الإصلاح الديني بين التطرف الديني والتطرف الإلحادي والنظم المستبدة

مؤمن سلام

 

مرت الأديان باختلافها وتنوعها بنفس المراحل التاريخية تقريبا، فهي تظهر كثورة على الأوضاع الراهنة وتغيير جذري في مجتمع ما، فيتم معارضتها ورفضها ويضطهد أتباعها ويعذبوا ويقتلوا، فيصبروا ثم ينتصر الدين الجديد ويستطيع حكم المجتمع الذي ظهر فيه ويتمدد إلى دول الجوار بطريقة أو بأخرى. وبعد أن يستقر ويصبح للدين دولة مستقرة قوية وربما إمبراطورية، يشعر أتباع الدين أن أفكارهم الدينية في حد ذاتها هي سبب هذا الانتصار وإقامة هذه الحضارة، متناسين أن هذه الأفكار كانت ثورة فكرية في وقتها وتغيير كبير في واقع المجتمع الذي ظهرت فيه. يبدأ هؤلاء في التجمد على هذه الأفكار معتبرين المساس بها مساس بالمقدسات ومحاولة لهدم الأساس الفكري الذي قامت عليه الدولة والحضارة. ويتعاون مع رجال الدين هؤلاء حكام مستبدين يكرهون التغيير والتفكير وكل ما يجعل المواطنين على درجة من الوعي تجعلهم قادرين على مراقبة الحاكم. ويحدث التحالف بين رجال الدين ورجال السياسة من أجل الحفاظ على الجهل، حماية لسلطتهم الدينية والسياسية.

النتيجة الطبيعية لهذا الجمود الفكري باسم الحفاظ على المقدسات والتراث والخصوصية، هو ضعف الدولة وانهيار الحضارة. فلا حضارة بدون فكر متطور متحرك مواكب للعصر ومشاكله وتحدياته.

في لحظة من اللحظات يتنبه بعض رجال الدين لهذه الأزمة، وغالبا ما يكون هؤلاء من أصحاب العقلية المتفتحة الباحثة الناقدة والمحتكين بثقافات أخرى تحمل راية الحضارة الإنسانية في هذه اللحظة التاريخية والمحبين لبلادهم ودينهم. يشعر هؤلاء بالغيرة والحزن على بلادهم التي ضعفت وحضارتهم التى انهارت، فيبدأوا رحلة البحث عن أسباب المرض وكيفية علاجه، ويهتدون إلى أساس المرض وسبب فيروس التخلف وهو الجمود في الأفكار والإجتهادات الدينية التى جعلت من كل شيء حرام ومن كل ما هو جديد بدعة دينية مصير صاحبها إلى النار.

يبدأ هؤلاء الإصلاحيين في الابتعاد عن الإجتهادات والآراء البشرية التى التصقت بالنص الديني وتم إضفاء القداسة عليها باعتبارها جزء من المقدس، والرافض لها رافض للدين كافر أو مهرطق. فيعود هؤلاء الإصلاحيين إلى النص المقدس مباشرة بدون وساطة أو مفسرين أو مجتهدين، يأخذون آرائهم من النص مستلهمين روح الدين التى ولا بد تقوم على الحرية والعدل والمساواة. يقوم هؤلاء الإصلاحيين بهذا الجهد رغبة في إخراج المجتمع من تخلفه بسبب انفصاله عن واقع الحضارة الإنسانية، ورغبة في إعادة إحياء الدين الذي يبدأ الناس في الهروب منه والكفر به وبتعاليمه نتيجة ممارسات رجال الدين التقليديين.

ما أن تبدأ هذه الأصوات الإصلاحية في الظهور ويعلوا صوتها وتجتذب المريدين والتلاميذ حتى تعلن ثلاث جهات الحرب عليها:

أولها، رجال الدين التقليديين الذين يشعرون أن عروشهم الدينية في خطر نتيجة الأفكار الإصلاحية التى تنزع عنهم القداسة وتسحب منهم صفة التحدث باسم السماء وما يتبع ذلك من مصالح سياسية واقتصادية واجتماعية. فسياسيا يصبح أداة في يد السلطة الباطشة التى تستخدمه في السيطرة على الجماهير حيث تقنع الجماهير أن الحاكم يحكم بأمر الله ومشيئته فلا يجوز الاعتراض عليه أو التظاهر ضده، وان للحاكم الحق في السمع والطاعة المطلقة. أما اقتصاديا، فلعب دور المتحدث باسم الله على الأرض تفتح الخزائن لرجال الدين التقليديين في صورة تبرعات ومنح وإعانات وهدايا، لا يراقبها أحد ولا يعرف أحد كيف تصرف وعلى من تصرف، فلا عجب أن نرى هذا الصنف من رجال الدين يسكن القصور ويركب سيارات أثمانها بالملايين ويتزوج بالعديد من النساء. وعلى الجانب الاجتماعي نرى حجم الواجهة الاجتماعية التى يتمتع بها رجل الدين المقدس الذي يحمل البركة بمجرد لمسة أو السلام عليه أو تقبيل يده. فمن من هؤلاء الجامدين التقليديين على استعداد أن يتنازل عن سلطته السياسية وأرباحه الاقتصادية ووجاهته الاجتماعية من أجل الحفاظ على الدين أو النهوض بالبلاد أو تحسين أحوال العباد؟

الجهة الثانية التى تقف في وجه الإصلاح الديني هي السلطة السياسية المستبدة. فالمستبد دائما ضد العلم والثقافة والتنوير والإصلاح. فكيف يسمح بما يفتح عقول المواطنين فيجعلهم يفكرون ويقررون لأنفسهم دون انتظار لرجل سياسة أو رجل دين أن يقرر لهم ويحدد لهم ما هو في صالح الوطن والمواطنين وما هو ضد مصالح المواطنين وضد أمن الوطن. المستبد يريد مواطنين مثل القطيع يستطيع أن يقودهم ويوجههم دون أن يعترضوا أو يجادلوا حتى لو كان يقودهم إلى حتفهم. وهل أفضل من الدين ورجل دين ظلامي يسيطر على عقول الجماهير ويسلم قيادهم لحاكم مستبد يأخذهم إلى التهلكة؟

على عكس ما يتخيل الكثيرين، وعلى عكس ما يروج رجال الدين التقليدين، يقف المتطرفين من الملحدين ضد الإصلاح الديني. الإلحاد مثل كل معتقد به المتطرف وبه المعتدل، فالملحد المتطرف هو من يجعل القضاء على الدين هدفه في الحياة ويسعى بكل قوته لمهاجمة الأديان وسبها وسب الأنبياء والطقوس وكل ما يتعلق بها من مقدسات، تماما كما يفعل الأصوليين الدينيين مع المخالفين لهم في العقيدة. هؤلاء المتطرفون من الملحدين يعيشون ويقتاتون على الآراء المتطرفة والشاذة لرجال الدين التقليديين، وهو ما يجعل مهمتهم سهلة في الهجوم على الأديان وتحقيرها وهز عقيدة المؤمنين بها. أما رجال الدين الإصلاحيين فهم من يمثلون التحدى الحقيقي للملحد المتطرف، فهم يتعاملون بروح الدين ومقاصده العليا، لا يلتفتون لما قال فلان وقال علان، فبالنسبة لهم كلها أقوال بشر يؤخذ منها ويرد وما خالف النص الديني ومقاصد وروح الإيمان يتم إلقاءه في القمامة دون أي قداسة. فالنص هو الأساس وروح الدين ومقاصده هي المفسر والفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان. ولهذا تجد المتطرفين من الملحدين يقفون في نفس الخندق مع رجال الدين المتحجرين في الهجوم على الإصلاح الديني ورفضه والتمسك بالتراث البشري لأي دين حيث يجدون فيه منجم ومخزن سلاح للهجوم على الأديان وتحطيمها.

ولذلك، إذا أردنا لأمتنا المصرية أن تنهض ولمصر أن تعود لسابق مجدها وعزها، فعلينا بالتنوير والثورة الثقافية وفى القلب منها الإصلاح الديني.

المصدر: http://civicegypt.org/?p=38836

الحوار الداخلي: 
الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك