أنواع التفكير وأهميته

الباحث: علي بن عبده بن علي الألمعي

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم..وبعد:

ميز الله تعالى الإنسان بالعقل على سائر المخلوقات،وجعله شرط في تكليفه بالعبادات،وبه يستطيع أن يدرك مايؤدي إليه الخير من راحة وسعادة وسرور،ومايؤدي إليه الشر من ضيق وشقاء وألم،كما بين جل وعلا أن الإنسان يستطيع أن يسخر هذا العقل ويطوره للإبداع والتفكير وأن المجال واسع أمامه للنظر والتفكر وطلب العلم، فقال تعالى:(... وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً) [سورة الإسراء:85]. كما أنها دعوة عامة لمواصلة البحث والعلم ،والعلم لا يتم إلا بالتعلّم . والتعلّم يعني التفكير. والتفكير يقود إلى الإبداع.قال تعالى:(.. وفي أنفسكم أفلا تبصرون) [سورة الذاريات:21].

قال شيخ الإسلام ابن تيمية:"...بل العقل شرط في معرفة العلوم،وكمال وصلاح الأعمال،وبه يكمل العلم والعمل،ولكن ليس مستقلاً بذلك،لكنه غريزة في النفس،وقوة فيها بمنزلة قوة البصر التي في العين،فإن اتصل بها نور الإيمان والقرآن كان كنور العين إذا اتصل بها نور الشمس والنار،وإن انفرد بنفسه لم يبصر الأمور التي يعجز وحده عن إدراكها...."(السعيدي،1998م،ص129).

ولهذا فإن أهل النار الذين لم تستطيع عقولهم أن تدفعهم إلى الخير والسعادة سيقولون يوم القيامة:(لو كنا نسمع أونعقل ماكنا في أصحاب السعير)[سورة الملك:10]

والذي يتأمل القرآن الكريم يجد أن آيات النظر العقلي التي تحث على الفكر والتدبر والتأمل لاتكاد تحصى،ويجد أيضاً الآيات التي تشيد بأولى الألباب الذين يتفكرون في خلق السموات والأرض،والآيات التي تسخر من المقلدين الذين لايعملون عقولهم،وتصفهم بأنهم كالأنعام بل هم أضل.قال تعالى: (.. الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض، ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار)[سورة آل عمران:191].(خيشه،1991م،186).

ولما كان التفكير مطلباً أساسياً في تقدّم الإنسان وتطوّره منذ بدء الخليقة حتى نهايتها، كان لا بدّ من مواكبته لكل عصر من العصور. وبالتفكير نبني على الماضي ونبتكر من أجل الحاضر والمستقبل.وإذا أردنا أن نُنشئ جيلاً مُفكراً، علينا أن نُنشئ جيلاً قارئاً ومحللاً وناقداً منذ السنوات الأولى لذلك الجيل. (حبش،2005م،ص3).

وقد اعتمدت التربية الحديثة على مبدأ حث الإنسان على تنمية قدراته العقلية في الفهم ،والتفكير الإبداعي،والتفكير الناقد،وعدم الاعتماد على التلقين والحفظ فقط بل تجاوزت ذلك إلى هدف لايمكن الاستغناء عنه في ظل الثورة المعلوماتية الحديثة وهو:(تعليم الطالب كيف يتعلم،وتعليم الطالب كيف يفكر )،وذلك لاستنهاض قدراته ومهاراته ليبدع ويتقدم .

يقول الباحثون: إن 95% من الجهد المبذول للقراءة، يقوم به العقل، أو ما يحصل داخله (أي عملية التفكير). أما الباقي، 5%، فتقوم به إحدى الحواس التي زوّدها الله سبحانه لعباده. (حبش،2005م،ص7).

وباستعراض ورقة الباحثة نجد أنها ركزت على التحليل والنقد ولم تذكر أحد أهم أنواع التفكير وهو التفكير الإبداعي.فخارطة التفكير تشتمل على ثلاثة أنواع هي:

أولاً: التفكير التحليلي (الفهم والتوضيح).

ثانياً:التفكير الإبداعي.

ثالثاً: التفكير الناقد.

        فالتفكير الإبداعي، هو الذي يفسح المجال للخيال، ويولد أفكاراً جديدة وخلاقة وغير مألوفة سابقاً. بينما يقوم الفهم والتوضيح(التحليل) بتوظيف مهارات التحليل، ويُعمّق القدرة على استخدام المعلومات.

        أما مهارات التفكير الناقد، فهي التي تُمكّن الفرد من التحقّق من معقولية المعلومات وصحّتها.وهي التي تقود إلى الحكم الجيّد.

        وهذه المهارات جميعها، تعمل معاً من أجل اتخاذ القرارات أو حلّ المشكلات. الأمر الذي يجعل الفرد لا يستغني عن أيّ منها حين يحاول توليد حلول جديدة للمشاكل التي يواجهها.

فلابد من التركيز على التفكير الإبداعي والتفكير الناقد في آن واحد. فالتفكير الإبداعي، كما أوضح جان بياجيه ، يهدف إلى تربية أفراد قادرين على القيام بأعمال جديدة ومبادرة، ولا يكتفون بإعادة ما توصل إليه من سبقهم أو بتقليدهم, أي أفراد مبدعين ومخترعين ومكتشفين. أما التفكير الناقد، فهو الذي يهدف إلى الارتقاء بالتفكير إلى التساؤل وتفحّص كل شيء قبل قبوله والتسليم به. (حبش،2005م،ص12).

 ولتوضيح ذلك نورد تعريفات كل من التفكير والتحليل والنقد كالتالي:

التفكير: لغة هو إنعام النظر في الأمور وإعمال العقل والفكر فيها.

والتفكير كعملية عقلية: هو " ما يجول في الذهن من عمليات تسبق القول أو الفعل : تبدأ بفهم ما نحس به أو ما نتذكره ، أو ما نراه وتمر بتقييم ما نفهمه حباً أو كرهاً . وتنتهي بمحاولة حل مشكلة تعترضنا.

وقيل بأنه " عبارة عن سلسلة من النشاطات العقلية غير المرئية التي يقوم بها الدماغ عندما يتعرض لمثير يتم استقباله عن طريق واحدة أو أكثر من الحواس الخمس ، بحثا عن معنى في الموقف أو الخبرة " . ويبدأ الإنسان عادة بالتفكير عندما لا يعرف ما الذي سيعمله بالتحديد .

وهناك حاجة للتفريق بين مفهومي ( التفكير ومهارات التفكير ) ، ذلك أن التفكير : عملية كلية نقوم عن طريقها بمعالجة عقلية للمدخلات الحسية والمعلومات المسترجعة لتكوين الأفكار أو استدلالها أو الحكم عليها وهي عملية تتضمن الإدراك والخبرة السابقة والمعالجة الواعية والاحتضان والحدس وعن طريقها تكتسب الخبرة معنى.

أما مهارات التفكير:

فهي عمليات محددة نمارسها ونستخدمها عن قصد في معالجة المعلومات مثل : مهارات تحديد المشكلة ، إيجاد الافتراضات غير المذكورة في النص ، أو تقييم قوة الدليل ، أو الادعاء والعلاقة بين التفكير ومهارات التفكير كالعلاقة بين لعبة كرة المضرب وما تتطلبه من مهارات.

أما التفكير الناقد فهو:ظاهرة ذهنية متقدمة يعالج فيها الموقف والخبرات والمشاكل بطريقة غير مألوفة.أوهو نوع من التفكير يتميز بإبداع الشخص لمنتج جديد،ولتكوينات جديدة في النشاط المعرفي ذاته.

التفكير التحليلي: ويقصد به قدرة المتعلم على مواجهة المشكلات بحذر وبطريقة منهجية والاهتمام بالتفاصيل والتخطيط بحرص قبل اتخاذ القرار بالإضافة إلى جمع أكبر قدر ممكن من المعلومات ويملك قدره على المساهمة في توضيح الأشياء حتى يتمكن الحصول إلى استنتاجات عقلانية من خلال الحقائق التي يعرفها.

والتحليل هو الشرح أو التفسير والعمل على جعل النص واضحًا جليًا دون اللجوء إلى شيء خارجه.وتعتمد عملية التحليل على التلخيص؛ لما فيها من تنظيم المعلومات بشكل منطقي، وقدرة المحلل على فهم النص، وبالتالي فإن قراءة النص السريعة العجلى لا تعد تحليلا ، فإذا وقف القارئ على النص وقفة سريعة وفهم فيها النص وأدرك مغزاه، وقرأ ما بين السطور فقد بدأ التحليل.

 أهمية تعلم مهارات التفكير:

    قال الفيلسوف ديكارت : " أنا أفكر ، إذن أنا موجود ". وكأنه أراد أن يقول بكلمات أخرى ، إن الذي لا يفكر هو شخص غير موجود. ولذا ، ربط التفكير وأهميته بالوجود، أي بالحياة في هذا العالم.

وقد سبق الإسلام ديكارت في الدعوة إلى التفكر فقال تعالى: (.. الذين يذكرون الله  قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض، ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار)[سورة آل عمران:191].(العبد،1994م،ص144).

وتكمن أهمية تعلّم مهارات التفكير بأن على كلّ فرد أن يفكر ليتعلّم ويفهم ويطبق ما يفهمه في حياته.والتفكير يبدأ لدى الأطفال في سنّ مبكرة، أي أنه يبدأ مع الطفل منذ نشأته في المنزل، قبل وصوله مرحلة المدرسة.فالطفل الذي يجد الرعاية الكافية والمناسبة في سنواته الأولى، يكون مهيأً للإبداع في واحدة أو أكثر من مجالات الإبداع المختلفة، لدى نموّه.

ومن أهمية تعلم مهارات التفكير ثورة المتغيرات السريعة، وتدفق المعلومات التي لا حدود لها في عصرنا الحالي، التي تدعونا جميعاً لأن نُفكر بطرق وأساليب جديدة، تتواكب مع هذه المتغيرات والمستجدات . والتي تُشير إلى الحاجة الماسّة إلى المبدعين، لا على مستوى الأفراد فحسب، وإنما على المستوى العام. خاصة وأن غالبية علماء النفس والباحثين التربويين، أصبحوا يُسلّمون بأن القدرة على التفكير الابتكاري شائعة بين الناس جميعاً. وأن الفرق بينهم، يكمن في درجة أو مستوى هذه القدرات. (حبش،2005م،ص19).

كما أن تعليم أبنائنا في المدارس لمهارات التفكير قد يكون أهم عمل يمكن أن يقوم به معلم أو مدرسة لأسباب كثيرة منها:

1-          التعليم المباشر لعمليات التفكير يساعد على رفع مستوى الكفاءة التفكيرية للطالب .

2-  التعليم المباشر لعمليات ومهارات التفكير اللازمة لفهم موضوع دراسي ، يمكن أن يحسن مستوى تحصيل الطالب في هذا الموضوع.

3-  تعليم مهارات التفكير يعطي الطالب إحساسا بالسيطرة الواعية على تفكيره مما ينعكس على تحسن مستوى التحصيل لديه وشعوره بالثقة في النفس في مواجهة المهمات المدرسية والحياتية.

4- تعليم مهارات التفكير هو بمثابة تزويد الفرد بالأدوات التي يحتاجها حتى يتمكن من التعامل بفاعلية مع أي نوع من المعلومات أو المتغيرات التي يأتي بها المستقبل.

العوامل الأساسيّة المستقلة للقدرة الإبداعية:

1- الطلاقة: أي القدرة على إنتاج أكبر عدد من الأفكار الإبداعية في وقت قصير نسبياً. فالشخص المبدع لديه درجة عالية من القدرة على سيولة الأفكار، وسهولة توليدها، وانسيابها بحرية تامة في ضوء عدد من الأفكار ذات العلاقة.

2- المرونة: ويُقصد بها القدرة على تغيير الحالة الذهنية بتغيير الموقف. وهذه تتجلى لدى العباقرة، الذين يُبدعون في أكثر من مجال أو شكل، خاصة لدى الأدباء الذين ينجحون في مجالات إبداعية متنوعة، ولا تقتصر على إطار واحد.

3- الحساسية للمشكلات: فالشخص المبدع لديه القدرة على رؤية الكثير من المشكلات في الموقف الواحد. فهو يحسّ بالمشكلات إحساساً مرهفاً. وهو بالتالي أكثر حساسية لبيئتهِ من المعتاد، فهو يرى مالا يراه غيره، ويرقب الأشياء التي لا يُلاحظها غيره، كمنظر غروب الشمس أو شروقها، على سبيل المثال.

4-   الأصالة: يمكن تعريف مهارة الأصالة كإحدى مهارات التفكير الإبداعي، بأنها تلك المهارة التي تستخدم من أجل التفكير بطرق واستجابات غير عادية، أو فريدة من نوعها، أي أن المبدع لا يُكرّر أفكار الآخرين، فتكون أفكاره جديدة، وخارجه عما هو شائع أو تقليدي.

5_ الاحتفاظ بالاتجاه ومواصلته: فالمبدع لديه القدرة على التركيز على هدف معيّن، وعلى تخطي أي معوقات ومُشتتات تُبعده عنه. وهو قادرٌ أيضاً على أن يعدّل ويبدّل في أفكاره لكي يُحقق أهدافه الإبداعية بأفضل صورة ممكنة.

 وهذه السمات تكاد تكون عامة لدى معظم المبدعين في أيّ مجال من المجالات المختلفة، سواء في المجال الفني أو العلمي أو الاجتماعي أو السياسي أو غير ذلك.

وسائل تنمية التفكير:

من الأنشطة التي يمكن أن يُوظَّف بها العقل على التفكير مايلي:

1-          التفكير البصري.

2-          الخيال.

3-          المجاز ( التشبيه).

4-          استخدام جميع الحواس.

5-          إجراء التجارب المخبرية،والقيام بالرحلات الميدانية

 

المراجع

زينب حبش(2005)"التفكير الإبداعي"،فلسطين: وزارة التربية والتعليم العالي.

عبداللطيف محمد العبد(1994م)،الفكر الفلسفي في ضوء الإسلام،ط2،القاهرة:دار الثقافة العربية.

عبدالمقصود عبدالغني خيشه(1991م) النظرية الخلقية في الإسلام،القاهرة:دار الثقافة العربية.

فلاح بن ثاني السعيدي(1998م)دور العقيدة في حياة الإنسان المعاصر،القاهرة:كلية دار العلوم.

المصدر: http://www.minbr.com/list-l-1-b5.php

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك