بين الأمس واليوم: المواجهة الفكرية

مازن مطبقاني

للعلاقة بين الإسلامي والغرب جوانب عديدة وتمتد إلى قرون طويلة تبدأ من دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم أهل الكتاب {إلى كلمة سواء}، وأمره سبحانه وتعلى دعوة أهل الكتاب بالحكمة والموعظة الحسنة{ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن}، وقد استجاب المسلمون لهذا الأسلوب ووجد النصارى في الإسلام وحكومته العدل والمساواة، فأقبلوا عليه زرافات وحدانا فدخلوا في دين الله أفواجا.

هذا الإقبال من النصارى على الدخول في الإسلام حتى أصبحت أغلبية في بلاد كانت نصرانية مسلمة وأصبحت اللغة العربية لغتهم، هذا الإقبال أثار الحقد في نفوس المنفذين من رجال الدين النصارى وزعمائهم السياسيين ولا سيما حينما اجتمعت السلطة السياسية والدينية في أيدي رجال الدين النصارى.

وعند ما تمرد الأوربيون على سلطات رجال الدين النصارى وانتقلت أوربا إلى العلمانية ومن التأخر إلى الثورة الصناعية وما بعد الثورة الصناعية ظلت العداوة للإسلام تنتقل من السلطة السابقة إلى السلطة الحديثية.

وفي هذا المقال أقدم صورة من العداوة الفكرية التي يتزعمها الغرب ضد الإسلام والمسلمين أمهد لها بقصة من السيرة النبوية حينما حاول ملك الغساسنة النصارى دعوة أحد المسلمين للالتحاق به وترك دينه عندما كان هذا الصحابي الجليل يمر بعقوبة قررها الرسول صلى الله عليه وسلم لخطأ ارتكبه.

عندما دعا الرسول صلى الله عليه وسلم للاشتراك في غزوة تبوك وكان الجو صيفا قائظ الحر، وكانت الظروف الاقتصادية صعبة جدا. وقد تختلف حوالي ثمانون رجلا منهم كعب بن مالك رضي الله عنه الذي تعرض للحظة ضعف بشري. فقد اشترى الراحلة وكان مترددا بين الاشتراك في الغزوة أو البقاء في المدينة ينعم بالظل الظليل والزوجة والأبناء. وظل في تردده حتى عاد المسلمون من غزوتهم وقد كتب الله لهم عز وجل الأجر الكبير {ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطؤون موطئا تغيظ الكفار ولا ينالون من عدد نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح إن الله لا يضيع أجر المحسنين}فعاد المسلمون إلى المدينة فأما المنافقون فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قبل أعذارهم وأوكل سرائرهم لله عز وجل. وبقي ثلاثة من الصحابة عرفوا بالصدق والإيمان فكان لا بد من تربيتهم لإصلاحهم فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمقاطعتهم حتى إن زوجاتهم أمرن أن يعتزلنهم وقد وصف القرآن الكريم حلهم أدق وصف وأبلغه في قوله تعالى {وضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه}

وفي هذه الأثناء علم ملك الغساسنة النصارى بالشام لمأساة هذا الصحابي فأراد استغلالها بدعوة هذا الصحابي ليلحق به في الشام تاركا دينه وما يعانيه من عقوبة. ولكن ملكا رضي الله عنه تنبه للأمر. قد بلغ مني ما وقعت فيه أن طمع فيّ رجال من أهل الشرك. فذهبت بها (رسالة الملك) إلى تنور فسجرته بها (أي ألهبته بالرسالة)

وبعد قرون من موقف ملك النصارى الغساسنة تأتي جمعيات ومعاهد أدبية فتستقطب بعض الكتاب المسلمين أذين هربوا من بلاد هم أو منعت كتبهم من التداول. أو بعض من نالوا الاهتمام عند بعض الأوساط الأدبية المتنفذة لكنهم لا يخطون عجبة وقبول عامة الأمة الإسلامية.

ففي بريطانيا مثلا ثمة معهد الآداب المعاصرة (الذي يزعم أن من أهدافه توفير المكان للتعبير عن وجهات النظر المتعددة). وهذه الآراء هي آراء الفنانين والكتاب وكتاب الدراما وصناع الأفلام ،وقد استقدم هذا المعهد عددا من الكتاب والأدباء العرب لعرض آرائهم. وكان من هؤلاء محمد شكري الكاتب المغربي الذي تقول عنه نشرة المعهد أنه من أبرز الشخصيات الأدبية في المغرب. فأي معايير استخدمها هذا المعهد ليطلق على هذا الكاتب هذه الأوصاف المبالغ فيها، أليس هذا الكاتب هو صاحب (الخبز الحاف) الذي يحكي قصة حياته عند ما كان عتّالاً في شوارع طنجة، وفي هذا الكتاب شتم أباه وأهله ولم يتناول إلا الجوانب السلبية في حياته مع مبالغة في تصويرها. وهذا الكتاب ممنوع في معظم الدول العربية. فهل أخطأت البلاد العربية جميعها وأصاب هذا المعهد؟ هل ظلم الكاتب في بلاده وها هو المعهد البريطاني ينصفه.

واستضاف المعهد نفسه نوال السعداوي. والمرأة الداعية إلى ما تزعم أنه تحرر المرأة المسلمة. وإنما هو انحدار إلى السفور والخروج على القيم الإسلامية الرفيعة. وقد أصبحت نوال السعداوي ضيفه كل ندوة ومؤتمر يعقد في الغرب للدعوة لتحرير المرأة المسلمة بزعمهم. فهل احتاج المسلمون إلى أمثال نوال السعداوي لترشدهم للطريقة الصحيحة لمعاملة المرأة؟

وكان للفرنسيين دورهم في تشجيع المارقين المنحرفين حينما قررت جمعية فرنسية منح جائزة للوقاحة لكاتبين من المغرب، وقد كانت وقاحة هذين الكاتبين الدعوة إلى المنكر والفحشاء والبغي، لقد كتب الكاتبان باللغة الفرنسية حيث حصلا على ثقافتهما بهذه اللغة. ومن العجب أن تطلب الجمعية الفرنسية من الدول العربية تكريم هذين الكاتبين الفائزين بجوائز الوقاحة، هل كان على المسلمين أن يتنافسوا قول الله عز وجل {إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون}.

ما أشبه الليلة بالبارحة ملك نصارى يدعو مسلما لترك دينه واللحاق به، ولكن ذلك المسلم كان قوي الإيمان معتزا بعقوبته فقابل الدعوة بما تستحق، أما نحن اليوم فنجد هؤلاء الكتاب يتهافتون على هذه الدعوات ويبالغون في الانتقاص من عقيدتهم حتى إن أحدهم لا يرى في استخدام كاتبة إيرانية لاسم فاطمة لإحدى شخصيات روايتها إلا أنه يحمل مرجعيات تقليدية. يحضر مؤتمر أدبيا وهو لا يحسن التلفظ بجملة صحيحة في اللغة الإنجليزية.

إننا بحاجة ماسة للوقوف في وجه هذه الحرب الموجهة ضد عقيدة هذه الأمة وقيمها من خلال رجال منا يحملون أسماء إسلامية ويكتبون بلغات إسلامية ولكنهم من أشد الحاقدين على الإسلام. ولا يمكن أن تكون المواجهة إلا بتكثيف الجهود في دعوة أصحاب الفكر السليم لعقد الندوات والمؤتمرات وإلقاء المحاضرات ونشر الفكر الإسلامي الصحيح. والله والموفق.

المصدر: http://www.madinacenter.com/post.php?DataID=150&RPID=139&LID=8

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك