قانون العفو لتحقيق السلام الدائم
كاد جمهورية نيجيريا الاتحادية أن تكون قريبة الشبه جدا بالحالة العراقية، فهي بلد ألوان عرقية ودينية مثل العراق، وبلد ثروات وخيرات مثل العراق، وبلد قتل وقتال مثل العراق.
دينيا: يتكون شعبها من كتلتين كبيرتين، واحدة مسلمة بنسبة 50،5 % تقريبا والأخرى مسيحية بنسبة 48% مع وجود كتل صغيرة تشكل بمجموعها نسبة 5% من مجموع السكان تتدين بديانات قديمة وبدائية بعضها طوطمي.
سكانيا: تضم نيجيريا مجموعة من القوميات والأعراق، ولا زال النظام القبلي فيها فاعلا ومؤثرا بشكل كبير.
اقتصاديا: تملك نيجيريا ثروات طبيعية بكميات كبيرة جدا منها: النفط، الغاز الطبيعي، خامات معادن، الفحم، القصدير، حجر الكلس، الأخشاب،المنتجات الزراعية، وتأتي بالمرتبة الثالثة عشرة في قائمة أهم البلدان المصدرة للنفط عالميا بحسب تقديرات أوبك لعام 2001 مما يجعلها من البلدان الغنية مثل العراق. وهي حتى في حجم إنتاجها النفطي تشبه العراق، فهي تصدر بحدود 2.26 مليون برميل يوميا.
سياسيا: تعرضت نيجيريا مثل العراق إلى الاحتلال الأجنبي المتكرر، أحتلها البرتغاليون عام 1885 ثم احتلها الإنكليز بعد ذلك وأخيرا استقلت في الأول من تشرين الثاني عام 1960 تماما كما أحتل العثمانيون العراق ثم احتله الإنكليز وبعدها تحرر في وقت مقارب عام 1958، وكما حكم العسكر العراق أكثر من مرة، حكمها العسكر عن طريق الانقلابات أكثر من مرة. وهي اليوم تحكم ديمقراطيا عن طريق صناديق الاقتراع، وتطبق نظام المحاصصة تماما مثل العراق.
مجتمعيا: باستثناء النزاعات القبلية المعروفة في القارة السوداء لم يكن هناك نزاعا عرقيا أو طائفيا في نيجيريا، وكان السلام المستقر طاغيا فيها مع وجود خلافات صغيرة منشأها التدخل الخارجي غالبا كما هو في العراق.
قبل عقد من الزمان حدثت مشادة بين المسلمين والمسيحيين حول سوق شعبي تحولت من نزاع اقتصادي إلى نزاع ديني دموي انقسمت البلاد على إثره إلى كتلتين متحاربتين تحت قيادة رجال الدين المسلمين والمسيحيين، حيث كان رجال الدين المسلمين يقودون الميليشيات الإسلامية المسلحة، ومنهم الشيخ (محمد أشافا)، ورجال الدين المسيحيين يقودون الميليشيات المسيحية المسلحة ومنهم القس (جيمس) اللذان تحولا فيما بعد إلى صديقين أخذا على عاتقهما تقريب وجهات النظر بين المسلمين والمسيحيين، وزارا العراق لتقديم النصح.
وبعد أن هدأت النفوس وانتهى النزاع الحاد بما يشبه الهدنة لا زالت أذياله تنبع هنا وهناك لأسباب بسيطة وتافهة ولاسيما وان الإسلاميين المتشددين (جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد) المعروفة باسم (الهوسية) دخلوا على خط الصراع وكونوا عام 2002 على يد محمد يوسف ميليشيا باسم (بوكو حرام) أي "التعليم الغربي حرام". وبوكو حرام جماعة مسلحة تدعو إلى تطبيق الشريعة الإسلامية في جميع ولايات نيجيريا، وترفض الاندماج مع الأهالي المحليين، كما ترفض التعليم الغربي والثقافة الغربية، بل وترفض العلوم بأنواعها، وتضم بين صفوفها جماعات قدموا من تشاد يتحدثون العربية. ومنذ ذلك الحين تخوض الجماعة من حين لآخر صدامات مع قوات الأمن في (بوشي) ومناطق أخرى بالبلاد. أغلب أعضاء الجماعة هم من الطلبة الذين تخلوا عن الدراسة وأقاموا قاعدة لهم في قرية (كاناما) بولاية (يوبه) شمال شرقي البلاد على الحدود مع النيجر. القائد الحالي للمجموعة هو الشيخ أبو بكر الشكوى ويطلق عليهم محليا اسم (طالبان نيجيريا) بما يؤكد ارتباطهم بتنظيم القاعدة الإرهابي.
ومنذ ذلك التاريخ والجماعة تقوم بعمليات عسكرية ضد الدوائر الحكومية ومقرات الشرطة والأسواق والتجمعات السكانية والسجون والمرشحين للانتخابات، وقد قامت بسلسلة تفجيرات في شمال نيجيريا من ضمنها عمليات انتحارية، بما يبدو كثير الشبه بما يحدث في العراق.
بعد أن بلغ عدد أعضاء الجماعة الموقوفين لدى الحكومة عدة مئات وبدأ يؤثر على قوتها، وسعيا من الحكومة لحل النزاع مستغلة وجود المعتقلين بادرت إلى طرح عدة مبادرات للتفاوض أملا في تحقيق السلام؛ وكان مصيرها الفشل؛ إما بسبب تعنت الجماعة أو بسبب مطالبهم الكبيرة وشروطهم غير المعقولة. وآخر المحاولات تقدم بها الرئيس النيجيري (غودلاك جوناثان) في 17/3/2013 وكان من شروطها المهمة موافقة الجماعة على نزع سلاحها والاندماج في المجتمع والدخول في العملية السياسية أو الانضواء تحت جناح المعارضة في مجلسي النواب والشيوخ والتعهد بعدم اللجوء إلى السلام مجددا؛ مقابل إطلاق سراح جميع الموقوفين والعفو عنهم، ولم يتضح لحد الآن موقف الجماعة الحقيقي من هذه المبادرة.
يشبه هذا السعي سعي الحكومة العراقية (رئاسة الوزراء، ومجلس النواب) لسن قانون العفو العام عن المسلحين من تنظيم القاعدة القابعين في المعتقلات الحكومية، ولكننا في هذا الجانب لا تتفق رؤانا وحالتنا مع رؤى وحالة النيجيريين لأنها تبدو ليَّ ذراع أكثر من كونها تفاوض من موقع القوة، وإذعان لمطالب قسرية أكثر من كونها حلا للمشكلة أو سعيا لإقرار السلام، فلا هناك شروطا حكومية مقابل هذا العمل، ولا ضمانات بعدم عودة المطلق سراحهم للعمل في صفوف تنظيماتهم، ولا كفالة ضامنة تتيح استقدام الشخص إذا ثبتت مخالفته لشروط الإفراج، ولا فحص (DNA) ولا تعهد بنزع سلاح المجاميع ولا تعهد بعدم اللجوء إلى السلاح مجددا.
نحن كمواطنين يهمنا الإنسان العراقي مهما كان توجهه العقدي، ولأننا سبق وان عانينا من الظلم؛ نؤيد ونبارك كل مبادرة تهدف إلى حماية الإنسان العراقي، ونؤيد مطالب إطلاق سراح من لم تتلوث أيديهم بدماء العراقيين الأبرياء، ونحن مع مطالب إهمال المطالبة بالتعويضات عن الخسائر المادية التي سببتها الأعمال الإرهابية للبنية التحتية العراقية. ولكننا لا نريد لهذه العملية أن تتم على حساب شرف وكرامة وأمن وتضحيات المواطن العراقي، لا نريد لها أن تكون مجرد اتفاق تبادل منفعة بين شخصين يدافعان عن مصالحهما، لا نريد لها أن تكون وسيلة لامتصاص غضب جماعة، لا نريد لها أن تكون مساومة على ربح سواء كان ماديا أم معنويا ليس للعراقي البسيط حصة فيه.
نحن نريدها قاعدة لصقل وتنظيف وإزالة الأدران التي التصقت ببعض النفوس فأدت بهم إلى الفعل المجرم، وليس مجرد ترضية تتحول إلى مكسب لأحد الأطراف، ونريدها أداة لوقف نزيف الدم العراقي، فالعراقي لم يعد راغبا بسماع أخبار القتل اليومي والتفجيرات العبثية المستمرة. العراقي اليوم يحلم بالأمن والأمان والعيش كإنسان له حق مشاركة البشر في أفراحهم وتطورهم وتعلمهم وتقدمهم وسعادتهم ورفاههم، ونحن مع قانون العفو ولكن بشروط لا نرضى التنازل عنها، ولا نزكي أي شخص من أي طرف كان إذا لم يلتفت إلى شروطنا، فنحن أصحاب حق ونطالب بحقوقنا لا أكثر.