذا انتقل الى ما لايقر عليه، لايباح له لانه انتقل الى ما يجوز اقراره عليه لانه بانتقاله الى ما لا يجوز اقراره كانه قد اهدر دمه وصار بحكم المرتد الذي لا يقبل منه الا الاسلام.

 

...............

هوامش

1- فقه العلاقات الدولية:ظ:علي علي منصور

2- اسماعيل كاظم خواص المعاهدات في الشريعة /ماجستير

3- خالد رشيد الجميلي :احكام الاحلاف والمعاهدات/دار الحرية –بغداد 1986

4- محمد ابو زهرة :العلاقات الدولية في الاسلام، الدار القومية 1964

5- للتفاصيل :ظ د.خليل رجب الكبيسي السلام في الاسلام رسالة ماجستير\ كلية الشريعة \جامعة بغداد 1987

6- د.عبد الكريم زيدان :احكام الذميين ومستامنيين

 7- للاستفتاء الشعبي في الشريعة الاسلامية

8- د.عبد الامير زاهد:اعادة تشكيل هوية المواطنة :مجلة حولية المندى

9- د.عبد الكريم سروش:نظرية القبض والبسط في الشريعة ص97

10- ذهب الكثير من الفقهاء انه لاتقبل الجزية من العربي، لان النبي لم ياخذها من مشركي العرب مع عدم الاعتناء بان آية الجزية نزلت بعد عام تبوك وكان اكثر العرب وقد دخلوا الاسلام ظ:احكام اهل الذمة ج1 ص4

11- القرطبي الجامع لأحكام القرآن ج8/110

12- وهبة الزحيلي:آثار الحرب في الفقه الاسلامي دراسة مقارنة ب.ت

13- ابن تيم:احكام اهل ج1\ص1

14- البخاري :الجامع الصحيح ج . ص، نصب الراية ج 6 ص8

15- العلامة :المختلف ج4\ 443

16- العلامة:الختلف 4\444

17- مغني المحتاج

18- بدائع الصنايع

19- العلامة:المختلف 4\445

20- المبسوط للسرخي ج4\446

21- المبسوط 2\36

22- العلامة:المختلف 4\446

23- الطوسي:المبسوط ج

24- سورة التوبة

25- ابن ادريس :السرائر 1\473

26- العلامة:المختلف 4\447

27- :محمد عبده:تفسير المنار، آية الجزية

28- مغني المحتاج ج4 ص111، احكام اهل الذمة ج1\12

29- المختلف 4\449

 30- العلامة الحلي:المختلف 4\450

31- الطوسي :النهاية \193

31- المختلف4\448

31- السرائر 1\473، المختلف 4\448

 32- من لايحضره الفقيه2\27-28

33- المبسوط 2\38

34- السرائر 1\475

35- الخلاف الجزية المسألة 10

 36- العلامة:المختلف 4\450

37- ابن قيم الجوزية:احكام اهل الذمة 1\16

38- د.محمود المظفر:احياء الارض الموات

39- المختلف ج4\456

40- المختلف 4\458

المدخل: الفقه محمول وموضوع، قضية وحكم، واقعة وتكليف، محوران متلازمان بينهما علاقة جدلية ويؤثر كل منهما في الآخر هكذا بدأ الفقه اول ظهوره وهكذا استمر، بل لقد سبق في بعض مراحله الواقع

 

فكان يفترض الواقعة ويصمم حولها وهو اشبه بالدراسات المستقبلية التي ترصد الحاضر وتستكشف المستقبل وتصنع الخطط اللازمة للتعامل معه، بيد ان وقف الاجتهاد الرسمي في القرن الخامس، جعل الوقائع والموضوعات هي المتحرك، والحكم الفقهي هو الساكن، وبذلك صار (الحكم) او (الفتوى) القديمة تطبق قسرا على الموضوع الجديد الذي قد يباين الموضوع الذي شرع له الحكم سابقاً.

 هذه احدى مشكلات التعامل التراث الفقهي الذي تعجز محاولات التجديد او التحديث التي يتبناها المجتهدون انفسهم عن معالجتها لأن كماً واسعاًمن تقاليد الاجتهاد تتقبل بسهولة (المشهور) او ما لاخلاف فيه، وتتبنى اتفاق المجتهدين، وسيرة المتشرعة على الموضوعات القديمة وتتبناها على الوقائع الجديدة حتى لو لم ترتق الى علاج مشكلتها بيد انها ترجح الحكم على عموم الموضوعات دون ان تلاحظ باهتمام التفاصيل التي تغيرت داخل ذلك العنوان من ذلك مثلاً احكام (اهل الذمة) في الفقه الاسلامي.

 

تحليل الموقف الفقهي الراهن:

الموقف الفقهي الراهن يعيد الاحكام التي دونت في المتون والمطولات الفقهية السابقة رغم تغير الاوضاع.

فبالامس كان العالم القديم قد اختار ان يقسم نفسه تقسيما دينيا، وقد ابتنت الدول والجماعات والامارات على اساس ديني، وازاء هذا كان لابد للفقيه المسلم ان يتجاوب مع هذا الاختيار، ويشرع له ويجعله الفصل في القسمة والقسيم، وكان على وفق ذلك التقسيم ان الناس يصنفون اما مسلمون او غير مسلمين فقد يكونون من اهل الكتاب (يهود ونصارى) ووقد يكونون وممن الحق بهم مثل المجوس والصابئة، او عبدة الكواكب واما المشركون صراحة بوحدانية الله كالبوذيين والوثنيين واتباع الديانات الطوطمية فهم في التقسيم الديني هو القسم الثالث ...اذن فتصنيف المجتمعات يجري على معيار ديني فالناس اما اذن مسلمون او اتباع الكتب السابقة او مشركون.

وتفريعا على هذا التصنيف قسم العالم القديم سياسياً الى دار الاسلام (وطن المسلمين، الدولة الاسلامية) ودار الكفر (وطن الكتابيين المشركين) الذين قد يكونون محاربين للمسلمين فتكون اوطانهم دار الحرب او يكونون ممن عقد اتفاقية عدم اعتداء ودار فتسمى ديارهم دار العهد اي وطن (الذين عقدوا معاهدة سلام وعدم اعتداء مع المسلمين) وعلى اساس هذا التقسيم تأسس فقه العلاقات الدولية انذاك. (1) ونجد في الفقه الاسلامي رؤيتان تتنازعان الصدارة وهما:

الرؤية الاولى:ترى ان الاصل ان المسلمين مكلفون بتحرير العالم كله من العقائد الباطلة (غير الاسلام) وايصالهم الى عقيدة الاسلام بكل الوسائل بما في ذلك الوسائل المسلحة واستخدام الحروب والفتوحات العسكرية.

الرؤية الثانية :ترى ان الاصل في علاقة المسلمين بالامم الاخرى هي علاقة تعاون وتكامل وان امة الاسلام مكلفة بالدعوة السليمة الى الله، على ان لايتسبب المسلم ابداً بالاضرار بالغير بسبب مغايرة العقيدة انما يدعوه بالحكمة والموعظة الحسنة، وليس النزاعات المسلحة الا اضطراراً من المسلم للدفاع عن نفسه او كيانه او حقه في الدعوة والتبليغ، لرد العدوان سواء الواقع او المتوقع (2) .

و بالدخول في التفاصيل سوف نجد ان المساحة المشتركة بين هاتين النظريتين تتسع بعد اختزال الاراء المتطرفة سواء عند الفريق الراديكالي الاسلامي، او الفريق الليبرالي الاسلامي اوعند اليمين المحافظ من الاسلاميين.

لقد تفرع عن المعيار الاساس الذي قسم عليه العالم القديم وهو معيار الديانات ان الدين صار اساساً للعلاقات الخارجية واساساً لتقسيم رعايا الدولة الاسلامية نفسها، ففي الداخل (العالم الاسلامي) جعل المجتمع السياسي مقسم الى (مسلمين) و (ذميين ومستأمنين) (3) ، فالمسلمون مواطنون مستقرون دائمياً على اقليم الدولة الاسلامية، ولهم مجموعة من الحقوق وعليهم الواجبات، والذميون ايضا (مواطنون) من اهل الاقليم اختاروا البقاء على ديانتهم – الكتابية- غير الاسلام مقابل حقوق ربما تكون منقوصة او واجبات مضافة على الاقل من وجهة نظرهم بينما ، هي من وجهة نظر المسلمين عكس ذلك فهم يعتقدون ان لديهم امتيازات ليست للمسلمين وان كثيراً من الواجبات على المسلمين اسقطت عنهم مقابل ضريبة مالية، اما الصنف الثالث (المستأمنون) وهم اهل الديانات كافة من غير الاسلام-الذين يطلبون (الموافقة الرسمية على الاقامة غير الدائمة في بلاد المسلمين لاغراض العمل او الدراسة، او لأي غرض مشروع آخر على ان يلتزموا بموجبات النظام العام والقوانين الوطنية التي تسمى وثيقة الاستئمان وتبعا لهذا التقسيم فان (اهل الذمة) هم مجموعة اجتماعية وجزء من مكونات مجتمع الدولة الاسلامية وان لهذا المكون ثقافة خاصة وشعائر وعقائد وبنية معرفية واعراف اجتماعية تشكل جزءاً من ثقافات التنوع لدى مواطني الدولة الاسلامية وان هذا المكون يؤمن بالعيش المشترك على اقليم الدولة ويسعى الى بتنمية ثرواته وتحقيق التقدم فيه ويهدف الى ان يتمتع اهله بخيراته وينالون الفرص الوظيفية والسياسية بحسب وثيقة العهد وما نصت عليه والاحكام الدستورية الخاصة بهم وبذلك تظهر من هذه الزاوية مجموعة مفاهيم ترتبط بهذا الواقع ابرزها (مفهوم الامة) و (مفهوم الشعب) .

ويراد (بمفهوم الامة) :الجماعة البشرية التي يجمعها رابط معنوي مشترك كالدين الواحد او اللغة، او الحضارة فهي تترابط مع بعضها على اساس ذلك المشترك ولايشترط في تماسكها ان يكون لها اقليم ارضي واحد، او حكومة واحدة، او حتى دستور دولة موحد. (4)

وكمثال على ذلك فان العرب او الكرد من حيث كونهم امه لانهم تجمعهم لغة واحدة او حضارة واحدة فانهم مهما توزعوا في اقاليم دول متعددة او خضعوا لحكومات متعددة فانهم (امة واحدة) وكذلك المسلمون في العالم (كونهم يتبعون ديناً واحداً) يجمعهم فهم امة واحدة من دون ناس، يتآخون على اساس هذا الرابط المعنوي المشترك .

اما الشعب:فهم مواطنو الدولة سواء كانوا جماعة متجانسة دينيا ًاو عرقياً ولايشاركهم في وطنهم اخرون ممن لهم ثقافة اخرى او انهم مجموعة مسلمين ولكن تشاركهم جماعات اخرى لهم دين او حضارة اخرى، كما لو كانوا متعددين (لغة/ديناً/حضارة) بيد ان هذه الجماعات المتعددة الاعراق والثقافات ولا تعتبر مجتمعا سياسيا معترفا به دوليا مالم تكن لهم دولة لايكتسب مفهوم الشعب الا اذا كان لها اقليم محدد جفرافيا وسياسيا وحكومة يخضون له، وقوانين يلتزمون بها واعلاها الدستور لتتشكل الدولة من عناصرها الاربعة (الشعب/الاقليم/الحكومة/السيادة) .

 

مما تقدم يتقرر:

1- ان المواطن المقيم اقامة دائمية في اقليم الدولة الاسلامية ايا كان دينه (مسلماً او كتابياً) يكتسب حق العضوية الكاملة في مجتمع الدولة السياسي، وله الحق في اكتساب الجنسية والتمتع بامتيازاتها كافة. (5)

2- في الوقت الذي كان العالم يقسم نفسه على اساس ديني محض ويمنح الحقوق على هذا الاعتبار فقد تبنت الشريعة الاسلامية نظرية (لا اكراه في الدين) واقرت بوجود الاديان الاخرى رغم ان تلك الاديان لم تعترف بالاسلام دينا واحترمتها وامرت اتباعها بالايمان بها، وسمحت لاتباع تلك الديانات باكتساب صفة المواطنة في دولة اسلامية، وهذا في ذلك الوقت يعد امتيازا يحسب للشريعة الاسلامية ولتجربتها السياسية.

يترشح مما تقدم ان الاقليم الواحد من اقاليم العالم الاسلامي المعاصر قد يضم مجموعة من المسلمين ترتبط بيد انها بارتباطين

أ‌- ارتباطها مع مجتمع الاقليم وعناصرها الاربعة فشعب الاقليم قد يضم غير المسلمين الى جنب المسلمين ويخضع لحكومة الاقليم وقوانينه ويعيش على تربة ذلك الاقليم وهذه رابطة المواطنة.

ب‌- ارتباطها مع امة الاسلام المنتشرة في العالم برباط اخوة الدين والامتثال لوجوب التضامن والتكافل والتآزر والنصرة والسعي المخلص لاقامة الدولة الربانية القرآنية العالمية التي تقيم العدل وتحكم بقيم الاحسان ومباديء الحكم الصالح.

لكن:لتطور الحال ودخول تفضيلات سياسية في سلوك الحاكمين، وزرع الشعور بالعلو والتفوق والتسيد بسبب الانتماء للدين فقط .مما لايراه عدد من المفكرين الاسلاميين الا فهماً بشرياً يخضع بطبيعة الاحوال الى اثر الزمان والمكان والوعي والمعرفة (6) وهو نوع من الفهم النسبي البشري مما دعا الى اختيار مجموعة من الترجيحات كاحكام ازاء المواطنين المختلفين معنا في الدين رغم قبول مواطنتهم وكانموذج لهذا الفهم ساستعرض بعض احكام الفقهاء المسلمين من المذاهب موضوع اهل الذمة كافة واركز على (نص كتاب المختلف) للعلامة الحلي لاعتبارات اكاديمية منها :

- ان كتاب مختلف الشيعة في تحصيل الشريعة الاسلامية للعلامة الحلى خلاصة شاملة للاحكام والادلة والافكار التي سادت منذ بواكير عصور الفقه عند الامامية في القرن الرابع حتى عصر العلامة الحلى، الذي يعد الشخصية التي استوعبت بجدارة كل ثقافة عصره وماسبقه وكان من موضوعيته انه يستبسل في الدفاع عن اراء مخالفيه ويستعرض باخلاص ادلتهم الاصولية في الوقت الذي يدلل فيه على اختياره، ويبين القوادح في ادلة مخالفيه بلغة اكاديمية وقيم حوارية عالية

- انه ثايناً لم يهمل فقه المذاهب الاخرى وادلتهم في الكثير مما عرض من مسائل، رغم ان اؤلئك لم يتطرقوا الى فقه الامامية اطلاقاًلا في كتبهم المذهبية، ولا فيما سموه بكتب الفقه المقارن

و اشير هنا الى اني لست ساعياً الى عرض او اعادة انتاج المادة العلمية لكتاب المختلف بقدر ما انا متجه تماماً نحو تفسير سوسيولوجي، او محاولة لتلمس تيارات الوعي المنتجة لمثل هذه الاحكام للاراء الفقهية في محاولة للتحري عن ايدلوجيات التعامل مع الآخر، ومحاولة الكشف عن مدى التغاير بين مقتضى النص ومعطى المقصد وبين الفهم المرتبط بمقتضى العصر الذي يعيش فيه ذلك الفقيه باحداثه التي ترجح له اختياراته..

قراءة في فقه المختلف (احكام اهل الذمة)

سيكون هذا البحث اجابة عن مجموعة اسئلة تشكل مداخل لفهم مسار التفكير واساسياته، ومن تلك الاسئلة .

1-هل الجزية مدخل دستوري لضم مواطنين من الاديان الاخرى مطلقاً الى مجتمع الدولة الاسلامية

2-هل يقبل الاسلام تواجد هؤلاء الناس على الارض المفتوحة مقابل (وظيفة مالية) بحيث يستبطن ذلك الرغبة في جلائهم فيما بعد، او ضم ارضهم.

3- هل نظام الجزية :نظام صلح عقائدي هدفه التعايش بين اتباع الاديان فتكون الجزية صيغة بديلة عن صيغ النزاع المسلح لاسباب دينية.

4-  هل يعد مجتمع الدولة الاسلامية مجتمعاً مدنياً بحيث يراعي صنع السلام المجتمعي بين الاديان الكبرى – وعليه فيجب يقر على دينه من يفضل البقاء عليه سواء كان العربي وغير العربي (7) طالما ودفع الجزية ودخل في عقد الذمة فان كان اختيار الديانات الكتابية يحقق نصف المطلوب العقائدي اي الايمان بالله الواحدو النبوات والمعادو هذا مسوغ شرعي للتعامل لادخل له بالقومية، صحيح ان اللغة عنصر جاذب للاسلام فدخول العربي في نظام الذمة سيمهد له الاطلاع على القرآن الكريم من خلال لغته فتكون الذمة مقدمة لجلبه الى الاسلام وهذا الافتراض عكس ما يراه اغلب الفقهاء من ان العربي لاتقبل منه الجزية

فاذا كانت الغاية (بناء قاعدة المواطنة) فتحقق الاقامة التاريخية على اقليم الدولة يلزم منه قبول الكتابيين ومعهم (اتباع الديانات الاخرى) طالما التزموا بالنظام العام.

لعل ذلك هو الذي نقله القرطبي عن الاوزاعي من انها تؤخذ من كل انسان سواء كان عابد وثن او نار او جاحد او مكذب وكذلك قال مالك :يؤخذ من جميع اجناس الشرك عربيا او عجميا وقال تلامذته _ابن القاسم واشهب وسحنون) تؤخذ حتى من مجوس العرب. (8)

5- كيف يفهم المفسرون والفقهاء (مصطلح) الصغار الذي ورد في آية الجزية في القرآن الكريم، وكيف يؤثر ذلك الفهم على نوع التعامل من الآخر الديني؟

6- لم وجبت الجزية :هل هي عقوبة لهم على عدم ايمانهم بالاسلام

او هي عوض عن الكف عن قتلهم ؟

او هي عوض عن اسكانهم في دار الاسلام؟

او هي عوض عن اقرارهم على ديانتهم

او هي وظيفة مالية تؤخذ منهم كما تؤخذ الزكاة والخمس من المسلم للمساهمة في التنمية ؟

او لانهم معفوون من اداء الكثير من الواجبات (مثل الدفاع عن البلد)

7-  هل مقدار الجزية محدد في اقله، او في اقله واكثره ام هو متروك للدولة تحدده ضمن وظيفة (صلحية) ؟

وهل تجب على (العاطلين عن العمل) او عموم الفقراء؟

وهل تجب على (الحراثين والفلاحين) ؟

وهل تجب على الشيوخ (كبار السن) ؟

8- هل يصح فيها الازدواج الضريبي اي على الرؤوس، والاموال، والاراضي؟بسبب اختلاف الدين فقط؟

9-  ما الالتزامات الاخرى المفروضة على الذمي ؟ في مجال التعامل المدني (المحرمات) تحريم الذبائح والمناكحات وفي التعامل الديني (شعائره) وفي التعامل الجنائي

10- هل في الاية الكريمة (آية الجزية) وجه دلالى آخر.غير الذي اعتاد المفسرون ذكره من اراء فقهاء القرن الرابع والخامس الهجريين.

باستكمال الاجابة على هذه الاسئلة يتضح التاسيس المرتجى من هذا البحث وتؤدي القراءة التحليلية مهمتها العلمية

 

الاشتراط العقائدي للمواطنة.

للاجابة على الافتراض الاول من البحث اود الاشارة الى ضرورة التفريق بين فقه الفتوحات واثارها على الهيكل الحقوقي وبين فقه الدعوة واثارها، ففقه الفتوحات عبارة عن تنظيم لآثار الحرب، وتداعياتها، ومثاله الموقف من الارض المفتوحة والانسان الذي خسر الحرب وسيكون ذلك الفقه مترتبا على معطيات القوة والغلبة وعوامل الصراع بينما فقه الدعوة سيكون فيه الموقف من الانسان والارض بناء على الحق والاستحقاق وما تقتضيه القيم الانسانية (9) .

ففي الازمان التي انتجت غالب المعرفة الفقهية لم تكن الحرب هي الضرورة التي يلزم ان تقدر بقدرها، انما كانت الحرب هي القاعدة المتحكمة في رسم العلاقات بين الامم.لذلك جاء الفقه الدولي بوصفه منظماً لسلوك النزاعات ناهيك عن انه الاساس الذي يصف عليه الانسان (الدين) وليس القومية او الجغرافيا وبما ان (الدولة الاسلامية دولة دينية فقد اتسعت بنظام الفتوحات) فصار ضم المواطنين لرقعتها الجغرافية يفرض على الفقهاء ان يراعوا في المواطن الجديد (طبيعة الانتماء الديني) لذلك الانسان لذلك فرق الفقهاء بين

- اتباع الديانتين اليهودية والنصرانية عن غيرهم من اتباع الديانات الاخرى فالمجوس مثلاً لم يلحقوا حتى شهد عبد الرحمن بن عوف ان النبي اخذها من مجوس حجر فقال (ص) (سنوا بهم سنة اهل الكتاب) قال ابن قيم وهذا صريح في انهم ليسوا اهل كتاب) (10)

- و بموجب النص النبوي الحقوا ولكن ليس الحاقاً تاماً اذ أمر (ص) ان لاتؤكل ذبائحهم ولاتنكح نساؤهم. (11)

- ثم اختلفوا في الحاق الصابئة بهم اختلافا شديدا لذلك ينص العلامة في المختلف :

على ان الاجماع منعقد على ان المشمول بعقد الذمة هم (اهل الكتاب) وانه منعقد على ان النص النبوي الحق بهم المجوس بفارق الا تؤكل ذبيحتهم ولاتنكح النساء منهم (12) .

ويشار هنا الى ان العلامة استفاد من عدم ذكر ابن ابي عقيل الفقيه الشيعي من الرعيل الاول للمجوس استفاد عدم ادخالهم، وان حكمهم غير الحكم في اهل الكتاب، بدليل عموم (قاتلوا المشركين) ثم يرد العلامة الاستدلال بان هذا العموم مخصص بخبر الواحد لاسيما المستفيض منه الذي ادخل المجوس في احكام اهل الكتاب .

وينقل العلامة عن مالك قوله ان كل دين غير الاسلام حكمه حكم المجوس وكأن النبي (ص) عندما الحق المجوس بأهل الكتاب قد فهم منه انه لايريد به خصوصهم انما عموم اهل المعتقدات الاخرى بناء على تعدية النص. (13)

 ان المسلك الفقهي هذا يفتح باب المواطنة في الدولة ليس على اساس ديني، ولا على اساس انتقائي، بل على اساس الانضمام بموجب العقد الدستوري الذي سينظم العلاقة بين (الجماعات المتعددة) و (الدولة) .

 اما الصابئة فقد وقع الخلاف فيهم عند فقهاء المذاهب الاخرى، فعن الشافعي ان حكمهم حكم المجوس قالوا (وهو مذهب عمر بن عبد العزيز) (14) والحقهم فقهاء الحنفية بالنصارى (15) .

انما الحقهم الشافعي بالمجوس شمولهم بتوسيع مقتضى النص والحقهم الحنفية لجهة تقارب معتقداتهم مع المعتقد النصراني ويتوقف العلامة الحلي فيهم وذلك لان سنة الرسول توقفت على المجوس، ولم تعط الصابئة حق الاستفادة من عقد الذمة، فلا يلحقون باهل الكتاب بناء على مدركة الفقهي –عدم التنصيص – واما التشابه في المعتقدات كما ورد عن الحنفية فهو عند العلامة الحلي (فهم مجتهد) لذلك يقول العلامة الحلي لو خلينا والقياس لكانت المانوية والمزدكية ملحقة بالمجوس لتقارب اصول مذاهبهم ولكانت المرقونية والماهانية اقرب الى النصرانية ويرتب العلامة على ذلك انه لو كان طريق التقارب في اصول المذهب مناطاً لكان الصابئة اقرب لعبادة الاوثان من المجوس (16) لانهم يعبدون الكواكب.

 وبذلك يفهم:

1- ان باب المواطنين الى مجتمع الدولة الاسلامية مشروط بالكتابي، ومن الحقه النص به، وفي غيره خلاف اظهره المنع.

2- ان المستخلص ليس المراد منه فتح الباب لكل من رغب من اهالي البلدان المفتوحة في الابقاء على نفسه من مواطني الدولة ..انما هناك ماعدا هؤلاء ممن لايقبل منه الا الاسلام، او الجلاء عن ارضه او القتال، وهنا تجد موقفا يحتاج الى تامل فاذا كان المناط كله عبارة عن عقد اجتماعي ناتج عن ارادة بالالتزام باحكام عقد الذمة وان مبدأ لا اكراه في الدين مبدأ عام يشمل به اتباع الاديان وان الالحاق النبوي للمجوس وان كان قد علل فيما بعد انهم قد كان لهم كتاب فاحرقوه.. الا ان التعليل ذاته يشير الى شركهم فلا يتساوون مع من يقدس كتابه ويحترمه على ما نراه من انه محرف من وجهه نظرنا فصار الالحاق ليس باباً من ابواب توسيع المواطنة على اساس تعاقدي انما على اسس دينية حددها النص .

3- ان باب السلام المفتوح، وباب اجارة المشركين وابواب اخرى مفتوحة لاستماع كلام الله (وان مشرك استجارك فأجره..)

ان افتراض مقاصد المعايشة مع المجتمع الاسلامي يفتح الباب واسعاً لقبول عقد الذمة من اهل الاديان كافة واهل المعتقدات كافة على امل الاستماع الى الكلمة الربانية الصحيحة.

4- ان ملكية الكتابي او غير المسلم للارض واستقراره عليها –قبل دخول المسلمين لها –يكسب ذلك (الشخص) درجة من الحق فيما يملك او ما درج عليه..وليس من الانصاف ان يجد ما عدم قبوله عضواً في دولة الاسلام لكي يضطر الى واحدة من ثلاث اكراهات

الاولى :ان يترك وطنه مهاجراً لبلاد الكفر وهذا معارض بعدم اكثار الكفار والمحاربين

الثانية:ان يدخل مجبراً في دين الاسلام وهذا معارض مع مبدألا اكراه في الدين

الثالثة :ان يقاتل المسلمين وهذا غير مقصود لان الاصل الاسلام

وهذه الاكراهات الثلاثة هو لايريدها، او لايختار احداها، بل عنده رغبة قوية في التعامل مع الوضع الديني والسياسي للمسلمين على اساس قانوني.

 

الفرضية الثانية: قضية دخول العرب وعد دخولهم في عقد الذمة

اجمع الفقهاء : ان الجزية تؤخذ من كل الامم من اهل الكتاب الا العرب، فلا يقبل منهم الا الاسلام او السيف (17) ولكن وان ورد على هذا الاجماع اكثر من استثناء .

من ذلك مثلا ً:النصارى بني تغلب الذين هددوا بالالتحاق بالروم، فأشار الصحابة على عمر بان لا يسميها الجزية انما يأخذ منهم العشر مضاعفاً.

فاذا كان المناط (الدين) فلماذا تقبل من نصراني ولا تقبل من نصراني أخر، وان كان الواقع والمصلحة العليا للمسلمين فهو الغرض الذي نلاحقه في فقه المقاصد .

هل لان العربية لغة هذا الدين، ووعائه البشري الاولهم العرب، كان هذا الموقف الضاغط على امة العرب بتضيق لخيارات بين الاسلام او السيف (18) .

الفرضية الثالثة :ورد مصطلح (الصغار) في الاية الكريمة (حتى بعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) (19)

 وقد تعدد فهم الناس للصغار على اقوال استعرضها العلامة:

- نقل عن الطوسي في كتابه الخلاف ان الصغار التزام الجزية على ما يحكم به الامام بلا تقدير محدد وهذا يعني (الجانب المالي من مقدار الجزية) (20) اي انهم يقبلون المقدار الذي يفرضه الامام عليهم عندئذ لا ينطلق هذا الرأي من ان عقد هو الجزية عقد رضائي، انما عقد اذعاني كبقية العقود الادارية التي طرف منها الدوله وطرفها الاخر المواطن وينقل عنه ايضاً انه يرى ان الصغار قبولهم بالتزام احكامنا وجريانها عليهم، وهو ما اثبته في كتابه المبسوط (21) .

وهذا يسوغ :نظرية المواطنة

اذ ان صلب (نظام المواطنة) قبول المواطن بقواعد النظام العام والقوانين المشّرعة والنظام القضائي والضريبي للبلد الذي يعيش فيه .

وينقل العلامة الحلي عن ابن الجنيد انه يذهب الى ان الصغار (قبول احكام المسلمين عليهم في الخصومات بينا وبينهم، او فيما بينهم وهم يتحاكمون الينا (22) ، وتصاغ هذه الفكرة ان المصطلح يعني قبولهم (احكام القضاء الاسلامي) بناءً على افتراض مسبق في نزاهته ودستوريته وعدالته وحرفيته وعدم تعامله مع المترافعين في اروقته على اساس ديني او مذهبي او عرفي.

ونقل العلامه عن ابن أدريس : انه ذكر خلاف المفسرين ثم رجح ان المراد بالصغار الزامهم باحكام الاسلام ودمج معها (الا تقدر الجزية عليهم بقدر) (23) بل بحسب مايراه الامام . اي ان مقدارها غير ثابت انما يقدرها الامام سنوياً بحسب الظروف والمصالح العامة .

وعن المفيد : الصغار (ان يحملهم الامام على مالايطيقون حتى يختاروا الخلاص بالاسلام) ولعل المفيد وحده من يذهب الى هذا الرأي فلم اجد حدود التتبع من تبنى هذا الوجه من وجوه الحكمه ورجح العلامة رأي الشيخ الطوسي في الخلاف . اي قبولهم بسريان احكامنا عليهم .. (24)

 الفرضية الرابعة ماالسبب الذي وجبت الجزية لأجله ؟

في ادبيات الفقه الاسلامي هناك سبع نظريات في السبب الموجب للجزية ربما تتقارب فيما بينها او يكون بعضها عام وبعضها خاص

فقد ذهب بعض الفقهاء الى انها عقوبة لهم لأنهم بقوا على دين ثبت بالدليل العلمي نسخه بالاسلام، فاستوجبوا لذلك اذلالاً بفرض الجزية، وهذا السبب وان كان من وجهة نظر اسلامية يحمل شيئاً من المقبولية الا انه يتعارض مع مبدأ (لا أكراه) ، ومع مبدأ مواطئة الكتابي في دولة الاسلام، والمواطئة لاترتكز على العقوبة اي لايتعامل الاسلام (مع النصارى واليهود على انهم مجرمون من جهة العقيدة وتفرض عليهم عقوبات بسبب الجريمة العقائدية كالعقوبات المالية (الجزية) وتصل بهذه النظرية نظرية اخرى ترى انها بدل عن الكف عن قتلهم، والمدرك في ذلك محل مناقشه لان لاقتل الا على من قاتل المسلمين، وهؤلاء جنحوا للسلم لذلك اسقطت عمن لم يقدر على القتال منهم الجزية كالمجنون والشيخ الكبير والمرأة لانهم لم يقاتلوا المسلمين، ولانهم حتى لو قاتلوا لايجوز قتلهم متى احكمت السيطرة وعليه فهي عوض عن اعتبارهم مقاتلين وفتؤخذ منهم لهذا الاعتبار، لكن ذلك ليس اجماعاً اذ يقول الطوسي في المبسوط، تؤخذ حتى ممن لاقدرة له على القتال لعموم الآية، ولانهم لو وقعوا في الاسر جاز قتلهم.

ولو قيل : ان الجزية (بدل) عن سبيهم واسترقاقهم فانه يجب ان يكون بناءً على انهم (أسرى) ومع ذلك فان حكم التعامل مع الاسرى (مناط بالامام وحسب مقتضى المصلحة) والجزية عقد اجتماعي دائم فافترق الامر ومهما يكن من امر فان (هذا العوض: البدل) مقداره مجهول غير معلوم . لان الكثير من اراء الفقهاء تركوه للامام يحدده حسب الظروف ويتصل بهذه النظرية تلك التي ترى انها عوض عن اقرارهم على دينهم، ويرد اعتراض انه لو كان الامر كذلك .. لجاز توسيع المناط فيتم استبدال البقاء على دين ما، مقابل (مال) يدفعه شخص لدولة الاسلام .

هذه النظريات تشكل (محوراً) واحد يتعامل مع الجزية بوصفها عقوبة مالية.

هناك محور آخر يتعامل مع الجزية بوصفها وظيفة ماليه على (مواطن) لة وضع ثقافي مغاير لثقافة الاغلبية ويشتمل هذا المحور على عدة نظريات منها مايبتني على ان دار الاسلام (دار المسلمين فقط) والسكنى فيها اصلاً للمسلمين، ولاجل ان يساكنهم احد من غير المسلمين فعليه ان يقدم عوضاً لهذا المستوطن في بلادهم وهذه النظرية تقترب من فكرة اختصاص اقليم الدولة بلون اجتماعي وديني واحد، بيد ان النص حينما اجاز اخذ الجزية فتح الباب للاستثناء الى جانب هذه ترى نظرية اخر ى ان الجزية ليست الا مساهمة مواطن في بناء بلده، فطالما ان المسلم يجب عليه دفع الزكاة والخمس، ولأنه لازكاة ولا خمس على غير المسلم فصارت عليهم وظيفة ماليه ازاء بلد يتمتعون فيه بالمواطنة فصارت الجزية استحقاق مالي على المواطن للدولة مثل استحقاق الزكاة وقد تاول عدد من العلماء اواخر القرن ماقبل الماضي ان الجزية انما شرعت بدلاً عن مهام يقوم بها المسلم، ويعفى منها غير المسلم فاستوجب ذلك منهم مشاركة من قبيل الدفاع الشرعي عن الاوطان والمصالح الوطنية، فصارت الجزية كأنها الفرضية مساهمة مالية توضع في مجال الدفاع فاذا قبلوا الانخراط في جيوش المدافعين عن البلدان الاسلامية سقطت عنهم الجزية (25) .

 

الخامسة :  هل مقدار الجزية ثابت في اقله واكثره او هو ثابت في الاقل مفتوح في الاكثر او ليس هو من الثوابت لا في الاقلولا في الاكثر.

هناك عدة اقوال للفقهاء :

1- فمنهم من ذهب الى ان حديث النبي (ص) لمعاذ (ان يأخذ من كل حالم دينار) نص في مقدارها وحاصل ذلك ان الحد ثابت في الاكثر والاقل وعليه فقه الشافعية (26)

بينما : اعتبر غير اولئك ان مبلغ (دينار واحد) على كل رجل بالغ ليس الا الحد الأدنى . وقد نسب هذا القول لأبن الجنيد . (27) ولكن حتى لا يهدر النص الوارد مطلقاً، فقال لا يفيد النص الا تدبير امام الوقت نظراً للتغير اذي يحصل في الحياة .

 

اعتمد آخرون :

تجربة العصر الاول لتطبيق الجزية وتقسيمها على ثلاثة مستويات مستوى الاغنياء، وقد فرض عليهم (48) درهماً، اي ما يقابل بحساب العراق اربعة دنانير اوما يساوي بسعر الصرف اليوم (800) الف دينار سنوياً وعلى الطبقة المتوسطة (24 درهماً) اي مايعادل ديناران شرعيان ومايقابل (اربعمائة الف دينار سنوياً) وعلى الطبقة دون المتوسطة (12 درهماً) اي مايعادل دينار واحد اي (بما يساوي مائتا الف دينار سنوياً) . وقد عملت الدولة الراشدية على ذلك في زمن عمر ابن الخطاب وظلت هذه المقادير سارية المفعول حتى نهاية عصر خلافة الامام علي (عليه السلام) ، ولعل ذلك منها تقدير لما يناسب ذلك العصر يقول العلامة الحلي : (اما استدلالهم بان عليا وضع على الغني 48درهماً فانما هو على سبيل الاتفاق لمصلحة رآها لاما انه شيء لازم موظف لا يتجاوز قلة وكثرة (28) ....... الخ)

اي انه تدبير مصلحة وليس شيئاً لازما اما مشهور الامامية وربما وافقهم في ذلك فقه المالكية وغيرهم ان اقلها واكثرها بحسب مايراه الامام من تحقيق المصلحة العليا للدولة وللمسلمين وللذميين انفسهم يؤدي بنا الى :

انه اذا كان مبدأ استيفاء الجزية من الثوابت الدينية فان التطبيق العملي يعتبر من المتغيرات الزمنية المتروكة كمنطقة فراغ لاجتهاد امام الوقت وكما ان للامام ان يضع المقدار فله ان يفرض على المواطنين كافة مقداراً من المال للبناء والتنمية او يجعل (مقداراً ما) على فئة، كما لو جعل الحاكم ضريبة على المستثمرين او المستفيدين من منابع الانهار او الذي يتمتعون بأمتيازات جغرافية

او الذين يتاجرون بمواد معينة لاسيما عندما يراد تقليل الاتجار بها فان كل ذلك متروك لتقديره المصلحة العامة واذا كان هذا العصر يحكم بان المصلحة العامة تكمن في ان نتعامل مع مواطنينا جميعاً تعاملاً واحداً وللفسحة التي وجدها لنا التشريع في جعل الأمر للامام فانه عندما يرى وجه المصلحة يقرر ما يحققها ..

بيننا على هذه المسالة – فقهاً – تتفرع مجموعة فروع

الاول :

 1- ذهب الامامية في المشهور من مذهبهم انه لا تفرض على اهل الذمة ضريبتان كجزية الرؤوس، وجزية الاراضي لقد ذهب الشيخ الطوسي في كتابه (النهاية) ان ذلك لايصح (29) وبه قال القاضي ابن البراج وابن حمزة وابن ادريس ووافقهم العلامة الحلي على ذلك (30)

اما ابن الجنيد وابن الصلاح فقد اجازا الجمع بين وظيفتين والمستند في المنع رواية ابن بابويه في (من لايحضره الفقيه) (31) .

 

فقد سأل محمد بن مسلم الامام (ع) عن الخمس الذي يأخذه السلطان وياخذون من الدهاقين جزية الرؤوس اما عليهم في ذلك شيء موظف فأجابه الامام كان عليهم ما اجازوا على انفسهم وليس للامام اكثر من الجزية ان شاء الامام وضع ذلك على رؤسهم وليس على اموالهم شيء وان شاء فعلى اموالهم وليس على رؤوسهم شيء (32) فيما ارى مجملة تحتاج الى بيان

أ‌- الدهاقين: هل يراد بهم (مطلق الذميين) ام اصحاب الاراضي الواسعة التي يشتغل عليها لهم فيها اجراء (اي الاقطاعيين الزراعيين) .

ب‌- هل في ذلك اسقاط لوظيفة الخراج على الارض والاكتفاء بالجزية.

ان بقية ارائهم في كتبهم لاتعفيهم من وظيفة خراج الارض اذا ادى جزية الراس لاسيما في مباحث صيرورة الارض التي فتحها المسلمون عنوة لاسيما العامرة بشرياً او طبيعيا لذلك فاني ارى ان هذا المستند (عن ابن بابويه) يحتاج الى اضاءة للسؤال..ومعرفة لمقامية الجواب.

الثاني: ان المعسرعن اداء الجزية، هل تسقط عنه كبقية الديون التي هي من جنس حق الله ام تؤجل الى حين يساره لانها من جنس حق العباد للشيخ الطوسي قولان. فقد قال في المبسوط :تجب وينظر الى حين اليسار فان صار غنياً اخذت منه من يوم استحقاقها وقد وافقه في ذلك سلار، والشيخ المفيد، وابن حمزة، وابو الصلاح (33)

ولابن ادريس نظر في هذا الفقه (34) وقال في الخلاف:لاتجب، بل تسقط (35) ومعه في ذلك ابن الجنيد وايده العلامة على فتواه في المبسوط بعدم السقوط مستدلا بعموم الاية.. (36) واستدل القائلون بسقوطها بمدعى الاجماع، واصاله براءة الذمة لانها تجب مع التمكن وتسقط بسقوطه تكليفاًووضعاًلقوله تعالى (لايكلف الله نفساًالا وسعها) ولعل الاستناد الى الاجماع لامعنى له مع وجود المخالف وقد وردت اصالة البراءة معارضة بالاية، والاصالات تعمل عندما لايوجد نص موجب، او نص مانع (ناف) اما قولهم انالاية (لايكلف الله....) فان انظاره الى اليسار إعمال للاية ايضا.

ولاجل ذلك اختلفوا هل تجب على ذات الانسان كصدقة الفطر، ام على (مايملك) كالزكاة.فاذا كان وجوبها لذات الذمي فهي لاتسقط عن الفقير والعبد والمرأة..الامانص الدليل على عدم وجوبها .

 

وللشافعي ثلاثة اقوال

1- لاجزية على فقير عاجز عن ادائها وهو قول الجمهور.

2- يجب عليه فان لم يدفع يخرج من بلاد الاسلام اذ لاسبيل لاقامته بغير جزية.

3- او تستقر بذمته وتؤخذ منه اذا قدر عليها (38)

 

الراجح: انها لاتجب وذلك للادلة التالية

1- لقوله تعالى :لايكلف الله نفساً الا وسعها

2- تسقط كسقوط الزكاة والديه والكفارة عن العاجز

3- لاواجب مع عجز ولاحرمة مع ضرورة

4-  ان ديون الله غير ديون الادميين لان ديون الله تجري مجرى التسامح

5- دين الله على القادر وقت حلوله

فاذا قيل هل الجزية بدل اجارة السكن في دار الاسلام ؟

يرد عليه بان احكام الاجارة كلها غير موجودة في فقه الجزية فلا تعامل على انها بدل اجارة

اما اذا وجبت على من يملك فانها تسقط عن الفقير والمعسر لانه لايملك شيئا وتسقط عن العبد لانه مملوك، فهو لايملك اصلاً.

اختلفوا ايضا :اذا اسلم الذمي بعد حلول الحول ووجوب ما اقتضته الذمة؟ما الحكم

اختار الشيخ الطوسي:انها تسقط عنه لان الاسلام يجب ما قبله..

الى ذلك ايضا ذهب المفيد، وابن البراج وابن ادريس ونقل الشيخ عن جماعة قولهم بالوجوب.

 في حين فصل ابو الصلاح انها تسقط اذا اسلم قبل انتهاء الحول، وبذلك يكونوا قدتعاملوا معها بين كونها ديناً للمجتمع، او عقوبة على الذمي فمن تعامل معها انها (ديناً) ذهب الى انها لاتسقط كالضريبة المترتبة عل المالك،، لذلك قالوا اذا اسلم اثناء الحول اخذت بقد ما مضى من العام .

اما من عاملها بانها عقوبة، فان سببها قد انتفى فتسقط بسقوط السبب لذلك قالوا هي صغار وان الاسلام يتنافى مع الصغار.

اختار العلامة انها عقوبة واستدل لسقوطها بعموم الكتاب واستنتاجه انها وضعت للصغار والاهانة وهو مناسب للكفر وغير مناسب للمسلم.

اما القائلون بعدم سقوطها فقد استندوا الى رواية حفص بن غياث لقياسهم على المراةوكان جواب العلامة:ان حفصا عامي لايعول على روايته لاسيما اذا عارضها قرآن.

لكن: لقد سبق القول ان مقدارها في الاقل والاكثر لما كان متروكا لامام العصر وبحسب ما تقتضيه المصلحة، وان ذلك مبدأ عاماً، فعلى وفقه يترك الامر لتقديره وضعاً او اسقاطاً.

التفريع الرابع:ماذا لوطلبت المرأة من اهل الكتاب عقد ذمة لها فقط هل تؤخذ منها جزية رغم ان الاصل انها ممن لاتؤخذ منها الجزية اصلاً

قال بعض الفقهاء: 

يعقد لها عقد ذمة، بشرط جريان الاحكام عليها ولاتسبى كبقية نساء الكفار عند اسرهم ولاتؤخذ منها (الجزية) .

وقال اخرون:يسوف امرها حتى يتم فتح البلاد فيتم سبيها

وذهب فريق ثالث:الى انه لاتصح اجابتها.

يرى العلامة :ان النسوة اذا طلبت الجزية منهن فهذا شرط يخالف المنصوص ويؤسس على انهن في حالة الارض المفتوحة (سبي) والسبي مال والجزية تؤخذ من الرؤوس ولاتؤخذ من المال.

 

 

السادسة:ماالالتزامات الاخرى في محاور التعامل المدني والديني والجنائي؟

في التعامل المدني :

ذهب بعض الفقهاء الى ان حزمة الحقوق المدنية للكتابيين الذميين هي اقل من حزمة حقوق المواطن المسلم ومن ذلك مثلاً ما ذهب اليه بعضهم انه لايرى له الحق في احياء الارض والمعادن والمياه .

قال احمد:يملك الذمي بالاحياء كما يملك المسلم، خلافاً لفقهاء المدينة (الذين يمنعونه) واهل البصرة الذين يضاعفون عليه العشر وما ذهب اليه الحنفية والمالكية انه ليس عليه فيما يملكه من الاحياء شيء.ومذهب الشافعية ان يستحصل اذن الامام، رغم ان مذهبهم في المسلم عند الاحياء انه لايحتاج اذن الامام لان الرسول (ص) قال : (موتان الارض لله ولرسوله ثم هي لكم) (37) . وليس في اموالهم وتجارتهم (صدقة) ، اما اعمالهم في ارض الخراج فعليها الخراج. وللفقهاء اقوال اذا عملوا في الارض العشرية:

1- اذا اشترى الذمي ارض عشر تحولت الى ارض خراج (ابو حنيفة)

2- يضاعف عليه العشر (ابي يوسف)

3- يبقى العشر على حاله (محمد بن الحسن الشيباني)

4- ليس عليه شيء (لاعشر ولا خراج) لان الذمي لاتنطبق عليه احكام العشر ولا الخراج

5-  (مالك) يؤمر ببيعها لان بقاءه عليها تضييع للصدقة.

وقاس الحسن بن صالح الارض على الماشية قال ارايت لو اشترى ماشية فان الصدقة تسقط عنه فلو استاجر من مسلم ارض عشر، فلا شيء عليه، لان الزرع ليس للمسلم فلا زكاة، وليس على الذمي خراج لان اصل الارض عشرية.

سال الناس احمد بن حنبل عن الذمي يشتري ارض عشر قال لا اعلم عليه شيئا..وذكر قول اهل المدينة انه لايترك ان يشتري ارض عشر حتى لاتذهب الزكاة، ثم قال ويعجبني ان يحال بينه وبين الشراء.

وقال الفقهاء :انهم يمنعون من دخل جزيرة العرب.

وحدد الاصمعي:جزيرة العرب قال هي من ريف العراق الى عدن طولاًو من تهامة الى اطراف الشام عرضاً فقط.

وذهب احمد الى انها (المدينة المنورة وما والاها) و حتى هذه المناطق فيجوز دخولهم اليها للتجارة.

اذا اظهروا المحرمات، وبنو الكنائس، وضربوا النواقيس واطالوا البناء..هل تنتقض الذمة؟:ذكر العلماء اربعة اقوال:

الاول:لاينتقض الا اذا اشترط عليهم في عقد الذمة

الثاني:لا ينتقض سواء اشترط عليهم او لا

الثالث:يعزر الفاعل، او يحد اذا ارتكب عقوبة حدية

الرابع:ينتقض العهد للرواية

راي الشيخ الطوسي: نقل العلامة قول الشيخ انهم

- اذا ارتكبوا حداً في شرعهم (اقيم عليهم الحد)

- اذا فعلوا ما يستحلونه لايتعرض لهم ما لم يظهروه فاذا اظهروه فللامام ان يقيم عليه الحد.

 

اما اذا انهدمت كنيسة:فلهم الحق في بنائها واستدامتها بناءاً على الجواز مقابل رأى يذهب الى المنع.

علل الشيخ الطوسي:باننا طالما اقررناهم على ابقاء الكنيسة سمونا ببنائها فلو منعناهم من بناء ما انهدم لكان عهدنا لهم لامصداقية له.

وعلل القائلون بالمنع:بانهم اقروا علينا ساعة انعقاد عقد الذمة وعلى ما هم عليه، فان انهدم شيء بعد ذلك لايعاد لعدم وجود الدليل على الجواز، بل لعموم كون الكنيسة مكان لايمت لشعائر الله بصلة من وجهة نظرنا فلا يجوز تعميره لان استدامة ذريعة الى خلط عقائد المسلمين وسداً للذريعة لاتبنى.

يقول العلامة: الاقرب الجواز لان لهم الاستدامة، وعليه جاز لهم اعادة البناء في بيوت اهل الذمة. (39) وقيل : هل يجوز ان تطال على بيوت المسلمين من مجاوريه.

قال المحقق الحلي:نعم واحب الشيخ الطوسي له ان يقصره عن بنيان المسلم وجوز ابن ادريس للذمي ان يعلي داره على مجاوريه ومنع العلامة من ذلك دليله:الاسلام يعلو ولا يعلى عليه دليل المجيزين :انه ملكه ويجوز له ان يتصرف بملكه

هل تتدخل الدولة الاسلامية في عقيدة الذمي اذا انتقل من اليهودية الى المسيحية

.نقل عن الشيخ الطوسي قولان:

الاول: انتقاله جائز لان الكفر ملة واحدة

الثاني:لايجوز لقوله تعالى (ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه) يستعرض العلامة: دعوى اجماع الشيخ على غير الجواز وقوله لاسيما وان الدين الذي انتقل اليه دين مقبول ويناقشه العلامة :ان قوله تعالى (ومن يبتغ....) فيراه عام في المسلم والذمي ولقوله (ص) من بدل دينه فقتلوه. لكن :لايمكن اخذه على عمومه لاننا اذا اخذناه على عموم وجب ان يقتل من يبدل دينه الى الاسلام.

لكن:هل يقر من ينتقل من المسيحية الى اليهودية (40)

الشيخ في المبسوط :لايقر ويعتبر مرتداًفيطالب اما البقاء على المسيحية او الانتقال الى الاسلام

قال العلامة :اذا قيل لايقبل منه الا الاسلام كان قوياً، اما اذا انتقل الى دين وثني فلا يقبل منه مطلقاً.

وعند ابن الجنيد:اذا كان الدين الذي انتقل اليه مما يؤخذ من اتباعه الجزية فأنه يقر.

اما اذا انتقل الى ما لايقر عليه، لايباح له لانه انتقل الى ما يجوز اقراره عليه لانه بانتقاله الى ما لا يجوز اقراره كانه قد اهدر دمه وصار بحكم المرتد الذي لا يقبل منه الا الاسلام.

 

...............

هوامش

1- فقه العلاقات الدولية:ظ:علي علي منصور

2- اسماعيل كاظم خواص المعاهدات في الشريعة /ماجستير

3- خالد رشيد الجميلي :احكام الاحلاف والمعاهدات/دار الحرية –بغداد 1986

4- محمد ابو زهرة :العلاقات الدولية في الاسلام، الدار القومية 1964

5- للتفاصيل :ظ د.خليل رجب الكبيسي السلام في الاسلام رسالة ماجستير\ كلية الشريعة \جامعة بغداد 1987

6- د.عبد الكريم زيدان :احكام الذميين ومستامنيين

 7- للاستفتاء الشعبي في الشريعة الاسلامية

8- د.عبد الامير زاهد:اعادة تشكيل هوية المواطنة :مجلة حولية المندى

9- د.عبد الكريم سروش:نظرية القبض والبسط في الشريعة ص97

10- ذهب الكثير من الفقهاء انه لاتقبل الجزية من العربي، لان النبي لم ياخذها من مشركي العرب مع عدم الاعتناء بان آية الجزية نزلت بعد عام تبوك وكان اكثر العرب وقد دخلوا الاسلام ظ:احكام اهل الذمة ج1 ص4

11- القرطبي الجامع لأحكام القرآن ج8/110

12- وهبة الزحيلي:آثار الحرب في الفقه الاسلامي دراسة مقارنة ب.ت

13- ابن تيم:احكام اهل ج1\ص1

14- البخاري :الجامع الصحيح ج . ص، نصب الراية ج 6 ص8

15- العلامة :المختلف ج4\ 443

16- العلامة:الختلف 4\444

17- مغني المحتاج

18- بدائع الصنايع

19- العلامة:المختلف 4\445

20- المبسوط للسرخي ج4\446

21- المبسوط 2\36

22- العلامة:المختلف 4\446

23- الطوسي:المبسوط ج

24- سورة التوبة

25- ابن ادريس :السرائر 1\473

26- العلامة:المختلف 4\447

27- :محمد عبده:تفسير المنار، آية الجزية

28- مغني المحتاج ج4 ص111، احكام اهل الذمة ج1\12

29- المختلف 4\449

 30- العلامة الحلي:المختلف 4\450

31- الطوسي :النهاية \193

31- المختلف4\448

31- السرائر 1\473، المختلف 4\448

 32- من لايحضره الفقيه2\27-28

33- المبسوط 2\38

34- السرائر 1\475

35- الخلاف الجزية المسألة 10

 36- العلامة:المختلف 4\450

37- ابن قيم الجوزية:احكام اهل الذمة 1\16

38- د.محمود المظفر:احياء الارض الموات

39- المختلف ج4\456

40- المختلف 4\458

المصدر: http://almothaqaf.com/index.php/derasat/45136.html

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك