الفرق بين السلام .. والسلام الأمريكي
حازم العظمة
فيما لا يكف النظام الإمبراطوري الأمريكي عن الحديث عن السلام يبتدع حروباً و يشن حروباً ، و يهيىء لحروب جديدة أبداً، و يحلم إحتياطياً بحروب في الفضاء ( فيما لو نفدت الحروب على الأرض ) كما في مشروع ريغان " حرب النجوم " ، حروب كهذه في الفضاء و بين الأكوان تروج لها مئات أفلام الخيال العلمي ، أفلام الخيال العلمي هذه ليست خيالاً و حسب إنها مشاريع قيد الإعداد ، نوع من " الحلم الأمريكي ” المستمر حيث الهيمنة الأمريكية تمتد بعيداً ...
إلى النجوم
العقلية- الإرث التي أدت إلى إجتياح أمريكا من شرق القارة إلى غربها و أدت إلى إعمال القتل في سكانها الأصليين ، في أكبر عملية للتطهير العرقي في التاريخ ، هي نفسها التي ما تزال تدفع هذه الثقافة ، هذه الحضارة إن شئتم
جذور هذه الثقافة الأبعد تعود إلى الإرث الأنغلوساكسوني ، القبائل الجرمانية المتوحشة ، التي قامت شهرتها على الرعب و إشتهرت أكثر ما إشتهرت بالذبح بدون تمييز لكل من و ما وصلت إليه ، أليس هذا ما كان سيرتها الهمجية أيضاً في أمريكا الهنود الحمر
هذه ليست عنصرية ، إنها وصف للواقع الفعلي ، و إذا كانت هذه العناصر في الإرث الثقافي الأنجلوساكسوني تبدو أبرز من غيرها فلأن أصحاب الإمبراطورية يغذونها بدون هوادة ( لأنها تناسب الإمبراطورية )، فيما الأفكار و النزعات و الميول الإنسانية هناك ، الأفكار التي تطمح إلى عالم متحضر حقاً و ينمو و يتطور في السلم ، عالم قائم على التعدد و على إدراك المصير المشترك لكل الشعوب ... ، أفكار كهذه تجري مكافحتها بصورة منهجية
ثمة الكثير جداً من العناصر و المكونات التقدمية أيضاً في الثقافة و الإرث الأنغلوساكسوني
فيما شعوب العالم بما في ذلك أقسام من الشعب الأمريكي تتطلع و تحلم بعالم يعيش في السلم منظروا الإمبراطورية الرسميو ن و من ورائهم أصحاب و جنود و مستخدمي و كتاب و خدم الإحتكارات و الكارتلات الكبرى من كافة الجنسيات فكرة السلم هذه لا تسبب لهم سوى الضجر
أين إذن سيكون الـ "action " و أين إذن سيكون الأبطال الخارقون مثل " رامبو" و من سيشتري الأسلحة الجديدة و من سيستهلكها و من سيجربها ( على العرب أو على الفيتناميين أو على أي شعب في العالم سيدافع عن حريته )
" مفكرون " !!! من طراز شاكر النابلسي ، على الأرجح اكتسبوا إعجابهم اللامحدود بـالأمريكي ،هذا الإعجاب الذي يساوي إعجاب المريد بشيخه في صف " الكتاتيب " ، هذا الإعجاب وصلهم من أفلام action من نوع " رامبو" هذا ، على الأقل هذا مستوى ما يكتبه و يوقعه بصفته " ليبرالياً "
كذلك تصيب فكرة السلم هذه بالضجر أصحاب نظرية "نمط الحياة الأمريكي " هذا النمط الذي فوق العالم و بغض النظر عنه و على حسابه و بعد إغراقه بالمذابح و بعد إعادته إلى عصور الظلام
"نمط الحياة الأمريكي "American way of life .. يعني في ما يعني 843 مركبة لكل ألف شخص في الولايات المتحدة و معدل إستهلاك للنفط يبلغ 44% من إستهلاك العالم كله ...
و ترفض الولايات المتحدة الأمريكي التوقيع على معاهدة كيوتو لأن ذلك يفسد " نمط الحياة الأمريكية "
" نمط الحياة الأمريكية " ليس شيئاً آخر سوى مصالح الإحتكارات ، بشكل أساسي مصالح إحتكارات النفط و إحتكارات صناعة السلاح ( أربح صناعة في العالم )
يقول الأمريكي إيان رتليدج في كتابه " العطش إلى النفط " :
"علاقة الأميركيين بالسيارة تعبر عن روح أميركية يراها مفكرون أميركان قائمة على الحرية والقوة والاستقلال والحركية والأهمية والانعتاق والمغامرة.ويندد هؤلاء بالنقد السائد لاستهلاك الطاقة لأنه يعني تخلي الأميركيين عن نمط حياتهم"
لهذا العراق و الخليج كله أساسي لـ " نمط الحياة الأمريكي "
لهذا ترسل الولايات المتحدة جنودها عبر آلاف الأميال إلى العراق و إلى غيره ، للسيطرة على منابع النفط و ليس من أجل "نشر الديموقراطية " ... لهذا المذابح و التطهير العرقي و الطائفي و " الصيد" المنهجي للفلسطينيين
لهذا نظريوا الإمبراطورية يحبرون الورق بكافة أنواع الترهات من نوع "صدام الحضارات " و يروجون لها بل و يصنعونها على الأرض لكي يجربوها و هي تعمل ، من أجل "حرية" التجارة ... أي حرية النهب و الإستغلال و الهيمنة و الإستيلاء و التوسع
ثقافة الحروب ... و " الفتوح " – المقابل بالعربية لـ " التوسع " expansionism : - هي أيضاً دأب الإسلاميين و
" المتأسلمين" و التي أساسها " هداية الكفار " بالقوة – إن لم يهتدوا بالحجة -
و في واقع الأمر أن التشابه مذهل من هذه الناحية ، بين الإمبراطوريين من جهة و بين " الإسلاميين" من طراز بن لادن وغيره ، الجهتان و إن من ركنين مختلفين يدعوان إلى حروب لا نهاية لها ، مرة بين "فسطاط حق" و "فسطاط باطل" ، بين "دار الإسلام " و دار "الكفار " و تارة بين "دول الخير" و " دول الشر " ، الدعوة إلى حروب لا تنتهي هي نفسها
ثمة حلف موضوعي بين هذين الطرفين أحدهما يجد أسباب بقائه في الآخر ...
التشابه نفسه ينسحب على أصحاب مملكة داوود و وهنا أيضاً ثمة الإرث الثقافي الهمجي نفسه الذي لكل الدول الدينية
فـ " يهوه " إن هو إلا إله حربي قديم لقبائل قام تاريخها ، ويقوم –في عالمنا المعاصر- على غزو الأقوام الأخرى و القبائل الأخرى و على ذبحهم
عندما تشاهدون الجنود يقرأون صلواتهم في التوراة ، و يهزون رؤوسهم في أثناء ذلك هزاً شديداً ( يحجون حجاً شديداً ) من أمام دبابة أو من عليها ، فلأنهم يطلبون من يهوه أن يحرق أعداءهم و أن يمحقهم محقاً .. ، نفس المهمة التي تقوم بها ، بكفاءة أكبر ، الأسلحة الأمريكية الفتاكة ( و ليس يهوه)
المسيحية بدورها ليست بعيدة عن هذا ، في أمريكا الجنوبية الغزاة الإسبان و البرتغاليين قتلوا عشرات الملايين من الهنود لـ " تخليص أرواحهم " .. ، الآن بوش يكلمه يسوع في أحلامه .. ، و ثمة غير هؤلاء " مسيحيون " كثر في هذا العصر ممن يريدون " تخليص أرواحنا " بنفس الطريقة ، و هم ليسوا من الشرق عادة ... كل ما هنالك أن طرق " الدعوة" تبدلت ، أصبحت الخطابات أقل صراحة ، أكثر خفاء و رياء ً
الأديان إن هي إلا الراية – الذريعة لنزعات الهيمنة و الغزو ، ما يحرك كل الحروب في العالم هو " المصالح" و عادة ما تكون على حساب الآخرين ، مصالح الأباطرة و الملوك و الطغاة و الإحتكارات لا مصالح الشعوب
في زمن ما، من مستقبل ما ، تلاميذ المدارس، من كل الجنسيات و من كل العروق و الثقافات ، سيتفرجون على الأسلحة في المتحف ، سيقال لهم هذه الأدوات كانت تستعمل في القتل ... في العصور الهمجية
قبل ذلك ستكون الإمبراطورية – الإمبراطوريات قد انتقلت هي أيضاً بدورها ... إلى المتحف