السلام وضمان الطبيعة له عند الفيلسوف كانط
رفقة رعد
يقف الفيلسوف كانط على قمة هرم الفلسفة الإنسانية عندما تكون محاولاته الفلسفية هي محاولات من أجل غاية نبيلة هي السلام الدائم، كمشروع كوني يخالف الحرب بكل معاييرها، على شكل معاهدة تنتظر التطبيق والتوقيع عليها من قبل الدول، منطلق من حق كل أنسان في عيش كريم وسط بيئة أمنة تحفظ له حياته.
كانط فيلسوف نتاج عصر التنوير، عصر صاغ المفاهيم العقلية لتكون نوراً لطريقٍ مظلمٍ عاشته القارة الاوربية زمناً طويلاً فكان مشروعه هذا نتاج لعصر تنويري ولمستقبل ينتظر التنوير بسلام دائم إلى يومنا هذا، على الرغم إن ما قدمه لم يكون خارج أطار الواقع أو بعيد عن المعقولية أو محاولة بناء يوتيبية إنما هو مشروع ذو طبيعة سياسية واقعية صاغت مبادئها من منظور أنساني سياسي وحتى ديني، فالعناية الآلهية أو كما يسميها كانط بالطبيعة هي المسبب والضامن الرئيسي للسلام، فقد هيأت للسلم من خلال قوانينها حينما يكون الفعل الطبيعي للإنسان هو فعل العنف والأنانية، هو ذات الفعل الذي يدفع الأنسان للبحث عن مأمن لحياته فيشرع للقانون الحامي لنفسه ولممتلكاته ذلك القانون المتمثل بالدستور الجمهوري لا غير الذي يفبرك حتى الميول الغرائزية الأنسانية وبالتالي يسوق السلام كحق مدني، فالحكومة الجمهورية قائمة في حكمها على مجموعة من النبلاء أو الأرستقراطيين الذين تمكنهم قدرتهم السياسية وميولهم الوطنية من تحقيق شروط السلام، بمقابل الدستور الديمقراطي الذي يريد الشعب بأغلبيته ان يكون فيه هو السيد.
أما ما يضمن حق الشعوب وفق ذات السياق فيتمثل في ما تفعلة الطبيعة في خلق المنافسة المستمرة بين دول العالم، و منبعها أختلاف اللغات وتنوع الاديان وهي ذات المنافسة الحيوية التي تحقق السلام بالتقرب بين الحضارات، ذلك التقارب والتمازج الذي يخلق تفاهماً. معاكس كانط بذلك كل نظريات تصادم الحضارات الحديثة التي نبأت بمستقبل صراعي عنفوي بين الحضارات الأسلامية من جهة والغربية من جهة اخرى.
أما الحق العالمي بالسلام يتحقق وسط ما توفره الطبيعة من عنصر التجارة العالمية التي لا تتوافق مع حل الحرب لأنها تخالف المصالح المشتركة، فالسياسة الدولية تقدر المال وقدرتهِ على تعطيل الحرب وتفعيل السلام. هذا الخيار الذي قال به الكثير من الفلاسفة أمثال مونتسكيو، كعامل رئيسي في وقف نزيف الدم بين الدول المتشاركة تجارياً.
أذن بين ثلاثية الحق( المدني ، الشعب، العالمي) وبين تداخلات الطبيعة وشروطها الآلهية، يكمن السلام فلم يكتفي كانط بطرح شروط سياسية بل ثقافتة الدينية وتربيته فرضت عليه أن يقدم لنا أسباب آلهية للسلم، ليتلبس المشروع بطابع يليق بكل مكنزمات العالم فإن كان لهذا المشروع النجاح فإنه لن يطبق وفق نوابع سياسية أو مجتمعية أو فلسفية خالصة بل من منابع دينية أعطى لها كانط كل الحق في أن تكون جزءاً من هذا المشروع.
السلام عند كانط رسالة لا تحتمل التأجيل وسط عصر متخم بالمتغيرات السياسية والفكرية، على الرغم من شخص كانط المنعزل والذاتوي فإن عقله المتنور جعل من نظرتهِ للسلام تأخذ متسع ليطال العالم أجمع لا فقط محيط سكناه، وهذا هو دور الفيلسوف الذي دعى اليه كانط في كتابهِ نحو السلام الدائم دور يأخذ على عاتقهِ التفلسف وتأخذ الدولة على عاتقها الاستماع.