وهم التعايش الإسلامي القبطي
سلمان محمد شناوة
هل هناك تعايش أسلامي – قبطي حقيقي , أم إن هذا التعايش مجرد وهم , نخدع به أنفسنا سواء كنا مسلمين أو مسيحيين , حتى نخلق وهم التعايش بيننا , أم الوطن المستبد هو الذي يجبرنا على التعايش بقوة الحديد والنار , وما إن ينفرط الوطن سواء بقوة محتل جديد مثل الحالة العراقية , أو بفعل ثورة جميلة ومجيدة مثل ثورة 25 يناير في مصر , نعود إلى طبيعتنا الحقيقية وهي حالة الاحتقان بين الأطراف والمفروض أنهم قبل الأمس القريب متعايشون بشكل جميل , يزور احدنا الأخر في أفراحه وأتراحه , نتجاور بالصفوف الدراسية , والجامعية تكون لنا نفس المطالب , ونتحمل نفس الواجبات تحت رداء المواطنة الجميل ....
كيف نحلل أحداث إمبابة والتي تم فيها حرق كنيسة وقتل عديدون في مكان عبادتهم , وهذه الأماكن يذكر بها اسم الله كثيراً , فكيف تتحول المواطنة بالأمس , وهذا التعايش , إلى هذا الشكل الفظيع من الحقد والقتل إلى درجة يسقط بها أكثر 12 فتيلا من الطرفيين .
هل تكفي الدعوات والتي أطلقها أكثر من واحد مثل عمرو موسى حين قال يجب إن يكون هناك اجتماع إسلامي – قبطي على أعلى مستوى لإيقاف مثل هذه الأحداث , هل يكفي إن نخرج على شاشة الفضائيات ونحن نقبل بعضنا ونقول للناس , كم هي الوحدة جميلة , ولا مكان للفتنة الطائفية بنا , والقلوب فيها ما فيها , وتحت الهشيم يوجد جمر ونار وحريق وكثير من الملفات والتي تثير الكثير من الأحقاد المدفونة, هل تستطيع مثل هذه الدعوات إيقاف النار , والتي تنتشر في الأوساط السلفية والقبطية المتشدده والتي تغذي الكراهية والعزلة بين الطرفين .
لازالت الأخبار تصل إلى الشارع مثل حادثة كاميليا شحاته وغيرها تثير الرجل العادي , هذه الإخبار دائما تحرك الجمر في القلوب وفي الزوايا المخفية وتشتعل النيران هنا وهناك , ربما في أول مرة يشعر بها السلفيون انهم قوة حرة لا قيد عليها , وإنهم يجب إن يثبت لهم وجود ويحسب لهم كل حساب , وكانت هذه الحادث من نبه الشارع المصري إن هناك قوة سلفية لا زالت بالشارع مسيطرة , وتزداد سلطتها على إحياء فقيرة كثيرة , خصوصا حين غابت القوة الحكومية القديمة , المستبدة نعم , ولا شك , ولكنها كانت في نفس الوقت تكبح جماح قوة كبيرة ورهيبة في قاع البنية التحتية المصرية تغذيها عوامل كثيرة من فقر وبطالة , وفقدان العدالة الاجتماعية , وآمل كبير في قيام خلافة أسلامية تولد من جديد , وتغذيها الأحلام القديمة , وتوجيهات ونصائح وخطب كثير من الشيوخ , والذين لا يفهمون الاعتدال أو التعايش مع الفئات والطوائف الأخرى بناء على حقيقة المواطنة , بل كل أفكارهم وكتبهم وخطبهم وقادتهم وعلمائهم تبشر بدولة الخلافة يكون بها الأقباط والمسيحيون والطوائف والأقليات الأخرى وحتى المسلمون المخالفون مثل الشيعة , يكونون أهل ذمة يدفعون الجزية وهم صاغرون , أو يغيبون بفعل الفتاوى المتشددة والتي تصدر من وقت لأخر .
ماهي أسباب الذي حدث ؟.... الأطراف لا زالت محتقنة وبشدة وغير منضبطة تماما , بحيث اتصال هاتفي يقول إن احدي المسلمات مسجونة في احد الأديرة أو احدي الكنائس , حتى تهب الصرخات والدعوات للتجمع , لإنقاذ مسلمة من تحت اسر العدو الصليبي , وتنتشر الدعوة بسرعة كبيرة , ويتجمع عشرات الأفراد وكأنهم في حرب , وهم كذلك فعلا , فلم يعد الأخر القبطي في هذه اللحظة , شريك وطن , ولم يعد الأخر القبطي مشروع تعايش بحق , وإذا حدث خلاف , تحله المحاكم المدنية , ويلجأ المتضرر إلى القضاء كأبناء وطن واحد , كل هذا سقط بلحظة الدعوة لإنقاذ امرأة مسلمة من أسر الصليبي المعتدي , في لحظة واحدة تسقط أسطورة التعايش السلمي , والجوار , والمواطنة , تسقط العقول , ويتسيد شي أخر مختلف تماما , تتسيد القوة المجهولة والتي تقوم بقوة كمارد ويغذيها دعوة القتال والجهاد , وضرورة تسيد العنصر المسلم , وننسى الدولة المدنية ونعود إلى كل أحاديث عصر النبوة والخلافة الأولى , حيث كان الناس ينقسمون إلى مسلمين وأهل ذمة , والأقباط لا حق لهم علينا سوى الحماية حين يدفعون الجزية , ويعيشون بسلام مؤدب جدا , مع الأكثرية الإسلامية المسيطرة .
اعتقد إن من أهم أسباب الاحتقان الموجود بين المسلمين والأقباط , هو نظرة كل منا إلى الأخر , والعقلية الدينية المتوارثة حول كثير من المواضيع وأهمها قضية زواج المسلم من مسيحية , فالمعلوم إن الدين الإسلامي يجيز إن يتزوج المسلم من الكتابية وهي المسيحية واليهودية , لأنهم أصحاب كتاب سماوي , والرأي في ذلك إن المرأة وأبناءها تتبع دين الرجل , ولا يجيز أبدا إن تتزوج المسلمة من ديانة أخرى مثل اليهودي ولا المسيحي , والرأي في ذلك إن المرأة وأبناءها سوف تتبع ديانة الزوج كما قلنا , ولكن إن رغبت المرأة المسلمة بديانة زوجها المسيحي , ساعتها يكون عليها حد الردة , والجانب الملاحظ الأخر إن زواج الرجل من مسيحية به كثير من الفخر لدى الجانب المسلم , لأن هداية احد الأشخاص إلى الدين الإسلامي به كثير من الفضل ومن الثواب .
كثير من الشباب المسلم يلجئون إلى إقناع فتيات مسيحيات باعتناق الدين الإسلامي , وترغيبهن بالزواج من الشباب المسلم , لما في ذلك من لهداية والدعوة إلى الله ونشر الدين الإسلامي , في أوساط المسيحيين , أو كما قالوا من هدى إنسان كمن هدى الناس جميعا , وهذا فيه من الثواب والفضل الكبير , لذلك نرى كثير من الدعاة وخطباء المساجد , يحثون على هذا الجانب لدى الشباب المسلم , وما إن ينجح احد الشباب بالزواج من كتابية , حتى يصبح مثل الانتصار الكبير ؟ وهو في الحقيقة انتصار مفقود في ساحات القتال المحرمة إمام الشباب المسلم بسبب طغيان الدولة المدنية وغيابه فريضة مهمة لديهم وهي فريضة الجهاد .
لكن كيف نرى الموضوع من الجانب المسيحي , الحقيقة إن الجانب المسيحي , لا يرضى أبدا ولا يوافق أن إحدى بناته تتزوج من شخص خارج الملة , وفي هذا عار كبير يقع على العائلة والمجتمع المسيحي , لذلك نجده يرفض ويقاوم هذا الفعل بكل الطرق , فإذا اعتنقت إحدى الفتيات المسيحيات الدين الإسلامي , يلجئون لكل الطرق لا قناعها بالعدول عن هذا الفعل , بما في ذلك وسائل الترغيب والترهيب والإقناع والحجز أحيانا في الكنيسة أو ما يسمونه بيت الرب لثني الفتاة عن عزمها .
لكن الوضع الجديد للفتاة واعتناقها الدين الإسلامي تصبح هي ذاتها فرادا من مجتمع أسلامي ويضيف عليها حماية المجتمع المسلم , فعملية مثل اللقاء مع الفتاة ومحاولة إقناعها بالعدول عن رأيها , وأخيرا حجزها في الكنيسة يعتبر امرأ مشروعا في الجانب المسيحي هو اعتداء صارخ على فرد مسلم , لذلك نرى كم هي الدعوات والصرخات من هذا النوع تسبب زلزال حقيقي يدمر القشرة الصغيرة من التعايش الإسلامي المسيحي وتولد فتنة تؤدي إلى قتلى ودماء كثيرة .
التعايش يعني إن يرضى احدنا بالأخر كما هو , نرضى بدينه وعرقه وجنسه وعاداته وتقاليده, ونعتبرها واجبة الاحترام , ولا نحاول أبدا إن نلجأ إلى أي وسيلة ممكنة لإقناع الأخر بترك دينه أو عادته وتقاليده , واحترام الأخر يعني إلا نحاول بأي طريقة لإقناع أفراد من المجتمع الأخر , مثل الفتيات أو الشبان الصغار وإقناعهم باعتناق ديننا أو تقاليدنا الغريبة بكل تأكيد عن تقاليد الأخر , فهل نستطيع ذلك ؟
والسؤال هو كيف أستطاع المجتمع لم الجميع خلال الثمانين سنة السابقة بظل الدولة القطرية ذات الحكم المستبد , ولم تستطيع إن تجمعهم بظل الديمقراطية الحديثة وثورة الشعب , ماهو الخلل الذي حدث وتسبب بتعالي الصوت السلفي من الجانب المسلم وتعالي الصوت المتشدد من الجانب القبطي ؟
أسئلة كثيرة تحتاج إلى إجابات حقيقية , ونحتاج إلى كثير من اللقاءات والتي تبحث في أسباب الخلافات والاتفاق على خطوط حمراء يجب إلا يتجاوزها احد الإطراف من ملة معينة ضد الملة الأخرى , نحتاج إلى الاعتراف بأخطائنا , مع ملاحظة إن معظم الشيوخ ورجال الدين المسيحيين والذين يتم اللقاء بهم على شاشات الفضائيات تأخذهم العزة بالإثم بالقوة , ولا يعترف احدهم بالأخطاء والتي أوصلتنا إلى حالة الاحتقان الطائفي هذا . هناك كثير من الملفات الشائكة , كثير من المسكوت عنه , ولكنه يسبب كثير من الأوجاع والألم , من حق المجتمع القبطي إن يعيش بسلام مع المجتمع المسلم , لكن يجب الضرب بقوة على أيدي المتشددين سواء من الجانب القبطي أو الجانب الإسلامي , واعتقد إن المعايشة ضرورة لعصر اليوم , وهذه المعايشة تتطلب الكثير من العمل والمحافظة على روح التعايش بالمجتمع .