وسـائـل الاتصـــال والإعــلام ودورها في ترقية المجتمع

تمثل وسيلة الإعلام والاتصال،الأداة التي تتم بها الرسالة الإعلامية،أو هي القناة التي تحمل الرموز التي تحتويها الرسالة من المرسل الى المستقبل.

ففي أية عملية اتصال،يختار المرسل وسيلة لنقل رسالته،إما شفهياً او بواسطة وسائل الاتصال الجماهيري(سمعية،بصرية)..

ولا يغيب عن الذهن،بان الوسيلة ليست هي الآلة او الجهاز بحد ذاتها فقط،ولكنها تتمثل أيضا في هيكل التواصل كله،أي بمعنى ان الصحيفة(مثلا) بدون مطبعة،وبدون موزع،لا تعتبر وسيلة اتصال.ومن جهة أخرى،قد يكون لوسائل الاتصال والإعلام معنى مزدوجاً عندما نشير الى الطابع الوكيلي أو الوسيطي لوسائل الاتصال والإعلام مثل،التلفزيون والراديو والصحافة..الخ.

كما قد يتخذ معنى المحيط او الوسيط او الجو العام الذي تندرج ضمنه الأخبار،والإعلانات..الخ. إن وسائط الاتصال او الإعلام باعتبارها"وسائط"ينطبق عليها وصف العالم"ماكلوهان" لوسائل الاتصال بأنها"امتدادا للإنسان،ولكن لكونها"الوسيط" فإنها تتفق أكثر مع العبارة الشهيرة التي قالها"ماكلوهان":الوسيلة هي الرسالة".

ونحن بدورنا نعتقد انه يمكن الجمع بين المدلولين،اذا اعتبرنا ان طبيعة الوسيلة هي جزء هام من الرسالة الإعلامية،ولكنها ليست كل الرسالة،بمعنى إذا كانت للرسالة وخصائصها الذاتية أهمية كبيرة في التأثير على المستقبل،فانه قد يكون لوسيلة الرسالة دور حاسم في ذلك،وقد يصل الأمر الى حـد يجعل لكل وسيلة رسالتها وذلك بالرغم من الانطلاق من نفس الفكرة،ومن نفس المفهوم والهدف.وتختلف النماذج التحليلية لعملية الاتصال والإعلام تبعاً للتراكم التاريخي المعرفي حسب منظور التخصص الذي عولجت من خلاله،ويتضح من خلال تاريخ دراسة الاتصال والإعلام،ان عملية الاتصال والإعلام تشتمل دائما على:المرسل،الوسيلة،المستقبل،وهذا المنظور الثلاثي،تتضمنه نظريات ونماذج الاتصال كلها الى درجة ان بعض المفكرين من أمثال،"كوهن" أسموه"الإطار المرجعي" الموجه لتفكير العلماء منذ عهد أرسطو حتى الآن أثناء تطويرهم لنظرياتهم ونماذجهم.ومنـذ الربع الأخير من القرن العشرين،تحولت بؤرة الاهتمام والتركيز من المرسل-والوسيلة-والمستقبل،أي من منظور ذي اتجاه واحد إلى إطار دائري او حلزوني،ومن نظرة ثابتة الى طريقة دينامية شاملة متعددة العناصر والاتجاهات.ومن أهم النماذج التي وردت في هذا الميدان هو نموذج العالم"روجرز وكفكايـد،المعروف بنظرية"التلاقي للاتصال" التي يمكن تلخيصها في عملية تبادل متتابع للمعلومات بيم فردين يهدفان للوصول الى فهم مشترك للموضوع.وفيما يلي محاولة للتعرف على العناصر التقليدية للاتصال والإعلام:

1ـ المرسل:هو صاحب الرسالة(مصدرها) او الجهة التي تصدر عنها هذه الرسالة سواء كانت فردا او جماعة او هيئة معنوية او جهاز..الخ

2ـ المستقبل:هو الذي توجه له هذه الرسالة سواء كان فردا او جماعة او هيئة معنوية..

 3ـ الوسيلة: هي قناة الاتصال التي تؤدى بها الرسالة الإعلامية سواء كانت هذه الرسالة صحيفة،إذاعة،تلفزيون،فاكس،إنترنت،خطبة،أو معرضا..الخ.

 4ـ الرسالة:هي المضمون او الجوهر الذي تؤديه الوسيلة والمادة الإعلامية نفسها. تطور وسائل الاتصال والإعلام: وجدت وسائل الاتصال والإعلام بوجود هذا العالم،واجتازت مراحل تطور عديدة،أفرزت عـدة أنواع متفاوتة في الكم والكيف والنوع والمدى.ففي العصور القديمة،كانت وسائل الاتصال تتضمن الطبول والدخان والنار والخيالات،إضافة الى الحفر على الأحجار والأشجار والألواح والأعمدة المنصوبة في المعابد او الميادين العامة. ومن جهة أخرى،كان التجار في القديم يحملون معهم في أسفارهم الأخبار،وكان المنادون ينشرونها ويعلنون أوامر الحكام.ويمكن إضافة وسيلة هامة أخرى الى جميع هذه الوسائل المتقدمة،هي وسيلة الاتصال الشخصي.وقد جعلت الحروب والغزوات والهجرات الناس كافة أكثر اتصالا ببعضهم البعض،حيث بدءوا يختلطون بالأغراب ويستمعون الى آرائهم ويتأثرون بعاداتهم.وهذا يعني ان وسائل الاتصال والإعلام كانت كثيرة ومتنوعة في تلك العصور. وفي القرن العشرين،وظهور المطبعة على يـد العالم الألماني غوتمبرغ في عام1436،والتي كانت بحق تمثل الفاصل الحقيقي بين العصور القديمة والعصور الحديثة من حيث وسائل الاتصال تغير الوضع تماماً،ويرجع ذلك التغيير الى عاملين أساسيين:الأول نشوب الحرب الكونية الأولى،والثانية،وحدوث تحركات ضخمة للقوات،والثاني،انتشار وسائل الإعلام والاتصال الجماهيرية مثل،الراديو والتلفزيون،والصحافة والمجلات،واللاسلكي،مما أحدث تغييرات جذرية على تصورات المواطنين في جميع أنحاء العالم،واتسع أفق الأفراد وإطارهم الدلالي بشكل لم يسبق له مثيل،بحيث لم يعـد في الإمكان عزل الناس عقليا او سيكولوجيا عن بعضهم البعض،لأن ما يحدث في أية بقعة من بقاع العالم،يترك آثاره على جميع الأجزاء الأخرى.فالعالم اليوم هو قرية الأمس،حيث اتسعت تصورات الفرد التقليدي القديم التي كانت تتسم بالبساطة عن الواقعية،وأصبح لزاماً عليه ان يجاهد حتى يفهم الأخبار التي تغمره بها وسائل الإعلام يوميا عن أحوال الأمم،والشعوب الأخرى.ومع ظهور وكالات الأنباء،بدأت الثورة الإعلامية والاتصالية الثانية،والتي أصبحت فيما بعد الممون الرئيسي الأخباري للوسائل الأخرى.وكانت أول وكالة أنباء ظهرت في عام 1835 وكالة(هافاس)،ثم حدثت الثورة الاتصالية الثالثة بظهور المخترعات السمعية –البصرية الحديثة(سينما،إذاعة،تلفزيون..الخ)،ولكن قمة الثورة في الاتصال والإعلام،ظهور الأقمار الاصطناعية في نهاية الخمسينات من القرن العشرين،وتلتها اختراعات أخرى مثل،الفيديو في عام 1964،لتمكن الجمهور من إعادة إشارات التلفزة.وفي مطلع السبعينات ولدت فكرة التلفزيون بواسطة الكابلات أمالا جديدة.وفي أواخر السبعينات،ظهرت وسائل جديدة للاتصال نتيجة الربط بين مختلف الوسائل من التلفزيون والمعلوماتية والاتصالات قصيرة المدى،وكانت في السباق تتطور تطورا منفصلا،حيث أدى هذا التوجه الجديد إلى تغيرات جذرية على جميع المستويات،الإنتاج،المعالجة،والتوزيع(مثل الربط بين الهاتف والكمبيوتر والتلفزيون وهو الأمر الذي نتجت عنه إمكانيات جديدة للاتصالات الاجتماعية). وتتمثل وسائل الاتصال والإعلام الجديدة التي ظهرت في الثمانينات من القرن العشرين أساسا في تطوير الأقمار الاصطناعية والكوابل والفاكس،والفيديو كاسيت،والتلكس،والفيديو ديسك،وان هذه التكنولوجيا الجديدة التي تعتمد أساساً على الربط بين المعلوماتية والوسائل السمعية والبصرية،تتيح إمكانيات وتركيبات لا متناهية كان أخرها الوسيلة المتعددة الخدمات"مـولتيميـديا-الأجهزة المتعددة" . وفيما يلي اهم الأحداث والمخترعات في عالم الاتصال والإعلام الجماهيري التي ظهرت حتى اواخر القرن العشرين: _ صنع الصينيون الورق والحبر في عام105م _ ظهور أول صحيفة عالمية في الصين باسم"تشينغ يـاو"(الصحيفة الصينية)في عام400م،وتوقفت عن الصدور في عام1934م. _ اخترع العالم الألماني"غوتمبرغ" وآخرون الطباعة بالحروف المعدنية في عام1436م. _ ظهور أول مطبعة في المكسيك في عام1539. _ صدور أول صحيفة دورية في أوروبا باسم"غـازيت"في عام 1631م. _ صدور أول صحيفة يومية باللغة الإنجليزية في لندن باسم"Daily Carrent"في عام1702م _ ظهور أول مطبعة عربية في مصر في عام 1798م. _ صدور صحيفة"الوقائع المصرية" في مصر في عام1838م. _ إرسال أول برقية تلغرافية بطريقة الرمز،وتحمل اسم مرسلها العالم"مورس" في عام 1844م. _ تصنيع الورق من لب الشجار في عام1835م. _ توصيل أول كابل عبر الأطلسي في عام1857. _ ظهور أول آلـة كاتبة عملية في عام1867م. _ ظهور أول صحيفة مصورة في عام1873م. _ إرسال أول رسالة هاتفية عبر السلك على يـد العالم"بيـل" في عام1876. _ اختراع جهاز الفوتوغراف على يـد العالم أديسون في عام1877م. _ ظهور أول آلـة عرض سينمائية في عام 1844م. _ اختراع الراديو(البرقية اللاسلكية) على يـد العالم"ماركوني" في عام1890م. _ ظهور أول صورة متلفزة في أمريكا في عام1920م. _ ظهور أول إذاعة تلفزيونية منتظمة (W.G.Y) الأمريكية،وأول فيلم بالصور المتحركة"والت ديزني"في عام 1928. _ أول ظهور للإذاعة في العالم العربي في مصر في عام 1934م. _ بداية البث التلفزيوني الملون بصورة منتظمة في عام1954م. _ إطلاق أول قمر اصطناعي سوفييتي في عام1957م. _ أول استعمال للقمر الاصطناعي(تلستار الأمريكي) لنقل اشارات تلفزيونية عبر الفضاء في عام1962م. _ظهور اختراعات جديدة متطورة مثل الحاسوب،الفيديو ديسك،وتقنيات الاتصال عن بعد،ثم الأجهزة المتعددة الخدمات(تلفزة-هاتف-فاكس-آلة تصوير-كمبيوتر في آن واحد) اعتبارا من عام 1980. _ ظهور شبكة الإنترنت(شبكة المعلومات الدولية) منذ عام 1990م. أهميـة وسائل الإعلام والاتصال: تؤثر الوسيلة التي تقدم بواسطتها المعلومات في تفكير وسلوك الأفراد أكثر من بعض محتويات الرسالة نفسها.فالوسيلة ليست شيئاً محادياً او سلبيا،بل انه يؤثر تأثيراً متفاوتاً لدى المعرضين لها.وبصورة عامة هناك طريقتان للنظر الى وسائل الاتصال او الإعلام من حيث أنها وسائل لنشر المعلومات والتعليم والترفيه او من حيث أنها جزء من سلسلة التطور التكنولوجي في هذا الميدان.ففي الحالة الأولى يركز الاهتمام على مضمونها وطريقة استخدامها،والغرض من ذلك الاستخدام.أما في الحالة الثانية،فيهتم بتأثيرها كوسيلة بصرف النظر عن مضمونها وضمن الرؤية الأخيرة،يعتبر بعض خبراء الاتصال والإعلام،ومنهم(هارولـد إيتس) ان لوسائل الاتصال دور أساسي في عملية الاتصال بل في تنظيم المجتمع البشري كله.أما"لوناتشارسكي"فقد اعتبرها(وسائل الاتصال) بمثابة معيار الحضارة،ولهذا فقد أطلق على البريد والمطبوعات والراديو تسمية"الجهاز العصبي للمجتمع". وفي عصر الدوائر التكنولوجية، تمت العودة الى الاتصال الشفهي،ويتمثل ذلك بصورة خاصة في الراديو والتلفزيون والسينما،والحضارة الآلية بعقولها الإليكترونية وأقمارها الاصطناعية،وان المعلومات التي تحولها تلك الوسائل هي معلومات مدروسة ومنظمة،وتمثل"تجمعات كلية"مثل،الدوائر الكهربائية،ومن ثم كان أثرها هو النزوع الى الاندماج والى الكلية،وان يعيش الإنسان بكل حواسه،فبينما عمل المطبوع على تقسيم المجتمع الى فئات، تعمل وسائل الاتصال والإعلام الإليكترونية على إرجاع الناس مرة أخرى للوحدة القبلية،والاندماج الاجتماعي.واستناداً لذلك يرى العالم"ماكلوهان" ان وسائل الاتصال هي "امتدادات للبشر،ولحواس الإنسان ثم لأعصابه".فالكاميرا(مثلا) هي امتداد لحاسة العين،والميكروفون امتداد للإذن..وان تأثيرها على الإنسان يرجع إلى كونها جزءاً لا يتجزأ منه،يعتمـد عليها بالضرورة لإدراك ما يجري حوله. ولكن بالرغم من أهمية وسائل الاتصال والإعلام،يبدو ان هذه"الجبرية التكنولوجية" مبالغ فيها،فهي تفسير أحادي يرى فيه البعض،مجرد تعبير"غير علمي" عن الثقافة الأمريكية المعاصرة،وعن الآلية التي عاش العالم"ماكلوهان" في ظلها.ومن هنا لا يمكن تعميم هذه الرؤية من الناحية التاريخية والجغرافية،أو حتى تصديقها على المجتمع الأمريكي نفسه بهذه الدرجة،إضافة الى ان هذه الرؤية لا تفسر اختلاف النظم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية،ولا تفسر حتى تاريخ وسائل الاتصال وتطورها وتداخلها وتشابهها. تصنيفـات وسائل الاتصال والإعلام: كان الإنسان في العصور القديمة،بحاجة الى وسيلة تحيطه علما بالأخطار المحدقة به،والى وسيلة تساعـده على تبادل الآراء والمعلومات ثم نشرها على نطاق واسع،والى وسيلة تقوم بحفظ ونقل التراث الفكري من جيل الى آخر.وكانت هذه المهام تؤدى في القديم من طرف الأفراد ومن عيون ومندوبين ومنادين وأعيان ورواة وشعراء..الخ.ومع مرور الوقت،أصبحت هذه المهام تؤديها وسائل الاتصال الجماهيرية المتطورة التي صارت بفضل الثورة المعلوماتية في مجال الاتصال والإعلام،إعداد وإخراجا وتوزيعا،تميز الربع الأخير من القرن العشرين.ويختلف الخبراء المتخصصون في هذا الميدان،حول تصنيف وسائل الاتصال والإعلام نظراً لتعدد مستويات واختلاف أغراض استخدامها،بالإضافة الى المنظور التحليلي الذي يختلف من مدرسة الى أخرى.وعلى أية حال ،يمكن تقسيم أهم التصنيفات تلك على النحو الآتي:

 1_ يقسم فريق من خبراء الاتصال والعلاقات العامة وسائل الاتصال الى مجموعتين رئيسيتين الأولى تمثل أدوات او وسائل تتضمن الصحف والمجلات والنشرات والكتب والملصقات بأنواعها،وتعرف بأسم"مجموعة الكلمات المكتوبة".أما المجموعة الثانية،فيطلق عليها أسم"مجموعة الكلمات المنطوقة" وتتضمن الراديو والتلفزيون،المسرح،المحاضرة..الخ.

2_ يقسم فريق آخر من المتخصصين في هذا الميدان وسائل الاتصال والإعلام الى مجموعتين أيضاً،وذلك حسب درجة الأداء وتضم المجموعة الأولى،وسائل الاتصال"سريعة الأداء" وهي التي لا تتيح فرصة طويلة لتفكير عميق في الرسالة،وتضم هذه المجموعة،الصحف اليومية،الملصقات،والنشرات،وفي السينما والراديو والتلفزيون التي تتميز عادة برامجها الإخبارية بكثرة الموضوعات وقلة التحليل. أما المجموعة الثانية،فتضم كافة وسائل الاتصال والإعلام"بطيئة الأداء" وهي التي تتيح للجمهور فرصة طويلة(نسبيا) لتصارع الأفكار،وممارسة التحليل الكافي.ولهذا تعتبر المجلات الشهرية والمسلسلات السمعية(الإذاعة) والسمعية-البصرية(التلفزة) والأحاديث المتتابعة في موضوع واحد ذات تأثير بطيء الأداء.

 3_ يذهب فريق ثالث من المختصين في هذا الميدان الى تقسيم وسائل الاتصال والإعلام تبعاً للعوامل التي تتأثر بها بصورة مباشرة(أي الحواس)،فيقسمون هذه الوسائل الى وسائل سمعية-بصرية،وسمعية بصرية،راديو،صحيفة،تلفزيون.

4_ أما الفريق الرابع من خبراء الاتصال،فيعتبر ان وسيلة الاتصال قد تكون وسائل مقروءة،كالصحف والمجلات،والكتب،أو وسائل سمعية كالإذاعة،أو وسائل بصرية كاللوحة الفنية،أو وسائل بصرية كالمسرح والسينما والتلفزيون،ووسائل شخصية كالمقابلة الحوارية. 5_أما المفكر الأمريكي"مارشال ماكلوهان" فيصنف وسائل الاتصال الى وسائل "باردة" مثل، السينما والتلفزيون،وأخرى"ساخنة" مثل،الصحافة والكتب والإذاعة.ويرى ان الوسيلة"الساخنة" هي التي لا تحافظ على التوازن في استخدام الحواس،بل تركز على حاسة واحدة(السمع،البصر).كما أنها تقدم المضمون الإعلامي"جاهزاً" الى حد ما مما يقلل من حاجة الإنسان للخيال. أما الوسيلة"الباردة" فهي(من وجهة نظره) التي تحافظ على التوازن بين الحواس،وتحتاج لقدر كبير من الخيال.فالمحاضرة(مثلا) تسمح بمساهمة اقل من الندوة او الملتقى او الحوار او الحديث.ولهذا فان الفكرة الأساسية هي ان الوسيلة"الساخنة""تبعـد"،والوسيلة"الباردة""تقرب" او "تستوعب" بمعنى ان الوسائل الساخنة تكون درجة المساهمة فيها"ضئيلة"،أما الوسائل"الباردة" فدرجة مساهمة الجمهور في إكمال ما تقدمه"عالية". وعلى أية حال،تعتبر غالبية تكنولوجيا الترفيه المتوفرة منذ إدخال التكنولوجيا المطبوع"ساخنة" ومجزئة وتبعد كل شيء آخر.ففي عصر التلفزيون يلاحظ عودة القيم الباردة والاندماج المتعمق بسبب المساهمة الواسعة التي تقوم عليها. وحسب نظرية ماكلوهان،تعتبر السينما والتلفزيون دائما من الوسائل"الساخنة" في حد ذاتها،والباردة في حد إعلامها،حيث ان المشاهد يحتاج الى وقت او جهد أكبر لانتشال نفسه من الاستغراق فيها،وهذا يمثل في الحقيقة تحذيرا جديدا آخر أمام خطورة انتشار التلفزيون والسينما وكل وسائل الاتصال السمعية البصرية في عصر الاتصال،اذا لم يتم التحكم فيها،وعلى العكس من ذلك،فان الصحيفة او الوسيلة المطبوعة هي وسيلة"باردة" في ذاتها ولكنها"ساخنة" في حد تعديها لجمهورها. 6_ثمـة تصنيفات حديثة لوسائل الاتصال،ولا يتسع المجال هنا للتعرض لها بشيء من الإسهاب،ولذا سنكتفي بذكر مؤشرات تصنيفها وتسميتها المختلفة وهي:

 1ـ وسائل اتصال تبعاً لمضمون الرسالة الاتصالية وتتمثل في: _ وسائل إخبارية _وسائل تسلية(ترفيه)

2ـ وسائل اتصال تبعاً لتعميمات مفهوم"الأخبار الآنية" وتتمثل في: _ الإعلام العرضي(الطارئ) _ الإعلام غير العرضي

 3ـ وسائل اتصال تبعاً لبعض أنصار النظرية النقدية وتتمثل في: _ وسائل الاتصال البديلة _ وسائل الاتصال المسيطرة _ وسائل الاتصال الجماهيرية _ وسائل الاتصال الشعبية وفي ختام هذا العرض لتصنيفات وسائل الاتصال والإعلام اعتماداً على تصنيف مارشال ماكلوهان باعتباره من أبرز الباحثين الذين تعرضوا لتأثير وسائل الاتصال نورد الملاحظات التالية:

 1_ ان كل وسيلة اتصال من هذه الوسائل المصنفة،يمكن ان تكون موضوع تخصص للدراسة قائم بذاته له تاريخه وأسسه ومناهجه ومجالات بحثه.

 2_ إن التصنيف السالف الذكر،كان لأغراض تعليمية وعملية فقط،إذ يلاحظ تداخلها وتكاملها الزماني والنوعي.

3_ إن الهدف من هذا العرض النظري ليس هو مناقشة القيمة النظرية لمختلف التصنيفات في ضوء التحولات العميقة التي عرفتها وسائل الاتصال والإعلام.حيث ان هذه التصنيفات أولاً تنبع من خلفيات معرفية وتوجهات نظرية متباينة ومصالح مادية ضخمة.وثانياً،فان لهذا التصنيف أهمية في فهم الوظيفة الاجتماعية للوسائل وفي وضع أساسيات الاتصال الرسمية والبديلة. الوظائف الأساسية لوسائل الاتصال والإعلام: تمثل الأخبار والمعلومات،جزءاً هاماً من الاتصالات التي تعد ضرورة ملحة للحياة،ولوجود الجنس البشري،بوصفه كائنا اجتماعيا،حيث تضطلع وسائل الاتصال بدور الحارس،وهي مهمة وصفها علماء الاجتماع بأنها"استطلاع للبيئة".فوسائل الاتصال هي العيون والأذان التي تراقب وتسمع عالمنا الذي تجاوز اليوم بكثير حدود الكرة الأرضية نفسها،ومتى استقت الأنباء والمعلومات،جاءت بها إلينا في غرف نومنا.حيث تقوم وسائل الاتصال،بشرح ما هو حادث وتفسره،وتحاول ان تستخلص مما هو حادث شيئاً منطقياً.فجميع وسائل الاتصال تعمل على تفسير الأخبار وتحليلها. فتقدم الصحف مقالات ويوميات ومقالات خاصة،ومراجعات للكتب.أما المجلات الشعبية،فقد وسعت نطاق المقالات التي تندرج فيها ،وللراديو والتلفزيون مقالات تفتتح بها برامجها،وبرامج تسجيلية وتعليقات.أما الأفلام،ففيها ما هو تسجيلي،وفيها ما يراد به التسلية،وان أستند الى الواقع. وبالإضافة الى ما تقدمه وسائل الاتصال من معلومات معروفة على هذا النحو، فهي تسوق إلينا طوفاناً من المعلومات تحت باب التسلية،كالأفلام والمسلسلات والأوبرا الخفيفة،والروايات،وكلها تحتوى على عناصر واقعية ،يمكن ان نتعلم ونثرى ثقافتنا منها. ان وجهات النظر الكامنة وراء برامج التسلية, تساير البرامج،وتؤثر في تصرفات الناس ومواقفهم،وهو الأمر الذي كثيراً ما يحدث دون مستوى شعورنا الواعي. والحقيقة ان وسائل الاتصال، قد انتقلت الى رقعة من الأرض،كانت السيطرة عليها في مرحلة ما،وقفاً على الأباء والمدارس.وكثير منا يرى في وسائل الاتصال أباً ثالثاً،ومدرسة ثانية،يتعلم منها أكثر مما يتعلم من المدرسة.فوسائل الاتصال،تقوم بنقل قيم وأساليب للسلوك ،وتعارف الناس عليها بصفة عامة.وهذه الرسالة ذاتها،تؤديها أفلام السينما حين تؤكد ان الأمانة هي السياسة المثلى، واستناداً الى ذلك،يمكن تلخيص الوظائف الرئيسية التي تؤديها وسائل الاتصال للمجتمع في الوظائف التالية:

 1ـ وظيفة إخبارية وإعلامية: تعمل وسائل الاتصال،على تحذير المجتمع البشري من الأخطار الطبيعية مثل، الهجوم أو الحرب أو الأمراض،وتنقل معلومات نفعية،كالأخبار الاقتصادية والحيوية والتموينية.كما أنها تعطي للإنسان معلومات مفيدة ونافعة،وتضفي عليه هيبة واحتراما،وتمكنه من ممارسة قيادة الرأي،لكنها قد تسبب في زيادة الإحساس بالفقر والحرمان،وتخلق روحاً من اللامبالاة والتخدر. ولا شك أنه يوجد للأخبار فائدة محققة للطبقة الحاكمة،فهي تعطيها معلومات مفيدة لزيادة نفوذها وتقوية سيطرتها، كما أنها (أي الأخبار) تكشف عن الأشخاص المنحرفين،والتأثير على الرأي العام عن طريق المراقبة والسيطرة،وإضفاء الشرعية على السلطة.ولكنها في نفس الوقت، يمكن ان تهدد الطبقة الحاكمة نفسها،عندما تظهر نواحي الضعف،وتظهر الأحوال الحقيقية التي قد يسهم الخصوم في نشرها.

 2ـ وظيفة تحديث المجتمع: يسهم الإعلام بنصيب كبير في عملية تحديث وتحضير المجتمع الإنساني.فوسائل الإعلام تساعد بدور فعال في انتشار المعرفة،وتنمية القواعد والقوانين الجديدة التي تتوافر مع التحضر.والإعلام يقوم بدور رئيسي لدفع عجلة التنمية والتبشير بالتغيير ،ومعاونة التعليم في خلق الحوافز،والتدريب على اكتساب المهارات،بالإضافة الى تهيئة الأجواء الملائمة للمناقشة والحوار.ويكون الاتصال بين القيادات والقواعد،اتصالا متبادلاً،لتكوين الرأي العام السليم.بمعنى ان الإعلام هو عامل أساسي في نشر الأفكار العصرية،وإشاعة المعلومات الحديثة المتصلة بنهضة الأمة،وخلق الشخصية الجديدة التي تتسم بروح التعاطف والتعاون والتقمص الوجداني.

 3ـ وظيفـة الشرح والتفسير: تعتبر هذه الوظيفة حديثة النشوء،وجاء ظهورها بعد ان تعقدت أمور المجتمع،وازدادت تخصصاته،وترامت أبعاده،وأصبح معظم ما يجري فيه غير مفهوم للإنسان العادي،مما يتطلب من الإعلام تقديم شرحاً لمغزاه وتفسيراً لطبيعته،إذ يعتبر رجل الإعلام مسئولا عن جعل كافة الحقائق والمعلومات ذات القيمة الحضارية،في متناول فهم جميع الناس،حيث أنه كلما أزداد النمو الفني والصناعي والعلمي لمجتمع بشري معين،فإنه يصبح في غاية في التعقيد والتجريد،بعيداً كل البعد عن التجربة الفردية المباشرة.كما ينبغي على رجل الصحافة،من خلال التفسير،ان يثير في القارئ الانتباه،ويهيئ ذهنه للفهم،ويحثه على متابعة القراءة،وقد يتطلب ذلك أن يبهره ويفاجئه ويسلبه. فالفرد في المجتمع الحديث،لا يملك من الوقت أو من الجهد أو المال أو العلم،ما يمكنه من الوصول الى مدلولات دقيقة لجميع المعارف،او تكوين صور حقيقية للعالم الذي حوله. وأحيانا قد يكون التحصيل اللغوي للقارئ أو المستمع أو المشاهد محدوداً،فلا يفهم ما يقال له،ومن هنا جاءت أهمية التبسيط والتجسيد.ونظراً لكون الإنسان يعيش في رقعة جغرافية صغيرة أو محددة على سطح المعمورة،ويتحرك في دائرة محدودة،ولا يدرك من الأحداث إلا بعض زواياها دون ان يلم بالزوايا الأخرى، فإن من المحتم عليه، ان يشارك بالرأي في مناقشة القضايا السياسية والاجتماعية والثقافية،التي تغطي مساحات أكبر مما يعيش،وتغطي حجماً زمنياً أكبر مما يعيش،معتمداً في ذلك على ما توفره له عملية متابعة الصحافة وأجهزة الإعلام الأخرى من رؤى ونماذج وأنماط.

 4ـ وظيفة تربوية وتعليمية: يقدم التعليم وجهات نظر ثابتة،ويساعد على تنمية الفكر وتقوية ملكة النقد ،وتربية الشخصية الإنسانية.ولعل هذا ما يجعل وظيفة التربية،تأخذ أهمية بالغة،وخاصة بفضل استخدام وسائل الإعلام السمعية-البصرية. فالتقنيات السمعية البصرية،لم تعد كوسائل مساعدة فحسب،وإنما أصبحت بجانب الصحافة،من الأدوات الضرورية لتربية شاملة ودائمة للأحداث والشباب،إذ أصبح الإعلام قطاعاً أساسياً في التربية.

5ـ وظيفة التثقيف: تقوم وسائل الاتصال ببث الأفكار والمعلومات والقيم التي تحافظ على ثقافة المجتمع،وتساعد على تطبيع أفراده،وتنشئتهم على المبادئ القويمة التي تسود في المجتمع.فوظيفة التنشئة الاجتماعية تتصل بخلق الجو الحضاري الملائم للتقدم والنهضة عن طريق التوعية الشاملة بأهداف وخطط المجتمع.فالاتصال الجماهيري يسعى لتكامل المجتمع بتنمية وحدة الفكر بين أفراده وجماعاته،وتثبيت القيم والمبادئ والاتجاهات والعمل على صيانتها والمحافظة عليها. ويقوم الاتصال بمهمة تثقيف وتطبيع الناس على عادات الأمة،وتقاليد الحضارة وطقوسها،وأنماط سلوكها،مما يهئ للفرد أساليب التعامل مع الآخرين،والتكيف مع البيئة.وأثبتت الدراسات في علم النفس،وعلم الإنسان،وعلم الاجتماع،ان للتثقيف أثر كبير في تشكيل الاتجاهات النفسية،والرأي العام. وحول ذلك يرى المفكر اوديجار أنه من المستحيل فهم الرأي العام لأي أمة من الأمم،ما لم يؤخذ في الاعتبار القوى المادية والأدبية التي تشكل شخصية هذه الأمة. ولكي يتم التعرف على اتجاهاتها وآرائها،يجب الاهتمام بدراسة المنظمات الاجتماعية التي تعطي للفرد معتقداته،وتشكل اتجاهاته. فالإنسان في المجتمع يتأثر بالأسرة والدين والتقاليد،ونظام الدولة والأصدقاء،والأقران والجماعات ذات النفوذ،كالنقابات والأحزاب والهيئات والصحف وأجهزة الإعلام الأخرى.ولهذا يركز الإعلام كل اهتمامه ،حين يقدم المادة الثقافية،على إعادة بناء القيم والعادات،بما يتفق واحتياجات المجتمع المتحضر.ويمكن تقسيم هذه القيم والعادات الى الأنواع التالية: أ- قيم التواصل الفكري، ويتم هذا النوع من القيم،عن طريق اللغة والكلمة،وعادات المثقفين والمتعلمين في التواصل مع بعضهم،وفي التواصل مع غيرهم من الجماعات،وأثر التكنولوجيا الحديثة واستخدامها في هذا التواصل. ب- قيم التواصل الاجتماعي،وما يرتبط بها من عادات وعلاقات اجتماعية بين مختلف الفئات والطبقات الاجتماعية،وما يترتب على ذلك من فهم للحقوق والواجبات. ج- القيم والعادات المرتبطة بالكيان البيولوجي والصحة والبقاء. د- القيم والعادات الاقتصادية،وما يرتبط بها من حيث العمل والإنتاج والتنظيم،وما يرتبط من الاستهلاك والمكانة الاجتماعية. هـ- العادات والتقاليد اللاعقلانية التي تحقق وظيفة الإسترخاءوالإنطلاق من الروتين،ومدى تنظيمها وملاءمتها لمقومات الحياة الفردية والاجتماعية السلمية.ويدخل في ذلك مجالات المواسم والأعياد والترفيه والمخدرات وغيرها من الأساليب. و- القيم الروحية،وما يرتبط بها من طقوس وممارسات،تمثل محركات للسلوك وللتنظيم الاجتماعي.

6ـ وظيفة الترفيه: تعتبر هذه الوظيفة،ذات أثر نفسي، وتهدف للتنفيس عن المتاعب والألم.ولكن هذه الوظيفة في نفس الوقت ،قد تجعل المجتمع غارقاً في الأوهام،وبعيدا عن دائرة الواقعية،مما يزيد من السلبية،ويتيح الفرصة لبروز الاتجاهات الهروبية.وتلك الأوضاع توفر وسيلة للسيطرة على الحياة السياسية والاجتماعية،فضلاً عن ان الترفيه ،قد يهبط الى مستويات تؤثر سلباً على المزاج العام. والخلاصة ان جميع وسائل الإعلام،تساهم في ملئ أوقات الفراغ بالبرامج الترفيهية مثل، المسرحيات والروايات الفكاهية أو المسلسلات أو الموسيقى والتحقيقات الرياضية والمقابلات أو المنوعات ،وغيرها من مختلف البرامج التي إذا وضعت معاً شكلت صناعة ذات أبعاد لا حدود لها. وهناك علاقات وثيقة بين الرعاية ووسائل الترفيه،حيث تتشابك مصالحهما معاً،وهما يمثلان مجالين من مجالات الإعلام،يسيطر عليهما منطق الإعمال والمصالح التجارية سيطرة تامة.وهذا هو ما يفسر دخول كثير من الشركات العاملة فيها في مجالات إعلامية أخرى،كنشر الأنباء،وبنوك المعلومات،والإعلام التجاري،وإنتاج البرامج التعليمية الجاهزة...الخ.وتعتبر صناعة الترفيه تلك،ذات أهمية كبيرة بالنسبة للبلدان المتقدمة بصورة خاصة،ولكن الاهتمام بها بدأ يمتد الى البلدان النامية،وخاصة في المناطق الحضرية(المدن)،وبين الطبقات العليا من مجتمعاتها.

المصدر: http://1bac.medharweb.net/modules.php?name=News&file=article&sid=216

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك