مآذن سويسرا والديمقراطية العنصرية
مآذن سويسرا والديمقراطية العنصرية
د. عبدالعزيز بن فوزان الفوزان
المشرف العام على شبكة رسالة الإسلام
العالم الغربي بل كل العالم الذي لا يدين بالإسلام ليس شيئاً واحداً في نظرته للإسلام وموقفه من المسلمين داخل بلادهم وخارجها، بل هم أطياف مختلفة، واهتماماتهم متباينة، وفهمهم للإسلام وعلاقاتهم بالمسلمين في درجات متفاوتة، ففي الوقت الذين يوجد فيه متطرفون حاقدون من أفراد وجماعات، وأحزاب ومؤسسات، تعلن عداءها الصريح ورفضها الفاضح لكل ما هو إسلامي أو حتى عربي ولو لم يكن مسلماً، فإن الأغلبية الساحقة من تلك الشعوب في العالم الغربي وغيره لا تحمل حقداً على الإسلام وأهله، ولديها الكثير من العدل والإنصاف والموضوعية، والبحث عن الحق بدلائله وبراهينه المقنعة، بل القابلية العجيبة للدخول في الإسلام، والانقياد للدين الحق الذي ارتضاه الله لعباده، وكثير منهم إذا أسلم أخذ الدين بقوة، وكان عنده من الهمة في تطبيق الإسلام والدفاع عنه والدعوة إليه، والحرص على هداية الناس ما لا يوجد نظيره عند كثير من المسلمين الأصليين، الذين نشأوا في بلاد مسلمة، وفي أحضان أبوين مسلمين.
ولكن المشكلة الكبرى التي تعانيها تلك الأغلبية الساحقة من الشعوب غير المسلمة هو جهلهم بالإسلام ومقاصده، أو معرفتهم بالإسلام بصورة مشوهة، لا تتفق مع حقيقته، وأنه رحمة الله للعالمين، والضمانة الحقيقية لهداية البشر وإسعادهم، وتحرير عقولهم من الأوهام والخرافات، والعبودية للطواغيت والمخلوقات، وحثهم على مكارم الأخلاق ومحاسن العادات، بل إن أكثر هذه الشعوب لا تعلم أن هناك دينياً سماوياً اسمه الإسلام، وبعضهم يسمع عن كلمة مسلمين وإسلام، ويظن أن الإسلام عبارة عن جنسية أو قومية ينتسب لها مجموعة من البشر، أو أن الإسلام كلمة مرادفة لكلمة العرب، فيظن أن المسلم معناه من يحمل الجنسية العربية، وكثير ممن عرف أن الإسلام دين سماوي لم يعرف عنه إلا الوجه المظلم السيء الذي ألصق بالإسلام زوراً وبهتاناً وأنه دين إرهاب وقتل وتدمير، وأن المسلمين هم رعاة الإرهاب وحملته وهم أعداء العالم والساعون لتدميره!!
وإذا كانت الأحزاب والجماعات المتطرفة في تلك البلدان غير المسلمة لا تدخر وسعاً في حرب الإسلام وتشويه سمعته وصد الناس عنه، مستغلة بعض الأخطاء والتجاوزات من بعض المنتسبين للإسلام من ذوي الجهل والحمق، والظلم والعدوان، فإن المصيبة الكبرى أن تلك الأحزاب والجماعات المتطرفة تؤثر تأثيراً كبيراً على تلك الأغلبية الساحقة من أهل العدل والإنصاف بسبب ما ذكرته من جهل هذه الأغلبية بالإسلام، الذي سببه بالدرجة الأولى تقصيرنا نحن المسلمين في الدعوة إلى الله، والتعريف بحقيقة الإسلام، وشرح مقاصده في الرحمة بالبشرية وإسعادها، وحفظ مصالحها في معاشها ومعادها، وعجزنا الفاضح في توظيف التقنيات الحديثة ووسائل الإعلام المتطورة لمخاطبة الناس في كل الأصقاع وباللغات التي يفهمونها، وإقناعهم بالحق الذي أنزله الله رحمة للعالمين، والتأكيد على أننا أرباب حق، ودعاة سلام، ورواد هداية وإصلاح.
ولقد ظلت كثير من الشعوب محجوبة عن معرفة الإسلام طيلة القرون الماضية، ولم يزل رجال الدين وكثير من قادة الفكر والسياسة فيها يحاولون الحيلولة بين شعوبهم وبين معرفة الإسلام وفهم فضائله ومقاصده، لأن أكثرهم يدركون أن الإسلام هو دين الفطرة النقية والعقل السليم، وهو السبيل المضمون لتحقيق العدل وإسعاد البشرية، وفيه من الحيوية والجاذبية، والقدرة على الإقناع والإخضاع ما لا يوجد نظيره فيما سواه من المذاهب والملل، أما اليوم فقد كسرت الحواجز والحدود، وأزيلت الموانع والسدود، وصار بإمكاننا التواصل مع العالم أجمع وباللغات التي يفهمها، وذلك من خلال المواقع الإلكترونية، والقنوات الفضائية، والإذاعات والمجلات وشتى وسائل الاتصالات. ولقد يسر الله لنا من وسائل الدعوة والتعليم وتبليغ هذا الدين ما لم يتيسر مثله لأسلافنا، فقامت علينا الحجة، ولم يبق لنا عذر في أن يموت الناس على الضلالة وبين أيدينا الهدى، ويغرق البشر في الظلام وعندنا مشعل النور، وتعاني المجتمعات من القلق والاضطراب، وانتشار الظلم والإجرام، وشيوع الفساد الأخلاقي والشذوذ الجنسي، وعندنا صمام الأمان، والهادي إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، وليس لنا أن نتركهم يتخبطون وتتلاعب بهم الأهواء والشهوات، وتسيطر عليهم الخرافات والشعوذات والشركيات وعندنا الدين الحق الذي أنزله الله تعالى رحمة للعالمين، ليخرجهم من الظلمات إلى النور، ومن عبادة المخلوقات إلى عبادة رب الأرض والسموات، ومن جور المذاهب والأديان إلى عدل الإسلام، يقول الله تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ} فبين أن أهل الإسلام هم خير الناس للناس، وأرحم الخلق بالخلق، يأمرونهم بالمعروف الذي أمر الله به، وينهونهم عن المنكر الذي نهى الله عنه، ويسعون جاهدين لإسعاد الناس وإيصال الخير إليهم، وهدايتهم لما فيه صلاح أمرهم في معاشهم ومعادهم.
ومع شدة الحاجة، وقوة المنافسة، وضخامة المسؤولية وثقل الأمانة، فمازلنا نحن المسلمين مقصرين في استثمار هذه التقنية وتسخيرها لخدمة ديننا، وتحقيق مصالحنا، والدفاع عن حقوقنا، والمحافظة على قيمنا ومكتسباتنا، والتواصل مع إخواننا المسلمين في أصقاع الأرض، وإقامة جسور التواصل الحضاري بين المسلمين وغير المسلمين. ولذا أصبح كل جهد يتلافى هذا التفريط، ويسعى إلى استيفاء القصور أمراً بالغ الأهمية، بل هو واجب شرعي على كل قادر على العطاء والبذل، سواء أكان بعلمه أم بخبرته أم بماله أم ببدنه أم بجاهه.
وإذا كانت الأحزاب والجماعات المتطرفة تعادي الإسلام وتحسد أهله، والحيلة في تحييدهم وقطع شرهم عسيرة أو مستحيلة، لأنهم كما قال الله تعالى عنهم: {وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ} فهم يعادون المسلمين حسداً لهم مع تبين الحق لهم، وعلمهم بأن دينهم هو الدين الحق الذي ارتضاه الله لعباده، ولكن الحسد حملهم على محاربة الإسلام وأهله كما حمل أسلافهم من قبل على معاداة محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ولهذا قال ربنا في آية أخرى: {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} فبين أن هؤلاء الحساد من أهل الكتاب وغيرهم لن يرضوا عنا ولن يكفوا عن مكايدتنا ومعاداتنا وحربنا مهما حاولنا استرضاءهم واتقاء شرهم، ومهما خضعنا لهم وسكتنا عن ظلمهم وابتزازهم إلا أن نتخلى عن ديننا ونكفر به كما كفروا!!
فإذا كانت هذه هي حال تلك الأحزاب والجماعات المتطرفة التي تعادي الإسلام وتحارب أهله حسداً وبغياً فإن البلية العظمى أن تلك الجموع الكبيرة، والغالبية العظمى من تلك الشعوب غير المسلمة أصبحت ـ بسبب جهلها بالإسلام وشدة تقصيرنا في دعوتها إليه وتعريفها بحقائقه ومقاصده ـ ضحية لهذه الجماعات والأحزاب المتطرفة، حيث تستغل عواطفها، وتؤجج مخاوفها من هؤلاء المسلمين الإرهابيين أو المتخلفين، وهذا ما رأيناه جلياً في حوادث كثيرة عانى منها المسلمون في البلاد الإٍسلامية وفي بلاد الأقليات المسلمة معاناة كبيرة، فحرب العراق وأفغانستان وما ترتب عليهما من تداعيات كثيرة وخطيرة ما كان لها أن تحدث وتدعمها أكثر الشعوب الغربية لو أن تلك الشعوب تعرف حقيقة الإسلام، وأنه بريء من جرائم الإرهاب، وأنه دين الرحمة والسلام، بل هو رحمة الله لكل العالمين!!
لكن تلك الأحزاب والجماعات المتطرفة استغلت أحداث سبتمبر وما شابهها، وربما كان لها يد في صناعتها وتوريط بعض المسلمين فيها، لكي تشوه صورة الإسلام وتؤلب تلك الشعوب عليه وعلى من يدينون به، وتخوفهم من الخطر الإسلامي الداهم الذي يسعى لتدمير العالم والسيطرة عليه.
وقل مثل ذلك في جميع الأحداث والقرارات العنصرية ضد المسلمين في كل مكان، وبخاصة في أوروبا وأمريكا، كالأفلام والرسوم الكاريكاتورية المخزية التي حصلت في الدانمارك، ثم انتشرت عدواها إلى عدد من الدول الأوروبية، وتبنتها ودافعت عنها عدد من الحكومات الغربية مع أنها تطعن في أعظم الرموز الدينية لدى مليار ونصف من المسلمين، وبعضهم من مواطني تلك الدول التي سمحت بكل أسف لهذه الأعمال الاستفزازية العنصرية بأن تظهر وتتكرر!!
وكذلك الحال بالنسبة لمنع الحجاب والنقاب في فرنسا، والذي اعتبروه إهانة لكرامة المرأة على حد زعم الرئيس الفرنسي، وأخيراً ولن يكون آخراً: منع بناء المآذن في سويسرا، مع أنه لا يوجد فيها سوى أربع مآذن فقط في أربعة مساجد، ولا يرفع الأذان من خلالها، وإنما يؤذن للصلاة داخل المسجد فقط، ورغم ذلك فإن 57.5 في المائة من الناخبين السويسريين اختاروا في استفتاء عام الموافقة على حظر بناء المآذن، زاعمين أن قرارهم هذا يستند إلى مخاوفهم من ''الأصولية'' و''الأسلمة البطيئة'' لسويسرا.
وهذا التحرك المتطرف بدا مستغربا أن يأتي من بلد مثل سويسرا التي كان الانطباع عنها أنها من أكثر الدول الأوروبية انفتاحا وتسامحا، وهو مستغرب أيضا لأن سويسرا هي أكثر بلد أوروبي يستفيد من أموال أثرياء المسلمين، والحقيقة المرة أن هذا الاستفتاء لو أجري في بلدان أوروبية أخرى فإنه سيؤدي غالباً إلى نتيجة مشابهة.
والأمر الإيجابي هو بروز بعض الأصوات الأوروبية المستنكرة لهذا التوجه، وقد خصصت ''الفاينانشيال تايمز'' افتتاحية الأسبوع الماضي لإدانة هذا التصويت، والتأكيد على أنه لا يخدم سوى المتطرفين، بل ذهبت إلى أبعد من ذلك، حيث تقول: ''كان هناك زمن تتمتع فيه سويسرا بسمعة أنها ملاذ الديمقراطية والتسامح في أوروبا التي كانت بخلاف سويسرا تعيش في ظلام فكري، لكن هذا تغير الآن، هذه الصورة الجميلة تحولت إلى حطام من خلال التصويت على إقرار حظر دستوري على المآذن''.
إن سويسرا مثل الكثير من الدول الأوروبية، تواجه ردة فعل قومية على النظرة الجديدة للمسلمين الأوروبيين، والمآذن مجرد ستار، فحزب الشعب السويسري الذي قاد هذه الحملة العنصرية أراد في بادئ الأمر تدشين حملة ضد الطريقة الإسلامية لذبح الحيوانات، ولكنه كان يخشى اختبار حساسية اليهود السويسريين، الذين يذبحون بطريقة مشابهة، وبدلا من ذلك حول أبصارهم إلى المآذن باعتبارها رمزاً إسلامياً ظاهراً.
فيا ترى ما سر هذه العنصرية المقيتة، والتنكر للقيم الإنسانية وحقوق الإنسان التي طالما تغنى بها أولئك الأوروبيون؟ ولماذا تقصى فئة تحمل جنسيات تلك الدول، ولها حق المواطنة الكاملة، لمجرد أنها تدين بالدين الإسلامي الحنيف؟
يجيب عن هذا البروفيسور الدكتور: طارق رمضان، وهو داعية مسلم ولد في سويسرا، حيث يقول في مقال له في صحيفة الشرق الأوسط: "وفي المرحلة الحالية يجد الأوروبيون أنفسهم يتساءلون داخل عالم متنقل ومستمر في الانغماس في العولمة: «ما هي جذورنا؟» و«من نحن؟» و«كيف سيكون مستقبلنا؟» فهم يرون حولهم مواطنين جددا، وألوانا جديدة للبشر ورموزا جديدة لم يعتادوا عليها. وعلى مدار العقدين الماضيين، ارتبط الإسلام بالكثير من القضايا المثيرة للجدل، مثل العنف والتطرف وحرية التعبير والتمييز بين الجنسين والزواج بالإجبار، وهذا قليل من كثير، ومن الصعب بالنسبة للمواطنين العاديين أن ينظروا إلى هذا الوجود الإسلامي الجديد على أنه عامل إيجابي، وهناك مقدار كبير من الخوف وغياب واضح للثقة، تُطرح أسئلة من نوعية: من هم؟ وماذا يريدون؟ وتمتلئ هذه الأسئلة بشكوك أكبر مع انتشار فكرة أن الإسلام دين توسعي. هل يريد هؤلاء الناس أسلمة بلادنا؟
واستحثت المخاوف والمزاعم الحملة التي استهدفت المآذن، وانجذب المصوتون إلى القضية من خلال التلاعب بالعواطف واللعب على وتر المخاوف، وحملت الملصقات صورة امرأة ترتدي برقعا، ورسمت فيها المآذن كأسلحة على علم سويسري. وتعني هذه المزاعم أن الإسلام لا يتناسب في جوهره مع القيم السويسرية"
ويؤكد ذلك كاتب أوروبي هو "إيان بوروما" في مقال جميل له في صحيفة الاقتصادية فيقول: "إن إرجاع هذا التصويت السويسري على حظر بناء المآذن ـ وهي الفكرة التي أتى بها حزب الشعب السويسري اليميني، من دون مشاركة من جانب أي حزب سياسي آخر ـ إلى ''الإسلاموفوبيا'' (الخوف من الإسلام) قد يكون في غير محله. من المؤكد أن تاريخاً طويلاً من العداوة المتبادلة بين المسيحيين والمسلمين، فضلاً عن الحالات الأخيرة من العنف الإسلامي المتعصب، حَمَل عديداً من الناس على الخوف من الإسلام على نحو لن نجد له مثيلاً تجاه الهندوسية أو البوذية على سبيل المثال، فالمئذنة التي تخترق السماء وكأنها صاروخ، يسهل تصويرها باعتبارها شيئاً مخيفاً.
ولكن إذا كان السويسريون وغيرهم من الأوروبيين على يقين من هوياتهم، فما كان لإخوانهم من مواطنيهم المسلمين أن يثيروا مثل هذا النوع من الخوف في قلوبهم. وقد يكون هذا هو أس المشكلة. فمنذ وقت ليس بالبعيد كانت أغلبية المواطنين في الغرب يعتزون بأمور خاصة ليست محل نقاش ترمز إلى عقيدتهم وهويتهم الجمعية. وأبراج الكنائس المنتشرة في عديد من المدن الأوروبية ما زالت تعني شيئاً في نظر أغلبية الناس. وقليلون هم الذين تزوجوا من خارج ديانتهم...
ولكن كثير من هذا قد تغير، وذلك بفضل الرأسمالية العالمية، والتكامل الأوروبي، ووصمة المشاعر الوطنية الناتجة عن حربين مأساويتين، وربما كان الأهم من كل ذلك، تراجع الإيمان بالعقائد الدينية على نطاق واسع. إن أغلبيتنا يعيشون في عالم علماني ليبرالي متحرر من الأوهام، ولقد أصبحت حياة أغلبية الأوروبيين الآن أكثر تحرراً من أي وقت مضى... ولكن الحياة في عالم متحرر لم تكن بلا ثمن، فالتحرر من العقيدة الإيمانية والتقاليد لم يكن دوماً السبيل إلى الشعور بقدر أعظم من الرضا، بل كان على العكس من ذلك سبباً في انتشار الحيرة، والمخاوف، والاستياء".
إذاً فالسبب الرئيس لهذه الحملات العنصرية هو الشعور المرير بفقدان الهوية، والحسد للمسلمين على تمسكهم بدينهم واعتزازهم به، وهذا ما أكده الكاتب في ختام مقاله حين يقول: "فلا بد أن نحسد المسلمين لأنهم ما زالوا متمسكين بإيمانهم، ولأنهم يعرفون من هم، ولأنهم ما زال لديهم ما يستحق أن يضحوا بحياتهم من أجله... إن هذه المآذن المرتفعة، وأغطية الرأس السوداء، تشكل تهديداً لأنها تنثر الملح على جراح هؤلاء الذين يشعرون بخسارة إيمانهم".
وليس بعيداً عنه ما عبر عنه الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في مقال له بصحيفة لوموند الفرنسية من تعاطفه مع السويسريين الذين صوتوا لصالح حظر المآذن في بلدهم, وذكَّر في الوقت نفسه بقيم التسامح والانفتاح عند الفرنسيين، ودعا إلى إشاعة الاحترام المتبادل بين القادمين إلى فرنسا ومستقبليهم.
وفي هذا الإطار, تنقل صحيفة "التايمز" حث ساركوزي المسيحيين واليهود والمسلمين وكل المؤمنين بغض النظر عن معتقدهم على تجنب الاستفزاز والمباهاة في ممارسة شعائرهم الدينية.
وقد وصف ساركوزي سكان أوروبا بأنهم متسامحون بطبيعتهم وثقافتهم، لكنهم لا يريدون لنمط حياتهم وطريقة تفكيرهم وعلاقاتهم الاجتماعية أن تتشوه. ثم يؤكد أن الإحساس بفقدان الهوية يمكن أن يكون مصدراً لمعاناة بالغة!!
وتقول التايمز إن الحزب الاشتراكي وجل طيف اليسار الفرنسي يقاطعون النقاش الذي أطلقه ساركوزي بشأن الهوية الوطنية.
وتكشف الصحيفة عن تململ حتى في أوساط الحزب الفرنسي الحاكم نفسه نتيجة الإحراج الذي أصابهم جراء حملة ساركوزي الحالية, إذ حاول كثير منهم النأي بنفسه عن تصريحات تلفزيونية لأحد مسؤوليه، وهو عمدة لقرية بالشمال الفرنسي يدعى آندري فلانتين, إذ قال: "علينا أن نتصرف كي لا نُبتلع أحياء, فهناك عشرة ملايين مهاجر يتقاضون رواتب مقابل لا شيء".
وأمام هذه الحملات المغرضة والدعايات المضللة التي تستهدف صد الناس عن سبيل الله، ومضايقة المسلمين ومنعهم من ممارسة شعائر دينهم، وتأليب الحكومات والشعوب الغربية عليهم وعلى رموزهم الدينية، مستغلين جهل شعوبهم بالإسلام، ومستثمرين كل ما وصلت إليه التقنيات الحديثة ووسائل الإعلام المتنوعة والمبهرة لتحقيق غاياتهم العنصرية المتطرفة، والتنفيس عن حسدهم وحقدهم على الإسلام والمسلمين كان متحتماً علينا أن نضاعف جهودنا لمقاومة هؤلاء المتطرفين، وفضح باطلهم وحقدهم، والكشف عن غاياتهم ودوافعهم، وألا نخضع لظلمهم وابتزازهم، لأنهم لن يرضوا عنا حتى نتخلى عن ديننا ونتبع ملتهم.
وأهم من ذلك أن نبذل غاية الوسع، ونستثمر كل الوسائل الممكنة، ونوظف وسائل الإعلام المتنوعة للتعريف بالإسلام، وبيان حقائقه ومقاصده، وأنه دين أمن وسلام، وتعايش وتعاون، ورحمة وعدالة، وحكمة ومصلحه في جميع أوامره ونواهيه، وأن جميع أحكامه وتشريعاته قائمة على سنن القسط والعدل، والبر والإحسان، وأن حسن الخلق والإحسان إلى جميع الخلق من أجل مقاصد الإسلام، وأعظم العبادات وأحبها إلى الله، وهي أثقل ما يوضع في ميزان العبد المؤمن يوم القيامة، بل إن الرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"، وفي رواية "صالح الأخلاق"، فجعل رسالته بكل أحكامها وتشريعاتها محصورة بالدعوة إلى مكارم الأخلاق، ومحاسن العادات، وحسن التعامل مع الله تعالى ثم مع عباده من القريبين والبعيدين، والمسلمين وغير المسلمين، وهذا هو معنى قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}.
للتواصل مع الشيخ: fawzan@islammessage.com
المصدر:
http://saaid.net/arabic/287.htm