مواجهة التطرف الفكري: رؤية لاستشراف المستقبل بقراءة متعمقة للحاضر

أ.د / عبدالعزيز بن علي بن رشيد الغريب

 

يواجه المجتمع السعودي حالياً بشكل عام أشكال متعددة من التطرف والانحراف الفكري،  نتيجة للعديد من العوامل الاجتماعية، والاقتصادية. ويأتي التطرف الفكري الديني التكفيري في مقدمة تلك النماذج. حيث شهدت كثير من مدن المملكة العربية السعودية العديد من العمليات الإرهابية التي قام بها بعض العناصر الحاملة لهذا الفكر راح ضحيتها مئات القتلى، والجرحى، ودمرت العديد من المنشآت والممتلكات. ولا شك أن  الحركية المجتمعية تعد حديث المجتمع السعودي في واقعه الحالي، في ظل ظروف التغير الاجتماعي التي يعيشها بمتغيراتها المكانية والزمانية، وظروفه المحلية، والإقليمية، والدولية.  خاصة مع اهتمام السلطة الرسمية بموضوع مواجهة التطرف الديني والفكري وفتح الباب للتطوير والإصلاح في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وفق ما جاء في خطاب خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز عندما كان ولياً للعهد بتاريخ 17/1/2004م، وما تلاه من خطابات سامية، كلها تصب في تأكيد استمرارية الإصلاح منهجاً للحياة السياسية والاجتماعية للمجتمع السعودي كان آخرها ما صدر عام 2009م من قرارات تصب في مجملها في تدعيم وتثبيت ركائز الإصلاح في المجالات الاقتصادية والقضائية والتعليمية والشورية والخدمية. (أنظر نص الخطاب: في جريدة الرياض، العدد، 13555).

وظل الدين حاضراً في كثيرٍ من الرؤى التي تعرض لمفهوم الخصوصية؛ مما أعطى هذا المفهوم سلطة اجتماعية اكبر من قدرة أفراد المجتمع على مجرد التفكير به، قبل قبوله. وهكذا عبر سنين – في رأي- رضخ المجتمع السعودي تحت وطأة هذا المفهوم. حتى تحول الأمر إلى تقديس كبير لهذا المفهوم، رغم ما ترتب عليه – كما يرى بعض الباحثين- من تأخر كبير في اللحاق بركب التقدم والتطور المجتمعي. وظلت الدولة تواجه مثل تلك الأطروحات المتطرفة بشكل يضمن للمجتمع سلامته، وفرض ما تراه يصب في صالح المجتمع رغم المعارضة، التي تحاول بعض القوى الواضحة، أو الخفية فرضها. وظل في الوقت نفسه الاستعانة بالعلماء أيضا حاضراً، إذ يندر أن تتخذ الدولة قراراً يمس التغيير، أو التطوير، إلا بمباركة ودعم من العلماء والمشايخ. مما جعل لهم مكانة عالية في المجتمع دخلت كل المجالات والاختصاصات.

إلا أن تداعيات أحداث 11/ سبتمبر/2001م غيرت كثير من مثل تلك المفاهيم، وذابت الخصوصية في دهاليز التطوير والتغيير. خاصة مع تبني الدولة قيادة التطوير والتغيير، الذي تحول إلى مشروعاً عرف باسم الإصلاح من اجل تحقيق الأمن الاجتماعي بشتى أشكاله وصوره وصون الوحدة الوطنية للمجتمع. وأصبح لهذا المفهوم قوة كبيرة في المجتمع. والذي كان من نتائجه ازدياد قوى التزمت والتطرف، جراء هذا الصراع الذي حدث ما بين الإصلاح والخصوصية؟. والذي كان عاملاً محركاً لكثير من الرؤى المتطرفة، والتي وجدت في التقنية الحديثة مجالاً رحباً لنشر تلك الأطروحات والرؤى.

 ولقد تعددت أشكال التطرف الفكري، منها ما هو تدمير للمكتسبات الحضارية للمجتمع وقتل الأنفس، ومنها ما هو تشدد فكري يحمل جانب الإقصاء والتصنيف لأفراد المجتمع. وقد أصبح التطرف الديني سمة غالبة لظاهرة الانحراف الديني المعاصرة التي تفشت في العديد من المجتمعات الإسلامية والعربية بما فيها المجتمع السعودي. والتي أخذت من الإصلاح ذريعة للإضرار بالمجتمع، مقارنة ذلك بما قامت به الدولة بمؤسساتها المختلفة، من تنمية شاملة رفعت من مستوى المجتمع السعودي في فترة زمنية قصيرة، وكان يمكن أن يكون حال المجتمع أفضل لو كانت المواجهة مع تلك الدعاوى حاسمة في وقت بداياتها.

في ضوء ذلك تعرض هذه الورقة ووفق رؤية نسقية لماهية التطرف الديني في المجتمع السعودي في ظل صورة معينة اصطبغ به المجتمع السعودي وهو المحافظة، فهل هي محافظة دينية بحتة، أم محافظة اجتماعية دينية، أم بين هذا وذاك. وهل بالفعل كان المجتمع السعودي يسعى لحماية ثقافته المحلية من التغير أو الاصطدام بثقافات أخرى. وهل حققت النجاح في ذلك. في الوقت الذي قد يكون مفهوم الخصوصية ظل ساتراً لكثير من التغيرات والتطورات الإيجابية التي كان من المفترض أن يصل لها المجتمع السعودي. بل ظل هذا المفهوم الذي أنبتته مرحل الطفرة في نهاية السبعينات الميلادية من القرن الماضي، ودعمته مرحلة الصحوة في الثمانينات الميلادية؛ سلاحاً يشهره معارضو التغيير والتطوير لإجهاض أي تطوير، أو تغيير يحتاجه المجتمع، أو تفرضه صيرورة الحياة الإنسانية.

فقد مثل انتقال السعوديين لمحطات كثيرة من العالم لدعم جماعات أو فرق إسلامية بدعاوى الجهاد المباشر معهم، أو بقصد الإغاثة وتقديم المعونات الإنسانية وما في حكمها، مثل هذا خصوصاً منذ بداية الألفية مشكلة تؤرق القيادة الرسمية للمملكة العربية السعودية، وصراعاً خفياً فيما بينها وبين السلطة الدينية الرسمية منها، أو غيرها. خصوصاً بعد تناقل عدد من التقارير الصحفية حول ذالك الاندفاع الذي يمثله الشباب السعودي وما يسببه من إزعاج للقوى العالمية.

وفي ضوء ما سبق نلحظ، أن التساهل في مواجهة الحركية المتطرفة والتكفيرية، بطريقة تكبح جماحها وتضبط آلياتها قد أدى لآثار سلبية كثيرة جداً، مما يجعل المجتمع بكل مؤسساتها لا يحيد عن طريق تنميته الشاملة، وأن لا يكون هناك خيار آخر يمكن تفضيله على مصالح التعايش والسلم الاجتماعي، فالمجتمع هو المكون الرئيس ولا يمكن له أن يتفق على الطائفة، أو المذهب، أو العرق، أو اللغة، فكم من مجتمعات تعيش اليوم بوحدة نموذجية وهي تموج بمتغيرات عدة، لذلك اعتقد أن المجتمع السعودي قد خسر كثيراً وخدشت وحدته وهدد أمنه، جراء اتساع حجم التغاضي أو التساهل مع الاتجاه المتطرف الفكري، رغم الأصوات التي كانت تنذر بوصول المجتمع إلى طريق مفصلي في مسيرته التنموية، هذا بالإضافة إلى  خسارة مادية ومعنوية مست نسقه الاجتماعي. ومن أبرز تلك الخسائر المادية والمعنوية التي تعرضت لها أنساقه المختلفة ما يلي: 

1- انتشار العنف والأعمال التخريبية،  بهدف إشاعة الخوف والفزع والذعر على نطاق واسع. وخصوصاً استهداف المنشآت الحيوية يقدر ثمنها بملايين الريالات، حيث تمثل الحركية غير المنضبطة تهديدا مباشرا للمنشآت الحيوية في المجتمع، مثل شركات النفط، الكهرباء، الماء، المطارات والموانئ وغيرها من المنشآت الحيوية في المنطقة. وإتلاف العديد من الممتلكات من مجمعات سكنية، ومباني حكومية، وغير ذلك من الممتلكات مثل سيارات،  ونحوها..  وتبرز الخطورة الأمنية في ذلك في عدم اكتراث هذه الفئات بتلك الخسائر  مهما كانت طبيعتها  معتبرين كل الأموال والممتلكات  أمراً مباحاً لهم  يتصرفون به كيفما شاءوا.

2- ارتفاع معدلات الجريمة من: سرقات، وأخلاقية ومخدرات ، وغيرها من الجرائم ؛ نتيجة  انشغال  معظم العاملين في القطاعات الأمنية  بتعقب  الجرائم التخريبية ، وصرف جل اهتمامهم  لمتابعتها  وملاحقة المنتمين  لها  مما يعطي فرصة لمرتكبي الجرائم الأخرى  بارتكاب جرائمهم .

3- انتشار الخلايا السرية داخل المدن، والاعتداء على الشخصيات المهمة، وزعزعة الأمن والاستقرار، و هز الثقة في الأجهزة الأمنية. وانتشار فكر يحمل التغيير بالقوة منهجاً وسلوكاً لهو دون إعطاء أية هيبة للأنظمة وقواعد الضبط الاجتماعي في المجتمع، واعتبار كل ما يخالف منهجيتهما هم فقط المكلفين بردعة ومنعه ولو بالقوة، مما يجعل كثيرون يغارون على مجتمعهم يتوارون عن الظهور، أو المشاركة في مناشط مجتمعهم خوفاً من المواجهة مع الفئات المتشددة.

4- ضعف الولاء والانتماء الوطني،  إذ تنطلق الفكرة الرئيسة للجماعات المتشددة من مفهوم (الأممية ) حيث أنهم لا يؤمنون بمفهوم الانتماء الوطني.  فوطنهم  أينما يوجد مسلمين دون أدنى اعتبار  لمفهوم الدولة وما يطرحه هذا المفهوم خاصة فيما يتعلق بالسيادة الوطنية والحدود والمواطنة.  

5- تحجيم العمل الدعوى والخيري الإسلامي حيث كانت المراكز الإسلامية تقوم بدور فاعل في نشر الدعوة الإسلامية كما كان الدعاة يتنقلون من مجتمع إلى آخر   بحرية تامة دون أي قيود أو مراقبة. إلا أن الأوضاع تغيرت  تماما  بعد  أحداث  سبتمبر  فقد تم  تقييد المراكز الإسلامية، وكذلك تم  تحديد  تحركات  الدعاة  أو منعهم من الدخول  أو سجنهم، كما تأثر القطاع الخيري، والتشدد في برامجه وإطلاق الشبهات والتهم تجاهه، مما أدى إلى انحسار هذا القطاع وتضاءل دوره على المستوى المحلي والعالمي، بل أدى إلى تخوف وإحجام الكثير من رجال الأعمال عن التبرع والمساهمة في الأعمال الخيرية خوفاً من تعرض أموالهم وحساباتهم للتجميد أو المساءلة.

6- بروز ظاهرة الاستهزاء بكل ما يمت للدين بين أوساط بعض الشباب في المجتمع يتمثل في التهكم بالدين والعلماء، ويسخر من كل ما يمت للدين بالصلة، ولا يتوانى البعض منهم في إطلاق صفة الإرهاب لكل من تبدوا عليه علامات الالتزام. ويمثل هذا النمط من السلوك  بداية ظاهرة غير سوية ربما تقود إلى تنامي ظاهرة تطرفية  جديدة تدعو  إلى الفساد الأخلاقي.

7- إثارة الفتن  الطائفية، والمذهبية، وتهميش الآخرين  من المختلفين معهم فكريا، أو طائفياً. أو مذهبياً. إذ تنظر الفئات المتشددة إما فكرياً أو ممارسة، إلى كافة  أطياف المجتمع  باختلاف مذاهبها  الدينية، وانتماءاتها الفكرية على أنهم  كافرون  يجب قتالهم.  والمتتبع لمواقعهم على الانترنت ومنشوراتهم، يلاحظ أنه لا تكاد تخلوا مطبوعة واحدة من تكفير العديد من الطوائف الدينية في داخل المجتمع. ولا شك أنه جراء واقع التركيبة الاجتماعية   للمجتمع السعودي   ذات الانتماءات المذهبية المختلفة  فإن ذلك سينعكس سلبا على الوحدة الوطنية، وعلى  الشعور بعدم المساواة  والعدالة ، أو تقييد الحرية وبالتالي  عدم  الإحساس بروح المواطنة  مما قد يؤدى  إلى حروب أهلية  وطائفية. 

8- زيادة التناحر والخصام بين أفراد المجتمع، وبث الفرقة والكره بينهم. وتبرز الخطورة الأمنية في ذلك الأمر في توسيع دائرة العداوات، والتناحر الاجتماعي، وتأثير المنحرفين على أفراد الأسرة، إذ أن انضمام احد الأبناء لأي فئة حركية في المجتمع، هو لا شك قد يكون البداية لتغلغل مثل هذا الفكر داخل الأسر، وقد يكون كرة الثلج داخل محيط الأسرة والعائلة. كما أن خروج هؤلاء الشباب عن إذن الأبوين أو حتى الاتصال بهم، وخضوعهم التام باسم الدين لسطوة وسلطة رجال الدين المتشددين؛ قد يحدث التنافر والصراع الجيلي الذي يقوم بها المفكرون للعنف والتشدد، من خلال قيامهم بعزل المنتمين له عزلاً تاماً عن أسرهم وكل  أقاربهم بهدف الاستحواذ عليهم  وضمان السيطرة عليهم وعدم تأثرهم بأي مؤثرات خارجية. 

9- ضياع الملايين من الأموال التي تصرف على مكافحة التشدد والتطرف والإرهاب، ومعالجة وإصلاح الآثار والأضرار التي يسببها. وكان يمكن الاستفادة منها في مجالات التنمية المختلفة كالطرق، والمنشآت، والمؤسسات الخدمية. 

10- تزعزع ثقة في الاستثمار والمستثمرين الأجانب في المملكة،  إذ أن الاستثمارات ورؤوس الأموال  دائما تتجه إلى البيئة الآمنة أو الأكثر أمانا في العالم. بينما المجتمعات التي تعانى من اضطرابات أمنية غالبا ما تفشل في استقطاب رؤوس الأموال الأجنبية.  ومما يخشى منه أن تعزف الكثير من الشركات الاستثمارية من المساهمة في أي استثمار في المنطقة نتيجة الاضطرابات الأمنية التي أحدثها أتباع القاعدة.

11- توتر العلاقات بين المملكة العربية السعودية والدول الشقيقة أو الصديقة، والتضييق على المواطنين  في الخارج، ترتبت على نشاط الجماعات الإرهابية المتطرفة في المنطقة في الآونة الأخيرة وخاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر  تشوية صورة المواطن السعودي في المنظور العالمي. فبدلا من الحفاوة البالغة التي كان يواجه بها المواطن السعودي والتسهيلات العديدة التي كان يحظى بها،  أصبح متهماً بالإرهاب وعرضه للمسألة والمراقبة الأمنية في الكثير من دول العالم .

وفق ذلك أشير إلى أنه قد حققت دراسات المستقبل Futuristic Studies تقدماً كبيراً منذ نهاية القرن الماضي. إذ أن دراسات المستقبل في العلوم الإنسانية والاجتماعية تقدم فهماً اجتماعيا ومشروطاً للمستقبل. وتوفر ظهور التخطيط والاستراتيجيات جانباً مهماً من القاعدة المعرفية التي تعزز الاستراتيجيات ورسم الخطط. كما تفيدنا في اكتشاف المشكلات قبل وقوعها ومن ثم التهيوء لمواجهتها، أو حتى قطع الطريق عليها والحيلولة دون وقوعها. خصوصاً وأن دراسات المستقبلية أصبحت دراسات عابرة للتخصصات Transdisciplinarity، أو الدراسات التكاملية Integrative وتحاول ليس في حدود النظرية السوسيولوجية، بل والعلوم الإنسانية، بل في ظل الارتباط الوثيق بين دراسات المستقبل والتخطيط للأمن الوطني، أو القومي. وفي هذا السياق أصبحت دراسات المستقبل أو الدراسات المستقبلية تعني فعلاً فكرياً ونشاطاً سياسياً يهتم بمختلف مجالات الحياة الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، والنفسية، والعقائدية. بغرض اكتشاف التحكم في سلسلة الأسباب المعقدة والمستمرة، من خلال التصورات والتأملات المنظمة والتجارب  التفكير المبدع. ولعل تقييم الماضي وتوجيه الحاضر لتداعياتها على المستقبل أهم الجوانب الرئيسة لإتمام الدراسات المستقبلية لمجتمع ما. وبما أن علم الاجتماع من أكثر العلوم الإنسانية اهتماماً بالجوانب التفسيرية والتنبوئية، في ظل تنامي مفاهيم فروع علم الاجتماع الدينامي، وعلم الاجتماع النقدي، وغيرها من الفروع الحديثة لعلم الاجتماع التي تهتم بدراسات البناء والأنساق الكبرى للمجتمعات. خصوصاً وأن طبيعة التحولات البنائية التي أدت إلى اختلاف أشكال المجتمعات. جعلت من علم الاجتماع له أهمية كبرى في عملية اكتشاف القوانين التي تتحكم في حركة المجتمعات الإنسانية في استقرارها وفي تطورها، وغي تحولاتها المختلفة.

من هنا نعرض فيما يلي لرؤية مستقبلية لتوجيه الحركية المجتمعية للمجتمع السعودي، في ظل تقييم لحركية المجتمع في الماضي، وما يعايشه حالياً، ومن ثم يمكننا وضع المقترحات التي تفيد في معالجة ما قد يسهم في توجيه الحركية، بما يسهم في حياة مجتمعية أكثر أمنا لأفراد المجتمع.

 

تقييم الواقع الحالي ومحدداته ومشكلاته:

في ضوء العرض السابق لموضوعنا، يمكن الوصول إلى عدة حقائق نراها توضح بشكل أو بآخر حقيقة موضوع التطرف الفكري في مجتمعنا السعودي، سواء من خلال واقعها، أو أهم محطات المعارضة والمواجهة معها، وهي كما يلي:

1-  أن مفهوم الإصلاح متأصل في تاريخ المجتمع السعودي حيث بدأ مع بداية تأسيس الدولة السعودية ذاتها، وكان جزءاً من العوامل الرئيسة للتغير الاجتماعي الذي حدث في تأسيس الدولتين الأولى والثالثة في المجتمع السعودي.

2-  أن الدين كان ملازماً للمطالب الإصلاحية سواء من قبل القيادة السياسية الرسمية ممثلة بمؤسس الدولة السعودية الأولى، أو الملك عبدا لعزيز- رحمه الله-، أو بالمطالب الشعبية التي كانت تجد معارضة وتفنيداً من كبار العلماء المقبولين من عامة المجتمع.

3-  ارتباط الإصلاح الرسمي بالمؤسسة الدينية الرسمية ( هيئة كبار العلماء ) غالباً، حيث استعانت المؤسسة الرسمية برؤية العلماء في كثير من إجراءاتها الإصلاحية، أو في تفنيد مطالب الاتجاهات الأخرى التي حاولت استثمار الإصلاح لصالحها بتوظيف الدين لتلك المطالب، مما يبرز قوة تأثير المؤسسة الدينية وحجم التقدير الذي تناله من قبل السلطة السياسية.

4-  أن الإصلاح الرسمي الحكومي غالباً ما يكون نتيجة لظروف داخلية أو لحاجة مجتمعية تتطلبها أحيانا عملية التنمية والنمو في المجتمع، بينما الإصلاح الشعبي دائما ما يكون متأثراً بظروف خارجية أو استغلال لها، أو ردة فعل لأحداث تمس دولاً إسلامية عربية وغير عربية غالباً.

5-  أن التطرف الفكري دائما ما ينشغل قادته أو مفكروه بالمطالبة بعودة المجتمع إلى تراثه وأصالته، دون مراعاة أحيانا لواقع اجتماعي وسياسي معين يجب التوازن معه بشكل يقي المجتمع كله من خطر ما. كما برز وبوضوح تأثير مفهوم الأمة وقضاياها في طرح المطالب المتشددة لدى الاتجاهات الدينية ولو كان على حساب مفهوم المواطنة والمصالح الوطنية ذاتها، في تغييب واضح لأسس الجغرافيا السياسية وحقوق السيادة والعلاقات الدولية.

6-  بروز اتجاه فكري متطرف يميل للعنف والتشدد داخل الاتجاهات الدينية منذ وقت مبكر، قد تكون اتجاهاته امتدادا لبعضها البعض عبر السنين، لم يحظ بالقبول من الاتجاهات الدينية ذاتها. وميل الاتجاهات الدينية المتطرفة إلى العنف والمطالبة بالإصلاح بالقوة دون مراعاة للمتغيرات المحيطة بالمجتمع، وغالباً ما تنتهي بحسم من المؤسسة الرسمية، بحيث تضطر للتدخل للحفاظ على أمن المجتمع ووحدته، وفق رؤية كبار العلماء لضمان الموافقة الشرعية على ما يتخذ من إجراءات.

7-  وضوح العاطفة والمثالية في الخطاب الديني دون إدراك للظروف الاجتماعية داخل المجتمع السعودي وخارجه، والمتمثل في تركز المطالبات على قضايا معينة قد لا تكون مترابطة فيما بينها، بحيث لا تمثل برنامج عمل إصلاحي متكامل، حيث يعتمد على صف عبارات تطلب المثالية أكثر منها برنامجا واقعيا يلبي الاحتياجات ويعالج المشكلات. واستخدام أسلوب التعبير التعبوي المناهض للغرب أكثر من ارتباطه بواقع مجتمعي، بحيث كانت المطالب الشعبية ردة فعل لأحداث معينة دون أن يكون لها حاجة مجتمعية.

8-  تأثر مختلف المطالب المتطرفة الحديثة بالوضع السياسي والاقتصادي والعسكري في منطقة الشرق الأوسط، أكثر منه ارتباطاً بالوضع الداخلي للمجتمع السعودي، وبشعارات المطالب الإصلاحية في العالم العربي والإسلامي ومنها شعار التنوير، الاشتراكية، الإسلام هو الحل، التغريب، المؤامرة، التقدمية،  مواجهة العلمانية وغيرها. وكذلك وضوح تأثير استضافة المملكة لأعداد كبيرة من العمالة الوافدة من الجنسيات العربية، في صياغة طرح التطرف الفكري، بحيث قام هؤلاء بنقل تجاربهم في دولهم على الواقع السعودي.

9-  أن المطالب الفكرية المتطرفة ركزت على قضايا مرتبطة بتنمية المجتمع السعودي، فحورت لقضايا دينية لطلب الدعم الشعبي لها والتخويف من نتائجها، وخاصة قضايا الديمقراطية والمرأة والتعليم والإعلام ومؤسسات المجتمع المدني والحرية المذهبية والطائفية، دون مراعاة لوضع المجتمع ككل، بوصفهما جزء من المنظمة الدولية، وعليه التزامات ومواثيق يجب تطبيقها، ومسايرتها للعالم دون انغلاق ودون انفلات عن ثوابته.

10-         أن الشباب في أي مجتمع هم وقود مستقبله المشرق وأماله المستقبلية، إلا أن التطرف الفكري والديني أسهما إسهاما واضحاً في تأجيج الوضع بين الشباب السعودي، وإيجاد شرخ كبير في علاقتهم بواقعه وبمجتمعه وبمؤسساتها الرسمية، وجعلهم وقود يحرك التطرف أينما سار دور وعي بخطورة ما يقومون به، مما جعل كثير من هؤلاء يكون ارتباطها بمجتمعهم ارتباطاً مكانياً فقط، وليس بانتماء حقيقي يعبر عنه بسلوك اجتماعي رشيد.

 

دور الأنساق الاجتماعية في مواجهة آثار التطرف الفكري:

وفق هذه الرؤية وبعد تعرفنا على جذور المشكلة ومكامن بيئتها الواضحة والخفية، حيث شخص الباحث الاجتماعي الأكاديمي الدكتور يوسف العثيمين (2006) في دراسة بعنوان (نحو إستراتيجية وطنية شاملة لمكافحة الإرهاب في المملكة العربية السعودية ) مشكلة التطرف والغلو والتشدد في المجتمع السعودي بقوله: إن مكافحة الإرهاب في المجتمع السعودي تتطلب أعمق من المحاورة مع الضالين وما هو أكثر من التوعية مع المتعاطفين، فهو متمدد في الفكر والثقافة، وفي مؤسسات الدولة، وفي بنية المجتمع المحلية، إن الخطر الحقيقي هو في تلك الدوائر المتداخلة من المتعاطفين، التي تعيش بيننا ومعنا، لقد بات واضحاً أن هناك إطاراً فكرياً وأرضية اجتماعية مهيأة، أعطيا الإرهاب تعاطفية القبول في نفوس شرائح واسعة من المجتمع السعودي، بدرجات مختلفة، وهنا، مكمن الخطر، وبيت الداء وفي الوقت نفسه مصل الدواء. وفي المجتمع السعودي لا يجد الباحث الاجتماعي صعوبة في الجزم، بثقة علمية، بأن ذلك الضخ المتواصل والمركز المنبعث من الخطاب الدعوي المتشدد، الذي يسيطر على بعض وسائل الاتصال الجماهيري، وعلى ساحة المجتمع وبعض مؤسساته الدينية، والتعليمية، والتربوية، والإعلامية، ردحاً من الزمن، واتسم بالتشدد والتعبوية والنصية والأحادية والفوقية والاقصائية وكره المخالف، ووجه رسائله النارية المغرية لبعض شرائح المجتمع، لا بد بسبب ذلك الضخ المتواصل أن يجد الإرهاب، بشتى أنواعه الفكرية والحركية لنفسه تعبيراً في زمان معين، وفي مكان معين، وفي ظرف معين. أما الطرق على العوامل النفسية، أو السياسية، أو سوء الأحوال المعيشية، التي يقال أنها تولد الإرهاب، فهذه مجرد تفاصيل، أو مغريات، ليس إلا خصوصاً في المجتمع السعودي.

وفي ظل تلك الرؤية الشمولية لعلم الاجتماع في دراسته لإشكاليات النظام الاجتماعي، نعرض لبعض لهذه المقترحات والتي ما هي إلا خطوط عريضة لسحب البساط من فكر التطرف للسير في طريق الإصلاح.

 

النسق الأسري:

- تتحمل الأسرة جزءاً كبيراً من المسؤولية باعتبارها مؤسسة التنشئة الاجتماعية الأولى، والأسرة هي الملاذ والحصن الأول للشاب لمنعه من السفر لأي مكان كان. لضمان عدم انضمامه لاتجاهات معادية لبلاده. هذا طبعاً إذا كانت الأسرة تعلم في سفر ابنها ولكن للأسف الكثير من الأسر تفاجأ باتصال من أحد الدول يقول لها إن ابنها سافر لتلك الدولة.

- على الأسرة أن لا تفكر في سفر ابنها فقط ولكن ما بعد السفر ما الحال. على الأسرة رعاية أبنائها ومنعهم من الاختلاط برفقاء السوء مهما كانت توجهاتهم.

- على الأسرة أن تسأل الفتوى السليمة ومن جهاتها المعتمدة، لا أن تستسلم لضغوط الشاب الراغب في السفر وإن أصر الشاب على السفر فعليها طلب تدخل الجهات الأمنية لمنعه من السفر.

- على الأسرة الاهتمام بالإنترنت والاتصالات التي يقوم بها الشاب خاصة في مقاهي الإنترنت، وفي المنزل مهمة الأسرة واضحة للرقابة.

 

النسق الدعوي:

- استثمار خطب الجمعية كمنبر أسبوعي بطريقة تدرك جل المخاطر والأخطاء التي وقعت، وان تمارس الدور الاجتماعي المطلوب منها، وللأسف عدد قليل من مساجدنا حتى عهد قريب تخطب الجمعة بأسلوب حماسي بدون أن تعرف تأثير هذا على الصغار. لذلك خطيب الجمعة وهي يخاطب كل شرائح المجتمع من الضروري اتسامه بالاعتدال والوسطية والحكمة. والتعامل بحكمة مع الأحداث والمصائب وعدم شحن الشباب في القضايا السياسية، وحثهم بطريقة مباشرة، أو غير مباشرة للذهاب ليكونوا وقوداً للحرب هناك. وعدم استغلال حب الدين وخصال التدين، لإثارة الشباب للقتال والحروب

- أن يخضع الخطباء لمحاضرات في علم الاجتماع وعلم النفس والإعلام، إضافة إلى علوم الشريعة لإيصال الرسالة واضحة بعيدة عن الأسلوب الحماسي والتهييجي والاجتهادات الشخصية.

- أن يقوم أئمة المساجد بربط الناس خاصة صغار السن برؤية بلادهم في القضايا الكبرى، وأن عمله وحياته الصحيحة تبدأ من طلب العلم في وطنه وخدمة وطنه والنفع العام لمجتمعه وأنه قبل أن يفكر الشخص في الأمور الكبرى مثل الاشتراك في الحروب أو الإغاثة الخارجية عليه طلب الإذن من ولي الأمر. وهنا دور للعلماء لبيان الأحكام الشرعية في الجهاد، وأن تبين هذه الأمور للناس خاصة الشباب بشفافية متناهية. وعدم دفع هؤلاء الصغار للموت والهلاك.

- أن يقوم خطيب الجمعة بالدور الرئيس في الإيضاح بشفافية في كيفية التعامل مع الأحداث السياسية الراهنة في العالم الإسلامي. دون أن تكون تقريراً سياسياً عن الأحداث يشغل الناس عن واقعهم وهمومهم ويبعد مدى التفكير غير العقلاني في عقول الناشئة. وأن نعلم أولادنا أننا وببساطة لا نستطيع حل مشاكل العالم، وأن نتحمل مسئولية وتبعات كل ما يحدث في هذا الكون.

 

النسق التربوي:

- قيام المعلمين بأداء مهماتها الرئيسة في النصح والتوجيه وعدم جلد الذات وتكبير الأخطاء وتصيدها وتضخيمها ودفع الشباب الصغار للهرب عن أوطانهم، فالمعلم والمعلمة رسالتهم واضحة نقية ويجب أن تستمر كذلك وأساسها خدمة الدين ثم الوطن.

- إبعاد المؤسسات التربوية عن كل ما يمس الوحدة الوطنية، واعتماد رؤية تعبر عن مفاهيم حديثة تعتمد مبادئ الشراكة في الوطن، وأخوة التراب الوطني، بعيداً عن التهميش والنظرات الضيقة التي لا تتناسب مع مفاهيم معاصرة.

- ملاحظة الطلاب من قبل الأخصائي الاجتماعي أو المرشد الطلابي الذين يرغبون أو لهم تطلعات في السفر للحروب للجلوس معهم وطلب مقابلة أسرهم، مع التنسيق مع مساعدة الجهات الأمنية.

- متابعة أداء المعلمين لاجتثاث من يحمل الفكر المتشدد، فلا يمكن من التدريس من يثبت أن لديه فكرا متطرفا، واتخاذ إجراءات صارمة بحق من يثبت تورطه في مثل هذه الأعمال.

- تنمية روح حب الوطن والوطنية والبذل في نفوس الناشئة، ورسولنا وقدوتنا صلى الله عليه وسلم قال عن مكة: والله لأنت أحب البقاع إلى نفسي، ومع هذا فالكثير يعتبر حب الوطن من المنكرات والكبائر، لأننا تعلمنا على نمط أممي هدفه الأمة كلها وأهملنا الجانب الوطني.

- الحد من تسرب الطلاب من التعليم في سن مبكرة، وضرورة أن يكون التعليم  حتى المرحلة الثانوية إجبارياً، فالدراسات تؤكد أنه كلما قل التعليم سهل التأثير على الشاب لعمل أي شيء مثل السفر لأماكن الحرب أو حتى الدخول في منظمات إرهابية أو ضالة وذلك لعدم وجود بدائل بسبب قلة التعليم.

- تنمية مفاهيم رئيسة كالاختلاف، والحوار، والمواطنة، والمشاركة الوطنية، وعرضها بصور شتى سواء من خلال المنهج الدراسي، أو المناشط اللاصفية، أو القراءات لخارجية، على أن تكون بصورة متتالية بين المراحل الدراسية، وتتناسب مع طبيعة خصائص كل مرحلة.

 

النسق الإعلامي:

- على وسائل الإعلام دور مهم في بيان قضايا فكرية ودينية وثقافية وسياسية تشعل عقول الشباب. ومازال الإعلام المحلي لا يتعامل مع مشكلات الشباب بالشكل المطلوب، ومن ثم يجب النزول للشباب وإيجاد البرامج الإعلامية الشبابية التي تخدم هذه الشريحة المهمة من أبناء الوطن.

- على وسائل الإعلام التركيز على نوعية من البرامج تسهم في بلورة رؤية وطنية شاملة، تأخذ من النسقين الديني والوطني، المنهجين التي تستقي منهما رسالتها، ووفق معايير ومحددات اجتماعية ذات تركيبة بنيوية، تستند لثوابت دينية، وتراث اجتماعي أصيل.

- من المهم أن تقوم وسائل الإعلام، بالاهتمام بالبرامج الحوارية التي تركز على المناقشات المرتبطة بالشأن العام، لزيادة الحصيلة المعرفية، ومن ثم العقلية لدى شرائح المجتمع السعودي، وخصوصاً شريحة الشباب، على أن يكون في تلك البرامج ما يغري الشباب بمشاهدتها، ومتابعتها. وفي الوقت نفسه تتمثل تلك البرامج بأطياف متنوعة من أبناء المجتمع.

 

نسق العمل:

- زيادة فرص العمل للشباب، فمتى ما كان للشاب عمل صعب معه أن يتركه وأن يقطع مصدر رزقه، وقلة الدخل أو انعدامه تدفع بالشباب إلى حالة من اليأس وتسهل عليه عمل أي شيء في حياته فقط ليثبت لنفسه أنه نافع وأنه قام بعمل شيء يفيد نفسه أو أمته، إذن العمل مطلوب خاصة إذا عرفنا أننا في هذا الوطن الكريم نحتضن ملايين البشر من خارج الوطن وهم يأخذون لقمة العيش من هذا الشاب الذي عندما لا يجد عملاً فإنه لا مانع لديه من السفر خارج الوطن أحياناً لمناطق الحروب والقتال.

 

النسق الترويحي:

- زيادة المشاركة الشعبية للشباب في الأندية والمراكز الصيفية ومجالس الأحياء والجمعيات الخيرية والأعمال التطوعية، ومن الأهمية بمكان للشاب في مراحل المراهقة إثبات الذات خاصة أمام الأقران، وإن لم يكن هذا بطرق مشروعة كما ذكرت سلفاً، فسوف يثبتها بطرق غير مشروعة بالقتال والحروب وأحياناً الجريمة والعنف والإرهاب.

- نشر ثقافة المرح والسرور في المجتمع، فمجتمعنا للأسف تنتشر فيه ثقافة الحزن والتشاؤم، هنا يجب تفعيل النوادي والمجالس في الأحياء والمدارس لعمل برامج للشباب بعد المدرسة، برامج تهدف لنشر روح المرح والفرح بين الشباب وقضاء الوقت بطرق جيدة.

- تكثيف الاحتفالات الوطنية بالمناسبة الدينية والأيام الوطنية، وتنميتها بأسلوب جذاب بعيداً عن الرتابة والتقليدية، لجذب مختلف الشرائح الاجتماعية بطريقة وطنية حضارية، تساير العصر ويتواءم مع ما نحن بحاجة إليه من نشر الفرح، وفي الوقت نفسه تنمية الحس الوطني.

- الاستثمار الايجابي لأوقات فراغ الشباب في سن المراهقة بطريقة تضمن المنطلقات التربوية والفكرية التي تلقن لهم، ومن ذلك فتح باب التدريب في المدارس بعد العصر دورات في الحاسب واللغات وصيانة الأجهزة والسيارات والكهرباء وغيرها كثير تقدم مجاناً للشباب للقضاء على وقت الفراغ. فإذا لم تستغل أوقات الفراغ بالمفيد فسيدفع الثمن عندما يستغل وقت الفراغ في مشاريع قاتلة، خطيرة.

 

رؤية مستقبلية لتنظيم حركية المجتمع السعودي وتوجيهها:

الإصلاح مسيرة لا تحتمل التوقف والتغير الاجتماعي كما في الاتجاه الكلاسيكي للنظرية الاجتماعية ظاهرة رئيسة للحياة الاجتماعية لأي مجتمع تنقله- متى ما وظفت الإمكانات والقدرات ووحد التكامل بين ثنائية المادي والمعنوي - إلى مرحلة أفضل من سابقتها. ولكن استمرارية سيطرة جماعات معينة، وتغييب للفئات وشرائح أخرى فإن هذا مدعاة لانفتاح باب الصراع في المجتمع، خاصة بين فئات داخل المجتمع كل فئة تغلب مصالحها على الأخرى، وبالتالي تحدث الثورات والانقلابات التي حوادثها في كثير في المجتمعات النامية تؤكد على أن الاحتقان السياسي والقهر الاجتماعي لا بد أن يؤدي للتغير ولو بالقوة. وحرصاً على توجيه الحركية الاجتماعية، وتحقيق الإصلاح لنتائجه المرجوة والتي بلا شك ترنو لها القيادة السياسية لمملكتنا بقيادة خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده وسمو النائب الثاني ووزير الدخلية.

فإننا نوصي أن يتصف الإصلاح في المجتمع السعودي، بالخصائص التالية:

1-       الشمولية: بمعنى أن يكون الإصلاح شاملاً لجميع أنظمة المجتمع، في ضوء ما أكدت عليه النظرية الوظيفية من أن التوازن في المجتمع يعتمد على نجاح جميع أنظمته على أداء مهامها، وأن الاختلال في نظام ما ينعكس على جميع الأنظمة، وبالتالي من غير المنطق استيعاب الإصلاح في مفاهيم ضيقة تتعلق بالحرية، أو المشاركة، بينما الإصلاح هو منهج شمولي للحياة المتكاملة، لا يمكن التأجيل فيه أو التسويف.

2-       المؤسساتية: بحيث تنشأ المؤسسات التي تدير العملية الإصلاحية، لضمان النجاح لها وإدارته في مختلف جوانبه، ويتم تقييمه بين فترة وأخرى. ولا يكون الإًصلاح مرحلة مرتبطة بأشخاص سرعان ما ينتهي عن تعذر قيامهم بمسؤولياتهم في السلطة، أو حدوث ما لا تحمد عقباه مما يهدد الشأن العام ويعيد دوامة البداية والحيرة من جديد.

3-       الإستراتيجية: أصبح التخطيط الاستراتيجي سمة للمجتمعات المدنية، والتي تعدت وبمراحل مرحلة التحديث. والمجتمع السعودي عليه أن ينشد الوصول لمثل تلك المراحل، إذا ما أردنا أن جزءً مهماً من العالم. وهنا نؤكد على أهمية وجود رؤية واضحة لسنوات طويلة، حول ما نريده للمجتمع، وهو ما افتقدناه طويلا في مشروعات وبرامج التطوير، بمعنى أن تتضمن منهجية الإصلاح عدة أجيال قادمة، بحيث لا تعيقها أية تغيرات وقتية أو عبثية.

4-       التعددية: لا يمكن لأي مجتمع القفز على التاريخ أو الجغرافيا، عند مناقشة قضاياه الوطنية، ولا يمكن القبول بتحول احدهما على أخر. وكثير من المجتمعات استطاعت التعامل مع تركيباته الاجتماعية بمختلف أطيافها وأعراقها، بشكل عقلاني تجسد فيه الوحدة الوطنية. ولعل الوحدة الوطنية التي أسسها المجتمع السعودي تحت قيادة الملك عبدالعزيز – رحمه الله- برغم الحالة التي سبقتها دليل على إمكانية الإيمان بالتعددية مهم جداً داخل نسق وحدوي رئيس. لذلك إن التعددية في المشاركة في الإصلاح ضرورية جداً، فبدون المشاركة الشعبية لن تتحقق العملية الإصلاحية على الوجه المطلوب، مع ملاحظة أن التعددية يجب أن تكون شاملة لجميع فئات المجتمع. ونبذ أشكال الإقصاء المختلفة الاتجاهات والتساوي في الفرص بين الجميع.

5-       العلمية: لا بد من الدراسات والبحوث الجادة حتى يتحقق الإصلاح بعيداً عن العاطفة والاندفاع الوقتي، مع ضرورة أن لا يكون الإصلاح ردة فعل بل أن يخضع لدراسات علمية جادة تبرز نمطيته وآلياته وأولوياته، وكذلك مشاركة الفئات المستهدفة بالإصلاح وبخاصة الشباب والنساء، بحيث تخرج تلك الدراسات بنتائج يمكن من خلالها السير في منهجية الإصلاح.

 

مراجع:

1-   إبراهيم، محمد (2005). الاتجاهات المعاصرة في دراسات المستقبل. مجلة شؤون اجتماعية، العدد (85)، جمعية الاجتماعيين والجامعة الأمريكية في الشارقة، ص109-165.

2-      العثيمين، يوسف (2006). نحو إستراتيجية وطنية شاملة لمكافحة الإرهاب في المملكة العربية السعودية. غير منشورة، الرياض.

المصدر: http://faculty.imamu.edu.sa/css/aaalgreeb/Pages/a8f99825-97ae-4ddb-bc5d-...

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك