مرحبا بالاختلاف.. لا للخلاف!

مما لا شك فيه أن أي شخص يحاول التواصل مع غيره بأي وسيلة فإنه يواجه مشكلة الاختلاف الواضح بين الأفراد في المجتمع الواحد، ناهيك عن التباين والتضاد بين الشعوب والقوميات؛ أي أن من حقائق حياتنا التي لا نملك تغييرها أن الناس مختلفون ومتباينون؛ فهل المهمة الموكلة بالمسلمين -وخاصة الدعاة منهم- هي إلغاء هذه الاختلافات، وصهر الناس في قالب إسلامي موحد يتجاهل اختلافاتهم، ويجبرهم على التطابق مع نموذج مثالي؟ يقول الله تعالى في محكم آياته: {وَلوْ شَاء رَبُّكَ لجَعَل النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالونَ مُخْتَلفِينَ * إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلذَلكَ خَلقَهُمَْ} [هود: 118-119]

إذن فالاختلافات الفردية أيضا من سنن الله في الكون، والإسلام يحترمها، ويطلب منا التكيف معها، وتطويع الخطاب على حسب المخاطب (احتراما للاختلاف) دون الإخلال بمضمون الرسالة (منعا للخلاف)، سواء كان ذلك في التواصل الدعوي لغير المسلمين، أو في التعامل اليومي بين المسلمين؛ حيث يرغبهم الإسلام في الاتحاد، وينهاهم عن التناحر، مع احترامه الكامل لحريتهم الشخصية.

غير أن الاحتكاك مع الثقافات المتباينة لا بد سيولد خلافا قد ينقلب إلى هجوم من الجهلاء؛ فكيف يسير المسلم بعملية الاتصال إلى هدفها في توصيل رسالة الدعوة، متفاديا هذه المعوقات؟ والإجابة القرآنية هي الحلم والصبر والقول اللين وتجنب الجدال والصدام:

}وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الذِينَ يَمْشُونَ عَلى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلونَ قَالوا سَلامًا} [الفرقان: 63] {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللهِ لنتَ لهُمْ وَلوْ كُنتَ فَظًّا غَليظَ القَلبِ لانفَضُّوا مِنْ حَوْلكََ} [آل عمران: 159].

{اذْهَبَا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى* فَقُولا لهُ قَوْلا ليِّنًا لعَلهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه: 43-44].

فالإسلام يشجع اللين والرفق والقول الرقيق، كما يعلمنا ربنا أن الجدال الذي لا طائل من ورائه إلا التفاخر بالعلم أو التشويش أو الانتصار في المعارك الكلامية خصلة مذمومة مصدرها الشياطين: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ ليُوحُونَ إِلى أَوْليَائِهِمْ ليُجَادِلوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لمُشْرِكُونَ} [الأنعام:121].

بمعنى أن استخدام مهارات وفنون الاتصال الفعال التي يعلمها لنا الإسلام يجب استعمالها فيما يرضي الله، ويؤدي إلى نتيجة إيجابية تقرب بين المسلمين من جهة، وتجتذب إليهم الثقافات الأخرى للتعرف على عظمة الإسلام من جهة أخرى، ولن يتم ذلك إلا إذا كانت عملية الاتصال في إطار إيجابي لا يحتقر أحدا أو يميز ضده أو ينتصر عليه لإذلاله أمام الناس؛ وهو ما يسميه علماء الاتصال في الغرب اليوم: Win-win situation أي نظرية "الكل فائز"، وهي النظرية التي يتبناها الإسلام في الاتصال.

أما الوجه العكسي الذي يخرج أحد الطرفين مهزوما فيسمىwin-lose situation ، وهو من معوقات الاتصال الفعال؛ لأنه لا يمكن تخيل أن المهزوم سيحبك أو يتجاوب معك ويقلدك، وليس هذا مما تحبه لنفسك، إذن فليس هذا مما تعامل به الناس كما يعلمنا الإسلام.

أما الشكل الثالث وهو lose-lose situation "الكل خاسر" فهو ما سيحدث في حالة الجدال الذي يحتدم إلى معركة كلامية متأججة المشاعر؛ فيبدأ كل طرف يخرج عن حدود اللياقة والأدب؛ دفاعا عن نفسه وهجوماً على الآخر. ومن الواضح أنه لا رابح في مثل هذه الحالات إلا عدو الله إبليس!

المصدر: http://1bac.medharweb.net/modules.php?name=News&file=article&sid=225

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك