هل الكراهية أم الاعتراف بالآخر سبيل التعايش بين البشر؟
كاظم حبيب
في المقال الذي نشر لي حول كتاب الدكتور تيلو ساراتسين الموسوم "المانيا تنهي وجودها بنفسها", علق بعض الأخوة بملاحظات تستوجب المناقشة, إذ أنها ابتعدت عن مضمون الكتاب الذي واجه نقداً شديداً من منظمات المجتمع المدني والأحزاب ولاشخصيات الثقافية لما فيه من غثارة للأحقاد وخلفية عنصرية معادية للعرب والترك وغيرهم من المسلمين.ولا شك في أن الكتناب تضمن ملاحظات مهمة على سلوكية جمهرة من المسلمات والمسلمين المقيمين في ألمانيا او أوروبا وعلى الممارسات الدينية لهذه الجمهرة ومواقفها من الشعب الألماني وتقاليده وعاداته وثقافته. لقد وردت ملاحظات على مقالي تستوجب مني مناقشتها.
أسجل فيما يلي بعض الملاحظات الضرورية بهذا الصدد:
1 . ابتداءً لا بد من تسجيل إدانة صارمة وقاطعة لكل السلوك اللاإنساني والعدواني والعنصري الذي تعرض له المسيحيون, من كلدان وآشوريين وسريان, في العراق, أو في أي بلد عربي أو إسلامي على أيدي قوى الإسلام السياسية, المتطرفة منها وا"لمعتدلة. كما لا بد من إدانة تلك الجرائم التي ارتبكبت في العراق خلال الأعوام السبعة المنصرمة والتي لا يمكن ولا يجوز السكوت عنها. وقد أصدرت هيئة الدفاع عن أتباع الديانات والمذاهب الدينية في العراق, التي أتشرف بعضوية أمانتها العامة, بيانات شجب وإدانة لتلك الجرائم وحملت الحكومة العراقية مسؤولية ذلك بسبب عدم توفير الحماية ودعت الهيئة الحكومة العراقية إلى أداء واجبها بتوفير الحماية لكل المواطنات والمواطنين من أتباع الديانات الأخرى في العراق. وقد أدانت وشجبت كل الجرائم, سواء تلك التي ارتكبت في البصرة أم في بغداد أم في الموصل, وسواء تم قتل الناس أو تهجيرهم بالقوة والسيطرة على دورهم أم حرق الكنائس في بغداد والموصل, وفضحت خلفيتها العنصرية والتعصب الديني الأهوج والتمييز بين البشر.
2 . إن من الواجب تسجيل إدانة صارمة لكل محاولات اتهام الاخر بالتكفير والإساءة له او لدينه, إذ أن هذا تجاوز فظ على اتباع الأديان الأخرى وليس من حق أحد ممارسة ذلك. فالإنسان له الحق في اتباع أي دين او معتقد او فكر أو موقف يتخذه. وبالتالي محاول الإساءة لأتباع الديانات الأخرى بتكفيرهم مرفوضوة ومدانة في آن واحد. إذ أن هناك خللاً كبيرا في التربية الإسلامية والتعليم الديني في كل الدول العربية وفي كل الدول التي تُدعى بـ"الإسلامية" التي تبث الكراهية ضد الأديان واتباع الأديان الأخرى وتطلق عليهم عمداً بالكفار وهم ليسوا بكفار, بل هم موحدون. ويمس هذا الأمر أتباع الدانة اليهودية والمسيحية واديان أخرى. وهو أمر يجب أن يشجب بكل وضوح وصراحة وجرأة لأنه يؤجج الكراهية لا غير.إن التربية الإسلامية خاطئة جداً ومضرة وتثير الأحقاد والكراهية بين الناس.
3 . إن عمليات التهجير القسري أو ممارسة التهديد والقتل ضد العائلات المسيحية وأتباع الديانات الأخرى من غير المسلمين التي جرت ولا تزال تجري في العراق, والتي شملت المسلمين بسبب اختلاف المذاهب أيضاً, قد أدت إلى هجرة عدد كبير جداً من مسيحيات ومسيحيي العراق وكذلك الصابئة المندائيين والإيزيديين من أقضية الموصل إلى أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية وأستراليا وغيرها. وهي عمليات إجرامية أخرى ارتكبت بحق بنات وأبناء الوطن تمت إدانتها وشجبها بكل قوة من جانبي ومن جانب هيئة الدفاع أيضاً, واصدرنا الكثير من البيانات بهذا الصدد.
4 . إن الشعوب الإسلامية لم تعرف عملية تنوير إلى الآن, في حين عرفت المسيحية ذلك منذ عهد مارتين لوثر, وهو فارق كبير, ويتجلى في الموقف من الأديان الأخرى. وبالتالي فالدول العربية والإسلامية من الناحية الدينية تعيش قرونها الوسطى في هذا الصدد ولهذا نسمع الفتاوى البائسة التي تصدر عن شيوخ دين لا دين لهم حقاً. ولا شك في أن الفقه والشريعة الإسلامية تسمح بذلك
5 . إن الكراهية لا تعالج بالكراهية المضادة, بل يفترض النضال ضد الكراهية التي تثيرها قوى الإسلام السياسية المتطرفة و"المعتدلة" والتي لا تريد أن تسود المدنية والعلمانية في العلاقة بين الدين والدولة, أي فصل الدين عن الدولة, في الدول العربية وفي غيرها, وبالتالي لا تكون الدولة في مثل هذه الحالة حيادية, بل يمكن أن تكون ضد اتباع الديانات الأخرى. وهو الخطأ الذي تخلصت منه أوروبا مع عملية التنوير والتي لم تتخلص منه بسهولة وبسرعة, بل بعد أكثر من قرنين أو ثلاثة بعد ظهور مارتين لوثر.
6 . الحكومة والأحزاب والشخصيات الألمانية الاجتماعية والعلمية والأدبية او الثقافية وقفت كلها ضد ساراتسين لأنها تؤمن حضارياً بحقوق الإنسان وترفض العنصرية والكراهية بين الشعوب أو إثارة الصراعات بين أتباع الديانات المختلفة. والمجتمع الألماني يكره بغالبيته العنصرية والتمييز ضد الأجانب, من أي دين أو مذهب كانوا, فهم يعطون القيمة للإنسان اساساً بغض النظر عن دينه أو مذهبه أو عقيدته اياً كانت.
7 . علينا أن نرى بوضوح أن جميع المسلمين, اياً كانت قوميتهم أو جنسيتهم, جاءوا من دول غير ديمقراطية, بل هي مستبدة, وبالتالي فالبشر فيها لم يعرفوا في الغالب الأعم حقوق افنسان ولا التنوير ولا الثقافة الديمقراطية, وبالتالي فالكثير منهم يتصرف كما تعلم في بلاده, وهو تعليم سيء. إن إدراك ذلك يجعل من مهمة البلد المستقبل للاجئين والمهاجرين صعبة وثقيلة ولكنها كبيرة ومهمة, هي كيف يساعد هؤلاء البشر على التحول صوب الحضارة الإنسانية التي يعيشها الإنسان في الغرب ويتخلث من الثقافة البدائية والعشائرية والدينية المتخلفة والمتعصبة.
8 . غالبية المسلمين الترك الذين جاءوا إلى المانيا منذ العقد السابع من القرن العشرين للعمل فيها كانوا من الفلاحين ومن فئات اجتماعية متدينة ومتعصبة دينياً ومحافظة فكرياً وسياسياً واجتماعياً على الطريقة العثمانية المتخلفة, وبالتالي كان لذلك تأثيره السلبي على سلوكهم في المجتمع. والكثير منهم قد تغير, وكذا العرب المسلمين. ولهذا فالنقاط الثمانية موجودة لدى جمهرة كبيرة من المسلمين, ولكن ليست موجودة لدى كل المسلمين. وهنا العيب الذي يرتكبه سارتسين ايضاً. ولذلك ينبغي أن لا يسقط الإنسان بنفس الخطيئة التي يرتكبها المتخلفون من المسلمين إزاء اتباع الديانات الأخرى.
9 . أحس بعمق بالعوامل التي تدفع إلى هذه الحدة في التعبير عن مواقف البعض من المعلقين من مسلمين ومسيحيين, ولكن هل ينفع أن نتخذ مثل هذا الموقف أم يزيد الطين بلة. علينا أن نبذل الجهد كل الجهد لتغيير أوضاع هؤلاء باتجاه تحترام أتباع الديانات المختلفة وتناغمهم مع عادات وتقاليد المجتمعات الأوروبية وتربيتهم بما يسهم في تحسين مواقفهم إزاء الآخر.
10 . من يعرفني ومن قرأ كتاباتي يعرف بأني بعيد كل البعد عن القضايا الدينية والغيبية, إنسان مدني وعلماني وأسعى في أن أكون حراً وديمقراطياً, ولكني أحترم حق الآخر في أتباع الأديان, فهذا اختياره. ولكني اساهم بنقد الدين والفكر الديني معاً. ولكن لا أثير الأحقاد بين اتباع الديانات بل أتصدى لها وارفضها. اشعر بوجود سوء فهم في طريقة التعبير عن رفضكم لما يجري في العراق أو في الدول العربية, فأنا ارفض ذلك ايضاً وأدينه وأُدين كل الذين يمارسونه في العراق أو يسكتون عنه, ولكن لا أعمم المسائل.
11 . إن الكراهية تمنع الإنسان عن رؤية العوامل التي دفعتني إلى نقد تيلو ساراتسين, رغم أني قلت بأن هناك ما يفترض أن ينتقد في سلوك الكثير من المسلمين, ولكن لا يجوز التعميم. فهناك الكثير من المسلمين المدنيين والعلمانيين الذين يرفضون التجاوز على اتباع الديانات الأخرى ويرفضون السلوك الشائن إزاء الألمان أو إزاء العمل أو إزاء الدين المسيحي واتباع الديانة المسيحية السمحاء, وهم نقاد للدين الإسلامي أو الفكر الديني الإسلامي, ولكني أرفض التصنيف الجيني الذي يمارسه ساراتسين إزاء الشعوب اثنيتهم أو وفق أديانهم.
شكراً لمن شارك في التعليق وإثارة الحوار من النساء والرجال.