دورات العنف
كاظم الموسوي
زداد دورات العنف في المنطقة العربية يوما بعد اخر. وتجهّز لها كل وسائل تدويرها، ماديا وإعلاميا. بل ويجري التفاخر بها في احيان كثيرة. تتبجح ادارة الرئيس الامريكي باراك اوباما وأجهزته بها بإشكال مختلفة، من تصريحات عامة الى خطب موجهة وتسريبات في مقالات او برامج اخبارية. وتردد ادواتها وتوظف لها كل الامكانات المتيسرة لها، لاسيما من طرف امراء الحرب والعنف الذين يتحكمون بالثروات العربية ووسائل الاعلام ومحاولات شراء الذمم وتوفير الخدمات والتسهيلات. وبات الحديث عنها علنيا دون حذر او خشية، حتى من ضمير انساني. بل تجد وسائل الاعلام الناطقة بالعربية ساعية بكل طاقاتها لتنفيذ خطط العدوان والحرب والتدمير والخراب من خلال شحنها الطائفي والتفرقة الدينية ضمن الخطط المستهدفة للشعوب والبلدان العربية وحلفائها من الجيران والأبعدين ايضا. فإضافة الى نشراتها وبرامجها الاخبارية التي تكرسها لصناعة الفتن والحروب تحرض برامجها الحوارية والتفاعلية وإعلام الواقع والمطبوع والمسموع لما يفاقم في الكوارث المتنقلة في العالم العربي.
مؤسسات الحكومات المتخادمة مع هذه المشاريع الحربية العدوانية في العالم العربي، بمختلف انواعها، من مراكز بحث الى وسائل اعلام متنوعة، (فضائيات، صحافة، مواقع انترنت، برامج تواصل اجتماعي وغيرها)، تركز جل اهتماماتها على صناعة الفتن والحروب الاهلية، وتفتيت العالم العربي وتقسيمه وإشاعة الكراهية والعداء بين سكانه وأهله وتشويه الوعي الشعبي وغسل الادمغة والأفكار وتدمير القيم والمفاهيم بما يتوافق مع المخططات والمشاريع المنظمة والموجهة ضد الشعوب العربية اساسا.
دورات العنف تتوزع الان في كل الاقطار العربية وتتلون حسب اوضاعها وتتصاعد فيها اصوات طبول الحرب والفتن والتفرقة والكراهية والتقسيم والتجزئة. وتنتقل بين مكان وآخر. او تتزامن في اكثر من مكان وفق ما خطط او وضع من خطط ومشاريع اجرامية وحشية.
في العراق مثلا أكد ممثل الأمم المتحدة فيه مارتن كوبلر، انتشار العنف، وحذر في بيان له أن البلاد "تقف عند مفترق الطرق" و"تتجه نحو المجهول ما لم تتخذ إجراءات حاسمة وفورية وفعالة لوقف دوامة العنف من الانتشار بنحو أوسع". ودعا جميع الزعماء الدينيين والسياسيين إلى الاحتكام إلى ضمائرهم واستخدام الحكمة وعدم السماح للغضب بأن ينتصر على السلام، وأكد أن قادة البلاد يتحملون مسؤولية "تاريخية في تولي زمام الأمور والقيام بمبادرات شجاعة كالجلوس معا".
هذه صرخة من منظمة تعتبر حيادية في الحدود الدنيا لعملها ونشاطها المحلي، توزع المسؤولية على الجميع داخل العراق، مطلوب مواجهتها بكل حرص وصدق وشجاعة وطنية خالصة، لان ما يتعرض له الشعب العراقي خطير وله ابعاد متعددة. وتشير ضمنا الى ان ما يحصل فيه ليس داخليا وحسب، ولابد من تحميل المسؤولية الى من يشعل النيران فيه ويؤججها كل مرة ولأسباب لم تعد مخفية او مجهولة. وقد تكون الشعارات التي ترفع في العراق فاضحة لها او لمآلاتها ومحفزاتها. ولابد من تحميل الادارة الامريكية التي مازالت اجهزتها تعمل داخل العراق بنشاط واسع ضمن اتفاقيات الاحتلال وما بعده مسؤولية ما يجري في العراق من دورات عنف، لا تختفي اصابعها فيها ابدا. وهي الاصابع ذاتها المتحركة في المنطقة، سواء عبر فرق الموت التي تشرف عليها السفارات الامريكية في العواصم العربية مباشرة او في مرتزقة "بلاك ووتر" التي تجيزها وتدعمها الادارة الامريكية وأجهزتها الحربية والعدوانية المتنوعة، او في مجموعاتها السرية العاملة في المنطقة بأشكال مختلفة.
لا يهدأ الوضع في العراق مثلا ايضا، إلا ويسود توتر آخر فيه، فبين مفاوضات ترضية وضغوط بارزة لكسب تنازلات ومصالح قومانية ضيقة، او طوائفية ممنهجة يتصاعد توتر اخر بأسلوب مختلف او متوازن معه. ففي الوقت الذي تنفرج فيه العلاقات بين حكومة بغداد المركزية وحكومة اقليم كردستان – العراق (ثلاث محافظات هي اربيل، سليمانية، دهوك)، تنتشر قوات حرس الحدود الكوردية، البيشمركة، في كركوك والمناطق المتنازع عليها(!!) (خارج الاقليم) مما يزيد في الصراعات ويصنع فرصا للتصعيد والتصادم بكل أشكاله بما فيه العسكري ومخاطره. وتتزايد التصريحات والتهديدات وتتبرع وسائل اعلام "عربية" في صب الزيت على النار في الشحن والتوتير، بدون اي انتباه لخطورة مثل هذه التدخلات او قد يكون من ضمن برامج وجودها ووظيفتها اساسا.
لعل خبر بعثة الأمم المتحدة في العراق عن ارقام دورة العنف في شهر نيسان/ أبريل 2013 كأكثر الشهور دموية في العراق منذ سنوات كاف لإعطاء صورة واحدة عن حصاد ما تخطط له ادوات العدوان والحرب الغربية في عالمنا العربي، وإذا كان هذا نموذجه الملموس في العراق، فان نماذجه الصارخة تتصاعد في اكثر من بلد عربي. وتتوسع اخطارها وتداعياتها.
تشير الأرقام التي أوردتها البعثة الى مقتل 712 شخصا في الشهر الماضي بينهم 117 من أفراد قوات الأمن العراقية. وهذا هو أعلى رقم لضحايا شهر واحد منذ حزيران/ يونيو 2008. فتعيد الخسائر البشرية وحالة التوتر في البلاد الى الأذهان الأحداث التي وقعت في الفترة بين عامي 2006 و2007 عندما شهدت البلاد إحدى أشد موجات العنف الطائفي، ما أوصلها إلى حافة الحرب الأهلية. وهو ما تريده مخططات العدوان والحرب ومشاريع الادارات الغربية وأدواتها المحلية وتستهدفه لإشغال المنطقة وحصرها في دورات العنف الداخلية وتبديد امكاناتها وطاقاتها في استهداف واضح وفاضح لما يخطط ويبيت للمنطقة العربية عموما.
فهل صدفة ان تتكرر الصور ذاتها او بألوان مختلفة ولكنها بأحداث ووقائع متشابهة بالكامل، وحتى بالتسميات لها؟. وهل الصورة الكالحة في المشهد السياسي اليوم في العراق وجواره العربي خالية من استهدافات مشتركة من قبل القوى والإدارات الغربية نفسها التي وضعت خطط سايكس بيكو ووعد بلفور واتفاقيات سان ريمو وما بعدها من احلاف ورهانات اجرامية؟.
دورات العنف وكوارثها تتصاعد وتزداد، فهل أُنتبه لها وماذا يتطلب لمواجهتها؟.