التحول لمجتمع قادر على التعايش مع الاختلافات
غسان بادكوك
لا يكاد يخلو مجتمعٍ ما من أسباب تدعو للفرقة والاختلاف، إلا أن الفارق بين شعب وآخر وأمة وأخرى هو في القدرة على تعظيم المشتركات وتقريب الفوارق وتجسير الفجوات وتعزيز اللحمة الوطنية في مواجهة التحديات والمتغيرات.
وقد أصبح مؤكدا أن التعايش السلمي والتكيف مع الاختلاف هو أحد أبرز أسباب رقي المجتمعات وقدرتها على العيش المشترك والانطلاق منه نحو مفاهيم أكثر شمولية مثل التعاون والتنمية الشاملة ووحدة الهدف والمصير.
وثمة حقيقة كثيرا ما تغيب عن أذهان الكثيرين وتتعلق بكون الاختلاف هو سنة الله في الكون، فضلا عن اعتباره مقصدا للابتلاء، حيث جاء في محكم التنزيل (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم).
أيضا، فإن الاختلاف هو أحد القواعد الكلية للتعايش المشترك وقبول الآخر رغم التفاوت الواضح في المعتقدات والأفكار والأعراق، حيث يؤكد هذا المعنى قوله تعالى (ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين).
ورغم كثرة الآيات الكريمات التي تدل على مقاصد الشريعة من الاختلاف والحكم التي ينطوي عليها، إلا أن الكثير من المجتمعات الإسلامية، ومنها مجتمعنا السعودي، وللأسف لم تتمكن بعد من تطوير آلياتها الخاصة للاستفادة من سنة الاختلاف والتكيف معها والعمل على التقليل منها والقبول بالتعايش مع المختلفين.
ومما لا شك فيه فإن توحيد بلادنا على يد الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود ــ طيب الله ثراه ــ في كيان واحد ينعم بالأمن والاستقرار، كان أحد أهم عوامل نبذ الاختلافات وتغليب المصلحة العليا وزيادة المشتركات التي تزيد الترابط بين المواطنين في كافة أرجاء البلاد، ولا سيما أن الله قد أكرمنا بنعمة الإسلام ووحدة اللغة، وهما أمران تفتقر إليهما الكثير من المجتمعات في كافة أرجاء المعمورة.
ورغم تلك الامتيازات التي ننفرد بها، إلا أن مما يؤسف له هو انزلاق الكثيرين من أفراد المجتمع نحو تأجيج الاختلاف وإثارة النعرات الطائفية والعرقية والمذهبية والمناطقية، حيث يمكن مشاهدة ذلك بوضوح عبر الكثير من الأقوال والأفعال، سواء في التعاملات والممارسات على أرض الواقع أو عبر تطبيقات الإعلام الجديد في المملكة الذي يضج حاليا بالتعصب والتشدد والعنف الفكري على حساب قيم التسامح والقبول بالتعددية والتعايش الإحسان.
ولأن الله يزع بالسلطان مالا يزع بالقران، أعتقد بأن السبيل الوحيد للخروج من هذه الرؤية الأحادية الضيقة هو العمل الجاد على ترسيخ قناعة رسمية ومجتمعية بضرورة معاقبة مثيري الفتنة في المجتمع عبر منظومة من القوانين الرادعة التي تكفل التعايش السلمي وحرية التعبير عن الآراء، مع إعلاء قيمة الحوار بوصفه وسيلة حضارية، فضلا عن كونه توجيها ربانيا لتجاوز الخلافات، حيث يؤكد هذا المعنى قوله تعالى (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن).
ختاما، فإن تحولنا لمجتمع قادر على التعايش مع الاختلافات أصبح ضرورة لا ينبغي التراخي في التعامل معها، بل يتعين علينا جميعا ــ حكومة وأفرادا ــ العمل على تحقيقها واتخاذ كافة الوسائل المؤدية إلى اكتمال منظومة التعايش مع الاختلاف، ولعل هذا يتطلب ــ في تقديري ــ ترسيخ هذا المعنى عبر المناهج الدراسية وكافة وسائل الإعلام مع بيان المنهج الإسلامي في التعامل مع المخالفين (في ما عدا حالات الحرب)، وهو منهج الدفع بالتي هي أحسن، وذلك مصداقا لقوله تعالى (ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن، فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم، وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم).
المصدر: http://www.amnfkri.com/news.php?action=show&id=23579