إدارة الحوار والخلاف في الرأي واحترام وجهات النظر

اقتضت حكمة الله - سبحانه وتعالى - أن تختلف آراء الناس في صغير الأمور وكبيرها ، سواء في أمور الدين أو في أمور الدنيا .. وذلك لأنهم مختلفون في الفهم والعمل والأمزجة والميول والرغبات والضعف والقوة .

والمحاور ينبغي أن يتوافر فيه نبل طالب الحق كناشد الضالة لا يفرق بين أن تظهر ضالته على يده أو على يد من يحاوره .. فنيته في الحوار خالصة .. لا يختلف لمجرد شهوة الكلام أو إثبات الذات فلا يناقش في موضوع لا يعرفه .. ولا يدافع عن فكرة ما لم يكن على اقتناع تام بها .. كما أنه يتخير الظروف المناسبة قبل إجراء الحوار أو المناقشة ولا يستأثر بالكلام لنفسه ، ويراقب نفسه وهو يحاور أو يناقش الاتفاق لأن هذا من شأنه إطالة أمر الحوار ويجعل بدايته هادئة منطقية وهذا مؤشر إيجابي على احتمالات النجاح .. وإذا تبين له وجه الصواب فإنه يسلم بخطئه ولا يتعصب .. ويقبل الحقيقة عند ظهور الدليل فضلاً عن احترام الحقيقة والأمانة في العرض .. وعدم قطع عبارة من سياقها أو عزوها عن مناسبتها .. كما أنه يعزو الأفكار إلى مصادرها .. ويتناول الفكرة بالبحث والتحليل أو بالنقد بعيدًا عن صاحبها أو قائلها ..

كما أنه يبدي إعجابه بالأفكار الصحيحة والأدلة الجيدة والمعلومات الجيدة التي يوردها الطرف الآخر ويحسن مناداته .. ويتخلى عن أسلوب التحدي والإفحام في الحوار والمناقشة .

كما أنه لا يرفع صوته فوق صوت محدثه .. وقد جسدت الحياة اليومية للرسول - صلى الله عليه وسلم - كثيراً من هذه النقاط .

جاء في الصحيحين " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما رجع من الخندق ووضع السلاح واغتسل ، أتاه جبريل - عليه السلام - فقال : قد وضـعت السلاح ! والله ما وضعناه ، فاخرج إليهم ، قال : فإلى أين ؟ قال : ههنا ، وأشار إلى بني قريظة ، فخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - إليهم ونادى - صلى الله عليه وسلم - " ألا لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة " ، فسار الناس ، فأدرك بعضهم العصر في الطريق ، فقال بعضهم ، لا نصلي حتى نأتيها ، وقال بعضهم : بل نصلي ، وذكروا ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يعنف واحدًا منهم " .

ولقد وضع النبي - صلى الله عليه وسلم - بتصرفه الحكيم الذي لم يعنف فيه أحدًا من الفريقين على ما وضع قاعدة إدارية وتربوية هامة يتحتم بموجبها احترام وجهات النظر في فهم النصوص ..

وذلك يمثل احترام الإسلام لاختلاف وجهات النظر ما دامت عن اجتهاد بريء وسليم ..

والناس غالبًا أحد رجلين .. رجل يقف عند حدود النصوص الظاهرة ، لا يعدوها ، ورجل يتبين حكمتها ويستكشف غايتها ، ثم يتصرف في نطاق ما وعى من حكمتها وغايتها ولو خالف الظاهر القريب .. وكلاً من الفريقين يشفع له إيمانه سواء أصاب الحق أو ند عنه .

وهذا سلوك ينبغي أن يحرص عليه المشرفون والمديرون لأن فيه إتاحة للعقول أن تعمل اجتهادها في الأمور غير المحسومة أو المحددة .. خاصة إذا كان لكل واحد من الطرفين اجتهاد وله ما قد يبرره .

وفي هذا الموقف يتبين لنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أرسى عدة مبادئ نوجزها في الآتي :

1 – مبدأ الخلاف في المسائل الفرعية .

2 – مبدأ المختلف فيه لا إنكار فيه .

كما أن جمود المدير أو المشرف وعدم مرونته ووضعه لفريق عمله في قوالب جامدة لا يتصرفون إلا بمقتضاها فإنه يحجر على العقول .. ويقتل الإبداع والابتكار ..

وإذا كان هذا الأمر سائغًا في الأمور الشرعية .. فكيف يكون في أمور لا يقوم بنيانها إلا على الاجتهاد .

فوائد الاختلاف :

رؤية الأمور من أبعادها وزواياها كلها - إضافة عقول إلى عقل - تعدد الحلول أمام صاحب كل واقعة ليهتدي إلى الحل المناسب - فتح مجالات التفكير للوصول إلى سائر الافتراضات - تلاقح للآراء - رياضة للأذهان - التعرف على جميع الاحتمالات .

 

ويعرض المنهج الإسلامي طرقًا عديدة في إدارة الخلافات تتمثل في الآتي :

 

1 – حل الخلاف بالرجوع إلى القرآن والسنة " وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمْ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ " ( الشورى : 10 ) .

 

2 – المشورة ( حلبات المواجهة ) ومن أمثلتها حل الخلاف الذي حدث بين مجموعات المسلمين في الموقف من مانعي الزكاة بعد وفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - فكان لعمر رأي ولأبي بكر رأي مخالف ، ثم تمت المناقشة أو المواجهة واقتنع عمر وباقي أصحاب رسـول الله - صلى الله عليه وسلم - بصحة رأي أبي بكر فاتبعه الجميع في ظل روح المحبة والإخاء .

 

3 – استخدام أهداف عليا مشتركة : مثل الطريقة التي استخدمها الرسول - صلى الله عليه وسلم - في حل الخلاف الذي نشب بين قبائل قريش على من يضع الحجر الأسود في مكانه ، عند إعادة بناء جدران الكعبة قبل بعثة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - حول بحكمته الخلاف القائم على إصرار كل قبيلة على أن تفوز بشرف وضع الحجر الأسود وأن تمنع القبائل الأخرى من وضعه بأن جعلهم جميعًا يحققون مصلحة مشتركة لهم جميعًا ومرضية ، عن طريق وضع الحجر الأسـود في ثوبه ، ثم طلب من كل قبيلة أن تأخذ بناحية من الثوب ، ثم رفعوه جميعًا حتى بلغ موضعه ، ثم بنى هو عليه بيده الشريفة ، فبذلك تحققت مصلحة مشتركة وهدف مشترك فيه مصلحة الجميع .

 

4 – استخدام وسيط : ويكون ذلك الوسيط طرفًا محايدًا ، ترضى عنه الأطراف المختلفة ، مؤهلاً لحل الخلاف بينهم ، وقد يكون هذا الوسيط شخصًا محايدًا أو محكمًا رسميًا أو قاضيًا .

يقول الله تعالى " وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقْ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا " ( النساء : 35 ) .

 

5 – استخدام الإجبار والقوة : وهو فرض حل معين على أفراد الفريقين المختلفين عن طريق طرف ثالث ، وهذا الطرف الثالث قد يكون رئيس المجموعتين أو الفريق أو ذي مصدر قوة أكثر " وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ " ( الحجرات : 9 ) .

 

6 – طريقة تهدئة الموقف : وفي هذه الطريقة يقوم قائد المجموعتين اللتين يوجد بينهما خلاف بتهدئة الطرفين المختلفين وذلك بإظهار أن هذا الخلاف ينبغي ألا يوجد إذا صفت النفوس ورجعت إلى روح المحبة والأخوة والإيمان التي تربطهم .

" وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ " ( آل عمران : 103 ) .

7 – استخدام حل وسط : وذلك كما حدث في صلح الحديبية .

المصدر: http://1bac.medharweb.net/modules.php?name=News&file=article&sid=226

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك