مات البابا وبقي الإسلام
مات البابا وبقي الإسلام
عبد السلام محمد زود
سدني أستراليا
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
أما بعد: فقد خلق الله الناس، واختار لهم الإسلام دينا، وأرسل لهم الرسل، وأنزل عليهم الكتب، ودعاهم للإيمان به، ليسعدوا في الدنيا والآخرة، فقال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} وهذا في الدنيا {وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} النحل 97 وهذا في الآخرة، وخطبة اليوم بمشيئة الله تعالى بعنوان: (مات البابا وبقي الإسلام) ونبدأ بالإسلام لحيويته، ونختم بالبابا لانتهائه، فنقول وبالله التوفيق: لقد بين وحي الله تعالى للناس كافة، أن حاجتهم إلى الإسلام أشد من حاجتهم إلى للطعام والشراب والهواء، لأنه لا نجاة للناس ولا سلامة إلا بالإسلام، فما هو الإسلام يا تُرى؟
- الإسلام هو الدين الوحيد عند الله تعالى كما قال: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ} آل عمران 19، وسمى من دخلوا فيه قديما وحديثا بالمسلمين، فقال تعالى: {هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا} آخر الحج.
- وكان الإسلام ولا زال هو دين الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، فالإسلام هو دين نوح عليه السلام، حيث قال لقومه: {فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} يونس 72، أول رسول يقول لأهل الأرض جميعا: وأمرت أن أكون من المسلمين.
- والإسلام هو دين خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام، كما قال تعالى: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} آل عمران 67
- والإسلام هو دين ذرية إبراهيم عليه السلام: {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ * وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ } البقرة 131-132
- والإسلام هو دين يعقوب عليه السلام وبنيه، كما قال تعالى: {أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـهَكَ وَإِلَـهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَـهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} البقرة 133
- والإسلام هو دين لوط عليه السلام، كما قال تعالى: {فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ الْمُسْلِمِينَ} الذاريات 35-36 وهو بيت لوط عليه السلام.
- والإسلام هو دين موسى ومن آمن معه، كما قال تعالى: {وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ }يونس 84
- والإسلام هو دين عيسى عليه السلام ومن آمن معه، كما قال تعالى: {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي قَالُوَاْ آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ} المائدة 111
- والإسلام هو الدين الذي دخل فيه سحرة فرعون يوم أن شرح الله صدرهم له، حيث قالـوا: {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ} الأعراف 126
- والإسلام هو دين سليمان عليه السلام حيث قال: {وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ }النمل 42
- والإسلام هو الدين الذي لم تجد بلقيس ملكة سبأ دينا يصلح للدخول فيه غيره حيث قالت:{رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} النمل44
- بل والإسلام هو دين المؤمنين من الجن، قال تعالى حكاية عنهم: {وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَد} الجن 14
- والإسلام هو الدين الذي لا يقبل الله من أحد دينا سواه، كما قال تعالى: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} آل عمران85
- وما جاء خاتم الأنبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه وسلم إلا بالإسلام، كما أمره تعالى بقوله: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ }الأنعام 162- 163
- والإسلام هو الدين الذي رضيه الله لعباده حيث قال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً } المائدة 3
- والإسلام هو الدين الذي من أراد الله به خيرا شرح صدره له، كما قال تعالى: {فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ..} الأنعام 125
- والإسلام هو الدين الذي دعا يوسف عليه السلام ربه أن يتوفاه عليه، فقال: { رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} يوسف 101
- والإسلام هو الأمنية التي يتمنى العباد جميعا -حتى الكفار- أن يموتوا عليه، كما قال تعالى عن فرعون: {حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِـهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ }يونس 90
- والإسلام هو الدين الذي يتمنى الكفار يوم القيامة أن لو كانوا من أتباعه كما قال تعالى: {رُّبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ} الحجر 2
- وأبى الله تعالى أن يجعل المسلمين كالمجرمين فقال: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} القلم 35-36
- ولا أمن من فزع يوم القيامة بل ولا دخول للجنة إلا للمسلمين فقط، كما قال تعالى: {يَا عِبَادِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ * ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ} الزخرف 68-70
- وأمر الله تعالى نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم أن يعلن للناس قائلا: {قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ} الأنبياء 108
- وأمر رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم أن يقول للعرب وأهل الكتاب: {وَقُل لِّلَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} آل عمران20
- وليس هناك أديانا سماوية كما يقول الناس، بل هناك دين واحد هو الإسلام، كما قال تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ} آل عمران 19، وإنما هناك شرائعُ ومناهج، قال تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً..} المائدة 48
- والإسلام هو الدين الذي أمرنا الله تعالى أن نموت عليه، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} آل عمران 102 ومن مات على غير الإسلام فقد خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين.
- إذاً فالإسلام هو دين الله تعالى الذي جاء به الأنبياء والمرسلون لشعوبهم وأقوامهم، جاء به نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وجعل الله لكل نبي شريعة ومنهاجا تختلف عن شريعة النبي الآخر، فهنيئا لمن كان مسلما، وعاش مسلما، ومات مسلما، هنيئا له الجنة، وويل لمن كان كافرا، وعاش كافرا، ومات على الكفر، ويل له من النار، ومن غضب الجبار جل جلاله.
وقد حاول الكفار بجميع طوائفهم إطفاء دين الإسلام على مر العصور، وما استطاعوا ذلك، ولو نظرنا في حاضر الإسلام، وكيف يتقدم ويكسب في كل يوم بل في كل لحظة مواقع جديدة، وناساً يدخلون فيه، وناساً من أهله يعودون إلى صفائه ونقائه، وإنجازات لرجاله ودعاته في مشاريع ومؤسسات وكتب، وجماهير تحتشد لهم، وجموعاً تؤم المساجد والمناسك، وصلاحاً هنا وهناك، وتقدماً في المواقع، رغم ضعف المسلمين، لو نظرنا في ذلك كله لأيقنا أن الإسلام هو دين الله الذي لا يقبل من أحد دينا سواه.
ولما لم يستطيعوا إطفاء نور الإسلام حاربوا أهل الإسلام، وأبادوا منهم جماعات ومجتمعات، وأسقطوا دولا وأذهبوا أسماءً وشعارات، وبقي الإسلام شامخا، لأنه دين الله، والذي يريد أن يطفأ نور الإسلام مثله كمثل الفراشة التي تحاول إطفاء نور الكهرباء يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُاْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} التوبة 32-33 ولن يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا وسيدخله الله هذا الدين، بعز عزيز أو بذل ذليل، عزا يعز الله به الإسلام وأهله، وذلا يذل الله به الكفر وأهله، كما النبي صلى الله عليه وسلم.
وما خُلقت هذه الأمة إلا للإسلام، وما وجدت إلا للإسلام، فالإسلام هو سر بقائها، والذي يريد أن يقضي على الإسلام فليقض على هذه الأمة، وهل يستطيع أحد أن يقضي على هذه الأمة أو على دينها، هيهات ثم هيهات!! فهذه الأمة موعودة بالبقاء، وليس بالبقاء فقط بل بالنصر والتمكين، ولا يزال الله عز وجل يخرج لهذه الأمة في كل مرحلة من تاريخها علماء ودعاة وقادة ومجاهدين يستعملهم في خدمة هذا الدين.
انظروا كم دفن الناس من طاغية؟ وكم دفن الناس من كافر محارب لله ورسوله؟ كم دَفنوا من زنديق؟ وكم دفنوا من كافر؟ وكم دفنوا من منافق وملحد؟ فرعون مضى، النمرود مضى، أبرهة مضى، أبو جهل مضى، هولاكو مضى، جنكيز خان مضى، وقرونا بين ذلك كثيرا، حتى رؤساء الكفر والضلال في هذا الزمان سيدفنهم أصحابهم، حتى بابا الفاتيكان الذي حارب الإسلام طيلة حياته أخيرا مات وبقي الإسلام شامخا، فقط صبر جميل واستعانة بالله، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
إخواني في الله:
إن هذا الدين هو كلمة الله عز وجل، ولا إله إلا الله هي كلمة الإسلام، ومن ذا الذي يستطيع أن يُطفأ نور هذه الكلمة؟!!
أتُطفِـأُ نـورَ الله نفخـةُ كـافـر *** تعال الذي في الكبرياء تفـردَّا
إذا جلجلت الله أكبر في الـوغـى *** تخاذلت الأصوات عن ذلك الندا
ومن خاصم الرحمن خابت جهوده *** وضاعت مساعيه وأتعابه سدى
ونقول اليوم لأمريكا: لستِ أول من حارب الإسلام، بل حاربه قبلك الكثير، لكن ماذا كانت النتيجة؟ أهلك الله كل من وقف في طريق الإسلام، وأبقى الله الإسلام شامخا، وسيبقى بموعود الله ورسوله، وهاهو الإسلام الآن يتململ في أوربا وأمريكا…
إخواني في الله: رغم الظروف الصعبة التي يمر بها المسلمون في كل مكان، إلا أن المستقبل للإسلام، لا بد أن يعتقد المسلمون وأبناء المسلمين بأن المستقبل للإسلام قطعاً، كيف وقد أفلس الغرب والشرق من القيم والمفاهيم والأخلاق؟ كيف وقد صاروا في أمر مريج؟ وما هو الدين المرشَّح للإنتشار والظهور، واقتناعِ البشرية به وإتيانهم إليه؟ أليس هو الإسلام؟ أليس الإسلام هو أسرع الأديان انتشارا في العالم رغم ضعف المسلمين اليوم، فكيف في غيره من الأوقات؟!!
أجل لقد أفلس الغرب في الأصول الاجتماعية التي قامت عليها حضارته، فحياة الغرب التي قامت على العلم المادي، والمعرفة الأولية، والكشف والاختراع، وإغراق أسواق العالم بمنتجات العقول والآلات، لم تستطع أن تقدم للنفس الإنسانية خيطا من النور، أو بصيصا من الأمل، أو شعاعا من الإيمان، ولم ترسم للأرواح القلقة أي سبيل للراحة والاطمئنان، رغم كثرة الكنائس والرهبان والكرادلة، ولهذا كان طبيعيا أن يتبرم الإنسان الغربي بهذه الأوضاع المادية البحتة، وأن يحاول الترفيه عن نفسه، ولم تجد الحياة الغربية المادية ما ترفِّهُ به عنه إلا الماديات أيضا، من الآثام والشهوات والخمور والنساء والاحتفالات الصاخبة والمظاهر المغرية التي تلهيه بها، ثم ازداد بها بعد ذلك جوعا على جوع، وأحس بصرخات روحه تنطلق عالية، تحاول تحطيم هذا السجن المادي، والانطلاق في الفضاء، واسترواح نسمات الإيمان، فاهتدت في آخر الطريق إلى الإسلام فدخلت فيه، فوجدت الراحة والأمن والأمان، وسلوا كل من أسلم يخبركم عن هذه الحقيقة، ومن هنا ندرك سر إقبال الغرب على الإسلام.
بل تدبروا معي ما تخطه الأقلام الغربية، لأن كثيرا من الناس -وللأسف- لا يصدقون الوحي إلا إذا كان من أوربا وأمريكا، أوردت مجلة التايم الأمريكية الخبر التالي: (وستشرق شمس الإسلام من جديد، ولكنها في هذه المرة تعكس كل حقائق الجغرافيا، فهي لا تشرق من المشرق كالعادة، وإنما ستشرق في هذه المرة من الغرب) من قلب أوروبا تلك القارة التي بدأت المآذن فيها تناطح أبراج الكنائس في باريس ولندن ومدريد وروما ونيويورك، وصوتُ الأذان الذي يرتفع كل يوم في تلك البلاد خمس مرات، خيرُ شاهد على أن الإسلام يكسب كل يوم أرضا جديدة وأتباعا.
أصبح للأذان من يلبيه في كل أنحاء الأرض، من طوكيو حتى نيويورك، وعند نيويورك ومساجدها نتوقف، ففي أوقات الأذان الخمس ينطلق الأذان في نيويورك من مائة مئذنة، يلبي نداءَ المؤذن فيها نحو مليون مسلم، ويكفي أن تعلم أخي أنه قد بلـغ عدد المساجد في أمريكا -قلب قلعة الكفر- ما يقرب من (2000) ألفي مسجد والحمد لله، وترتفع في بريطانيا مئذنة حوالي (1000) مسجد، وتعلو سماء فرنسا وحدها مئذنة (1554) مسجدا ولا تتسع للمصلين، وأما ألمانيا فتقدر المساجد وأماكن الصلاة فيها بـ(2200) مسجد ومصلى، وأما بلجيكا فيُوجد فيها نحو (300) مسجد ومصلى، ووصل عدد المساجد والمصليات في هولندا إلى ما يزيد عن (400) مسجد، كما ترتفع في إيطاليا وحدها مئذنة (130) مسجدًا أبرزها مسجد روما الكبير، وأما النمسا فيبلغ عدد المساجد فيها حوالي 76 مسجدا، هذه فقط بعض الدول في أوربا الغربية، عدا عن أوربا الشرقية، والإقبال على الإسلام يزداد يوما بعد يوم، ومن هذه المساجد يتحرك الإسلام، وينطلق في أوربا، لذلك ليس غريبا أن تشدد أوربا وأمريكا في أمر المساجد ومراقبة أهلها، والتضييق في إعطاء الرخص لبنائها، ولو علمتَ أخي أن معظم هذه المساجد كانت كنائس فاشتراها المسلمون وحولوها إلى مساجد لعجبت.
أما جريدة السانداي تلغراف البريطانية فقالت في نهاية القرن الماضي: (إن انتشار الإسلام مع نهاية هذا القرن –يعني الذي مضى- ومطلع القرن الجديد –يعني الذي نحن فيه- ليس له من سبب مباشر إلا أن سكان العالم من غير المسلمين بدءوا يتطلعون إلى الإسلام، وبدءوا يقرءون عن الإسلام فعرفوا من خلال اطلاعهم أن الإسلام هو الدين الوحيد الأسمى الذي يمكن أن يُتبع، وهو الدين الوحيد القادر على حل كل مشاكل البشرية).
مجلة لودينا الفرنسية قالت بعد دراسة قام بها متخصصون: (إن مستقبل نظام العالم سيكون دينيا، وسيسود النظام الإسلامي على الرغم من ضعفه الحالي، لأنه الدين الوحيد الذي يمتلك قوة شمولية هائلة) لِمَ لا وهو دين الله الذي أنزله للعالمين؟!!.
وقال رئيس شرطة المسلمين وهو ضابط أمريكي أكرمه الله بالإسلام قال: (الإسلام قوى جداً جداً في أمريكا، وينتشر بقوة في الشرطة الأمريكية).
إخواني في الله: وبعد تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر، ازداد في العالم الغربي الإقبال على فهم الإسلام بصورة غير متوقعة، وأصبحت نسخ القرآن الكريم المترجمة من أكثر الكتب مبيعا في الأسواق الأمريكية والأوربية حتى نفدت من المكتبات، لكثرة الإقبال على اقتنائها، وتسبب ذلك في دخول الكثير منهم في الإسلام، ويكفي أن تعلم أن في ألمانيا وحدها بيعت خلال سنة واحدة (40) ألف نسخة من كتاب ترجمة معاني القرآن الكريم باللغة الألمانية.
كما أعادت دار نشر (لاروس) الفرنسية الشهيرة طباعة ترجمة معاني القران الكريم بعد نفادها من الأسواق.
وفي عام 2001 نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مقالا ذكرت فيه أن بعض الخبراء الأميركيين يقدرون عدد الأميركيين الذين يعتنقون الإسلام سنويا بـ 25 ألف شخص، وأن عدد الذين يدخلون دين الله يوميا تضاعف أربع مرات بعد أحداث 11 سبتمبر حسب تقديرات أوساط دينية.
والمدهش أن أحد التقارير الأمريكية الذي نُشر قبل أربع سنوات ذكر أن عدد الداخلين في الإسلام بعد ضربات الحادي عشر من سبتمبر قد بلغ أكثر من ثلاثين ألف مسلم ومسلمة، وهذا ما أكده رئيس مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكي حيث قال: (إن أكثر من 24 ألف أمريكي قد اعتنقوا الإسلام بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، "وهو أعلى مستوى تَحقق في الولايات المتحدة منذ أن دخلها الإسلام".
إخواني في الله: ونظرا لإقبال الغرب على الإسلام فقد حذر أسقف إيطالي بارز من (أسلمة أوروبا).
وفي مدينة بولونيا الإيطالية حذر أسقف آخر من أن الإسلام سينتصر على أوروبا إذا لم تغدو أوروبا مسيحية مجددًا..
ولم يقتصر الأمر على هؤلاء بل وصل الخوف إلى من كان يسمى بالأمس القريب بابا الفاتيكان الذي صرخ بذعر في وثيقة التنصير الكنسي لكل المنصرين على وجه الأرض قائلاً: "هيا تحركوا بسرعة لوقف الزحف الإسلامي الهائل في أنحاء أوربا" وقد قضى البابا عمره لاهثًا وراء حلم توحيد جميع كنائس العالم تحت الكنيسة [الأم] بالفاتيكان، لمواجهة الزحف الإسلامي فما استطاع.
ونحن نقول للمسلمين ولأبنائنا المسلمين: إن المستقبل للإسلام، وبوادر الفتح الإسلامي لأوربا بات وشيكا إن شاء الله تعالى.........
وتدبروا معي هذا الحديث الذي يسكب الأمل في قلوب الأمة سكبا، فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: سُئِلَ النبي صلى الله عليه وسلم أَيُّ الْمَدِينَتَيْنِ تُفْتَحُ أَوَّلاً قُسْطَنْطِينِيَّةُ أَوْ رُومِيَّةُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَدِينَةُ هِرَقْلَ تُفْتَحُ أَوَّلاً، يَعْنِي قُسْطَنْطِينِيَّةَ) رواه الإمام أحمد وصححه الألباني.
وفي هذه الأيام التي تُغرقنا فيها وسائل الإعلام بالحديث عن بابا الفاتيكان وموته، نرى في الجانب الآخر أعدادا لا يعلمها إلا الله يدخلون في دين الله أفواجا، وهذا التوجه الهائل نحو الدين الإسلامي هو ما يخيف الحكومات الغربية، ويجعلها تزداد خوفا وحقدا على الإسلام وأهله، ومحاولة وقف هذا الزحف الإسلامي بشتى الوسائل، بالحروب العسكرية تارة، وبالغزو الفكري تارة أخرى.
أجل إن الإعلام لا يريكم إلا ما يرى، بينما عندما يلقي داعية مسلما محاضرة عن الإسلام في قلب أمريكا كما فعل ذلك الداعية الإسلامي الأمريكي الذي كان قسيسا سابقا والمعروف بـ(يوسف استس) ألقي محاضرة عن الإسلام وفي نهاية المحاضرة أعلن جميع من في القاعة وعددهم 135 شخصا أمريكيا أعلنوا الشهادة بصوت واحد، فسبحان الله، أين وسائل الإعلام عن هذه المشاهد التي تهتز لها القلوب....؟.
فهيا أيها المسلمون في كل مكان، تحركوا بكل ما تملكون من وسائل وإمكانيات، وبينوا صورة الإسلام المشرقة، فالإسلام الآن متهم في الغرب بالإرهاب والتطرف شئنا أم أبينا، فإن كنت أخي تعرف زميلا لك في أي مكان، فأرسل إليه رسالة، أو أهدئه كتابا أو شريطا عن الإسلام، وافعل ذلك مع جيرانك وزملائك في العمل، المهم أن تبذل شيئا للإسلام، وأنت سفيرُ الإسلام في هذه البلاد شئت أم أبيت، فهيا تحرك لخدمة دين الله تعالى، واعلم أن الكون لا يتحكم فيه الأمريكان ولا الفاتيكان، ولا يدير دفته الأوروبيون، بل إن الذي يدبر أمر الكون هو ملك الملوك سبحانه وتعالى، وفقني الله وإياكم لما يحبه ويرضاه، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
تعلمون إخواني أن للإعلام تأثيرا كبيرا في صياغة الأحداث، والتأثير في عقلية القارئ والمستمع والمشاهد، وتوجيه الرأي العام حول ما يريد، بل وإقناعه بما يريد، إلا أن الأمر ليس بالضرورة كما تصوره وسائل الإعلام، فهي في غالب الأحيان تَذْكُرُ الجزء الذي يناسبها ويخدم مصالحها من القضية الكلية، وتتغاضي عمدا عن جوانب أخرى مهمة من الحدث نفسه.
ولا أشك أنكم قرأتم وسمعتم وشاهدتم شيئا مما تناقلته وسائل الإعلام في حدث وفاة يوحنا بولس الثاني زعيم الكنيسة الكاثوليكية الرومانية بالفاتيكان، حيث صوره الإعلام أنه الزعيم الروحي للبشرية جمعاء، ويحظى بإجماع دولي على زعامة العالم، في حين أنه لا يتعدى كونه زعيم واحدة من الكنائس النصرانية التي لا تحظى بالقبول من طرف كنائس أخرى تنتمي إلى نفس الديانة.
وإن المتابع لوسائل الإعلام في هذه الأيام يرى أنها عظَّمت الرجل كثيرا، وأكثرت من ذكر أعماله الإنسانية والتنصيرية، حتى صورته أنه رسول السلام الوحيد في هذا العصر، الحريص على أمن الشعوب في العالم، ناسين أو متجاهلين الحروب الصليبية الدموية قديما وحديثا ضد المسلمين وغير المسلمين من الديانات الأخرى.
أقول إن وراء هذه الحملة الإعلامية القوية، حملة تنصيرية عالمية، ودعوة خاصة للنصارى بكافة طوائفهم أن يعودوا إلى الكنيسة، ويحيوا دورها من جديد، بعد أن هجروها، وباعوا بعضها بالمزاد، وما كان مسجدُنا هذا، أعني مسجد الأزهر هنا إلا كنيسة باعوها بعد أن أصبحت خاوية على عروشها من المصلين، وهكذا حال معظم مساجد المسلمين في الغرب كانت كنائس فحولها المسلمون إلى مساجد.
أقول: إن الاهتمام العالمي الزائد بالرجل، وحضورَ رؤساء العالم اليوم للمشاركة في تشييعه، إنما هو ثمرة تقطفها النصرانية، التي باتت مهددة بالانحسار خاصة في أوربا، وذلك من جراء الزحف الإسلامي إلى قلبها كما سمعتم، حيث يتخذ الإسلام فيها مواقع جديدة كل يوم، من خلال دخول أهلها في الإسلام، كما صرَّح بذلك البابا نفسه عندما صرح بالمنصرين أن يهبوا للوقوف في وجه الزحف الإسلامي داخل أوربا.
وهذا إن دل فإنما يدل على قوة الإسلام وتقدمه، وقد استولى على الأخبار العالمية اليوم، فما من نشرة أخبار عالمية إلا وأخبار المسلمين تتصدرها أو تكون ضمنها، ولم يعد للنصرانية في السنوات الأخيرة ذكر في الأخبار العالمية، سوى فضائح الرهبان من اللواط والاغتصاب، فجاءهم حدث وفاة البابا فرصة ذهبية ليبشروا بالنصرانية التي قضى حياته في الدعوة إليها، كم من مسلم فقير في أدغال إفريقيا نصَّره! وكم من مسلم فقير عديم في آسيا نصَّره! ومن دين الإسلام أخرجه! ثم بعد ذلك يحزن البعض من المسلمين على وفاته، بل ويترحمون عليه ولا حول ولا قوة إلا بالله!
اعلموا إخواني: أن أبناءنا هم رأس مالنا في هذه الحياة الدنيا، وهم أكبادنا تمشي على الأرض، ودينهم أغلى علينا من كل شيء، فإن خسرنا دينهم فقد خسرنا كل شيء، وإن ربحنا دينهم فقد ربحنا كل شيء.
نقول لإخواننا وأبنائنا: من مات على الإسلام فمصيره إلى الجنة بإذن الله تعالى خالدا فيها أبدا، ومن مات على الكفر بالله فمصيره إلى النار والعياذ بالله تعالى كائنا من كان، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ } البقرة 161- 162 وأخرج مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني، ثم يموت، ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار).
نقول هذا لننظف أذهان إخواننا وأبنائنا مما سمعوه طيلة هذه الأيام من أخبار عن الرجل وديانته النصرانية وكنيسته الكاثوليكية وما سمعوه على الفضائيات من جواز الترحم عليه، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
اعلموا إخواني: أنه تحرم الصلاة والاستغفار والترحم على الكفار والمنافقين لقول الله تبارك وتعالى: {وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ } التوبة 84 ولقوله تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} التوبة 113، قال النووي في المجموع(5/144،258) :: (الصلاة على الكافر، والدعاء له بالمغفرة حرام بنص القرآن والإجماع).
سبحان الله كيف يجوز الترحم على رجل ظل طيلة حياته وهو يدعو الناس إلى الكفر بالله والشرك بالله تعالى، وإقناعهم بأن عيسى هو ابن الله تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، وأنه قتل وصلب فداء للبشرية، والله تعالى يقول: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ }ويقول: { وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُمْ} كيف نترحم أو نحزن على رجل كان سببا في تنصير كثير من فقراء المسلمين في أدغال آسيا وإفريقيا.
لم الحزن على رجل اعتذار لليهود عن الهوليكوست (محارق اليهود) ولم يعتذر للمسلمين عما لحق بهم من جرائم قديما وحديثا بدءا من محاكم التفتيش النصرانية، ومرورا بالحروب الصليبية، ووصولا إلى الإبادة الجماعية لمسلمي البوسنة والهرسك وكل ذلك باسم الصليب.
إن حروب العصر سواء كانت في البوسنة والهرسك أو في أفغانستان أو في العراق قد أوقد نارها شرذمة من المتطرفين النصارى الذين يكنون العداء للمسلمين، وما تصريحات بوش عند غزو العراق إلا دليل على ذلك، حيث أكد أن الحرب حرب صليبية، ويومها لم نسمع أي تعليق من البابا يستنكر فيه هذا الأمر الخطير، أو يردُّ عليه، وصدق الله العظيم: {قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ} آل عمران اللهم قد بلغت اللهم فاشهد...
اللهم أحينا مسلمين، وتوفنا مؤمنين، وألحقنا بالصالحين غير خزايا ولا مفتونين، واحشرنا مسلمين مع سيد الأنبياء والمرسلين، محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين.
خطبة الجمعة مات البابا وبقي الإسلام 28/صفر/1426هـ 8/4/2005م
المصدر: http://saaid.net/Minute/112.htm