دور المرأة في تدعيم قيم السلام
نزيهة أحمد التركي
تعد قضية دور المرأة في تحقيق السلام واحدة من أهم القضايا النظرية والعملية التي تشغل بال المفكرين والسياسيين والمثقفين على حد سواء، ويعود الاهتمام بهذه القضية إلى نهاية العقد الأخير من القرن العشرين، حيث شهدت هذه الفترة تطوراً ملحوظاً وبوتيرة متسارعة وملفتة للنظر في مناقشة قضايا المرأة وربطها بعدد من القضايا الأخرى الهامة على الساحة الدولية كالتنمية، حقوق الإنسان، مكافحة الإرهاب والعنف، الإصلاح السياسي، وأخيراً بتحقيق السلام العالمي، المطلب الأول والأهم للبشرية جمعاء. حيث تم النظر للمرأة في هذا الجانب على أنها شريك أساسي في تدعيم قيم السلام في المجتمع.
في ضوء ذلك واستناداً إلى حقيقة حيوية دور المرأة في عملية التنشئة بفرعيها الاجتماعي والسياسي، فإن موضوع هذه الورقة، يتعلق بدور المرأة في تدعيم قسم السلام خاصة المرأة العربية، فهو يناقش كيفية الاستفادة من المرأة باعتبارها عنصراً مهماً من عناصر المجتمع في تدعيم قيم السلام، كالتضامن، والتعاون، ونبذ العنف، والتسامح، والتشبث بالتعاليم الدينية السماوية التي تدعو لهذه القيم وغرسها في الشباب، وذلك من خلال توعيتها بهذه القيم وإرشادها لكيفية استخدامها في توجيه أبناءها، من خلال المنظمات الحكومية وغير الحكومية، وتطرح هذه الورقة في دراستها الأسئلة التالية:
1. ما هي أهمية التنشئة – التربية – في غرس قيم السلام؟
2. ما هو الدور المطلوب من المرأة لتعزيز ثقافة السلام وما هي شروطه ومعوقاته؟
3. ما هي القيم والمبادئ المساندة للسلام وما هي معوقاته؟ وكيف تتم عملية نشر هذه القيم، وما هي الجهة المسئولة عن ذلك؟
4. ما هو دور المنظمات غير الحكومية في تدعيم وإرشاد دور المرأة في نشر ثقافة السلام؟
طرحت الجمعية العامة للأمم المتحدة في قراراها عام (1998) باعتبار العشرية الأولى من القرن الواحد والعشرين (2001-2010) عشرية دولية لدعم ثقافة اللاعنف والسلام لفائدة أطفال العالم، تعريفاً، لثقافة السلام. يقوم على اعتبارها "مجموعة من القيم والتصرفات والسلوكيات، التي تعكس وتشجع قيام تفاعل اجتماعي، وبناء عقلية تقاسمية يقومان كليهما على مبادئ الحرية والعدالة والديقمراطية وعلى جميع حقوق الإنسان وعلى التسامح والتضامن ونبذ العنف، ويعملان على ردع النزاعات بالتعرض لأسبابها العميقة، وحل المشاكل بالحوار والتفاوض، ويضمنان ممارسة كاملة لجميع الحقوق والإمكانيات لتحقيق مساهمة كاملة في عملية تنمية المجتمع.
وبهذا التعريف فإن ثقافة السلام تعني منظومة من القيم والمبادئ والمفاهيم والتوجيهات والمواقف والسلوكيات التي تؤسس للسلام بمعناه الأشمل، والأمثل وتشكل معاً مضمونه، وتعمل على استثماره بما يساعد على حمايته وإنمائه واستمراره.
الثقافة :
حسب تعريف منظمة اليونسكو "هي كل السمات الروحية والمادية والفكرية والعاطفية التي تميز مجتمع بعينه أو فئة اجتماعية بعينها وتشمل الفنون والآداب وطرق الحياة، كما تشمل الحقوق الأساسية للإنسان والنظم والقيم والتقاليد والمعتقدات.
العلاقة بين التربية والثقافة :
علاقة وثيقة الصلة من حيث أن الثقافة بيئة مناسبة للتربية لتحقيق أهدافها وطموحاتها، كذلك التربية تستخدم الثقافة في بناء الأجيال كما يريد المجتمع أن نقل ثقافة المجتمع من جيل إلى جيل من أكبر مهام التربية، فالتربية هي إحداث التغير في سلوك وبناء الشخصية حسب ما يريد المجتمع.
وتنقسم هذه الورقة إلى ثلاث محاور :
المحور الأول : يناقش مفهوم السلام، تقسيماته ومعوقاته ومرتكزاته كما يناقش مفهوم ثقافة السلام، تحت عنوان (تطور مفهوم اللام وسبل تحقيقه).
المحور الثاني : يناقش دور المرأة في عملية التنشئة وتربية الأطفال تحت عنوان (دور المرأة في التنشئة الاجتماعية).
المحور الثالث : يناقش دور المنظمات الغير حكومية في إرشاد وتعزيز وتوجيه المرأة لنشرة ثقافة السلام تحت عنوان (دور المنظمات الغير حكومية في نشر ثقافة السلام).
المحور الأول:
تطور مفهوم السلام وسبل تحقيقه
كان السلام ولم يزل حلماً للبشرية منذ عصور عديدة فقد عانت البشرية كثيراً من ويلات الحروب والصراعات والعنف والإرهاب لدرجة أن السلام يكاد يشكل استثناء في مواجهة قاعدة الصراع والحرب، وخاصة في الوقت الحالي ونحن في الألفية الثالثة إذ نشهد تزايداً ملحوظاً في معدلات الصراع والعنف بجميع أشكاله على الرغم من تطور الوعي بوحدة المصير الإنساني وبأهمية السلم كفرض من فروض التنمية والرخاء.
فدرس التاريخ تنبهنا بأنه كان هناك دائماً جدلية عشاتها البشرية – ولم تزل – وهي جدلية الحرب والسلام فجذور الحرب تكمن في أعماق السلم، كما أن بوادر السلم يمكن أن تنطلق من قلب الحرب، فعلاقة التأثير التأثر بين الاثنين كانت مسئولة – في جزء مناه – عن تطور البشرية، أن الحرب تنشط التقدم والتطور بمعدل أسرع من وقت السلم إذ أن الصراعات المسلحة تدفع الإنسان إلى الاختراع أو الهلاك.
وهذا يدفعنا إلى الجزم بأن السلام أبداً لم يكن حاله دائمة في أي مكان أو زمان، فالصراع هو جوهر الحياة ولا يمكن تصورها بدونه، فهو سمة من سمات الحياة الإنسانة، ووسيلة من وسائل تعديل النظام الاجتماعي كما أنه أداة لتحقيق توازن القوى بين ما نريد وما يمكن أن نحصل عليه. حتى أن هناك من يرى بأن تعريفنا للسلام بأنه غيبا الحرب والعنف والصراع، فيه تناقض مع حقيقة أن الصراع أمر أساسي في الحياة، فإذا كان السلام عدم وجود صراع ففي هذه الحالة فإن السلام يعني الموت.
If conflict is essential of life, and if peace is the absence of conflict, then peace means death).
وحديثنا هذا لا يعني اليأس في تحقيق السلام أو ابتعدنا عن طلبه فإذا كان الصراع سمة الحياة فالسلام هو الذي يعطينا الحياة، إذاً ما هو السلام وما الذي نعنيه بهذا المفهوم، وهل هو مطلب واقعي يمكن تحقيقه أم أنه شيء غير واقعي، لقد اختلفت الآراء والتوجهات في تعريف هذا المفهوم، كما اختلفت في توضيح ورصد أسباب إحلاله وكذلك انهياره، وهو كأي مفهوم آخر تعددت تعريفاته تبعاً لتعدد استخداماته وأغراضه، هذا فضلاً عن أن المفهوم عادة ما يرتبط بإطار فكري وثقافي معين يكون له أثر كبير في تعريفه وتحديد طبيعته، ففي اللغة السلام من سلم، وهو يستعمل أسماً بمعنى الأمان والعافية والتسليم والتحية، ومن جهة نظرة سياسية وعسكرية فالسلام في أبسط معانيه يعني (عدم الحرب peace as not war).
وحالياً لم يعد موضوع السلام هو فقط عدم الحرب، بل أصبح للسلام أبعاد عديدة ترتبط بها إشكاليات كثيرة، فالعدل، احترام حقوق الإنسان، الأمن، الحفاظ على البيئة، عدم العنف، الاستقرار، التسامح، التعاون، فهم الآخر، الديمقراطية، حرية التعبير والمشاركة السياسية، وعدم التمييز، الهوية، كلها تدخل ضمن أبعاد مفهوم السلام المختلفة والتي لم تعد تقتصر على المدلول السياسي فقط، فهناك المدلول الاجتماعي والثقافي والاقتصادي والأمني والبيئي إلى الجانب السياسي هذا من جانب، ومن جانب آخر هناك إشكالية تتعلق بالعلاقة بين ثلاثة أبعاد تتصل بمفهوم السلام وهي المفهوم نفسه أي "السلام"، تعريفه، والعمل على تحقيقه. فإذا ما عرفنا السلام بأنه عدم الحرب فإن كل جهودنا تكون مركزه على الحرب كيف نمنع قيامها، كيف نتحكم في مسارها، كيف السبيل إلى إيقافها وما إلى ذلك، فهذه استراتيجيات ارتبطت بتعرفنا للسلام بأنه عدم الحرب، وبالتالي إذا ما توصلنا إلى منع الحرب أو إيقافها فإننا في هذه الحالة حققنا السلام المنشود، فمفهوم السلام وتعريفه هما شيء أساسي في صنعه وربما فشلنا في تحقيق السلام هو حقيقة الأمر فشلنا في توضيح مفهومه، كما أن تعريفنا لمفهوم السلام وتحديده بوضوح يحدد لنا طريقة تنفيذه فكل معنى يتطلب منا إستراتيجية معينة لتحقيقه.
فما هو السلام المطلوب حالياً في الألفية الثالثة هل هو عالم بلا حروب أم عالم بلا صراعات، وبمن نهتم هنا بالصراعات المحلية أم الإقليمية أم الدولية أم تركيزنا على السلام المحلي الذي يوصلنا في النهاية إلى السلام العالمي، فهناك جدال حول أي أبعاد السلام أولى بالرعاية والتنفيذ إذ أنه مع تشابك الأحداث والمصالح في ظل العولمة أصبح من الصعب تحقيق حيادية ظاهرة بذاتها عن الظواهر الأخرى أو مفهوم بذاته عن المفاهيم الأخرى المرتبطة به، فلا يمكن حالياَ فهم السياسي بدون الاجتماعي أو إهمال الاقتصادي والعناية بالتثقافي بدون الديني.
تصنيفات السلام :
يصنف السلام إلى سلام عالمي، سلام إقليمي، سلام محلي. وكل صنف من هذه التصنيفات له آليات معينة لتحقيقه تطورت مع تطوير الأوضاع الدولية ودخلت عليها مضامين جديدة لم تكن تحويها سابقاً.
أ ـ السلام العالمي :
بعد الحرب العالمية الثانية وتشكيل الأمم المتحدة ساد مفهوم العالمية على كل وصف وتصنيف للظواهر السياسية خاصة في مجال العلاقات الدولية، وانبرت المنظمات الدولية والإقليمية تتسابق في تحقيق العالمية لأهدافها ومبادئها فقد استشعرت الأمم المتحدة كمنظمة دولية أهمية تكاثف الجهود الدولية لتحقيق الازدهار والرخاء والسلام العالمي لفترة ما بعد الحرب، والذي بينته خبرة الحرب، فنبهت بأن مطلب حفظ السلم والأمن الدوليين والذي جعلته أولى مقاصد المنظمة ،هو مطلب عالمي يجب على كل الدول أن تتكاثف لتحقيقه. فبينت بأن السلام العالمي لا يتحقق فقط من منع استخدام القوة في العلاقات الدولية، أو مشروعية إعلان الحرب، وإنما في الإيمان بالحقوق الأساسية للإنسان وتحقيق العدالة واحترام الالتزامات وبالاعتراف بكرامة الفرد والحقوق المتساوية للرجال والنساء، والتسامح وحسن الجوار وذلك كما نصت عليه ديباجة المنظمة.
فتحقيق التعاون الدولي على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والإنساني وتعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للأفراد، دون تمييز، بسبب الجنس أو اللون أو الدين، من شأنه أن يساعد على إزالة الأسباب التي تهدد السلم والأمن الدوليين، وكان هذا تطوراً في مفهوم السلام وتطوراً في فهم العوامل التي تؤدي إلى توثيق الأواصر بين الشعوب ومنع الصراعات فيما بينها ولكن بعد إنشاء المنظمة وانتهاء الحرب، بدأت مرحلة جديدة من الصراعات والحروب الدولية إذا اختلفت هذه في شكلها ومضمونها وأسبابها عما كان في الفترة السابقة للحرب فتطلب ذلك جهوداً واستراتيجيات جديدة لمواجهتها. وعملت الأمم المتحدة كمنظمة عالمية والمنظمات الإقليمية التابعة لها جاهدة على تحقيق السلام العالمي والتخفيف من حدة هذه الصراعات والتقليل من سلبياتها وآثارها، وكان ما أعطته هذه الحروب هو دفعة قوية في تطوير مفهوم السلام العالمي من جديد ليتخذ في بداية السبعينيات من القرن العشرين منحناً اقتصادي واجتماعي عبرت عنه موجة تشكيل المنظمات والهيئات الإقليمية المشتركة ذات الطابع الاقتصادي لتفعيل التعاون الدولي كأساس ومبدأ للسلام.
ومع تطور الثورة العلمية والتكنولوجية في نهاية القرن العشرين دخلت مضامين حديثة على السلام العالمين فصار هناك أمن مائي وأمن بيئي وأمن غذائي وارتبط ذلك بالسلام العالمي، فأزمة الغذاء الحالية تهديد للسلام العالمي والصراع على المياه يحمل معه بذور صراعات دولية مستقبلية جديدة.
هذا إلى جانب تغير وتطور أشكال الصراعات الدولية وزيادة حدتها فلم تعد صراعات حدود وزعامة ومناطق نفوذ فقط. بل أصبحت صراعات أفكار أيديولوجية ومعتقدات دينية. كما حملت الصراعات المحلية بذور تهديد للاستقرار الإقليمي وتطلبت تدخلاً دولياً لإنهائها كصراع البوسنة أو أزمة البلقان، حتى أن صراع الإقليم داخل الدولة الواحد غدى ينظر إليه على أنه تهديد للسلام العالمي كصراع (دار فور) مثلا وتعددت مجلس الأمن الدولي بخصوص قضايا محلية، وإقليمية نوقشت على أساس تهديدها للسلام العالمي.
والأمثلة كثيرة بداية من النزاعات الطائفية المحلية مروراً بصراعات الاستقلال والانفصال حتى أنه ينظر حالياً إلى أن أيديولوجيات بعض الأنظمة السياسية وراؤها في بعض الأقاليم تحمل بذور التهديد للسلام العالمي وهذه الترابطية بين الإقليمي والدولي تضمنتها الرؤية العالمية التي قامت عليها منظمة الأمم المتحدة ونظرية الأمن الجماعي فيها، كأساس لتحقيق السلم والأمن الدوليين.
ب ـ السلام الإقليمي :
وهو ما يرتبط بتحقيق الاستقرار والأمن في منطقة إقليمية معينة، في الماضي انصرف هذا المفهوم إلى تدعيم قيم حسن الجوار، وعدم التدخل في شئون الداخلية للدول الأخرى، واحترام الدول الكبيرة للدول الصغيرة، والتعاون الاقتصادي بين الدول المتجاورة، وتنشيط وتفعيل الاتصال الثقافي والمصالح المشتركة بين الدول المتجاورة، وحالياً مع تزايد حدة الصراعات الطائفية لوجود الأقليات المنتشرة في الأقاليم المتجاورة، تضمن مفهوم السلام الإقليمي مضامين محلية كانت تقتصر مناقشتها على الدولة القومية، الأمر الذي استدعى تطوير آليات جديدة لتحقيق هذا المفهوم واستنفار وتكاثف الجهود الإقليمية مجتمعة لإعادة الاستقرار في المنطقة.
جـ - السلام المحلي :
هو السلام داخل الدولة الواحدة، وهنا تختلف المفاهيم والرؤى فما تعتبره الدولة شأن داخلي قد لا تعتبره الدول الأخرى كذلك. فأحداث كصراع الفئات الاجتماعية على السلطة، والعجز الاقتصادي، والتهديد الخارجي، وشغب الأقليات الطائفية، الدينية، والضعف السياسي كلها مسببات للصراع الداخلي العنيف الذي يمكن تصديره للخارج عن طريق الأقليات المتجاورة عند الحدود المشتركة وبالتالي تحمل بذور تهديد إقليمي يستلزم التدخل في الشئون الداخلية للوحدة السياسية وأحداث العراق خير مثال على ذلك.
وتأسيساً على ما سبق نقول أن مضمون "السلام" في حد ذاته حالياً يمثل إشكالية فمال بال بسبل تحقيقه. فمن خلال استعراضنا لتصنيفات السلام نقول بأن السلام لا يعني فقط أن الأوضاع مستقرة أو عدم وجود الصراع، وحتى هذه تحمل كثير من المعاني فإذا اعتبرنا الاستقرار هو عدم وجود صراع، فأي الصرعات تقصد هل هي الصراعات العنيفة أم الصراعات غير العنيفة وهذا يحملنا لتوضيح نوعين من السلام هما السلام السلبي والسلام الإيجابي وسبل وقوع كل منها:
فالسلام السلبي : هو غياب العنف في التجمعات الإنسانية الرئيسية كأمم والدول وبين التجمعات العرقية والعنصرية.
السلام الإيجابي : يعني نموذجاًَ للتعاون والدمج بين التجمعات البشرية الرئيسية وغياب العنف، مما يوفر أرضية مناسبة للقضاء على مسببات الصراع وحل الخلافات والتفاهم وبالتالي بناء السلام المطلوب وهذا يعني أن السلام السلبي مقدمة للسلام الإيجابي وشروط لتحقيقه هذا يعني أن السلام الإيجابي يقوم على الاختيار الطوعي والواعي والمؤسس على الاقتناع بالسلم والالتزام المبدئي بتمكينه واستدامته، أما السلام السلبي، فيقوم على الاضطرار الذي مرده العجز أو التوازن القوي والخوف على فوات مصلحة. وبالتالي فإن السلام الإيجابي هو أوسع وأشمل في معناه من مجرد انتقاء العنف المسلح فهو يقوم على العزم على معالجة أسباب العنف والحرص على حل المنازعات بالطرق السلمية.
فجدلية المحلي والإقليمي والدولي والعالمي بينهما ومعادلة السلب والإيجاب والتناقض بينهما تجعل من السلام إشكالية تتطلب جهداً في ترسيخ قيم معينة يتم تثبيتها لتشكل واقعاً يمكن للسلام أن يستقر فيه، ومن هنا كانت أهمية العمل على بناء ثقافة للسلام تعمل كأرضية صالحة لتحقيق هذا المفهوم، فعلينا تعزيز القيم المساندة للسلام، كالتسامح، والتضامن، والعدل، الحرية، نبذ العنف، احترام كرامة الإنسان وحقوقه، واحترام الآخر في اختلافه، فهذه مجموعة قيم إنسانية مشتركة من شأنها أن تشكل قاعدة لتأسيس السلام ومرتكزاً قوياً لبنائه، إذ لا يمكن للسلام كقيمة أن ينشأ ويترسخ في سياق واقع يدفع إلى التعامل وفق قيم مناقضة.
وهناك من يرى أن الإشكالية في السلام التي نواجهها هي اختلال في التوازن والانسجام بين القين، فهناك خلل في الأفكار والمواقف والسلوكيات التي نتعامل بها ومعها وهذا من شأنه أن يشكل عائقاً أمام تحقيق السلام وقبوله كقيمة أو رفضه وبالتالي فإن عوائق السلام ليست عوائق سياسية فحسب، بل هي عوائق اقتصادية واجتماعية وثقافية تتصل بالإرث الثقافي والتاريخي للمجتمعات، ومن ها كان أهمية بناء ثقافة للسلام تعمل على جعل السلام جزءاً من البناء الإدراكي والقيمي للفرد أو محدداً من محددات سلوكه.
وما يلاحظ على مفهوم السلام في الوقت الحاضر :
أولاً : هو تغير النظرة والفكرة للسلام، ففي الماضي كان السلام يعني مجموعة من الاستراتيجيات والآليات اللاحقة للصراع أو الحرب"، أي تهدئة الأوضاع وحل الصراعات ووقف الحروب ومعالجة آثارها لمنع قيامها من جديد، أما في الفترة الأخيرة من حوالي نهاية القرن العشرين فإن التفكير في السلام والنظر إليه أصبح يأخذ – معنى استباقي – إذ أن الجهود بدأت مركزة على كيفية فاعلية منعنا لقيام صراعات مستقبلية كتلك القائمة حالياً، هذا بالإضافة إلى جهود حل الصراعات القائمة، فالملاحظ على فكر السلام، إنها تولي أهمية كبيرة على هذا المعنى الاستباقي، محاولة استنباط العوامل التي يمكن ا، تكون سبباً لصراعات حديدة واكتشاف عامل مخفية كانت سبباً في حدوث الصراعات القائمة لجدة أن هذه الدراسات توصلت إلى أن أسباب العنف وانتشاره في الوقت الحالي راجع لعوامل تعود للتنشئة الاجتماعية من الأساس تفاعلت مع معطيات داخلية اقتصادية، دينية، وسياسية، تسببت في إحداث العنف الحالي.
ومن هنا كان أهمية نشر ثقافة للسلام تمكننا من تنشئة جيل يدعم السلام وينبذ العنف.
والملاحظة الثانية : على فكرة السلام، أن النظرة فيه بدت جزئية أكثر منها كلية إذ نلاحظ تركيز أكبر على الفرد مقابل المجتمع وعلى الدولة مقابل دول وعلى العوامل والروابط التي تربط إقليم بعينه مقابل العالم ككل.
فكثرت الدراسات التي تناولت الفرد وتنشئته الاجتماعية وانتماءاته الدينية والطائفية والسياسية، كذلك الدراسات التي تركزت على بناء الهوية والانتماء والولاء في المجتمع، والروابط الفكرية والثقافية التاريخية بين المجتمعات المختلفة والتي من شأنها أن تدعم السلام أو تقوضه، فهذه الدراسات اتخذت منحنى داخلي أو لنقل محلي خلافاً لدراسات السلام السباقة ذات المنحنى الدولي.
الملاحظة الثالثة : تطور الوعي الفكري من قبل الساسة والمفكرين والمثقفين على حد سواء بأن مسئولية إحلال السلام لا تقع على الجيل الحاضر فقط وإنماء المسئولية الأكبر هي في حمالة الأجيال القادمة من ويل صراعات وحروب وترسبات ماضية تهدد مستقبلهم ومعيشتهم.
الملاحظة الرابعة : هو اتساع مفهوم السلام وشموليته واتصاله بكل مجال من مجالات الحياة لدرجة يتطلب فيها جهود جميع الجهات لتحقيقه. حكومية وغير حكومية محلية وإقليمية ودولية. وهذا راجع لتعقد طبيعة الصراعات الحالية وتشابكها وعجز الجهات المحلية عن حلا.
معوقات السلام :
كما عوامل تدعيم السلام عديدة فإن معوقاته عديدة كذلك ويمكن أن نقول بأن عوامل تدعيمه يمكنها أن تكون عائقاً لإحلاله إذا ما استخدمت لغرض الصراع والعنف، فالعنصرية والاعتقاد بتفوق جنس معين عن بقية الأجناس أو حضارة عن الأخرى، يمثل عائقاً للسلام، والاختلافات الثقافية يمكنها أن تكون عائقاً لسلام إذا ما كانت سبباً في سوء الفهم والشك كذلك القومية أو التعصب القومي وارتباطه بالسيادة، هذا إلى جانب الظروف الاقتصادية والاعتقاد بأن الحروب وسيلة لحل المشاكل، والاختلافات الطائفية والدينية تعد من أقوى أسباب الصراعات الأهلية والدولية إذا وجدت الظروف الموضوعية المساندة. وأخيراً فإن التفكير المحدود لأفكار السلام يعد سبباً لإعاقته.
وهذه الأفكار هي ما يتناولها "مفهوم ثقافة السلام" فهي تحمل معنى الاستباقية الذي تحدثنا عنها من حيث تركزيها على جوانب ثقافية، فردية، اجتماعية، اقتصادية، سياسية، دينية، تربوية، قانونية، معنوية أكثر منها إجرائية أو مادية وكذلك تتضمن في محتواها معنى – المقاومة – أي المقاومة – أي مقاومة كل ما شأنه أن يعوق السلام ويمنع تحقيقه، وربما ذلك راجع للاعتراف بأهمية التكوين النفسي والفكري للفرد كمترجم لسلوكه وارتباطه ذلك بطبيعة المجتمع وتركيبته الثقافية وتأثير ذلك كله على طبيعة الصراعات وتطورها.
لقد ظهر مفهوم ثقافة السلام في بدايته بعد الحرب العالمية الثانية تحت عنوان "بحوث السلام" ومن بعد تبنته منظمة الأمم المتحدة، غير أن هذا المفهوم قد تطور أخيراً في نهاية القرن الماضي وظهر ذلك في عدد من المؤتمرات والندوات والإعلانات ذات الصلة التي تناولت تحليل أبعاد هذا المفهوم ومرتكزاته وطرق تحقيقه، على اعتبار أن ثقافة السلام هي "ثقافة للتعايش والتشارك المبنية على مبادئ الحرية والعدالة والديمقراطية والتسامح والتضامن، هي ثقافة ترفض العنف وتدعو لحل المشاكل عن طريق الحوار والتفاوض كما حدد بيان موسكو بشأن السلام أهم مرتكزات ثقافة السلام فقد اعتمدت الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) برنامج ثقافة السلام (عام 1992) كإستراتيجية لبناء السلام والمصالحة في مرحلة ما بعد النزاعات. وفي عام 1996 أطلقت اليونسكو مفهوم ثقافة السلام وبالنسبة للمنظمة فإن هذا المفهوم يعني المكونات التالية :
1. إحلال اللاعنف محل القوة والعنف كآداب لإحداث التغيير.
2. تعبئة الناس لتشجيع التفاهم والاحترام، والتضامن.
3. إحلال نظم الديمقراطية الفعالة محل الأنظمة التراتبية أو الاقتصادية في الحكم.
4. وجود تدفق حر للمعلومات متوفر للجميع يحل محل احتكار بعض المجموعات للمعلومات.
5. إحلال ثقافة مبنية على التقاسم المتساوي للسلطة بين الرجال والنساء محل ثقافة السيطرة الذكرية.
- السلام هو أساساً احترام الحياة.
- السلام هو أكثر من نهاية الحروب المسلحة.
- السلام هو سلوك.
- السلام هو الاندماج الحقيقي للكائن الإنساني في مبادئ الحرية، والعدالة، والمساواة، والتضامن بين البشر.
- السلام هو تزاوج مزدوج بين الإنسانية والبشرية.
وهذه المرتكزات تتركز على مجموعة من القواعد هي :
- احترام الهوية الثقافية.
- الاهتمام بالتعليم من أجل التغيير وتعزيز القيم التي تدفع للسلام.
- الاهتمام بالمرأة أو ما يسمى "تأنيث الثقافة لإعطاء دور أكبر للنساء.
- الاهتمام بالشعب في مواجهة الدولة، وحقوق الإنسان في مواجهة أمن الدولة.
- التدريب والممارسة لتسوية النزاعات والوساطة في النظم المدرسية، وبين الموظفين واشتراك المجتمع المحلي.
- تضمين المناهج الدراسية معلومات عن الحركات الاجتماعية من أجل السلام واللاعنف والديمقراطية والتزامية العدالة.
إذ ركز المؤتمر الدولي المعني بالتعليم في جنيف أكتوبر 1994 على أهمية التعليم والمناهج الدراسية في خلق وعي بأهمية السلام ودوره في نشر ثقافته، كما تم الربط بين السلام والتنمية، فقد اعتبرت التنمية هي صمام الأمان للسلام ففي طريق التنمية يمكن رفع مستوى المعيشة والقضاء على الفقر والعديد من الأسباب المؤدية للصراع وهذا يتطلب تخصيص ميزانية أوسع لمشاريع التنمية بدلاً من تخصيصها للاحتياجات العسكرية.
والملاحظ على مفهوم ثقافة السلام :
إنه مفهوم مركب يجمع بين الثقافة والسلام كمضاف ومضاف إليه، والمفهوم المركزي هنا هو المضاف إليه أي السلم وقد تحدثن عن السلم وذكرنا أن السلام الإيجابي هو أكثر من مجد انتفاء العنف المسلح هو السلام المطلوب لأنه ينصرف إلى معالجة أسباب الصراع وحل المنازعات بالطرق السلمية، وفي نفس الوقت تعزيز مقومات السلم، أما الثقافة فإنها التي تنطوي على أبعاد ثقافية، فللثقافة دور مزدوج وبإمكانها أن تدفع للصراع أو العنف عندما تكون ثقافة عنف، وبهاذ المعنى فإن ثقافة السلم هي منظومة من القيم والمبادئ والمفاهيم والتوجهات والمواقف والسلوكيات التي تؤسس للسلم بمعناه الأشمل والأمثل وتشكل معاً مضمونه وتعمل على استثماره بما يساعد على حمايته وإنماءه واستمراره".
وبهذا المعنى فإن ثقافة السلم هي :
1. ليست ثقافية نظرية فحسب فهي قيم ومواقف ومشاعر واتجاهات عقلية.
2. لا توجد منفصلة عن الإطار الثقافي العام، بل هي تتداخل معه كما إنها نتاج للثقافة القائمة وانعكاس لها.
3. أن هناك روابط قوية بين السلام والديمقراطية والتنمية.
من هذا المعنى نستنتج أن عملية نشر ثقافة السلام بهذه المعاني تتطلب أكبر من مجرد حملات دعائية وشعارات رنانة وندوات ثقافية وعلمية بل تتطلب جهداً من نوع فريد يبدأ من مرحلة الصفر أي التربية وهنا تعتبر المرأة مسئولة مباشرة فيها فإذا ما اعتبرنا أن عملية نشر ثقافة السلام تمر بمراحل عدة حتى نصل للسلام المطلوب وإن هذه المراحل تبدأ من التربية فإن أول وأهم مراحل نشر ثقافة السلام يقع على عبء المرأة.
المحور الثاني : دور المرأة في التنشئة الاجتماعية :
للمرأة دور أساسي ورئيسي في عملية نشر ثقافة السلام، غير أن هذا يتطلب القبول بإعطائها هذا الدور، وأن تحرير المرأة والقبول بمشاركتها في الحياة العملية قد مر بمراحل عديدة خاصة في دولنا العربية حتى أنه فقي بعض الدول مازال تطور المرأة وتحريرها في مراحله الأولى، ذلك إن مشاركة المرأة على الصعيد الاقتصادي والسياسي تعترضه عوائق عدة وتتفاوت هذه العوائق من حيث التكوين الثقافي والتطور الاجتماعي في المجتمعات المختلفة، وحالياً ونحن نعلق آمال عريضة على دور المرأة في تعزيز ثقافة السلام علينا الانتباه أولاً إلى عدة أمور :
أولاً : علينا أن نحدد ما هو المطلوب من المرأة تحديداً أو بمعنى آخر ما هو الدور الذي نريد للمرأة أن تلعبه في هذه القضية، فتحديدنا للمطلوب من المرأة يساعد في كشف حقيقة ما يمكن أن يقف حالاً أمام قيامها بدورها، هذا يمكننا أن نرصد العوامل المساندة والمساعدة لها لتتمكن من القيام به بكفاءة.
ثانياً : يجب الاهتمام بمعوقات دور المرأة بشكل عام فالمناخ الفكري والثقافي السائد في المجتمع ودرجة التعليم عوامل من شأنها أن تخبرنا بمدى قبول أو رفض المجتمع لهذا الدور أو بمعنى آخر مدى جهوزيته لذلك وبالتالي ما الذي يمكن أن نفعله لنساعد على هذه الجهوزية.
ثالثاً : يجب التركيز على حملات التوعية على مستويين مستوى خاص يكون مركز على المرأة ذاتها لتوعيتها بما هو مطلوب منها، ومستوى عام يكون موجه إلى المجتمع ككل بجميع فئاته ليستوعب أهمية وفائدة ما تقوم عليه ثقافة السلام، وهنا يجب أن ننوه بأهمية الجهة المسئولة عن القيام بهذه الحملة، ما إذا كانت حكومية أو غير حكومية، ففي هذه الحالة قد لا يتم الالتفاف إلى الجهات الخاصة كثيراً، ولا تعطي أهمية كبيرة خاصة إذا كانت هذه الجهات نسائية، أما إذا كانت الجهة حكومية واتخذت في نشاطها طابع قومي، عندها تكتسب ثقل أكبر، كما أن الإمكانيات في هذه الحالة تكون أوسع وأشمل بشكل يخدم حملة التوعية وأهدافها، هذا لا يعني عدم أهمية المنظمات المحلية غير الحكومية، فهذه إن وجدت الدعم والإمكانية تكون عنصر فعال في هذه المسألة. ولكننا نقصد إن المنظمات الحكومية لها صدى أوسع وأشمل مما يمكننا من تحقيق أهداف الحملة بشكل أقوى وأسرع.
فهذه ثلاثة أمور علينا أن نأحذها في الحسبان عند تكليفنا للمرأة للقيام بدورها فالواقع الاجتماعي والفكري أمر مهم جداً في مناقشة أي قضية نود طرحها في المجتمع، كما أن الدور في حد ذاته قائم على منظومة فكرية خاصة بالفرد تقوم على قاعدة فكرية وثقافية سائدة في المجتم.
إن أهم أدوار المرأة على الإطلاق وأكثرها أهمية بل وخطورة، هو تربيتها للنشئ، إذ تقع المسئولية هنا على الأم أولاً ثم الأب، والتنشئة الاجتماعية للفرد هي مفتاح فكره وسلوكه وهي منبع أفكاره ومعتقداته كما تمثل الأسرة إطاراً لمنظومة القيم التي تشكل وعي الفرد وإدراكه بواقعه وطالما كان هذا الإطار متوازناً في الفكر والممارسة كان بالإمكان خلق شخصية سليمة ومنضبطة، وتقوم المنظمة الأسرية هذه على قيم الأم بالدرجة الأولى لكونها أكثر قرباً واتصالاً بأبنائها، فتعامل الأم مع أبنائها وتربيتها لهم هي مفتاح شخصيتهم، فحنان الأم وتعاطفها مع أبنائها ومدى مرونتها في التعامل معهم وإعطائها الفرصة للتعبير عن رغباتهم واحترام آرائهم وتوجيهم بلطف، يساعد على تكوين شخصيات متفهمة وديمقراطية وغير استبدادية، رحيمة غير عنيفة، كما تؤثر طبيعة الأم النفسية على التكوين النفسي للأبناء الذين يتأثرون بطريقة تعامل الأم مع الآخرين المحيطين بهم من أقارب وجيران وغرباء، فإذا كانت الأم شخصية منغلقة على نفسها خرج أبناءها انطوائيين يخافون من تكوين علاقات وصداقات اجتماعية جديدة، أما إذا كان الأم شخصية متفتحة وتفاعلية مع الآخرين خرج أبناءه ذي شخصية اجتماعية متفتحة. أما تعصب الأم وغرورها ينتج عنه أبناء متعصبين، رافضين للآخر ومشككين.
فأغلب المشاكل النفسية التي يعاني منها الفرد في حياته نتيجة لتربية مرحلة الطفولة وما مر به من أحداث، فالسنوات الخمس الأولى في حياة الفرد مرحلة بالغة الخطورة في تكوين شخصيته من الناحيتين الفكرية، والنفسية، وبعد أن يكبر الأبناء ويختلطون في محيط أكبر من الأم والأب والإخوة لا يتوقف تأثير الأم بل يستمر في مهمته، إذ يعمل هذا التأثير بشكل مستمر على ضمان استمرارية أثر التنشئة الأولى وحفظ منظومة القيم التي نشأ عليها. لذلك علق كثير من الباحثين في مجال علم النفس والاجتماع على أهمية التربية في تكوين شخصية الأمم، وراء كل أمة عظيمة تربية عظيمة ووراء كل أمة هابطة تربية هابطة أو متخلفة.
وهذا يعني ضرورة أن تسعى الأم إلى ممارسة دورها بشكل يحقق نتائجه التي يأملها المجتع. فعليها نشر ثقافة السلام أن تعمل على تعزيز قيم التعاون والتضامن في تربيتها لأبنائها في طريقة تعاملها معهم وترسخها في تعاملها مع الآخرين. فتمسك الأم بالتعاليم الدينية وقوة إيمانها واعتقادها في دينها ينعكس على مسلكها وتعاملاتها. مما يجعل أبناءها أكثر قرباً من قيم التسامح والتعاون والتضامن ونبذ العنف واحترام الآخرين، ذلك أن التعاليم الدينية غنية بالقيم والخصال الحميدة التي تعمل على غرسها في نفس المؤمن ليعمل بها كشروط من شروط الإيمان، فعن طريق تمسك الأم بهذه القيم يكون الشباب أكثر قرب منها. وعلى الرغم من أن الشباب في هذه المرحلة يكونون أكثر عرضة لمؤسسات التنشئة الأخرى كالمؤسسات التعليمية والإعلام وغيرها غير إلا أن دور الأم في هذه المرحلة هو التوجيه والإرشاد، والعودة بهم إلى جادة الصواب.
وتأسيساً على ما سبق فإن المرأة بشخصيتها وقيمها يمكنها أن تثقف الشباب بقيم ثقافة السلام غير أن هذا يتطلب ضرورة إعداد المرأة لأداء ذلك الدور وهذا الإعداد يجب أن يبدأ في مرحلة مبكرة أي للفتاة قبل الزواج فعن طريق الاهتمام بالتعليم أو بمعنى أدق المناهج الدراسية، لإعادة النظريات التربوية وتأسيسها بما يتفق مع الأصول والمصادر التربوية السلمية. هذا من جانب ومن جانب آخر، ضرورة أن تحتوي هذه المناهج على قيم ثقافة السلام، كالتسامح، التعاون، احترام الآخر، نبذ العنف وغيرها. والتعريف بأهميتها ودورها في بناء السلام حتى يتم توعية الفتيات بهذه القيم في مرحلة مبكرة ليتمكن من العمل بها في مرحلة لاحقة، وبهذه الطريقة فإن المناهج الدراسية ستؤدي دورين أساسين أولاهما، دور إعدادي للقيام بوظيفة التربية وثانيها توجيهي، إرشادي.
ولكن دور المرأة في مجال ثقافة السلام تعترضه عقبات عديدة (فيود) كما يتطلب شروط عددية، وهذه القيود يمكن تحليلها على أربعة مستويات :
• مستوى شخصي (ذاتي) يتعلق بذات المرأة نفسها.
• مستوى أسري : محيط الأسرة والعائلة.
• مستوى محلي وطني :
• مستوى دولي.
فبالنسبة للمستوى الأول :
هناك شخصيتان للمرأة الشخصية السلبية والشخصية الإيجابية، فالمرأة السلبية هي التي تعمل في حدود أقل من إمكانياتها. فهي تتميز بعدم الفعالية والضعف في مواجهة مشاكلها والاتكالية نتيجة عدم القدرة على إثبات الذات، هذا إلى جانب الشعور بعدم الاستقرار النفسي الذي مكنها من الانطلاق للعالم الخارجي بثقة وفاعلية، وهذه المرأة لا نتوقع منها الكير لتقوم به ذلك لأنها شبه عاجزة عن خدمة أهدافها فكيف بأهداف مجتمعها، وهذا النوع من النساء (الإتكالي) يمثل ثقل زائد في مشاكل المجتمع، وهذا لا يعني أن نستسلم لوجود هذه الشخصية، موإنما يجب علينا معالجتها وتحفيزهعا وذلك بالوقوف على الأسباب التي دفعتها للحالة السلبية التي هي عليها وكسبها كعضو فاعل في المجتمع، ومعالجة هذه الإشكالية يعني جهود مضاعفة لبرامج تحفيز المرأة للقيام بدورها في نشر ثقافة السلام.
أما الشخصية الثانية :
الإيجابية وهي التي تعمل لإظهار إمكانياتها وزيادتها، وهي الشخصية التي نتوجه إليها للقيام بالدور المطلوب فهي ذات فاعلة ونشاط، غير مستسلمة لأوضاعها تسعى جاهزة لتحسينها، وشخصية تحاول الاستفادة من ظروفها لتحسين واقعها فهذه يمكنها أن تساهم في خدمة مجتمعها ومعالجة سلبياته كما يمكنها أن تساهم في معالجة آثار الحرب وتهدئة الصراع، وبالتالي يمكنها القيام بدور في نشر ثقافة السلام.
هذا على المستوى الشخصي أما المستويات الثلاث الأخرى، الأسري والمحلي والدولي فإنها تحتوي قيوداً عدة، وهذه القيود تتفاوت من مجتمع لآخر وذلك حسب التكوين الثقافي للمجتمعات المختلفة، كما أنها تختلف في حد ذاتها من حالة لأخرى.
1. أن من أهم القيود التي تعترض دور المرأة هو النظرية الدونية لها، فمازالت بلادنا العربية أسيرة النظرة الموروثة للمرأة على أنها مخلوق في مستوى أدنى من الرجل فغلبة الذكورية داخل الأسرة والمجتمع أدت إلى إقصاء المرأة عن ميادين الخدمة العامة، الاجتماعية والسياسية بسبب هذه النظرة.
فإذا كنا نريد تمكين المرأة فعلينا أن نعالج عقلية الرجل أولاً، فقد ورد في وثيقة إعلان الإسكندرية للمؤتمر الرابع للمجلس القومي للمرأة والتي تضمنت 11 محور يشمل توصيات مختلفة لتحقيق الأهداف الإنمائية للألفية عن دور الثقافة إذ أوصى بأن تحقيق أهداف الألفية لن يكتب لها النجاح ما لم تتحول الثقافة إلى قوة دافعة للتغيير والانطلاق وتصحيح مفاهيم التمييز ضد المرأة، وذلك بوضع سياسة تهدف إلى نشر ثقافة المساواة والتسامح والاعتراف بالمرأة ودورها الاقتصادي والاجتماعي والسياسي. وأن يتم تضمين هذه السياسة ضمن المؤسسات التعليمية والإعلامية في المجتمع. وذلك لمواجهة المعوقات الاجتماعية والثقافية التي تحول دون تطوير قدرات المرأة ومشاركتها في تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية.
فالقضية ليست قضية تعليم المرأة وعملها فحسب إنما قضية الإطار الثقافي الذي يتحقق فيه هذا وذاك فهذا ينطوي على تهديد مستمر لمكاسب المرأة ولتقدمها في أي مجال كما يتلف مواهبها العظيمة ويقضي على طموحاتها. فسيادة الثقافة الذكورية في البنية الذهنية والسيكولوجية للمجتمع تكرس ظاهرة التمييز ضد المرأة وتضع قيوداً على المشاركة الفعلية للمرأة في البناء والتنمية التي هي أحد أسس السلام.
فكيف نطلب من المرأة أن تنشر ثقافة وهي نفسها ضحية ثقافة.
2. العنف والفقر : هذه الثنائية المأساوية التي تهدم طاقات المرأة فالعنف المنزلي وسوء المعاملة، فالعنف قد يكون نتيجة للفقر أو سيادة النظر الدونية للمرأة وفي الحالتين يمثل قيداً على عمل المرأة وحريتها في ممارسة دورها.
والحاجة قيد بإمكانها أن تهبط أي عزيمة، فهناك رابط بين العنف والفقر وهذا لا يعني عدم وجود العنف ضد النساء في الدول الغنية ولكن الفقر يعد سبباً قوياً من أسباب العنف فالظروف الاجتماعية القاسية التي تعيشها الأسرة الفقرة تمثل شكلاً أساسياً من أشكال العنف الاجتماعي الذي يعاد إنتاجه مرة أخرى داخل الأسرة بناءً على توزيع القوى الداخلية والخارجية فقد ذكر في تقرير الرابطة الديمقراطية لحقوق المرأة في المغرب إن ما يزيد على 96% م أعمال العنف ضد النساء ترتكب من طرف الزوج.
وفي دراسة لعادل مجاهد الشرجي، عن العنف العائلي ضد المرأة في اليمن أن أسباب العنف العائلي هو النظرة التمييزية القائمة على أساس الجنس، ويقدم تحليله للعلاقة بينهما من خلال منظورين رئيسيين هما : التوجهات الثقافية، وبناء السلطة العائلية. حيث يشرح فيهما علاقات النوع الاجتماعي والمستوى الاجتماعي والثقافي وتأثيرها على العنف ضد المرأة.
أما الفقر والذي تركد المؤشرات العالمية المتاحة حول الفقر بأنه يشكل أحد أخطر التحديات التي نواجهها في الألفية الثالثة خاصة ذلك الواقع على المرأة والذي عبرت عنه وثائق عالمية وعربية ومصطلح "تأنيث الفقر" فإنه يمثل أهم القيود على دور المرأة.
3. التعليم، فهناك تفاوت بين الجنسين في كل مراحل التعليم. فالتعليم أمر مهم وأساسي لتحقيق استفادة قصوى من المرأة فكيف نتوقع أن تربي الأم الجاهلة علماء؟ وكيف تربي الأم المضطهدة أحراراً؟ وكيف تربي الأم عديمة الشخصية أبناء ذوي شخصية قوية. فالتعليم والمعرفة هما السبيل لأي تنمية حقيقية وحرمان المراة من التعليم يعني حرمان المجتمع من التنمية، لذا يجب الاهتمام بتعليم المرأة ومحو الأمية فقد جاء في تقرير التنمية البشرية للأمم المتحدة عام 2004 أن نسبة الأمية في صفوف المرأة في العالم العربي تصل إلى 50%. وفي الألفية الثالثة ومع التطورات المذهلة في مجالات التكنولوجيا الحديثة وخاصة ثورة الاتصال والمعلومات فإن المرأة تواجه خطر الإقصاء بسبب انخراطها المحدود في العلوم، وفي التكوين التقني. وفي ظل ذلك لن يكون بإمكان المرأة أن تكون شريكة فاعلة في نشر ثقافة السلام.
4. انتشار الحركات الأصولية الدينية والفكرية. قد اتسم الخطاب الديني المعاصر برفض مظاهر التغيير التي أدت إلى تحول نوعي في وضيعة المرأة. كما طرح تصورات قمعية، تنادي بعودة المرأة إلى بيتها.
5. عدم تطبيق التشريعات الدولية التي تكفل حقوق المرأة السياسية والاجتماعية والإنسانية، فمازال التشريعات قاصرة في معظم البلاد العربية عن حماية المرأة ويقلل مساحة الممكن لديها.
6. ضعف دور مؤسسات المجتمع المدني في دول كثير سواء تلك الخاصة بالمرأة أو التي تهتم بالمجتمع بشكل عام عن القيام بدورها في توجيه وإرشاد وتثقيف المرأة بحقوقها وحل مشاكلها ورعايتها بنشر ثقافة السلام يحتاج لتوعية مكيفة للمرأة في كل مكان.
الشروط :
1. إصلاح وضع المرأة من خلال التشريعات الخاصة بها وهذا يتطلب وعي المرأة بحقوقها والدفاع عن قضاياها وهذا لا يتحقق إلا بشرط آخر وهو المعرفة والمشاركة الفعلية المتكافئة للمرأة في الواقع النظري والفكري وإزالة جميع أشكال التمييز التشريعي ضدها.
2. تحسين أوضاع البيئة الاجتماعية في البلاد العربية حتى يمكن الحديث عن دور للمرأة في بناء ثقافة. فهناك تعارض بين الأفكار النهضوية والتنويرية بخصوص المرأة مع الإطار الثقافي والاجتماعي فنجاح هذه الأفكار يشترط أن تتحول إلى ركن أساسي في الوعي الاجتماعي. إذَ كيف نطلب من المرأة أن تنشر ثقافة وهي ضحية ثقافة في كثير من المشاكل التي تعانيها، وهذا يتطلب أن نبدأ من البداية أي عن طريق التنشئة الاجتماعية التي تراعي الفوارق بين الجنسين والتدريب من أجل اللاعنف والمساواة والشراكة، مع التركيز بصفة خاصة على الفتيان والشبان. ويمكن عمل ذلك من خلال تخليص الكتب والمناهج الدراسية من الصور والنماذج النمطية التي تكرس التمييز ضد المرأة وتظهرها في أدوار معينة، فقد تضمن إعلان منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) في عام 1995 هذا المعنى في إطار العمل المتكامل بشأن التربية من جل السلام وحقوق الإنسان والديمقراطية. وذلك بتشجيع إعادة النظر في المناهج التعليمية. وضمان الاستفادة من الأطفال منذ سن مبكرة. من التعليم من القيم وأنماط السلوك بروح من الاحترام للكرامة الإنسانية والتسامح وعدم التمييز.
3. تحقيق التقدم على صعيد تعليم المرأة ومحو الأمية فبقد أشارت السيدة سوزان مبارك في اجتماع أعضاء مجلس إدارة حركة سوزان مبارك الدولية للمرأة في مايو 2008 إلى أهمية التعليم والوعي والمعرفة في تعزيز قيم السلام وتقدير قيمة التنوع والتعاون في عالم اليوم المتداخل، أما منظمة اليونسكو فقد اعتبرت التعليم أحد مرتكزات السلام والتغيير، ودعت إلى تنشيط الجهود الوطنية والتعاون الدولي لتعزيز أهداف التعليم للجميع لتحقيق الإنسانية والتنمية الاجتماعية والاقتصادية، وذلك بضمان المساواة في فرص الحصول على التعليم بالنسبة للمرأة ولاسيما الفتيات، فالتعليم حسب وجهة نظر المنظمة بإمكانه أن يكون مروجاً للسلام من خلال تطوير القيم والمهارات اللازمة التي تفضي إلى ثقافة السلام، بما في ذلك التعليم والتدريب في مجال تعزيز الحوار وبناء توافق الآراء، وتوسيع نطاق المبادرات الرامية إلى تعزيز ثقافة السلام التي تضطلع بها مؤسسات التعليم العالي في أنحاء العالم، كذلك التدريب والتعليم في مجالات منع الصراعات وتسوية المنازعات بالوسائل السلمية.
4. وللقضاء على العنف ضد المرأة، فإنه يجب توعية المرأة ذاتها بحقوقها من خلال نشر مفاهيم ومبادئ حقوق الإنسان للمرأة من خلال مجلات توعية شاملة ولفئات عمرية مختلفة بين الرجال والنساء وتقديم برامج توعية بذلك ومن وجهة نظر إسلامية صحيحة في بلادنا العربية تقوم بتصحيح التطورات الخاطئة التي استطاعت الثقافة القبلية تكريسها إلى درجة أن البعض لم يعد يستطيع تميزها عن التوجهات الإسلامية وأحكام الشريعة الإسلامية. هذا من جانب ومن جانب آخر يجب العمل على اتخاذ إجراءات شاملة واستراتيجيات ملائمة للقضاء على الفقر الذي يؤثر بشكل مباشر على عملية النهوض الاقتصادي بشكل عام وعلى أوضاع المرأة بشكل خاص، من خلال جهود وطنية ودولية وإدراج النساء في عملية التنمية لمكافحة الفقر، ففي هذا المجال هناك ضرورة لتكاثف الجهود الدولية التي تعالج هذه المسألة التي تعرضنا إليها سابقاً وهي مسألة (تأنيث الفقر)، فمازالت هذه المسألة لم تحظى باهتمام واسع في دولنا العربية لأنه ينظر إليه كمطلب غربي وأداة ضغط خارجية. دون النظر إلى حقيقة أنها ضرورة وطنية هامة للتنمية الاقتصادية والنهوض الاقتصادي .
5. ضرورة إشراك المجتمع المدني على الصعيد المحلي والإقليمي والوطني وتوسيع أنشطته المتعلقة بثقافة السلام خاصة تلك التي تتناول المرأة في برامجها. وتبادل المعلومات فيما بين المؤسسات الفاعلة لما قامت به من مبادرات في هذا الصدد. وهذا يتطلب تعبئة الموارد، بما في ذلك الموارد المالية في جانب الحكومات. فالإرادة السياسية يمكنها أن تثري هذا لبرامجها وتدعمها.
المحور الثالث : دور المنظمات الغير الحكومية في نشر ثقافة السلام :
تقوم المنظمات الغير حكومية المحلية والدولية في الدول المختلفة بدور ناشط في مجال نشر ثقافة السلام فنتيجة لعمل هذه المنظمات تم عولمة قضايا المرأة وأعيد النظر في المفاهيم التقليدية للمساواة، والعدالة، والتنمية، والسلام لتأخذ في الاعتبار، أبعاد الجندرية. كما تقوم هذه المنظمات على محاولة تأسيس الظروف الاجتماعية والسياسية لنشاطات بناء السلام الحكومية، ولا يسعنا المجال هنا للحديث بشكل موسع عن كم كبير من هذه المنظمات إلا أننا سنتحدث عن الملامح الإستراتيجية التي اتخذتها لتدعيم دور المرأة في هذا المجال.
فنتيجة للربط بين السلام والتنمية التي تعد مطلب ضروري لتحقيق السلام وتخفيف الصراع عملت المنظمات الغير حكومية على إدراك مفهوم المساواة النوعية في الحصول على الموارد الإنتاجية والتي عبر عنها مفهوم "الجندر" للتدليل على المشكلة الحقيقية في علاقة المرأة بالتنمية هي في الأساس مشكلة الأدوار التقليدية، هذا إلى جانب ظهور مفهوم (التمكين) في سياسات وبرامج المنظمات الغير حكومية والذي يعني الاعتراف بالمرأة كعنصر فاعل في التنمية من خلال تقوية قدرات المرأة عن طريق آليات تعمل على أن تمكنها من الاعتماد على نفسها وتوسيع نطاق فرص الخيارات والبدائل أمامها، حتى تمتلك المرأة عناصر القوة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والمعرفية وقد تم اعتماد هذا الأسلوب خلال ثلاث محاور :
أولها : امتلاك المعرفة للذات (بناء الوعي).
ثانيها : امتلاك الثقة الضرورية للعمل والإنجاز (بناء القدرات).
ثالثها : إشراك المرأة في الجماعة.
وعمدت لتنفيذ هذه المحاور من خلال :
1. ورش عمل وندوات ومؤتمرات تدعو لتوعية الرأي العام والتأثير على صانعي القرار ليتبنى هذا النظام.
2. حملات توعية مكثفة تتوجه لشرائح النساء المختلفة لحفزهن وتعبئتهن على المشاركة.
3. تبني برامج تدريبية وورش عمل تستهدف التأهيل السياسي والاجتماعي للمرأة.
4. التعاون بين الأجهزة الوطنية المعنية بشئون المرأة في الدول المختلفة والمنظمات الأهلية (التشبيك) وتطوير شبكات لتبادل الخبرات والموارد وربط القضايا المتعلقة بالسلام. التركيز على المرأة والسلام في برامجها.
5. وزيادة فاعلية النشاط المرتبطة بالسلام من خلال مشاركة النساء في كل مراحل العمليات السلمية والمفاوضات. ومشاركة المرأة في برامج التثقيف من أجل السلام. والدبلوماسية الوقائية، وبناء السلام ما بعد النزاعات.
6. إبراز ممارسات ومبادرات المرأة في بناء السلام على كل المستويات، على سبيل المثال في عام 1994، ساعدت اليونيفم أفويك في السودان في تمويل وتنظيم ورشة عمل أدارتها منظمة (صوت النساء السودنيات من أجل السلام) والتي اجتمعت خلالها نساء من الشمال والجنوب لوضع استراتيجيات من أجل السلام.
ونذكر من هذه المنظمات على سبيل المثال لا الحصر الرابطة الديمقراطية لحقوق المرأة في المغرب التي أنشأتها الحركة الاجتماعية للمساواة والمواطنة في المغرب فقد عملت هذه الرابطة من خلال مشروع المواطنة المسئولة على تحقيق المساواة بين الجنسين وتدعيم مشاركة المرأة السياسية والاجتماعية والسياسية من خلال عدة استراتيجيات.
أولاً : على المستوى الاجتماعي الحق في التعليم وتعميمه واتخاذ عقوبات زجرية في حالة حرمان المرأة من التعليم، وذلك برفع الموارد والإمكانيات المخصصة لمحاربة الأمية ونشر التوعية فيما يخص الصحة الإنجابية.
ثانياً : على المستوى القانوني، الحماية القانونية للمرأة وذلك بالحدث على مواصلة الإصلاحات القانونية وملائمتها للمعايير الدولية لحماية حقوق المرأة من كل أشكال التمييز والإقصاء والعنف.
ثالثاً : على المستوى الاقتصادي، حماية اقتصادية، تقليص البطالة وسط النساء، ومنح قروض للنساء المقاولات بفائدة منخفضة، ومحاربة الفقر والهشاشة وسط النساء بالعمل على إدماج المهن الخاصة بمهن في قانون العمل.
حركة سوزان مبارك الدولية للمرأة من أجل السلام. لقد اعتمدت هذه الحركة نشر الوعي والمعرفة باعتبارها حاجة إنسانية وركيزة من ركائز الأمن كإستراتيجية هامة لحفز المجتمع على نبذ العنف وتقدير التعاون والتضامن كقيمة إنسانية عظيمة وذلك من خلال العمل على خطين خط عمل تمثله إدارة الحركة وبرامجها المختلفة. وخط بحثي بالأساس يمثله معهد دراسات السلام التابع لها للقيام بالأبحاث والدراسات الخاصة بالسلام بالتعاون مع معاهد ومؤسسات متخصصة في هذا المجال إلى جانب البرامج التدريبية المتصلة بقضايا السلام وتقوم إستراتيجية عمل الحركة في هذا المجال على اتجاهين عام للمجتمع ككل، وخاص، موجه للمرأة، ففي الاتجاه العام تم التركيز على بعد الأمن الإنساني من خلال محورين:
أ ـ الشباب إذا ركزت الحركة في عام 2007 على الشباب كبعد إستراتيجي لتمكينهم كشركاء نشطين في جهود الشباب واتضح ذلك في المنتدى الدولي للشباب في مدينة شرم الشيخ في سبتمبر من العام نفسه وذلك لاستثمار طاقاتهم في نشر السلام.
ب ـ حملة مناهضة الاتجار بالبشر.
ج ـ توسيع نطاق المشاركة وبناء التحالفات ووسائل التوعية.
أما في الاتجاه الخاص فالحركة تعتبر المرأة مهندس للسلام وعملت على إقامة تحالفات عالمية بهذا الخصوص لتدعيم دور المرأة في نشر ثقافة السلام وحمايته ومناهضة الاتجار بالسناء والعنف ضد المرأة.
منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم اليونسكو أسست المنظمة في عام 1996، برنامج النساء وثقافة السلام كأداة لدمج الجندر في برنامج ثقافة السلام واعتمدت في هذا البرنامج على تثقيف الناس بحقوق الإنسان، والسلام، والديمقراطية، واللاعنف كمدخل لنشر ثقافة السلام. وحددت خطة عمل ترتكز على ثلاث أولويات :
1. دعم مبادرات النساء من أجل السلام.
2. تقوية المشاركة الفعالة للنساء في عمليات الديمقراطية وصنع السلام خصوصاً في مجالات السياسة والاقتصاد.
3. تعزيز علاقات المساواة بين الرجل والمرأة.
ونفذت ذلك في المشروع الخاص حول النساء وثقافة السلام في إفريقيا (1998-1993) كما اعتمدت أسلوب البرامج الإذاعية في السلفادور حول النساء والسلام والتي تم بثها على أكثر من ثلاثين محطة إذاعية في البلاد، هذا إلى جانب دعمها لمؤتمرات واجتماعات السلام مثل (اجتماع مجموعة الخبراء في مانيلا عام 195 من أجل إسهام المرأة في ثقافة السلام. وتعمل برامج اليونسكو هذه على التركيز على النساء كمساهمات وعاملات في التغيير من خلال التركيز عليهن والاستفادة منهن بدلاً من النظر إليها كضحايا. وذلك كشرط لتحقيق ثقافة السلام.